23 مارس 1965: كي لا تنسنا جائحة كورونا جرائم الاستبداد. بقلم، وائل المراكشي (كاتب بجريدة المناضل-ة الموقوفة)
تحل ذكرى انتفاضة 23 مارس 1965 في سياق متميز، سياق انتشار كورونا وامتدادها إلى المغرب حيت التهديد بالقضاء على أقسام واسعة من الشعب: أفقرت الدولة بسياساتها التقشفية الصارمة جماهير واسعة، وألقت بقسم منها إلى بطالة واسعة، نظام صحي مدمر بفعل تقليصات حصته من الميزانية العمومية إضافة إلى خوصصة جزء كبير من خدماته، تدمير أنظمة الوقاية والرعاية الاجتماعية، تكدس مديني فظيع…
انتفض الشعب يوم 23 مارس 2020 ضد خيارات اقتصادية واجتماعية لدولة موروثة عن الاستعمار، دولة وجهت اقتصاد البلاد لخدمة المستعمر القديم وأزلامه إلى جانب إعداد بنية تحتية واستعمال المالية العمومية لإنماء برجوازية محلية. في حين ظل الشعب يرزح في فقر مدقع يأمل التحرر من البؤس الاجتماعي والاستبداد الاستعماري، أمل تحول إلى سراب.
بدأت التلاميذ الانتفاضة، إذ حرم مرسوم وزاري كل البالغين 17 سنة من الالتحاق بالسلك الثاني من الثانوي. كانت صفعة قوية لآمال تحسين الوضع الاجتماعي عن طريق التعليم. صفعة دوّت في ربوع المغرب، فبعد شهر من صدور القرار اندلعت إضرابات التلاميذ بمدن عديدة، وكانت أضخم الاحتجاجات بالدار البيضاء وانضمت لها جماهير الأحياء الشعبية من عمال وعاطلين. عبر المتظاهرون عن رفضهم للسياسة العامة للدولة وطبيعة نظامها السياسي وقمعها للمظاهرات بالإقدام على إحراق الحافلات والبنوك ومحاصرة إدارات الشرطة ورفع شعارات ضد الملك. تدخل الجيش ووزير الداخلية أوفقير شخصيا في عمليات القمع.
أعلنت الدولة أن الحصيلة الرسمية لم تتعد 7 قتلى و69 جريح و168 معتقل. لكن الحقيقة دفنت مع القتلى ليلا في أماكن مجهولة.
لقد قتل نظام الاستبداد السياسي آنذاك العديد من المحتجين. أحمد العراقي [وزير البيئة الأسبق في حكومة اليوسفي]: ومع بداية شهر أبريل، كانت المواجهات قد انتهت، بحصيلة قتلى… تكون قد وصلت إلى 5000، بينما قال محمد الحبابي أن الحصيلة قد تصل إلى 1500. [23 مارس 1965… عندما جرى الدم أنهارا في الدار البيضاء… هسبريس – إسماعيل عزام، السبت 23 مارس 2013].
في حين أعلن تقرير “هيئة الإنصاف والمصالحة”، أن عدد الذين يكونون قد توفوا على إثر الأحداث الاجتماعية الواقعة في 1965 (50 وفاة)، أي أكثر من الحصيلة الرسمية التي أعلنتها الدولة إبان الأحداث. وقد أكد التقرير الختامي للهيئة الصادر بتاريخ 30 نوفمبر 2005، كذب تلك التصريحات الرسمية آنذاك: “تضمنت البلاغات الرسمية المنشورة عقب كل هذه الأحداث، ما عدا في حالة واحدة (الناظور 1984)، وبشكل منهجي، معلومات خاطئة عن عدد الوفيات وأسبابها”. [الكتاب الثاني: الحقيقة والمسؤولية عن الانتهاكات].
إنها نفس الدولة التي فصلت مراسيم قمعية لوأد حرية التعبير بمبرر محاربة “نشر الأخبار الزائفة والإشاعات”، نفس الدولة التي اتهمت حراك الريف بتهم “زائفة” مبنية على “إشاعات” مثل “العمالة للخارج والتخابر مع جهات أجنبية” لتبرير القضاء على الحراك واجتثاث طلائعه والزج بهم في السجون والزنازين الانفرادية.
