قمع نضال أساتذة-ات التعاقد المفروض: لأجل أن يكون للقمع ما بعده
أثار قمع الدولة لأساتذة التعاقد المفروض موجة استنكار شعبي عارم. لقد استفزت صور القمع، المسلط على أجساد متظاهرين يمارسون حقهم في التنظيم النقابي، شعورا شعبيا واسعا لازال يحفظ للمعلم مكانة التقدير، امتنانا لدوره في تعليم الأجيال وتربيتها، مكانة مازالت حية رغم حملات الدولة الإعلامية لتشويه شغيلة التعليم، وتقديمهم كجسم يبتلع المالية العمومية، ولا يكف عن طلب المزيد ويتهرب من العمل. لقد أبانت فترة الحجر الصحي أهمية المدرسة العمومية وكشفت دور شغيلة المدرسة للمجتمع.
أسباب قمع الدولة لنضالات شغيلة التعليم وغاياته
ليس قمع الدولة لشغيلة التعليم وليد اليوم، بل قديم قدم نضالاتها ضد سياسة الدولة. يكفي القول إن أول انتفاضة حضرية بعد الاستقلال انفجرت ردا على سياسة الدولة في التعليم سنة 23 مارس 1965 بالدار البيضاء، ولاحقا دور النقابات التعليمية كمحرك للنضالات العمالية والشعبية منذ سنوات السبعينات. وطيلة تلك الفترة تعرضت الشغيلة لمراقبة جواسيس الدولة، وتعرضت المقرات للحصار وطرد نقابيون من العمل واعتقل عديدون.
آخر موجات القمع البارزة استهدف الأساتذة المتدربين، الذين بعد صمود حققوا الانتصار رغم تضحيات بسبب ضحايا القمع وحالات الترسيب الجائرة المفضية للطرد.
إن التنازلات الجزئية والقمع المباشر بشتى أنواعه هما واجهتان لسياسة الدولة المصرة على فرض الهشاشة على الشغيلة حديثة الالتحاق بالعمل، وتقويض مكاسب انتزعتها أجيال مقابل تضحيات عظيمة. ليس عنف الدولة تهور شخص، ولا إساءة تقدير من جهة ما، بل سياسية واعية جوهرها الإصرار على تنفيذ مخطط المؤسسات المالية الدولية القاضية بضرورة القضاء على العمل الرسمي القار في الوظيفة العمومية وتعميم العمل بالعقدة. باب مشرع إلى جهنم الهشاشة واستنساخ أوضاع القطاع الخاص حيث الاستغلال البشع للشغيلة والانتهاك الصارخ لأبسط الحقوق. بل إن أوضاع شغيلة الحراسة والنظافة والمطاعم في التعليم العمومي، بعد تفويتها للقطاع الخاص، تقدم صورة واضحة عن الدرك السحيق الذي ستهوى إليه أوضاع الشغيلة حالما يترسخ التشغيل بالعقدة. طالما استمرت النضالات الرافضة لسياسة الدولة، وطالما توجد معارضة نقابية قوية، فإنها ستكرر المحاولات لهزم تلك المعارضة العمالية، وستلجأ لكل التكتيكات التي تصل بها إلى تنفيذ سياستها العدوانية سواء بوعود وتنازلات جزئية أو بتهديد وقمع سافر.
يرتبط النضال لأجل اسقاط التشغيل بالتعاقد ولأجل تلبية مطالب كل شغيلة التعليم بالدفاع عن الحريات الديمقراطية، ومنها الحق في ممارسة الحريات النقابية، وبالتالي رفض كل أشكال التضييق والعنف الجسدي والمعنوي الذي تمارسه أجهزة الدولة سواء الرسمية أو عبر مرتزقة بلطجية.
إن المتابعات القضائية للمناضلين/ ات بسبب آرائهم حول نضالاتهم، أو منع حق السفر، والسب والشتم، وشتى الاهانات التي يتعرض لها المحتجون، انتهاءً بالضرب والرفس والاعتقال التي ترتكبها مختلف أجهزة الدولة، كلها تعري حقيقة الحريات في مملكة الصمت المفروض، وتعكس حقيقة شعب يرزح تحث حكم مستبد خلف وصلات دعاية ليست إلا اشهارا كاذبا يُسوق خارجيا.
حتى يكون للقمع المدان ما بعده
الاستياء الواسع من عمليات السلخ الذي انهال على أساتذة التعاقد المفروض تم التعبير عنه بسلسلة بيانات نقابية وجمعوية تندد بالقمع.، كما تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة غضب عارم تطالب باحترام كرامة الأساتذة ات، والكف عن قمعهم., وانتشرت دعوات تلاميذ الثانويات للتحرك والتضامن مع أساتذتهم، بعدها دعت نقابات تعليمية إلى إضرابات وطنية خلال أيام 22/ 23/ 24 مارس2021.
