المدرسة والرأسمال: مائتا سنة من الاضطرابات والتناقضات،
نيكو هيرت
لماذا «تقرر» في بداية القرن التاسع عشر ضرورة إرسال أطفال الشعب إلى المدرسة؟ كيف تطورت، منذ ذلك الحين، العلاقات المعقدة بين النظام الاقتصادي والنظام التعليمي في البلدان الرأسمالية؟ ما الوظائف الموكلة إلى المدرسة في هذه البلدان؟ كيف جرى الانتقال من أداة أيديولوجية أساسا إلى الجهاز الحالي الذي عليه تكوين اليد العاملة؟ هذه هي بعض الأسئلة التي نجيب عليها في هذا الملف الضخم؟
بمناسبة دورة دراسية قدمت مؤخرا لمعلمي وأساتذة المستقبل، سألتهم فجأة؟ «ما الغرض من المدرسة إذا»؟ لماذا يجبر الأطفال إلى الجلوس ساعات طويلة يوميا على مقاعد قسم دراسي؟ وكانت الإجابات على الشكل التالي: «لتكوين مواطنين مسؤولين»، و«لتمكين كل واحد من أخذ مكانه في المجتمع»، و«للتحرر»، و«لفتح العقول»، و«لمنح الشباب فرص اختيار مسارهم بشكل واع»، و«لضمان تكافؤ الفرص»…
آه أيها الطيبون! لقد حفظوا دروسهم بشكل جيد! بعد بضع دقائق كنت توقفت عن تلقي سيل الأجوبة. قلت: «كل هذا جيد جدًا، لكن هذا ليس ما كنت أطلبه منكم إطلاقا». ظهرت خيبة أمل وذهول واضح! أكدت والحالة هذه: «كان السؤال: “ما هدف المدرسة؟” وليس: ما الهدف الذي تريدون أن تشتغل من أجله المدرسة؟»…
وشرحت لهم الفرق بين التطلعات والخطابات والوظائف. إن التطلعات التي قد نتوقعها من المدرسة هي بالضرورة ذاتية وتتأثر بتجربتنا والقيم التي ندافع عنها وقناعاتنا الأيديولوجية وموقعنا الاجتماعي. إن ما يلقيه كل واحد من خطابات حول المدرسة قد تشكل انعكاسًا أميناً إلى هذا الحد أو ذاك، لهذه التطلعات؛ لكن قد تعبر أيضا عن العكس، على سبيل المثال حين الادلاء بمبررات لتمويه أو تشويه ما نعتقده حقاً. وأخيرًا، لا تذكر وظائف المدرسة ما أود أن تفعله المدرسة ولكن ما تفعله المدرسة بالفعل. إنها معطى موضوعي، مستقل عن تطلعاتنا وخطاباتنا. للكشف عنها، علينا أن نتصور المدرسة، ليس كابتكار واع لعدد لبعض الأشخاص، ولكن كنتاج ضروري لتطور المجتمع. كما تبدو أعضاؤنا -اليد والساقين والعينين … – ووظائفها- الاستيعاب والمشي والرؤية … – اليوم إلى حد ما كنتاج ضروري للتطور البيولوجي.
لذلك فإنني أدعوكم هنا إلى تاريخ فريد إلى حد ما لأنظمة التعليم. أولاً لأن التغيرات القائمة في المدرسة لن تفسر عبر نزوات علماء التربية أو طموحات السياسيين، ولكن عبر تطور الظروف المادية التي يفرضها تنظيم مجتمعاتنا وتناقضاتها: العلوم والتكنولوجيا وأثرها على علاقات الإنتاج. ثانيًا، لأنه على عكس جميع العادات في هذا الصدد، لن أعود إلى العصور القديمة. من أثينا وأسبرطة إلى عصر التنوير، يمثل تاريخ المدرسة الممأسسة institutionnalisée، تاريخ تكوين النخب الاجتماعية والسياسية. مع استثناءات نادرة، لم يذهب عبيد روما ولا فلاحو منطقة فلاندرز أو والونيا في القرن الثامن عشر إلى المدرسة. والحال أن تمدرس «أبناء الشعب» هو الذي أريد الاهتمام به. فهم أصله وتغيراته، لإدراك أفضل لما يمر به اليوم من تحولات. يبدأ هذا التاريخ مع الثورة الصناعية.
الأسر القروية الكبيرة وتعلم العامل: عندما كانت تسير التنشئة الاجتماعية والتكوين جنبا إلى جنب
قبل الثورة الصناعية، لم تكن الغالبية الساحقة من أطفال الفئات الشعبية يلجون المدرسة. في بلجيكا، تشير دراسة تغطي الفترة الممتدة من سنوات 1779 إلى 1792 إلى أن نسبة 39٪ من الرجال و 63٪ من النساء، في المدن والريف معا، كانوا غير قادرين على التوقيع بطريقة لا تخالف وضع علامة أسفل عقود الزواج أو شهادات المعمودية في الكنيسة. [برونيل، كلود. المدرسة الابتدائية في بلجيكا منذ العصور الوسطى، فهرس المعرض. بروكسلCGER، 1986]. ومع ذلك، كان الأمر يتعلق بوضع استثنائي نسبيًا في أوروبا. وفي الوقت نفسه، في منطقة فيين العليا (منطقة ليموج)، وقعت نسبة 8.2% فقط من الرجال ونسبة 5% من النساء على شهادة زواجهم. [غيريت، لويس. التعليم الابتدائي في منطقة ليموزان في ظل النظام القديم. ليموج: دوكورتيو، 1888، ص 38].
ومع ذلك، لم يظل هؤلاء الأطفال القرويون الذين كانوا لا يذهبون إلى المدرسة جهلاء. ومن المفارقات أن المستوى التقني المنخفض للإنتاج الزراعي كان يتطلب درجة عالية من التأهيل. لم يكن كافيا معرفة الأرض والفصول السنوية وحسب، بل كان أيضاً من الضروري معرفة كيفية استخدام وصيانة العديد من الأدوات اللازمة للحياة في المزرعة، تلك الخاصة بالنشاط الزراعي وتلك الخاصة بالصناعة الحرفية، والتي غالبًا ما كانت تشكل الدخل الرئيسي في الأوقات التي لا تنتج فيهات الأرض شيئا.و في مناطق الغابات، عندما يحل فصل الشتاء، كان الفلاح يتحول إلى عامل حطاب مأجور على أساس الشغل المؤدى أو في مجال نشر الخشب. والحال أن شحذ الشفرات، على سبيل المثال، كان يتطلب مهارة صعبة، والتي كانت تنتقل على مر الأجيال. وكان آخرون يتحولون إلى صناع الفحم الخشبي: كانوا يعرفون كيفية قطع فروع الأشجار، وإعداد الموقد، وتغطيته بالأوراق والتراب، وبناء مدخنة بحجم مناسب، وإشعال نار منتظمة ومراقبة احتراقها لمدة خمسة أيام وخمس ليال.
