حذار! خطة الدولة لترسيخ نظام التعاقد سائرة على قدم وساق
بقلم: وائل المراكشي
بعد خمس سنوات من الشروع في تشغيل الأساتذة- ات بموجب عقود (بعد إرساء نمط التوظيف هذا على فئات أخرى من بداية سنوات 2000)، لا زال نضال المفروض عليهم- هن التعاقد متواصلا.
لكن وجب الإقرار بأن النضال لحدود الآن لم يقم إلا بإبطاء الأوجه الأكثر شراسة من الهجوم (سهولة التخلص من الأساتذة- ات: الإعفاء دون إشعار أو تعويض)، لكنه تَقدم في جوانب أخرى: استمرار التوظيف بالتعاقد للموسم الخامس، وشمول التوظيف بموجب عقود لأقسام أخرى من شغيلة التعليم (أجراء الإدارة التربوية والدعم التربوي والاجتماعي وملحقي- ات الاقتصاد)، فضلا عن هجمات أخرى لا تقل خطورة (التعليم عن بعد والتناوب والتعلم الذاتي).
مع مرور الزمن تنكشف أضاليل الدولة/ الوزارة، وتبدو شعارات المطابقة والمماثلة و”إسقاط التعاقد منذ مارس 2019″ على حقيقتها: استمرار نظام التعاقد المدمر للشغل القار والمكثف للاستغلال.
استأنف المفروض عليهم- هن التعاقد المعركة التي أوقفتها مؤقتا جائحة كورونا وظرفية الطوارئ الصحية. ومعية فئات أخرى من أجراء قطاع التعليم (الإدارة التربوية، وفئات أخرى من أجراء التدريس) بدأت معركة مستمرة منذ يناير 2021. بلغ عدد الفئات المحتجة لحدود الساعة 26 فئة، تأتي في مقدمتها الإدارة التربوية التي تهدد بمقاطعة الامتحانات وأساتذة- ات التعاقد المفروض مع برنامج نضالي قوي طيلة شهر أبريل واعتصام بالرباط وإضراب يجري تمديده لحملة الشهادات.
لكن الفئة الأقدر على الاستمرار هي شغيلة التعاقد المفروض، ليس فقط بحكم عددها (أكثر من 100 ألف) بل أيضا لقوة الرهان بينها وبين الدولة: القضاء نهائيا على نمط التوظيف العمومي المركزي القار أو الحفاظ عليه. ولهذا فإن خطة الدولة سترتكز على هذه الأخيرة قمعا حينا ومناورات أحيانا.
لهذا فإن الدولة تُعدُّ سيناريوهاتها للتعامل مع معركة شغيلة التعليم بكل فئاتها، وعلى رأسها شغيلة التعاقد المفروض.
تفكيك الالتقاء النضالي
بعد سنوات من الحرص على عزل النضالات وفئويتها والتذرع بخصوصية كل ملف، فرضت حدة هجوم الدولة على القطاع التقاء نضاليا بالصدفة لا بالاتفاق سلفا. وكان إضراب 22 و23 و24 مارس ناجحا إذ أصبحت المؤسسات شبه خالية. وما أسهم في نجاح الإضراب هو مشاركة أجراء الإدارة التربوية وإعلانهم رفض مسك لوائح المضربين. لقد كان إضرابا وحدويا ولكن بشكل غير معلن وغير متفق عليه.
سابقة تاريخية (1)
كان لإضراب 3 يناير الوحدوي 2019 وقع كبير أجبر الدولة على استدعاء قيادات النقابات “للحوار” بعد إصرار على رفضه، وحل بعض الملفات الجزئية على رأسها ترقية فوج الكرامة، وحل جزئي لملف الزنزانة 9 وضحايا النظامين. لكن مع إجراءات عقابية مست بالدرجة الأولى هيئة التفتيش والإدارة التربوية. وقد أدت تلك الإجراءات إلى انفراد الدولة بالإضراب المديد لتنسيقية التعاقد المفروض ورده على أعقابه بمناورة حوار ووعود، ولكن أيضا بقمع قاسٍ نتج عنه سقوط عبد الله حجيلي شهيدا.
