مقلاةُ غلاء أسعار تكوي كادحي المغرب
بقلم: وائل المراكشي
في عز أزمة اجتماعية متفاقمة إثر استمرار الأزمة الاقتصادية التي فجرتها جائحة كوفيد- 19، وإصرار الدولة على «تدبيرها» بمنظور أرباب الأعمال وتحميل أكلافها للشغيلة وصغار المنتجين- ات، ورد في تقرير للمندوبية السامية للتخطيط بعنوان «وضعية سوق الشغل خلال سنة 2020»: «في عام 2020، (…)، فَقَد الاقتصاد الوطني 432 ألف وظيفة مقابل خلق 165 ألف وظيفة في عام 2019». [1].
في ظل ذلك، شهدت أثمان مادة حيوية لاستهلاك كادحي- ات البلد زيادات صاروخية: 10 دراهم على 5 لترات من زيت المائدة، أي بنسبة تتراوح بين %10 و%15.
تتذرع شركات الزيوت بـ»ارتفاع أسعار النباتات الزيتية في الأسواق العالمية، خاصة وأن الإنتاج الوطني لا يلبي الطلب، وبالتالي يتم اللجوء إلى الاستيراد»، مكرسة فكرة الانفتاح على السوق الخارجية وكأنه تنزيل لا حول لنا ولا قوة إلا التسليم به.
إن عدم كفاية «الإنتاج الوطني» ناتجٌ عن سياسة واعية قائمة على تدمير الفلاحة المحلية والتركيز على منتوجات تسويقية يوجَّهُ معظمها نحو التصدير حاملة معها ملايين أطنان المياه إلى بلدان المركز الرأسمالي. إنها- إذن- نتاج التفريط في السيادة الغذائية للبلد الذي أضحى ينتج ما لا يستهلك، ويُفْرِط في استهلاك ما لا ينتج.
في حين أن التكيف مع أسعار السوق العالمية، ناتج عن تدمير آليات ضبط هذه السوق التي كانت تقوم الدولة بموجبها بدور المُعَدِّل، بإزالة الحواجز الجمركية انضباطا لاتفاقيات التبادل الحر والشراكة الحرة، فضلا عن تصفية شركات الاستيراد التابعة للقطاع العام، وفتح المجال للمستورِدين الخواص الحريصين على هوامش ربحهم، بينما تُلقى هوامش زيادة الأسعار على كاهل جيوب المستهلِكين- ات. وكان لإلغاء دعم مواد الاستهلاك الأساسية المأمور به من طرف صندوق النقد الدولي، دورٌ كبير في إطلاق تضخم الأسعار منذ عقود من الزمن.
زيتُ المائدة مادةٌ وسيطة أساسية في استهلاك كادحي- ات البلد، ولذلك فإن أي زيادة ستؤدي إلى إطلاق سلسلة زيادات في مواد استهلاك أخرى: الحلويات والفطائر والمأكولات الجاهزة.
تأتي هذه الزيادات في سياق الدعاية الإعلامية الضخمة المتعلقة بـ»إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية»، كي تكون «أكثر فعالية وأكثر استهدافا للفقراء» بمفاهيم البنك العالمي. وضمن هذا «الورش الاجتماعي» كما يُطلق عليه نفاقا (إلى جانب «تعميم التغطية الصحية…) هناك ادعاءُ دعمِ القدرة الشرائية عبر السجل الاجتماعي لتوجيه مبالغ محددة الاستهداف إلى شرائح بعينها من المفقرين. وكان هذا المبرر وراء إلغاء الدعم عن مواد الاستهلاك الأساسية وتصفية صندوق المقاصة تحت ذريعة أنه غير منصف وتستفيد منه الطبقات الغنية أكثر من الفقيرة.
ستقضم الزيادة في أسعار زيت المائدة، والزيادات المتوقعة مستقبلا في مواد أخرى (إن لم يقف رد الفعل العمالي والشعبي في وجهها)، أجورَ الشغيلة ومداخيل باقي الطبقات الشعبية (صغارُ المنتجين- ات بالقرى والمدن)، في حين تتضخم حصة الرأسماليين وكبار الوسطاء والمضاربين وشركات الاستيراد من الثروة التي تنتجها الشغيلة.
تجارب النضال ضد غلاء الأسعار
نهض كادحو المغرب بشكل دوري لمواجهة واقع لم يعد قابلا للتحمل. فالانسحاق في أعمال شاقة تعصرهم دون أدنى حقوق أساسية وبأجور متدنية تجعل من أي زيادة في الضرائب وأسعار مواد الاستهلاك تقهقرا شديدا لأوضاعهم المعيشية.