يلزم زيارة متحف للأدوات أو متحف إثنوغرافي قروي للاقتناع بأنواع مذهلة من المؤهلات التي كانت تتطلبها الصناعة الحرفية سابقاً في القرى. في الرسوم الكاريكاتورية للصحافة الحضرية، كان قبقاب الفلاح منذ فترة طويلة رمزا للجهل. ولكن من الجيد استحضار أن صانع حذاء القبقاب كان في يوم من الأيام أبرز الحرفيين في القرية. كانت مهارته تتطلب إتقان أدوات متعددة ومعرفة متنوعة. بعد اختيار الشجرة الصحيحة وتحويلها إلى جذوع أشجار مقطوعة، كان من اللازم نجرها جافة بالفأس، واستعمال القدوم [أداة نحت] ثم الصقال؛ وبعد ذلك مباشرة حفر القبقاب باستخدام المثاقب والملاعق لتكييفه تدريجيا مع القدم؛ تم الانتهاء من العمل بالمقطع والمثقب وتقريض الكعب. بالنسبة لمنطقة ليموزان وحدها، تم العثور على أكثر من مائة وستة عشر حرفة صغيرة وصناعة حرفية، غالبًا موسمية، يمارسها فلاحون لم يذهبوا بأي وجه إلى المدرسة. يشهد تنوعها على التخصص البالغ في المعارف والمهارات التي كانوا في حاجة إليها [روبرت غينوت، الحرف الصغيرة قديماً في ليموزان. لوسيان سوني، 1998].
كان التكوين التقني يجري مع العائلة. غالباً من الأب إلى الابن كان المرء يصبح مزارعًا أو راعيًا أو صانع براميل أو مصلحها أو نجارًا أو سقّافاً. وأحياناً، نادرًا ما كان شاب يشتغل كمتدرب لدى صانع حرفي.
في المدينة، على العكس من ذلك، كان تكوين عمال المستقبل أو مصاحبي الصانع الحرفي يحدث أساساً عبر التعلم. في بعض الحالات، كان مطلوبًا أن يكون المتدرب مسبقاً قد تعلم القراءة والكتابة، وبالتالي تلقى تعليماً. لكن لم يكن ذلك يتعلق بالمهن الأكثر نبلاً، مثل الطباعة أو الصياغة، حيث كان على الآباء دفع مبالغ مالية كبيرة ليحصل الشاب على مكان للتعلم. في معظم الأحيان، كان الأمر متروكًا لمعلم الحرفة لتثقيف الطفل وتدريبه، وتعليمه أحيانًا القراءة والكتابة.
إن الأسرة القروية في النظام القديم، مثل نواة الأسرة الحضرية التي تستضيف المتدرب، لم تكن تشكل أماكن تكوين وتعليم وحسب. بل كانت أيضاً تضم عددا كبيرا من الشباب والبالغين من أجيال مختلفة يعيشون تحت سقف واحد. كان الطفل يدمج فيها منذ سن مبكرة في العمل الزراعي أو المنزلي أو الحرفي. كانت هذه الأسرة في فترة ما قبل الصناعة، سواء كانت قروية-زراعية أو حضرية-صناعية حرفية، مجتمعًا للحياة ووحدة إنتاج. عبر العمل في المزرعة أو ورشة العمل، كان الأطفال يتعلمون تقنيات الإنتاج ويتلقون تنشئة عبر تعلم القواعد الأساسية للحياة المشتركة.
المكننة والاستلاب: «من يفتح باب مدرسة يغلق باب سجن»…
إن الانتقال إلى المكننة، أي إلى الرأسمالية الصناعية، سيغير جذريًا طبيعة العمل، وبالتالي تكوين العمال. باتت الأسرة القروية الكبيرة السابقة مفككة وحلت محلها نواة عائلية صغيرة حضرية. وحتى هذه النواة سرعان ما تفككت مع تقدم عمل النساء والأطفال. وفي المصنع، فإن الأبوة القديمة لأرباب المصانع القروية تفسح المجال للعلاقة التعاقدية الباردة وغير المتساوية والعابرة التي تربط بين مالك وسائل الإنتاج ومالك قوة العمل. إن تفكك العمل المعقد الذي كان عامل واحد يقوم به سابقاً في ورشة العمل أو المصنع، والاستعاضة عنه بعمال كُثر مُقيدين بأدوات الإنتاج الجديدة وكل واحد منهم مكلف بتكرار مهام بسيطة مجزأة، بوتيرة تفرضها الآلة، كل هذا يستتبع الغاء تأهيل البروليتاريا على نحو رهيب. «بالاستعاضة عن الاجراءات الميكانيكية بالمهارة اليدوية والتكوين المهني المكلف، وبالسماح على المدى الطويل بالاستعاضة عن الصناع الحرفيين وعمال النظام المحلي بجمهور من اليد العاملة في المصنع الحديث، تفتح [المكننة] حقًا عهدا جديدا في استغلال العمل البشري وربحيته»] [ريو، جان-بيار. الثورة الصناعية. باريس: دار النشر. سوي، 1971.].
في كتاب الرأسمال، يوضح كارل ماركس مثالًا ملموسًا، قائما في نموذج المطابع في لندن، كيف خلقت المكننة هكذا الغاء تأهيل شغل العامل. «[سابقًا] في المطابع الانجليزية، كان عدد المتدربين يرتفع تدريجيًا، من أبسط الأشغال إلى أكثرها تعقيداً. كانوا يجتازون تداريب عديدة قبل أن يصبحوا كاملي الأوصاف. كان الجميع مجبرا على معرفة القراءة والكتابة. لكن آلة الطباعة قلبت كل ذلك رأساً على عقب. توظف آلة الطباعة نوعين من العمال: شخص بالغ يراقبها وصبيين صغيرين، معظمهم بين سن الحادية عشرة والسابعة عشرة، تقتصر وظيفتهم على نشر ورقة تحت الآلة و إزالتها بمجرد طباعتها. ينفذون هذه العملية الرتيبة، في لندن بوجه خاص، أربعة عشر، وخمسة عشر، وستة عشر ساعة متتالية، أثناء بضعة أيام أسبوعيا، وغالبًا ست وثلاثون ساعة متتالية مع ساعتين فقط من الراحة للطعام والنوم. معظمهم لا يستطيعون القراءة. هم، بشكل عام، مخلوقات مشوهة وغبية تماماً. (…) بمجرد أن يصبحوا أكبر سناً (…) يفصلون من العمل ويصبحوا مجندين في الجرائم. وقد كان جهلهم وخشونتهم وتدهورهم الجسدي والفكري سبب فشل بعض المحاولات الساعية لتشغيلهم في مكان آخر». [ماركس، كتاب الرأسمال].
هكذا حول التصنيع الرأسمالي جذرياً العلاقة بين الإنسان والتقنية، عبر استعباد العامل في إطار سيرورات تقنية مفروضة من الخارج وصعبة المنال. أقام التصنيع والمكننة حاجزًا، اجتماعيًا وفكريًا على حد سواء، بين مفهوم تقنيات الإنتاج واستخدامها. لم تعد البروليتاريا تعمل بالفعل سوى بموجب مقتضيات القوانين (الاقتصادية والتقنية والعلمية…) التي تتجاوز فهمه. لم يعد يفرض وتيرته على الآلة، بل الآلة هي التي تفرض وتيرتها عليه. إن انعدام تأهيل العامل وجهله وغباءه الفكري، تصبح شرط «قابليته للتشغيل» بالذات في سيرورات الإنتاج الجديدة.