قد تكرر الدول تلك السابقة
ستسعى الدولة مرة أخرى لتفكيك هذه الوحدة غير المعلنة داخل جسم شغيلة التعليم. وقد بادرت بإجراءات عقابية ضد الإدارة التربوية، فقد تأكد لها أن انخراط هذه الأخيرة في النضال والإضراب حافز إضافي لانخراط بقية الفئات، وقد بدأت الدولة فعلا ذلك بإعفاء مديرين رفضا مسك لوائح المضربين.
لكن الدولة لن تكتفي بالإجراءات العقابية والقمع التي قد تزيد النضال تأجيجا. والدولة لا تستفيد من حدة الانقسام بين الفئات وحسب، بل حتى داخل نفس الفئة. وقد تستجيب لبعض مطالب الإدارة التربوية خصوصا الترقية والإلحاق مع وعد جديد بإصدار مرسوم، لضمان رجوع الإدارة التربوية عن الإضراب وتأمين عمل المنظومة خصوصا الإعداد والإشراف على الامتحانات.
مناورات في مواجهة تنسيقية التعاقد المفروض
لكن الملف الأكثر حدة هو ملف الأساتذة- ات الذين فُرض عليهم- هن التعاقد. كان النقاش السائد، طيلة الموسم السابق، مركزا على الجانب القانوني: الترسيم ليس من صلاحيات الأكاديميات الجهوية، الأنظمة الأساسية للأكاديميات تفتقد للحجية القانونية.
إلا أن الدولة كانت تُعد عدتها منذ زمن بعيد، وستُظهر تنفيذ تلك العدة على أنه استجابة لاعتراضات ومطالبات المفروض عليهم- هن التعاقد.
أصدرت الوزارة في فبراير 2020 وثيقة تحمل عنوان “حافظة مشاريع تفعيل مضامين القانون- الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي”، وضمنتها إجراءات لتثبيت ما أطلقت عليه “خيارا استراتيجيا” أي التوظيف الجهوي الذي يندرج في إطار “إرساء اللاتمركز الإداري” و”الجهوية المتقدمة”.
يتحدث المشروع 15 من الحقيبة عن “اعتماد تدبير جهوي للموارد البشرية في انسجام مع النهج اللامتمركز لمنظومة التربية والتكوين، ومع توجهات الجهوية المتقدمة، من خلال:
– استكمال تفويض الاختصاصات للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين… لمواكبة عملية تفويض أو نقل الاختصاصات التي ما زالت تدبر على المستوى المركزي، وذلك عن طريق تفعيل آليات التأطير والمعيرة والتقييم.
– توفر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين على مواردها البشرية واستقلالية تدبيرها من خلال وضع نظام أساسي خاص بموظفي الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والعمل به، مع الحرص على مواكبة الأكاديميات بالتأطير اللازم لتنزيل أمثل لمقتضياته، والعمل على توفير الموارد البشرية اللازمة.
كما يتحدث عن “الاتفاق حول هندسة ومضامين النظام الأساسي الخاص بموظفي الأكاديمية، وإصدار مرسوم بشأن النظام الأساسي بالجريدة الرسمية داخل آجال معقولة”.
ستجيب إذن الدولة على الاعتراضات القانونية بما يسير في نفس اتجاه هجومها: مراجعة النظام الأساسي للأكاديميات الجهوية بما يتيح لها “َصلاحية ترسيم هيئة التدريس” وإصدار الأنظمة الأساسية على هيئة مرسوم تشريعي.
طبعا سيكون ذلك انتصارا جزئيا لمعركة شغيلة التعاقد المفروض، فتثبيت وضع قانوني أفضل دائما من وضعية غير قانونية تتيح للمشغل (الأكاديميات) حرية التصرف في علاقة الشغل. ولكنه ليس انتصارا كليا ما دام إسقاط مخطط التعاقد والإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية عالقا.
سيعتبر ذلك أيضا كبوة مؤقتة للخيار الاستراتيجي للدولة. فمشروع هذه الأخيرة هو نزع كلي للتقنين والضبط عن علاقات الشغل، وإضفاء المرونة والحركية القصوى على شغيلتها. ولكن الدولة مستعدة دائما للتنازل عن الجزئيات من أجل تمرير الجوهري في الهجوم: توظيف جهوي بمرسوم للقضاء النهائي على التوظيف العمومي الممركز.
