مهامُنا في مُواجهة كورونا وتعديات أرباب العمل ودولتهم: تيار المناضل-ة، 23 مارس 2020
وباء كورونا نتاجُ تخريبِ كوكب الأرض من طرف الرأسمالية: احترارٌ لا يتوقف، اختلالات مناخية، تلاعب بجينات الحيوان والنبات من أجل صناعات غذائية لا تراعي معايير السلامة من أجل أرباح الشركات، تدمير إجرامي لأنظمة الصحة والوقاية بتقليص حصتها من الميزانية العمومية وخصخصتها، انفجار ديمغرافي وتكدس مديني مهول، تفقير بلدان الجنوب ونهب ثرواتها… وجرائم الرأسمالية العالمية لا يمكنها حصرها في لائحة.
يذكرنا ما يحدث اليوم كم نحن بحاجة للتضامن الإنساني الأممي من أجل العيش؛ من وُوهان إلى ميلان إلى طهران… ونعلم بوضوح تام أن تعليمنا وسكننا، وبنياتنا التحتية الاجتماعية، وصحتنا أولى من أرباح الرأسماليين ورفاهيتهم. نُقدر في المقام الأول، ونَدعم، كل العاملين بقطاع الصحة، وهم على خط المواجهة المباشرة مع الجائحة، ويتحملون مخاطر جمّة، في شُروط عمل رديئة جراء الخراب الذي ألحقته عقود من التقشف بالخدمة الصحية العمومية.
تُوجد الطبقة العاملة ومفقري- ات المدن والقرى في وجه وباء يُهدد وجودها البيولوجي، ولكن أيضا في وجه مدفعية سياسات نيوليبرالية تؤدي إلى تقهقر اجتماعي فظيع. ولا تتساوى إمكانات البقاء في وجه الوباء بين برجوازية تملك إمكانات ذلك، وشغيلة نُزعت منها وسائل الوقاية والبقاء.
ستجد الشغيلة نفسها في وضع لا تحسد عليه، وسيؤدي ذلك إلى تراكم غضب قد يولد انفجارات عفوية هنا وهناك، ما يطرح على وجه الاستعجال نقاش مهام تنظيمات النضال (نقابات، جمعيات حقوقية ونسوية، شبكات مناضلين- ات على الانترنت…).
تُعتبر الدعوة إلى تجمعات (تظاهرات، وقفات…) في لحظة تفشي الوباء استهتارا إجراميا بصحة الكادحين- ات. لكن حين يصل سكينُ الحرمان العظمَ ستفضل أقسام من المحرومين- ات الموت بالوباء على معاناة يومية تحول حياتهم- هن إلى جحيم.
تقع مهمة تنظيم التضامن مع أقسام الشغيلة المتضررة، بوجه الضرورة، على تنظيمات الشغيلة، خاصة النقابات، التي يجب عليها تنظيم صندوق تضامن عمالي موحد.
واجبنا تنظيم حملات توعية للوقاية من الوباء، وفي نفس الوقت ربطه بأسبابه الحقيقية، لقطع الطريق أمام التفسيرات الغيبية التي تبرؤ الرأسمالية وتغض الطرف عن تعديات أرباب العمل ودولتهم، وفي التحليل الأخير توجه وعي الشغيلة إلى حلول لن تسفر إلا عن استمرار الكارثة الاجتماعية وتمهيد الأرضية لعودة أوبئة أشرس.
سيساعد هذا التضامن الطبقي الجماعي بين الشغيلة، في ضمان الالتزام الجماعي والطوعي بالحجر الصحي. إن دعوتنا للالتزام بالحجر الذاتي، ليس استجابة لقانون قمعي فصلته الدولة، ليس فقط لمواجهة الوباء، ولكن لاستعماله مستقبلا ضد أي تحرك نضالي ضد آثار الكارثة وضد ما مررته من تعديات لحظة هذه الكارثة.
إن الانضباط الطبقي الواعي والطوعي مطلوب في هذه اللحظة أكثر من أي لحظة أخرى، ليس على طبقتنا وطلائعها انتظار دعوات الالتزام من دولة البرجوازية أو فرضه بشكل قسري.
غاية الدولة من اللجوء إلى الإجراءات القمعية لفرض الحجر المنزلي واضحة. فهي واعية بحدود تطبيقه، خارج توفير شروطه. لكنها تريد تعبئة قسرية وهزة لوعي مستهتر بحجم الكارثة القادمة لتقليص حجم المأساة. ولن يؤدي ذلك إلا إلى تحميل الشعب المسؤولية بسبب عدم انضباطه وجحوده لمجهوداتها الجبارة.
يصطدم تطبيق الحجر الصحي الذاتي بانعدام شروطه المادية، في ظل فقر جماهيري، وعمال-ات يجري استغلالهم- هن في ظروف بالغة الهشاشة، وفئات تعتاشُ من التسول وغيرها من الأعمال الهامشية.