قال ماركس: «إن الآلة، التي لديها القدرة الرائعة على تقليص مدة العمل وجعله أكثر إنتاجية، تسبب هزال قوة العمل في نفس الوقت الذي تمتص دمه. (…) يبدو حتى أن اضواء العلم المشرقة لا يمكن أن تلمع إلا على خلفية الجهل. ويبدو أن كل اختراعاتنا وكل أوجه تقدمنا لا فوائد لها سوى منح الحياة والذكاء للقوى المادية، وافساد عقل الانسان بالحط من قيمته وجعله مجرد قوة جسدية». [ماركس، كارل، خطاب ماركس في ذكرى تأسيس جريدة الشعب لسان حال الحركة الشارتية، 19 نيسان/أبريل عام 1856، الأعمال الكاملة، المجلد 12.]
إنه «استيلاب» مزدوج يتعرض له عامل العصر الصناعي. مثل جميع البروليتاريين من قبله، عليه أن يبيع جزءًا من نفسه، أي قوة عمله، من أجل البقاء. لكن هذا العامل الجديد يجد نفسه مسلوباً من التحكم الفكري في سيرورات الإنتاج. لم يعد يضطلع سوى بدور مساعد للآلة.. يجد نفسه خاضعًا لرب العمل، ليس لعدم امتلاكه وسائل إنتاج وحسب، ولكن أيضاً لعدم امتلاكه حتى القدرة على التحكم بهذا الإنتاج الصناعي الجديد.
من اللافت للنظر في البداية، أن المكننة والثورة الصناعية لم تؤديا بأي حال من الأحوال إلى تطور سريع في التعليم المدرسي. إن البيانات المتاحة بالنسبة لإنجلترا، الأمة الأولى المساهمة في هذه الثورة، بيانات واضحة. في منتصف القرن الثامن عشر، كان ثلثا الرجال الإنجليز ونسبة 40٪ من النساء يعرفون القراءة. ومع ذلك، بعد ما يناهز قرنا، في عام 1840، يتضح أن هذه النسب متطابقة تقريباً. يبدو أنه حتى بين هذين التاريخين كان هناك أولاً انخفاض في نسبة التعليم ثم ارتفاع انطلاقاً من بداية القرن التاسع عشر. [مور، تشارلز. فهم الثورة الصناعية. دار النشر، روتليدج، عام 2000.]
في الوقت نفسه، كان يتضح منطقياً انخفاضًا في نمط التكوين التقليدي للتعلم. ونسبياً، كان عدد أقل فأقل من مناصب العمل يتطلب تأهيلا حقيقياً، وعندما كان ذلك ضرورياً، غالباً ما كان يجري اكستابه «في مكان العمل». من المؤكد أن وجود التعلم كان مستمرا وتطور حتى في بعض المهن الصغيرة مثل تصنيع الأدوات. لكنه سرعان ما انخفض في المهن التي اكتسحها التصنيع والمكننة، مثل عمل الحديد والنسيج. كما فقد التعلم أيضاً طابعه السابق كمكان للتنشئة الاجتماعية. بات، على أحسن وجه، مقتصراً على اكتساب مهارة تقنية أولية، في وقت كان آباء الشباب يرغبون في أن تكون مدته قصيرًة قدر الإمكان.
عندما قررت المجتمعات الرأسمالية السائرة على نهج تصنيع سريع، بدءا من منتصف القرن التاسع عشر، إرسال أطفال الفئات الشعبية العاملة بكثافة إلى المدرسة، لم يكن ذلك في المقام الأول لتلبية حاجة إلى تكوين تقني أو مهني. ناهيك عن حرص لإرساء الديمقراطية أو التحرر.
كان السبب الحقيقي قائما في هذه الجملة الرائعة التي كتبها فيكتور هوغو: «من يفتح باب مدرسة يغلق باب سجن». الاستيلاب الفكري للبروليتاريا، فقدان المعالم الثقافية على نحو مفاجئ لسكان اقتلعوا من الحياة القروية وغرقوا في البؤس الحضري، وتفكك الأماكن التقليدية للتعليم والتنشئة الاجتماعية، … كل ذلك كان انتهى بالتسبب في غباء أخلاقي للفئات الشعبية. في الكيانات الحضرية الكبيرة، حيث كانت السيطرة الاجتماعية والدينية أقل قهرا مما كانت عليه في القرية، حيث كانت الإغراءات عديدة، وحيث كان الاستغلال والبؤس والتفاوتات الاجتماعية الصارخة بوجه خاص تميل إلى إضفاء الشرعية على أي وسيلة لانتزاع القليل من السعادة، غرق قسم من البروليتاريا في الرذيلة وإدمان الكحول والعنف والجريمة والبغاء. وفي هذا الإطار، لم تكن الطبقة العاملة تعكس سوى الوحشية التي تعاني منها في العمل وفي ظروفها المعيشية، لكنها أصبحت أيضًا تهديدًا لـ «للنظام العام».
ولعدم رغبتها في معالجة الأسباب الحقيقية لهذا الانحطاط، يعني الظروف المعيشية القذرة والاستغلال الوقح للطبقة العاملة، فكرت برجوازية القرن التاسع عشر في حل المشكلة عبر التعليم. قال جون واد عام 1835: «إن التعليم أفضل فرع للبوليس الاجتماعي، لأنه يحارب البذور الرئيسية لجريمة الحسد والجهل (…) السماح لطفل غير متعلم بالعيش أفضل قليلا من وضع كلب مسعور أو حيوان متوحش في الشارع. “[واد، جون. تاريخ الطبقة الوسطى والطبقة العاملة. ويلسون، عام 1835، ص 496] أما بالنسبة للبلجيكي إدوارد دوكبيتو، فقد اعتبر أن «مستوى التعلم في بلد يمثل دوماً بشكل دقيق إلى هذا الحد أو ذاك حالة أخلاقه». [إدوارد دوكبيتو، التقدم والوضع الراهن لإصلاح السجون والمؤسسات الوقائية في الولايات المتحدة وفرنسا وسويسرا وإنجلترا وبلجيكا (بروكسل : هومان كاتوار وآخرون عام 1837، الجزء الثالث، صفحة 82].
تعليم الأطفال وتنشئتهم اجتماعياً: كانت هذه، تاريخياً، الوظيفة الأساسية للتمدرس الجماهيري. ماذا كانوا يتعلمون هناك؟ الأخلاق والدين، القراءة والكتابة والحساب ونظام الأوزان والمقاييس. هذا كل ما في الأمر. لا تاريخ أو علوم طبيعية أو جغرافيا. قال أدولف ثيير، «إن القراءة والكتابة والحساب، هذا ما يجب تعلمه، أما البقية فغير ضرورية. يلزم الحرص بوجه خاص على تفادي تناول المذاهب الاجتماعية في المدرسة، والتي يجب أن تفرض على الجماهير.» [تيرال، هيرفي. معارف المدرس. دار النشر، لارماتان، 1998].
نشأت المدرسة، ليس لأن الرأسمالية الظافرة كانت في حاجة إلى عمال متعلمين، ولكن بالضبط للسبب المعاكس: لأنها كانت بحاجة إلى عمال طيعين وغير مؤهلين.
