إصابة عاملات عين السبع- الدار البيضاء قمة تخفي جبل جليد تهديد الطبقة العاملة بالوباء
أصيب أكثر من 100 عاملة في شركة صناعية بمنطقة عين السبع بالدار البيضاء بفيروس كورونا، حيث انتقلت لهن العدوى من مشرفة العمل.
ليست هذه الحالة التي أظهرها الإعلام إلى الواجهة، استثناء. إنها تعبير عن الجحيم الذي تعيشه الطبقة العاملة يوميا من أجل تأمين استمرار الإنتاج وتدفق الأرباح إلى جيوب أرباب العمل، دون توفير أدنى شروط السلامة والوقاية.
لا يتعلق الأمر بانفلات أو تقصير من إدارة الشركة أو رب عمل لا يحترم مقتضيات حجر صحي. بل إنه الوجه الآخر لحرية الاستثمار دون قيود اجتماعية وصحية وقانونية، أو ما تطلق عليه الدولة: تحسين محيط الاستثمار لتشجيع المستثمرين.
فكل ما يثقل نفقات كلفة الإنتاج يجري التخلي عنه، أو غض النظر عن عدم تطبيقه إن ورد في القانون، وذلك لتقوية تنافسية “المقاولة المواطنة” في وجه العولمة، أو لجلب رؤوس الأموال الأجنبية.
لا… ليس الأمر مرتبطا فقط بوباء ينتشر بسرعة. فالأمراض المهنية مستشرية في القطاعات الصناعية، وأرباب العمل يستنكفون عن تطبيق أدنى شروط السلامة والوقاية، بما فيها تلك الواردة في قانون الشغل، وكل ذلك على مذبح تقليل الكلفة لرفع الأرباح.
ومن المفارقة أن المصنع متخصص في صناعة المواد وأجهزة شبه الطبية الموجهة للوقاية من الفيروس، في حين أن صانعات الوقاية محرومات من أجهزتها. إنها صورة طبق الأصل لكامل الإنتاج الرأسمالي: فصل العامل- ة المنتج- ة عن منتوجهما.
دلالة الحادثة أكبر من الحادثة نفسها. ما يهم أرباب العمل، في المغرب وفي كل العالم، هو استمرار عجلة الإنتاج، حتى لو طحنت هذه العجلة العمود الفقري للطبقة العاملة. إنها صورة أخرى للحرب الطبقية، حيث الشغيلة في جبهة القتال (المعامل والمزارع…) تضحي بحياتها في سبيل “مصالح الوطن” المزعوم، بينما تضيف البرجوازية إلى أرصدتها الملايين المصبوغة بدماء الشغيلة.
تسعى البرجوازية ودولها في العالم، إلى إرسال رسائل طمأنة بأن العدوى قد تجاوزت نقطتها الحرجة وأن مرحلة التعافي قد بدأت، لكن ما يهمها هو تعافي الاقتصاد من الانكماش الحاد الذي سببه انقطاع الإنتاج وسلاسل التجارة العالمية.
تعد البرجوازية ودولها الرأي العام لقبول استئناف العمل، مروجة ادعاءات وأكاذيب. وكل ذلك، دون توفير لقاح لوقف زحف الوباء، ولا توفير شروط صحية لاستئناف الإنتاج. فكل رب عمل يريد أن يجني فوائد الاستئناف دون تحمل نفقاته: فلتتحمل الطبقة العاملة كلفة إعادة الإنتاج من صحتها الجسدية والنفسية، هذا هو شعار البرجوازية، التي تعتبر العمال لحمَ مدافع في حربها ضد تداعيات الوباء على الوضع الاقتصادي. وفي هذه الحرب تحرص البرجوازية على سلامة آلتها الإنتاجية أكثر من السلامة الجسدية للعمال، تماما كما يحرص جنرال برجوازي على سلامة دبابة أكثر من سائقها.
ليس مصنع عين السبع الحالة الأولى، فقد سبقته إصابة 13 عاملا- ة بمصنع النسيج بالمنطقة الصناعية اجزناية طنجة، و16 مصاب بشركة مكاطريكس مود فايشن” للخياطة بطنجة، وعشرات الحالات بمركز كارفور التجاري بفاس.
ستستمر الكارثة بأوجه أكثر بشاعة، في حالة رفع حالة الحجر الصحي، بنفس ظروف العمل السائدة حاليا. ويبدو أن أرباب العمل لن يتوانوا عن تقديم القرابين البشرية على مذبح عطش إلى الأرباح لا يرتوي.
تقع مهمة جسيمة على تنظيمات نضال الطبقة العاملة (النقابات)، فالوجود البيولوجي لقسم مهم من الشغيلة على المحك، ويجب تنظيم وقف العمل في الوحدات الصناعية غير الضرورية وتلك التي لا تحترم شروط الوقاية والسلامة، مع إلزام أرباب العمل على تحمل كلفة البطالة المؤقتة، من خلال اقتطاعات إجبارية من أرباحهم وثروتهم.
أثبتت حادثة مصنع عين السبع (وقبله مصنعي طنجة) ضرورة النضال من أجل فرض حق االطبقة العاملة على ممارسة رقابة مباشرة على الإنتاج في المقاولات، رقابة تعطيها حق الاعتراض على قرارات يتخذها رب العمل قد تضر بحياتها أو أجورها واستقرار عملها. لن تتأتى هذه الرقابة إلا بنضال حقيقي، فالدولة لن تمارسها إلا في حدود لن تضر باستمرار العملية الإنتاجية (كما هو حال جهاز تفتيش الشغل)، فالدولة في آخر المطاف هي جهاز حكم البرجوازية لضمان استمرار استغلال الشغيلة.
اقرأ أيضا