فجَّر هذا انتفاضات شعبية في المدن جوبهت بقمع دموي (انتفاضة 20 يونيو 1981، 19 يناير 1984، 14 ديسمبر 1990). كما برزت نضالات ضد الغلاء أهمها تنسيقيات ضد غلاء الأسعار 2007- 2008، ونضالات ضد غلاء أسعار الماء والكهرباء أهمها نضالات بوعرفة لمقاطعة أداء فواتير المياه لمدة ثلاث سنوات ونصف من 2006-2010… وسيدي يوسف بن علي بمراكش 29 مارس 2012 ضد غلاء أسعار الكهرباء والاحتجاجات الشعبية الضخمة ضد شركة أمانديس بطنجة 2015، وقبلها نضالات ساكنة يعقوب المنصور ضد شركة ريضال الاستعمارية 2002-2003.
كانت حملة مقاطعة ثلاث شركات كبرى (ماء سيدي على، شركة أفريقيا للمحروقات، منتوجات سانطرال)، آخر ابداعات مقاومة جشع رأسماليين ينهبون الشعب بألف حيلة وحيلة. نجحت المقاومة في ابطاء الهجوم دون القدرة على وقفه، فسرعان ما يجد طريقه للتنفيذ معمقا تدهور أوضاع عيش غالبية الشعب الكادح… يستمر الهجوم، يستمر النضال ضده حتى انتصار.
كيف نحمي القدرة الشرائية
علينا الدفاع داخل المنظمات النقابية عن أحد أهم المطالب المركزية لحماية القدرة الشرائية للشغيلة: السُّلم المتحرك للأسعار والأجور. يشكل ربط الأجور بالأسعار أحد وسائل حماية دخل الأجراء من الانهيار. تعمد الدولة إلى تقديم زيادات هزيلة في أجور العمال وترفع الأسعار بنسب كبيرة وتسلط الضرائب والاقتطاعات من الأجور. ونظرا لارتفاع البطالة الجماهيرية وكونها من الخصائص البنيوية للاقتصاد المغربي فان النضال لأجل التعويض عن البطالة ولأجل دخل للجميع أمر لا مفر منه لحماية شغيلة يرفض النظام الاقتصادي أن يوفر لها مناصب عمل.
وضعت تصفية صندوق المقاصة شغيلةَ المغرب تحت رحمة لهيب الأسعار في السوق العالمية دون الاستفادة من تراجعها بسبب ألاعيب الشركات الكبرى، ويعمق تحرير سعر صرف الدرهم المشكل ويجعل غلاء الأسعار واردا بشكل دائم.
إن النضال لأجل استمرار صندوق المقاصة وإضافة كل المواد الأساسية إلى لائحة المواد التي يدعمها وأن يمول بفرض الضريبة على الثروة، نقطة برنامجية على جدول النضال العمال والشعبي.
لا حل خارج النضال العمالي والشعبي
اضطرت الدولة تحت لفح سياط الانتفاضات الإقليمية سنة 2011، وامتدادها المحلي المتمثل في حركة 20 فبراير وما وازاها من دينامية نضال اجتماعية، الى رفع ميزانية الدعم بشكل ملموس حيث ارتفعت من 4 مليار درهم خلال سنة 2002 لتصل إلى 49 مليار درهم في سنة 2011 و56 مليار درهم في سنة 2012.
وفي سنة 2018، أجبرت حملة مقاطعة شعبية انطلقت من وسائل التواصل الاجتماعي وانتقلت جزئيا إلى الواقع، الشركات الرأسمالية التي استهدفتها هذه المقاطعة، إلى تخفيض أثمان منتوجاتها، إضافة إلى أساليب احتيال لتخفيف الأضرار (تغيير اسم المنتوج، عروض…).
يستغل أرباب العمل ودولتهم ظروف الطوارئ الصحية التي يجري تمديدها بشكل مصطنع، رغم ادعاءات التغلب على انتشار الجائحة وتراجع الإصابات والوفيات، من أجل تحميل الشغيلة والكادحين- ات كلفة الخروج من الزمة الاقتصادية، وفي الآن ذاتهم كبح الاحتجاج.
تتعدد جبهات الهجوم على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للشعب. تمثل الزيادة في أسعار زيت المائدة مناوشة صغيرة مقارنة بما يعده الرأسماليون ودولتهم مستقبلا من هجمات، ولا يمكن ردها إلا بتظافر الديناميات العمالية والشعبية القائمة في الميدان وتعبيراتها الإعلامية (وسائل التواصل الاجتماعي) التي أصبحت تلعب دورا كبيرا في إطلاقها ونسج سبل التواصل والتضامن بينها.
لنناضل من أجل سياسة اجتماعية تحمى القدرة الشرائية للأجراء وتُمكِّن قسمها المعطل من حد أدنى من الدخل، سياسة قائمة على التحكم في قوانين السوق العمياء في أفق إسقاطها، بدل أن نكون- نحن البشر- أدوات لا حول ولا قوة لنا إزاءها: سياسة دعم عمومية تتحمل كلفتَها طبقةُ الرأسماليين عبر ضرائب تراكمية على الثروة والأرباح، استعادة الإشراف العمومي على الاستيراد والتصدير، وسياسة سيادة غذائية قائمة على دعم الفلاح الصغير والقطع مع الفلاحة التصديرية.[1] https://www.hcp.ma/La-situation-du-marche-du-travail-en-2020_a2650.html
اقرأ أيضا