الحروب والثورات حول التكتلات الصناعية: المدرسة في خدمة الوطن
في نظر تقدميين عديدين في فرنسا، لا يزال جول فيري يعتبر إلى حد اليوم، المؤسس اللامع للمدرسة العلمانية والجمهورية. ولكن ما كانت دوافعه؟ دعونا نستمع إليه: «إذا استمرت هذه الحالة [تحكم رجال الدين بالمدرسة]، يخشى أن تتشكل مدارس أخرى، مفتوحة لأبناء العمال والفلاحين، حيث سيتلقون مبادئ مضادة تمامًا، ربما مستوحاة من مُثل أعلى اشتراكية أو شيوعية مقتبسة من أزمنة حديثة، على سبيل المثال أثناء هذه الفترة العنيفة والمروعة الممتدة من 18 آذار/مارس إلى 24 أيار/مايو عام 1871». [ذكره فوكامبرت، عام 1986] وفي الواقع، بعد معاينة اندحار القوات الفرنسية في عام 1870 ومشاركته في سحق كومونة باريس في بحر من الدماء، أسس جول فيري المدرسة الجمهورية بهدف «الحفاظ على بعض أخلاق الدولة، وبعض مذاهب الدولة الهامة حفاظ عليها» كما يقول.
وفي نفس الوقت، كان ملك بلجيكا، ليوبولد الثاني، يدافع عن قضية التعليم الإلزامي بهذه التعابير: «إن التعليم المقدم على نفقة الدولة ستتمثل مهامه، على جميع المستويات، في حث الأجيال الشابة على حب واحترام المبادئ التي تقوم عليها مؤسساتنا الحرة.»
في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، اتخذت مهام التعليم في المدرسة محتوى إيديولوجيًا ملحوظًا على نحو مضطرد. يجب البحث عن السبب العميق لهذه التغيرات في التقدم التكنولوجي الهائل. قبل فترة التوقف أثناء سنوات 1870-1880، كنا في عصر التصنيع القائم على البخار والحديد والقطن. «وأبعد من ذلك، هو اقتصاد الكيمياء والكهرباء والصلب والألمنيوم والهاتف والسيارات» (برودير عام 1993 صفحة 59).
تتطلب إجراءات صناعة الصلب وصناعة الكيمياء منشآت صناعية ضخمة. انفجر الإنتاج والإنتاجية: أنتج فرن ثيسن العالي أثناء بداية القرن العشرين في مدة حوالي ثلاثين ساعة ما كان ينتجه فرن سليزي في مدة عام قبل مائة سنة [هيلفردنج، رودولف. الرأسمال المالي. دراسة حول تطور الرأسمالية مؤخرا. فرانكفورت. دار النشر، الأوروبية، عام 1968.]. إن ظاهرة التركز عامة. من عام 1866 إلى عام 1896، على الرغم من تنامي الانتاج على نحو مذهل، انخفض عدد المنشآت المعدنية في أوروبا من 1786 إلى 171 وحدة وحسب. وفي نفس الفترة انخفض عدد منشآت النسيج بنسبة 75%. ولكن مع انخفاض عدد المقاولات، تضخم إنتاجها وعدد عمالها على نحو مفرط. كانت مقاولات صناعة التعدين الفرنسية التابعة لمجموعة شنايدر تشغل 2500 شخص في عام 1845 و6000 في عام 1860 و10000 في عام 1870]. [دوبو، ج، عام 1976. االمقاولة الفرنسية، 1789-1970، تايلور وفرانسيس].
انتهى الأمر بهذا إلى منح صلابة خطيرة «للشبح» الذي كان يقض مضجع أوروبا القديمة منذ عقود عديدة: طبقة عاملة كبيرة العدد ومنضبطة عبر الصناعة، ومنظمة بصورة أفضل، والتي كانت تتبنى إيديولوجية خطيرة بالنسبة للسلطة: الاشتراكية. كانت أصداء كومونة باريس ترددت بالفعل مثل الصاعقة. ولكن بين عامي 1880 و1910، تنامي عدد الأحزاب الاشتراكية الثورية (وأصواتها، حيث سُمح لها بالترشح في الانتخابات).
وسرعان ما أضيف إلى هذا التهديد الداخلي تهديد خارجي: فقد أدى التركز الصناعي في الفترة الممتدة من عام 1870 إلى عام 1914، إلى إدخال الرأسمالية في عصر القوى الإمبريالية العظمى. في فجر القرن العشرين، كتب الاقتصادي الألماني رودولف هيلفردينغ: «إن ضرورة نهج سياسة توسعية تحدث ثورة في نظرة عالم البرجوازية، برجوازية تتوقف عن كونها مسالمة وإنسانية. كان أنصار التبادل الحر القدامى يعتقدون أن حرية التجارة لا تمثل أفضل النظم الاقتصادية وحسب، ولكنها أيضًا بداية حقبة سلام. لكن رأسمال المالي تخلى منذ زمن طويل عن هذا الاعتقاد. ليس لديه أية ثقة في تناغم المصالح الرأسمالية؛ كل ما يعرفه جيدا هو أن المنافسة أصبحت مسألة صراع سياسي على السلطة. لقد فقد السلام كمثل أعلى بريقه وبدلاً من المثالية الإنسانية نرى انبثاق تمجيد عظمة الدولة وسلطة». [بروير ، أنتوني. النظريات الماركسية حول لإمبريالية. روتليدج، عام 1990.]
في ظل هذه الظروف، لم يعد كافيا أن تلقن المدرسة القراءة والكتابة واحترام المبادئ الأخلاقية أو الدينية. باتت من اللازم أن تلقن حب الوطن والمؤسسات. ولذلك دخل التاريخ والجغرافيا البرامج. في ألمانيا، وصف الإمبراطور فيلهلم الثاني، في صراعه مع صعود القوى الاشتراكية، بهذه التعابير، كيف كان يرى مهام التعليم الالزامي: «لقد كنت قلقًا بشأن فكرة استخدام المدرسة، لفترة طويلة في كل فروعها، من أجل التصدي لانتشار الأفكار الاشتراكية والشيوعية. يجب على المدرسة في المقام الأول أن تضع الأسس لمفهوم سليم للعلاقات العامة والعلاقات الاجتماعية، عبر ترسيخ الخوف من الله وحب الوطن». [مرسوم القيصر فيلهلم الثاني الصادر في 1 أيار/مايو عام 1889 في: المفاوضات حول قضايا التعليم العالي. برلين، 4-17 كانون الأول/ديسمبر عام 1890. باسم وزير الشؤون الروحية والتعليمية والطبية، برلين عام 1891، صفحات 3-5]
في فرنسا، قام الجمهوري الراديكالي بول بيرت، عضو أكاديمية العلوم، المشهور بأبحاثه حول علم وظائف الأعضاء [الفسيولوجيا] في الغوص تحت الماء، ولكن أيضًا عن أطروحاته العنصرية، عام 1883 بتقديم كتاب عملي مختصر حول «التربية الوطنية في المدرسة (مفاهيم أساسية)». كتب في مقدمة هذا الكتاب الذي يهدف إلى تنوير «مُدَرسِّي» الجمهورية، «يلزم ألا يكون حب فرنسا بالنسبة (للطفل) عبارة مجردة، مفروضة على ذاكرته كتعاليم دينية، لكن يجب أن يفهم دوافع ذلك، ويقدر عظمته وتبعاته الضرورية. لأن عبر حبه وبرهنة هذا الحب، سيتعلم كيف يكرس نفسه لوطنه، ويقوم بواجبه كمواطن حتى النهاية، ويضحي بنفسه، إذا لزم الأمر ذلك، إما لخلاص الوطن، أو دفاعا عن المبادئ التي بفعل انتصارها أصبح حرًا ومواطناً. على هذا النحو ستنشأ معالم التربية الوطنية». (بيرت، صفحة 6).