نفس الشيء يمكن أن يحدث مع صندوق التقاعد، فالتركيز على أن المشكل قائم بالدرجة الأولى في إلحاق شغيلة التعاقد المفروض بالصندوق الجماعي لمنح رواتب التقاعد (RCAR) دون إدراجه في النضال ضد الهجوم على الحق في التقاعد، يسير في نفس اتجاه هجوم الدولة بتوحيد صناديق التقاعد، ما دامت الإصلاحات المقياسية (رفع سن التقاعد، تغيير نسبة احتساب المعاش، زيادة نسبة الاقتطاع) ستنفي الاختلافات بين الصندوقين. وهكذا ستبدو إحدى الهجمات التي تخطط لها الدولة منذ زمن كأنها استجابة لمطالب الأساتذة- ات.
الحذر من الإجماع المزيف واجبٌ
بعد القمع الأخير في الرباط، أصبحت فجأة قضية أساتذة- ات التعاقد المفروض قضية رأي عام، تتناولها وسائل الإعلام الخاص، ولكن أيضا العمومية التابعة للدولة. الكل يعترف بالطابع المشروع والعادل لقضية هذه الفئة وعرفانا بتمسكها بسلمية الاحتجاجات. لكن التاريخ علمنا أن القضية التي يتفق عليها الكل لا يُخلصُ لها الجميع.
سابقة تاريخية (2)
بعد قمع الأساتذة- ات المتدربين بمركز إنزكان موسم 2015- 2016 ، وما أثاره من شجب وتضامن شعبيين، انطلقت موجة كبيرة من الاهتمام الإعلامي والأكاديمي بقضية فوج الكرامة آنذاك. وتدخل أساتذة جامعيون، وإعلاميون بارزون، وانتقدوا طريقة تدبير الوزارة (وليس الدولة طبعا) لملف ذلك الفوج. وانتهت التأوهات والتضامن المرائي باقتراح مبادرة وساطة انتهت برجوع الفوج عن إضرابهم المفتوح وفي نفس الوقت تنصل الدولة عن التزامها بنجاح الفوج كله.
نفس الشيء نراه حاليا بعد القمع الأخير بالرباط. لكن الاتجاه العام للتضامن الأكاديمي والإعلامي هو تركيز قصف الانتقاد على شخص الوزير وفشله وسوء تدبيره للمنظومة، مع التأكيد على ضرورة الحوار، عكس الاحتجاج الذي يهدد الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي. ومطلب هؤلاء: “توفير الشروط والظروف الأمثل لتطبيق التعاقد سيرا على نهج الدول التي تحترم نفسها”. وستظهر مبادرات الوساطة لا محالة، والحذر واجب إزاءها، إلا إن كان المرء يُلدغ من الجحر مرتين.
لا حل خارج وحدة ضحايا هجوم الدولة
طريق الجحيم مفروش دائما بالنوايا الحسنة. وأي انجرار وراء الدعوات المنافقة لحل الملف بالحوار سيعيد إنتاج مآسي تتكرر منذ سنوات: حدة الهجوم، انطلاق النضال، القمع، التضامن، الحوار، نزع فتيل الاحتجاج، هجوم أقسى.
رغم الالتقاء النضالي بالصدفة في إضراب مارس الأخير، لا زالت فئات شغيلة التعليم مصرة على تسطير برامج نضالية منفردة. وفي هذا نقطة الضعف الأساسية التي تتيح للدولة رد الاحتجاج على أعقابه.
ستظل مهمة توحيد نضالات شغيلة التعليم ومجمل الوظيفة العمومية قائمة ولا تخضع للتقادم. وإن الإصرار على تفاديها لا يعني أنها ستزول من جدول أعمال النضال، وبعد كل شوط كفاح وتراجع ستظل ماثلة للعيان.
إن ما يجري تصويره على أنه أقرب طريق للانتصار (عزل الملفات المطلبية عن بعضها) هو أقرب طريق للهزيمة، وسيكون من تبديد القوى النضالية وتفويت الفرص سلوك نفس الطريق.
علينا البدء بما سبق وأثبت فعاليته في بداية سنة 2019 وبشكل عاجل لقاء وطني لممثلي التنسيقيات ونقابات القطاع من أجل تسطير برنامج نضالي موحد، يوازيه التقاء من أسفل على المستويات المحلية والجهوية لحفز الشغيلة على المزيد من الصمود والإعداد لإضراب يشمل مجمل الشغيلة.
هيئة موظفين واحدة. ملف مطلبي واحد. نضال موحد.
اقرأ أيضا