تدعي دولة الاستبداد، وهي تسن قوانين الطوارئ لفرض الحجر الصحي بطريقة قسرية، دون توفير شروطه الاقتصادية والاجتماعية، أنها حريصة على صحة الشعب. وهي نفس الدولة الوريثة لتلك التي قتلت المئات يوم 23 مارس. يؤكد تقرير “هيئة الإنصاف والمصالحة” بهتان ادعاءات الدولة: “شهدت تلك الأحداث ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تمثلت أساسا في المس بالحق في الحياة لعدد من المواطنين من بينهم أطفال ومن بينهم أيضا أشخاص لم تكن لهم أية مشاركة في تلك الأحداث”. [التقرير الختامي، الكتاب الثاني، 30 نوفمبر 2005].
قامت “هيئة الإنصاف والمصالحة” بتنظيف أيدي الدولة من تلك الجرائم، وطوت صفحتها دون محاسبة مقترفيها بتعاون مع جسم متحدر من اليسار الشعبوي واليسار الجذري. لكن ليس فقط مقترفو تلك الجرائم من جرى تبرئتهم بل كذلك السياسيات الاقتصادية التي خدمها ذلك القمع. إنها جرائم اقترفت من أجل توطيد الرأسمالية التابعة وترسيخ الاستبداد السياسي، لكنها نُسبت إلى حماسة دكتاتوريين أفراد أفرطوا في “شطط استعمال السلطة”.
إن النظام الاقتصادي الذي يحرم الملايين من فرص الشغل ومن إمكانات الاستشفاء المجاني والجيد والتعليم العمومي قد وُلد انطلاقا من أعنف أشكال الترهيب التي فُرضت على المجتمع وتنظيمات النضال وطلائعه. لذلك استطاعت الدولة الاستمرار في تطبيق تلك السياسات التي مهدت الأرضية لانتشار الوباء وتدمير كل سبل توقعه والوقاية منه والتخفيف من تداعياته.
بلغت الوفيات إذن، في يوم واحد (23 مارس)، 7 وفيات حسب المصادر الرسمية آنذاك، و50 وفاة حسب تقرير “هيئة الإنصاف والمصالحة”، بينما صرح المشاركون في تلك الأحداث بأنها تعدت المئات (1500 حسب محمد الحبابي) والآلاف (5000 حسب احمد العراقي).
حتى الآن لم تتعد حالات الوفاة الناتجة عن امتداد وباء كورونا أكثر من أربع حالات منذ تسجيل أول حالة بالمغرب يوم 2 مارس 2020. لكن استمرار الدولة في نفس السياسات المحابية للرأسمال الخاص، مع اعتماد مساحيق اجتماعية لإغاثة أكثر أقسام الشعب بؤسا، تهدد بأن تكون الخسائر البشرية لامتداد الوباء كارثية، إذا لم تستطع الطبقة العاملة ومفقري- ات المدن والقرى وتنظيمات النضال، إجبار الدولة على تبني خيارات اقتصادية مغايرة كليا لتلك المتبناة لحدود الآن:
– مجانية الولوج إلى الخدمات الصحية سواء في المستشفيات العمومية أو الخصوصية.
– توفير مجاني للأدوية وكل وسائل الوقاية من كمامات وقفازات ومطهرات كحولية.
– توفير أجر للشغيلة التي يجري تسريحها بمبرر الحجر الصحي، وتعويضات عن البطالة لأقسام الطبقة العاملة وكل المشتغلين- ات في القطاعات الهشة (القطاع غير المهيكل).
ويجب أن تفرض الدولة تمويل هذه الإجراءات على البرجوازية من خلال ضرائب تصاعدية على الثروة وعلى الدخل، وليس تحميل كلفتها للكادحين أنفسهم (تبرعات قسرية) أو معاناة من الجوع والمرض.
اقرأ أيضا