تحمل القبور الجماعية التي خلفتها الحرب العالمية الأولى أمام التاريخ شهادة ما كانت للمدرسة من فعالية مأساوية في وظيفتها الجديدة، وظيفة جهاز ايديولوجي للدولة.
الجدارة، وطفل السيارة والكهرباء: انتقاء النخبة العاملة وتكوينها
في حين كانت مدرسة الشعب في القرن التاسع عشر جهازًا للتنشئة الاجتماعية وجهازًا أيديولوجيًا في خدمة الدولة، تحولت تدريجيًا، أثناء القرن التالي، إلى أداة انتقاء وتكوين في خدمة الاقتصاد مباشرة.
حتى قبل الحرب العالمية الأولى، أدى تقدم التكنولوجيا الصناعية وتنامي الإدارات العامة وتطور مناصب الشغل التجارية إلى زيادة الطلب على اليد العاملة الأكثر تأهيلاً. بالطبع، بالنسبة لمعظم العمال، كانت تنشئة اجتماعية أساسية كافية دوماً؛ لكن كان على عدد متزايد منهم بالفعل اكتساب مهارة متخصصة: ميكانيكيون وكهربائيون وشغيلة على آلة الطباعة وعمال التلغراف اللاسلكي…
قد يشكل ذلك مفاجأة. ألسنا بوجه التحديد في غمرة «الفوردية»، التي كانت بلا شك الشكل الأكثر تقدماً من التقسيم المجزأ لمهام العمال، وبالتالي الغاء تأهيل العمال؟ طبعاً، لكن الإنتاج ليس كل شيء. في كتابه تاريخ العمل والعمال، يذكرنا جورج لوفران أنه في عام 1948، من بين 315000 عامل في صناعة السيارات في فرنسا، يوجد 11.000 عامل وحسب نشطين في الإنتاج، و25000 يصنعون إكسسوارات، و30000 يصنعون الهياكل الخارجية للسيارات و15000 يعملون في مقاولات الإصلاح (ثلثاها مقاولات صناعية يدوية). [جورج لوفران، عام 1957. تاريخ العمل والعمال، باريس: دار النشر فلاماريون.] مع ذلك، كان على مصلح السيارات أو عامل مقاولة التركيب الكهربائي إتقان التكنلوجيا التي يشتغلون عليها اتقانا فكريا.
كتب Thévenin تيفينان ومن معه: «في فترة ما بين الحربين، سيشهد التعليم التقني طفرة بارزة. (…) يتطلب ضبط الآلات واستعمالها، ومراقبة المنتجات وإنهائها، عمالاً ماهرين يدوياً وقادرين على التعامل مع أدوات القياس الدقيقة، وقراءة الرسوم التخطيطية وقطع التصنيع التي صممتها مكاتب الدراسات على حد سواء…» [كومبانيون بياتريس، آن تيفنيان، 1995. المدرسة والمجتمع الفرنسي، دار النشر كومبليكس].
وكان الطلب بلغ حدا بحيث أن عودة إلى الأشكال القديمة للتعلم التقليدي لم تكن كافية. إلى جانب ذلك، لا يمكن تلبية المتطلبات النظرية لهذه المؤهلات الجديدة عبر مجرد تكوين عملي. انفتح نظام التعليم والحالة هذه على فروع «حديثة»، تقنية أو مهنية. لقد جرى انتقاء «خيرة» أبناء وبنات الطبقة العاملة لجعلهم ما كان المجتمع في حاجة إليه من عمال متخصصين وتقنيين ومستخدمين وموظفين. لقد كان ذلك عصر «الارتقاء الاجتماعي» عبر المدرسة.
بين الحربين العالميتين، أصبحت المدرسة أداة أساسية في إنتاج القوى العاملة المؤهلة. ولكن أيضًا في انتقائها وتحديد نظامها التراتبي، على أساس الجدارة.
روبوتات [أناس آليون] السنوات الثلاثين المجيدة: وهم تكافؤ الفرص
غداة الحرب العالمية الثانية، شهدت الرأسمالية فترة نمو اقتصادي مذهل. كانت هذه الفترة طبعاً نتيجة عمليات إعادة الاعمار بعد الحرب وحاصل التقدم الاجتماعي الذي انتزعته طبقة عاملة برزت معززة سياسياً بعد هذه السنوات الأربع من النزاع. ولكنها أيضًا نتاج ابتكارات تكنولوجية ثقيلة وطويلة الأمد -كهربة السكك الحديدية وبنيات تحتية في الموانئ والمطارات وطرق سيارة ومحطات نووية واتصالات هاتفية وبتروكيماوياء. تناقصت نسبة العمل غير المؤهل باستمرار نتيجة مكننة الزراعة وزيادة التشغيل الآلي في المهام المتكررة في الصناعة. إن هكذا مناصب المفقودة عوضت إلى حد كبير بسبب دينامية النمو: خُلقت مناصب شغل في الإدارة وقطاع الخدمات، ويتطلب التطور التكنولوجي عمالًا أكثر تأهيلاً دوماً في قطاع بناء السفن والملاحة الجوية والطاقة،…
هكذا في بلجيكا، فقدت الزراعة نسبة 52% من مناصب الشغل المأجورة بين عام 1953 و1972. واتبعت مناجم الفحم (78%-) وقطاع المقالع (39%-) نفس الحركة. لكن هذه الخسائر يقابلها إلى حد كبير تعويض في صناعة الصلب (10%+)، والكيمياء (36%+)، والإلكترونيات والهندسة الكهربائية (99%+)، والطباعة (39%+)، والبنوك (131%+)، وورشات الاصلاح (130%+)، والإدارات العامة (39%+).
لذا كان النجاح الاقتصادي وتطور بنية سوق العمل يتطلب والحالة هذه رفع المستوى العام لتكوين العمال. وكان لزاما التحرك بسرعة. وعلى نحو عاجل، فإن ما كان سابقاً يمثل مدرسة التعليم الثانوي للنخبة، أي التعليم العام في المدارس الثانوية، فتح أبوابه -بالأقل مدارس السنوات الأولى من التعليم- لأطفال متحدرين من أصول شعبية.
كانت الفترة ملائمة لخطاب معلن حول دمقرطة التعليم. وحسب ليو كولارد، وزير التربية والتعليم في بلجيكا عام 1957، «كان الأمر يتعلق بالسعي بشكل ما بأن يجد طفل الشعب، عند ترك مسار المدرسة الابتدائية الوحيد، بيئة تعليمية حيث يمكنه متابعة دراسته، دون قيود ودون أي نوع من الاحراج، في أي فرع تعليمي يجده متوافقاً مع أذواقه وتغييره عند الاقتضاء دون صعوبة كبيرة» [ليو كولارد، برنامج تعلمي وطني ديمقراطي، نقلا عن فان هيييشت أ.، التعليم المجدد، من البداية إلى فترة التراجع، دار النشر كلية بروكسيل الحرة، بروكسل، عام 1985، ص. 172]. في فرنسا، أعلنت خطة بول لانجفان-هنري والون في عام 1946 ضرورة القطع مع الجدارة: «يجب أن يمنح التعليم للجميع فرصًا متساوية في التطور، ويسمح للجميع بكسب الثقافة، ويرسي دمقرطة عبر رفع المستوى الثقافي للأمة برمتها على نحو مستمر أكثر منه عبر انتقاء يبعد الأشخاص الأكثر موهبة عن الشعب.» [خطة لانجفان-والون، 1946].