يجدر الذكر أن ذلك يأتي في سياق خوض فئات أخرى من شغيلة التعليم نضالات عديدة، كما الحال بالنسبة للشغيلة حاملي الشهادات، وهيئات سلك الإدارة التربوية التي نالت حظها من التجاهل والوعود الخادعة وقمع الدولة المباشر. تعاني هذه النضالات، رغم استماتتها وحماسة المعنيين في النضال لأجل مطالبهم من قصور خطير، دليل ضعف جوهري تستغله الدولة لتفلت من الضغط. يكمن هذا الضعف في مرض الفئوية العضال الذي يضرب أسوارا من العزلة بين شغيلة تعليم لا فرق بينهم إلا تنوع أوضاعها فيما يوحدهم انتمائهم لنفس المعسكر الذي تقصفه الدولة بسياستها الظالمة، وتنهال عليه نفس عصى القمع وتمرغ كرامته في التراب. إذا كانت التنسيقيات أمرا قائما أفرزته أوضاع المنظمات النقابية، فيجب ألا يكون ذلك مبررا لدق إسفين الفرقة والتشتت الذي يخدم عدو شغيلة التعليم عموما.
يجب أن تكون الدينامية النضالية التي تفجرت عقب قمع المدرسين المفروض عليهم التعاقد نقطة البدء لكسر العزلة الفئوية، و والكف عن خوض معارك بجيش مشتت تخطط كل فرقة بمعزل عن الأخرى. لا تفضي التضحيات الكبيرة إلى زحزحة الخصم. إنه يستفيد من أخطائنا ليتحمل ضغطنا ويرد عليه بضربات قمعية أو مناورات تزيد في إرباك صفوفنا. نعم هي حرب طبقية لها أساليبها وأدواتها على أن نكون ممسكين بزمامه لطرح العدو أرضا وإجباره على التنازل بقوتنا.
علينا البدء بتوحيد الأجندة النضالية، وجعل الإضرابات تخاض في وقت متزامن ، والحرص على جعل المعارك المركزية في نفس التوقيت. طالما أن بناء ميزان القوى وحده هو ما سيأتي بالمطالب، علينا قبل كل معركة تنظيم حملة إعداد من القاعدة بحملات توضيح تستهدف الشغيلة في أماكن العمل وتعبئة لخوض معركة جماعية دفاعا عن مطالب كل شغيلة التعليم، ودفاعا عن المدرسة العمومية. معركة عابرة للنقابات وللتنسيقيات، تستند على لجان إضراب في المؤسسات، وتنتخب لجانا إقليمية وجهوية وتفرز قيادة مركزية. معركة لا تقتصر على مجرد تسوية أوضاع ضحايا السياسة الطبقية، بل تتضمن مطالب جوهرية لم يعد يجرى الحديث عنها منها الزيادة في الأجور بعد انصرام عشر سنوات بالكمال عن آخر زيادة دات قيمة في سياق 20 فبراير2011 علما أن الزيادة في أجور الموظفين طبقا للاتفاق الموقع في 25 أبريل 2019 رفضتها النقابات لكونها لا تلبى مطالب الشغيلة ، واسترجاع الاقتطاعات المتتالية التي تفقر الشغيلة وكذا مطلب رفع نسبة التعويض عن المعاش للمحالين على التعاقد التي تتسع قاعدتهم بسبب بلوغ أعداد كبيرة سن التقاعد، كما التعويض عن المهام والمناطق النائية وخفض سن تقاعد ألنساء… الخ.
إن للسياق العام الذي تخاض فيه النضالات دورا في تحديد نتيجتها الأخيرة. ولا شك أن الأزمة الاجتماعية التي تحتد من جراء سياسة الدولة، التي حمَّلت العمال وجماهير الكادحين فاتورة الحجر الصحي وتركتهم يواجهون كارثة من الانحدار الاجتماعي، تجعل تأثير نضالات شغيلة التعليم محفزا لباقي ضحايا سياسة الدولة لتقف بدورها للنضال ضد ظروف القهر التي تسحقها يوميا.
الدولة واعية بهذا البعد، ما يجعل قوة نضالات الشغيلة تقاس بما يتجاوز أسوار مؤسسات التعليم إلى التأثير على المزاج الشعبي العام. إن الشهور المتبقية من الموسم الدراسي، واستعدادات الدولة لتجديد واجهة الحكم، يمثل ظرفية مناسبة لمعركة قوية على أرضية ملف مطلبي شامل. هذا بشرط امتلاك جماعي لمنظور يقطع مع الأساليب المعتادة التي تهدر القوة المنبعثة من القاعدة في مناوشات تنتهي بجلسات في الديوان الوزاري وببلاغات مشتركة قبل صد الأبواب بعد تنفيس الغضب.
لقد انتهت الدينامية النضالية التي التفت حولها الشغيلة التعليمية في 2019 دون تلبية المطالب الأساسية التي كانت دافعا للنضال، وكان للأمر تداعيات أهمها عودت الشغيلة إلى حجراتها خائبة.
إن تحصين مكاسب الشغيلة التعليم من أخطر ما يهددها، المتمثل في فرض العمل بالعقدة ، ورفع الظلم عن الفئات التي أُقصيت من حقوق ثابتة، وتحسين أوضاع شغيلة التعليم، العاملين والمتقاعدين على السواء، يفرض وجوبا خوض معركة فاصلة بصفوف متراصة تشمل عموم الشغيلة، ومن أجل ملف مطلبي شامل. هذا وحده ما يمثل ردا بليغا على قمع الدولة وانتهاكها لكرامة الأساتذة والأستاذات، وانتقاما يشفى غليلنا ويلملم جراحنا ببلسم النصر على دولة لا ترى فينا الا رعايا مأمورين بالطاعة لا شغيلة أسياد أنفسهم.
فليختبروا قوتنا الجبارة حين نتحد
بقلم: حسن أ.
اقرأ أيضا