لكن لن تصمد هذه الأحلام أمام الواقع. طبعاً، سيجري التوقف عن «ابعاد من هم أكثر موهبة عن الشعب» عبر الانتقاء في نهاية التعليم الابتدائي. لكن يجب اجراء هذا الانتقاء لاحقاً. يعني أثناء التعليم الثانوي بالذات. وهذا سيعني اعتماد انتقاء سلبي، انتقاء قائم على الفشل المدرسي. لم يعد التوجه نحو التعليم يؤهل «أفضل عناصر» الفئات الشعبية، ولكن «التلاميذ الأقل اجتهاداً» في التعليم العام.
مع ذلك، عبر معجزة بيداغوجية مثيرة، يستمر هذا الانتقاء قائما على أساس الأصل الاجتماعي. وكشف علم الاجتماع -بيار بورديو، جون كلود باسرون- فجأة أن المدرسة أصبحت -تمامًا مثل الارث والزواج- مؤسسة لإعادة انتاج التفاوتات الاجتماعية من جيل إلى جيل.
الأزمات وتقنيات الاعلام والاتصال: المدرسة التجارية في خدمة الأسواق
منذ نهاية سنوات 1980، مع دخول الرأسمالية العالمية في عصر العولمة وتكرار دورات الأزمات، تشهد متطلبات العالم الاقتصادي بشأن نظام التعليم تحولات جديدة. إن المدرسة مدعوة للتغير، من أجل التكيف على نحو أفضل مع رغبات أرباب العمل.
هناك ثلاثة عناصر أساسية تبرز هذه القطيعة، والتي غالبًا ما جرى تحليلها في هذه الأعمدة، وبالتالي أكتفي هنا بتقديم تلخيص موجز حولها. [حول تحليل شامل لتسلع التعليم، سنقرأ بوجه خاص نيكو هيرت، أسياد المدرسة الجدد، دار النشر، عدن، بروكسيل عام 2005. حول نقد غزو المدرسة التجاري، سنقرأ نيكو هيرت وبرنارد ليغروس، المدرسة وطاعون الإعلان، دار النشر، عدن ، بروكسيل، عام 2007.]
في المقام الأول، زرعت العولمة منافسة بين الدول لجذب المستثمرين، وبالتالي تقليص العبء الضريبي على الرأسمال ومداخيل المنقولات والأجور المرتفعة وأرباح المقاولات. وهكذا تنخفض هوامش مناورة الدولة بخصوص الميزانية، ما يضع السياسات التعليمية تحت رحمة قيود تقشف بالغ.
ثانياً، إن تحول مناصب الشغل من الصناعة إلى الخدمات وكذلك التطور التكنولوجي يؤدي، في الأنظمة الاقتصادية «المتقدمة»، إلى تقاطب سوق الشغل. «ينبغي توقع أكبر نسبة في خلق مناصب شغل، من ناحية، في الوظائف الإدارية ومناصب الشغل المهنية والتقنية عالية المستوى، ولكن، من ناحية أخرى، أيضًا في مناصب الشغل التابعة لقطاع الخدمات التي تتطلب تأهيلاً متوسطاً أو ضعيفاً». [.Sels, L. et al., 2006 .التركيز على تطوير الكفايات المهارات. نص نقاش لتطوير برنامج كفايات].
وأخيرًا، ثالثًا، إن عدم الاستقرار الاقتصادي وتسارع وتيرة الابتكار التكنولوجي، ولكن بوجه خاص الطبيعة الفوضوية للاقتصاد الرأسمالي، تجعل أي سياسة توقعية بشأن التكوين والتأهيل مستحيلة.
وفي هذا السياق، أصبح معظم أرباب العمل يطالبون بـ«قابلية تشغيل» غير محدودة، يجب ضمانها عبر «الكفايات الأساسية» ومرونة العمال أكثر مما يدعون إلى مؤهلات محددة ودقيقة. لقد اتضح سابقا بالفعل كيف أن منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي واختبار البرنامج الدولي لتقييم الطلبة PISA الخاص بها بوجه التحديد يعملان على جر أنظمة التعليم في هذا المسار. نحن نفهم أيضًا بشكل أفضل، في هذا الإطار، الافتتان الرسمي بالتصور التعليمي [نقول «التصور التعليمي» وليس «البيداغوجي» لأن معظم المدافعين عن الأنشطة البيداغوجية التكميلية APC يدافعون هم بالذات عن كونهم الناطقين الرسميين باسم بيداغوجيا معينة. وفي الواقع لا تتحدث الأنشطة البيداغوجية التكميلية APC بأي وجه عن كيفية التدريس ولكنها تقدم إجابة على سؤال «ما الذي يجب تعليمه؟». [لمبني على أساس «المقاربة بالكفايات»].
ولتوضيح هذا الشرط المتعلق بالمرونة، ينبغي النظر، على سبيل المثال، في عامل المكتب «الحديث». على حاسوبه الخاص، يجب أن يكون قادرًا على استخدام برنامج معالجة النصوص، وبريد الكتروني، وجدول بيانات إكسل، وقاعدة بيانات وبرنامج رسم، ويجب أن يكون قادرًا على الرد على الهاتف بلغتين أو ثلاث لغات، ويجب أن يكون لديه سيارة لإنجاز مهام لصالح لرئيسه، ويلزم أن يكون متاحًا في المساء وعطلات نهاية الأسبوع… باختصار، فهو مطالب بإنجاز العمل (أو جزء من العمل) الذي كان يقوم به سابقاً عامل اختزال على الآلة الكاتبة، وعامل التلكس، ومشغل هاتف، ومصمم جرافيك، وسائق، وسكرتيرة حاملة دبلوم… وأن يكون متاحًا كأحد الكوادر العليا. ولكن دون الحصول على تأهيل الأولين، ولا أجر الثاني.
تشكل هكذا ملاءمة التعليم مع تطلعات أرباب العمل شكلاً من أشكال «تسليع» المدرسة، يعني وضعها في خدمة الأسواق. تشمل هذه الحركة جوانب عديدة: الخصخصة التجارية للتعليم والاستثمار الخاص في أنشطة الدعم المدرسي، وزرع المنافسة بين المؤسسات، وتدبيرها الإداري على نمط المقاولات الخاصة، وغزو المدرسة من قبل مقاولات الاشهار والمتخصصين في مجال التسويق، الخ.
الرأسمالية والتعليم: علاقة مشوبة بالتناقضات
في ظل التأثير المعقد لتطور تقنيات الإنتاج -البخار والآلة والكهرباء والكيمياء والميكانيكا والإلكترونيات والمكننة والروبوتات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات- تطورت وظائف التعليم: تعليم الطفل وتنشئته اجتماعيا، وترسيخ حب الوطن والمؤسسات القائمة فيه، وانتقاء وتكوين اليد العاملة المتخصصة التي تحتاجها المقاولات، وتأمين إعادة إنتاج الطبقات الاجتماعية من جيل إلى جيل، وضمان الكفايات الأساسية التي يجب أن تشكل قاعدة التأهيل المشتركة بين جميع العمال، وإعداد المستهلك لاستعمال المنتجات جديدة، وأخيراً التحول إلى أداة تجارية وقطاع استثمار مربح.
وبعبارات بسيطة، قدمنا كل هذه الوظائف كما تبدو في مرحلة معينة. لا شك أن الصورة كاريكاتورية إلى حد ما. من الأصح اعتبار أن كل هذه المهام كانت قائمة معاً منذ وجود المدرسة الجماهيرية، وبالتالي منذ القرن التاسع عشر، لكن أهميتها النسبية تغيرت بمرور الوقت: ما كان يشكل السمة الرئيسية في مرحلة معينة أصبح ثانوياً في مرحلة أخرى.
إن فارقا دقيقا آخر يفرض نفسه. تشكل المدرسة التي تحدثنا عنها النظام التعليمي الرامي إلى تعليم وتربية وتكوين أطفال الشعب، وأطفال البروليتاريا، هذه الفئة من الرجال الذين يبقون الرأسمالية على قيد الحياة ببيعهم قوة عملهم لها. ولكن بجانب تلك المدرسة، هناك مدرسة أخرى. تلك المسؤولة عن تكوين النخب الاجتماعية ومدراء المقاولات وقادة الدولة مستقبلاً. ومع ذلك، عندما نقول أن هذه المدرسة الثانية «بجانب» المدرسة الأولى، فيجب فهم ذلك بطريقة نظرية بحتة. في الواقع، غالبًا ما يحدث اختلاط بين هذين النظامين التعليميين في فترة معينة أو في أماكن معينة. وعلى الرغم من أن الطبقات الاجتماعية والمصائر الاجتماعية تظل منفصلة على نحو واضح، عبر لعبة الميز الاجتماعي بين المدارس، وعبر الآليات المعقدة للشبكات والمسالك، مع ذلك يحدث أن يتواجد في نفس مقاعد المدرسة الأغنياء والفقراء، والطبقات المتوسطة والطبقات الشعبية، والطبقات المتوسطة والطبقات البرجوازية.
الفرق الثالث: قد يتولد انطباع، حول هذا التاريخ المختصر للغاية، مفاده أن حاجات النظام -وبالتالي الطبقات الحاكمة- ستكون موحدة. والحال أن رأسمال وأرباب العمل متعددون. إن تعطشهم المشترك للربح يسبب بروز معارضة ومنافسة بينهم بقدر ما يولد وحدة محاربة عالم الشغل والتحكم به.
لا بد أن يثير كل ذلك تناقضات، غالبا ما كانت في صلب النقاشات التعليمية.
هناك، على سبيل المثال، تناقض بين التصورات التي تسري على تعليم النخب وتعليم الشعب. قال أناتولي لوناتشارسكي: «المدرسة البرجوازية ممزقة بين المثل الأعلى للشخص الفرداني الذي تنمو في فمه أنياب الحيوانات البرية، والمثل الأعلى للشخص المنضبط، وبعبارة أخرى العبد، ولا يمكنها الخروج عن إطار ذلك» [أناتولي لوناتشارسكي، حول المدرسة الطبقية، بصدد التعليم، دار التقدم، موسكو، 1984]. كيف يمكن التوفيق في نفس النظام التعليمي، بين تدريس القيم الأساسية التي تطالب بها البرجوازية لأطفالها -الحرية الفردية والتأمين والنجاح الشخصي- وضرورة تلقين عمال المستقبل قيم مثل الانضباط في العمل والطاعة والتواضع في السعي إلى الطموحات الاجتماعية؟
قد يكون هناك أيضًا تناقض بين المصالح الاقتصادية والحاجات السياسية. كيف يمكن منح أهمية كافية للتعليم الإيديولوجي والتنشئة الاجتماعية للمواطنين، وهي ضرورية للغاية من أجل البقاء السياسي للنظام، في حين يجب أن يحدث ذلك على حساب التأهيل المهني، وهو أمر حيوي للغاية بالنسبة للمنافسة؟ وكيف يمكن جعل جميع العمال يكسبون مستوى عالٍ من المعرفة والتقنية مع إعادة إنتاج نظام تراتبي هرمي صارم في صفوف اليد العاملة؟
تناقض أيضاً بين الحاجات قصيرة الأمد وطويلة الأمد: هل يجب تعزيز قابلية الاستغلال المباشر لليد العاملة أو قابلية تكيفها؟
قد تتعارض أحياناً المصالح الجماعية للطبقة المالكة مع المصالح الخاصة للعائلات التي تشكلها: قد ترغب البرجوازية البلجيكية المعاصرة بشكل جماعي في مدرسة أفضل لأطفال الطبقات الشعبية (لأنها في حاجة إليها لتكوين اليد العاملة وللسلم الاجتماعي)، ولكن لا توجد أي عائلة برجوازية معينة مستعدة لدفع الثمن عبر التخلي عن الامتيازات التي تتمتع بها في سوق التعليم.
لا تعليم أكثر من اللازم بوجه خاص!
ومع ذلك، أكثر بكثير من كل هذه الاختلافات القائمة بين مختلف وظائف النظام التعليمي البرجوازي، يجب ادراك أن حاجات هامة أخرى، ومصالح حيوية أخرى للطبقات السائدة، تتعارض تماماً مع تقدم عملية التمدرس.
إذا كانت الرأسمالية في حاجة إلى نظامها التعليمي لتزويدها بالعمال والمواطنين المتكيفين مع اقتصادها، فهي غير مستعدة للقيام بذلك على حساب نفقات مفرطة. الاستثمار في التعليم؟ حسنا، ولكن هذا ما يتطلبه الأمر بالضبط!
كما قد تكون العقبة بوجه تطوير نظام التعليم جزءا من إرادة سياسية تهدف إلى تقييد دور الدولة بشكل صارم. تحتاج البرجوازية إلى جهاز دولة لإرساء وحماية سيادتها وتنظيم المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. ولكنها بوجه خاص، في حاجة إلى مساحات حرية لتطوير تجارتها وصناعتها. إليكم بعض التعابير التي قدمها البلجيكي دي بروكير في معارضة التعليم الإلزامي في عام 1859: «إذا أجبرتم رب أسرة على إرسال طفله إلى المدرسة صباحاً، فلا يمكنكم اجباره على ارساله اليها بمعدة فارغة؛ عليكم بالأقل ضمان حصوله على قطعة خبز؛ قبل التمكن من تنمية الذكاء، يجب في المقام الأول تغذية الجسم. والحال أن ذلك سيشكل الاشتراكية والشيوعية، اللتان لا أريدهما بأي شكل من الأشكال.» [نقلا عن كاريل دي كليرك، لحظات في تاريخ التعليم البلجيكي، دي سيكل، أنتويرب، عام 1975، صفحة 32.]
ثم، الفزع من نقص اليد العاملة قد يثير مخاوف من التعليم الزائد. طالما أن الطفل يذهب إلى المدرسة، فهو غير متوفر في سوق الشغل. كانت هذه الحقيقة البسيطة، في معظم البلدان الرأسمالية الحديثة، عقبة رئيسية بوجه تطبيق التعليم الابتدائي الإلزامي في القرن التاسع عشر. كان الرأسمالية المتنامية تطالب بأطفال للاشتغال في مصانعها ومناجمها. لم يستغرق الأمر أكثر، خاصة في بلجيكا، لكي تظل أبواب المدرسة أمامهم مغلقة لفترة طويلة.
ولكن بوجه خاص، في نظر الطبقات الحاكمة، قد يمثل الافراط في التعليم والمعرفة خطراً على النظام القائم. ألن يؤدي التمدرس، في صفوف العمال، إلى خلق «طموحات متهورة»؟
في عام 1816، أكد الوزير الفرنسي المستبصر فرانسوا أن «الجهل يجعل الشعب مشاغباً وشرساً، ويحوله إلى أداة رهن إشارة المتآمرين المتحمسين لاستخدام هذه الأداة الرهيبة. (…) يبرز والحالة هذه في صفوف الطبقات الدنيا، هذا النفور من وضعهم، وهذا التعطش إلى التغيير، وهذا الجشع الجامح الذي لا يمكن لأي شيء أن يوقفه أو يلبي رغباته» [فرانسوا غيزو، عام 1816. دراسة حول تاريخ التعليم العام وحول وضعه حاليا في فرنسا، باريس: ماردان] ولكن بعد ثلاثين عامًا، بعد ثورة عام 1848، رد أدولف تيير، سفاح كومونة باريس الكومونة مستقبلاً، بأن « العمال الأكثر تعليماً وأجرا هم في نفس الوقت الأكثر انحرافا اخلاقياَ والأكثر خطرا على السلم العام» [نقلا عن جورج كونيوت، عام 1948. المسألة التعليمية في عام 1848 وقانون المدرسة عام 1848 وقانون فالو، دار النشر، الأمس واليوم].
في بلجيكا، كانت تشارلز ويست، تشارك رئيس الحزب الكاثوليكي، نفس المخاوف في عام 1908، عندما تدخل في مجلس النواب في بلجيكا سعياً مرة أخرى إلى معارضة التعليم الإلزامي الحتمي: «نريد الحفاظ على ذكاء وروح أطفالنا من عدوى المذاهب السيئة. نخاف من تسممهم» [دي كليرك، مرجع سابق. ص 86]. وعندما أراد فيلهلم الثاني تحديث نظام التعليم في ألمانيا، حذره المستشارون: « صاحب الجلالة، أنتم تخاطرون بارتكاب خطأ فادح. قد يتخرج من المدارس المهنية بلا شك أفضل المتخصصين لكن أسوأ الرعايا بكثير في الممكلة» [نقلا عن أناتولي لوناتشارسكي، مرجع سالف الذكر. صفحة. 40].
هكذا سعت البرجوازية دوماً إلى تقييد ولوج الطبقة العاملة إلى التعليم، لأن «التأهيل يمنح العامل قوة للمطالبة بالأجور وظروف العمل»، كما يقول برنارد شارلوت جيدًا، «إن التأهيل يمنح العامل قوة للمطالبة بالأجور وظروف العمل والتوق إلى تحقيق الطموحات الاجتماعية والسياسية للطبقة العاملة» [برنارد شارلوت، المدرسة المتغيرة، بايوت، باريس، 1987، صفحة. 64].
يأخذ هذا التناقض الأخير شكلاً نوعيا فيما يتعلق بتكوين عمال المستقبل في المجال التقني.
منذ منتصف القرن التاسع عشر، أعلن مؤلفون عديديون مثل كارل ماركس أن عصر المكننة والصناعة الكبيرة سيؤدي إلى الطلب على يد عاملة متعددة الوظائف أكثر بكثير. من وجهة نظر تقنية واقتصادية بحتة، سيكون من مصلحة الصناعيين توفرهم على عمال لديهم نظرة عامة حول سيرورة الإنتاج وحول اندماجهم في الإنتاج الشامل، وقادرين على التفاعل مع المواقف غير المتوقعة بالذكاء اللازم.
منذ بداية القرن التاسع عشر، شهدت تكنلوجيا الإنتاج تطوراً مذهلاً. أدى هذا التقدم أحياناً إلى حاجات جديدة من حيث أشكال التأهيل الجماهيري -في الكهرباء والميكانيكا في السنوات الممتدة من 1900 إلى 1940 أو في الإلكترونيات في فترة سنوات الثلاثين عامًا المجيدة. والعكس من ذلك، كانوا أحياناً يميلون أكثر إلى الحث على الغاء التأهيل في العمل – مع المكننة في بداية القرن التاسع عشر أو تكنلوجيا الاعلام والاتصالات اليوم. قد يحدث والحالة هذه، حسب الفترات والأماكن والقطاعات، أن تعبر الرأسمالية هي بالذات عن رغبتها في تكوين تقني أكثر تطوراً.
لكنها لم تنهج بأي وجه مسار التعليم البوليتكنيكي [متعدد الفنون والعلوم] الذي تعتبره خطيراً وعديم الفائدة.
إنه عديم الفائدة لأن الحاجات على المدى القصير إلى تكوين تقني كانت دوماً حاجات إلى يد عاملة متخصصة (كهربائيون وميكانيكيون ، ومختصون في الإلكترونيات). يمكن للرأسمالية على المدى البعيد أن تجد مصلحتها بلا شك في تكوين بوليتيكنيكي، ولكن جوهر الرأسمالية بالذات هو عدم النظر إلى القرارات إلا في إطار آفاق مردودية قصيرة الأمد.
كما أن تكويناً بوليتكنيكياً خطير للغاية بالنسبة للنظام: فهو يفتح الباب أما فهم العالم، لأنه يبين تأثير التطورات التقنية على تطورات المجتمع؛ إنه يعمل على تحسيس الشباب، ويطور حسهم النقدي، وقدرتهم على فهم البيئة التكنولوجية وما قد تحمله من ثورات اقتصادية واجتماعية.
لذلك، على الرغم من بعض المحاولات الخجولة لتقديم دروس في التكنولوجيا للجميع، غالبًا ما اقتصرت العلاقة التعليمية بالتقنية على إتقان سلبي للأدوات وانحصرت في مسالك التهميش. يظل العمل المنتج موسوما «بالابتذال»، وموجها لمن لم ينجحوا في مسالك تعتبر «نبيلة». فقط بعض النخب الجامعية يحق لها الاستفادة من تكوين من نوع «بوليتكنيكي»، والذي يبقى نظريًا بشكل أساسي، ولكنه يسمح لقادة المستقبل بإلقاء نظرة عامة على سيرورة الإنتاج. ويستخدمونها لضمان هيمنتهم الطبقية.
ولهذا السبب، لا تمتلك «الطبقة البرجوازية» الوسائل ولا الرغبة في تقديم تعليم حقيقي للشعب» (كارل ماركس). [كارل ماركس العمل المأجور والرأسمال (مخطوطة ملحقة؛ في ماركس وإنجلز، نقد التربية والتعليم، ماسبيرو، باريس ، 1976].
نيكو هيرت
نيكو هيرت حاصل على تكوين في الفيزياء، وكان أستاذ الرياضيات والفيزياء. في عام 1995، كان من مؤسسي جمعية نداء من أجل مدرسة ديمقراطية (أبيد)، وكان أيضًا رئيس تحرير المجلة الفصلية المدرسة الديمقراطية L École democratique. ويشتغل حاليا مسؤولا عن الدراسات في جمعية أبيد. وهو مؤلف مقالات وكتب عديدة حول المدرسة.
اقرأ أيضا