يجعل هذا الوضعُ الحجرَ المنزلي مستحيلا إلاّ بإجراءات اقتصادية واجتماعية قوية، وانتهاك كبير للملكية الخاصة وقطيعة فورية مع كل توصيات البنك العالمي، وهو ما لن تقوم به دولة أرباب العمل أبدا، إلا إن كانت مجبرة تحت ضغط نضال جماهيري.
يصطدم كذلك الالتزام بالحجر المنزلي بالقدرة الاقتصادية للشغيلة والكادحين، وهذا ما يفرض على الدولة، توفير إمكانات الصمود:
– اعتبار الفواتير التالية: كراء وكهرباء وماء وهاتف وانترنيت… مجانية بداية من تاريخ إعلان الحجر الصحي المنزلي حتى زواله.
– توفير مخزون المواد الضرورية (كمامات ومُطهرات كحولية، ومواد غذائية أساسية…)، وإيصالها مجانا لمن لا دخل لهم.
– توفير دخل للعمال-ات الفاقدين-ات لفرص الشغل وغير المستوفين- ات شروط الاستفادة من صندوق كورونا (التصريح في صندوق الضمان الاجتماعي): كل المحكومين- ات بالحجر بلا دخل لإعالة الأسر. فكيف ندعوهم- هن إلى الحجر المنزلي وهم- هن تحت ويلات الجوع؟
وإذا طال الحجر، وهو المرجح، فستُطرح بحدة مسألة تدبير شامل للمجتمع وتوزيع الندرة أمام شعب أغلبه بلا دخل. سيستلزم ذلك استخدام إمكانات كبرى، متوفرة بالفعل، لمجابهة الوباء: استعمال الفنادق والشقق والفيلات المقفلة، وتحويل مخصصات ميزانيات مكرسة حصرا لمصلحة كبار الأغنياء لميزانية الصحة، ما يسمح بتشغيل قسم كبير من الكادر الصحي العاطل عن العمل، وأيضا وقف كل أنشطة الإنتاج غير الضرورية، وتوجيه الإنتاج لصناعة الغذاء الأساسي، ومستلزمات الصحة العامة الضرورية. إنه منطق لن تستحضره دولة أرباب العمل، بل يجب فرضه بفضل قوة الطبقة العاملة الجماعية، وهذا ما يطرح مجددا وفاء النقابات لعلة وجودها.
وجه “مجموعة من الأطباء بمستشفى ابن رشد بالدار البيضاء”، المحكوم عليهم- هن بالتواصل المباشر مع المرضى، ما يشكل مانعا من العودة إلى محلات سكناهم- هن نداء من أجل تمكينهم من استخدام الشقق الفارغة وغرف الفنادق… وعلى الساكنة الاستجابة لندائهم، ولكن على الدولة بالدرجة الأولى التدخل لتوفير شروط الراحة لموظفي- ات قطاع الصحة.
وأبعد من ذلك على الدولة أن تستعمل المصحات الخاصة والبنيات الشاغرة والفنادق… كمستشفيات مجهزة بلوازم الإنعاش الكافية، وكل ما هو ضروري لمجابهة الوباء بفعالية.
في مواجهة هذا الخطر الكبير على الصحة العامة، يجب ألا نخطئ الهدف: الأولوية هي منع تفشي العدوى. وأنه يتوجب على الرأسمال المستفيد دوما دفع فاتورة الأزمة الصحية.
لا نقبل أن تلقى أعباء تدبير الأزمة على كاهل الطبقة العاملة والطبقات الشعبية المفقرة. ولن نقبل مستقبلا أن تُدَمر خدماتنا الاجتماعية العمومية باسم “خفض المديونية”، و”الانضباط لمعايير الميزانية”، و”التنافسية”، التي حرمت ملايين المواطنين والمواطنات من حقهم في التعليم والسكن والشغل والصحة…
ينبع سعينا للالتزام بالحجر المنزلي الذاتي من حرص أكيد على البقاء البيولوجي لطبقة الشغيلة (عمال وكادحين- ات)، وليس على طبقتنا انتظار فرضه بوسائل قمعية.
لقد أوقف امتداد الوباء إلى المغرب بؤر النضال التي كانت لا زالت تقاوم: تنسيقية المفروض عليهن- هم التعاقد، وتَململٌ ضد مُراجعة الأنظمة الأساسية لشغيلة الدولة، ومعارك العمال- ات الزراعيين –ات.. ويعتبر أرباب العمل ودولتهم جائحة كورونا فرصة لن تعوض لتنزيل ما كان يواجه مقاومة من هجماتهم.
لا تعني استحالة التجمع للنضال والنقاش في أماكن العمل والمقرات، أن النضال معلق إلى حين انتهاء الوباء، فاليقظة الطبقية مطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضى.
ليس بإمكاننا عقد اجتماعات حضورية، ولكن بإمكاننا عقدها افتراضيا باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل سكايب وواتساب وفايسبوك (تطبيقات “مجانية” للحاسوب والهاتف). وعند الضرورة القصوى لعقد اجتماع حضوري، يتوجب مراعاة أقصى الإجراءات الوقائية الأساسية.
علينا وعلى مناضلي طبقتنا استغلال كل الإمكانات التي تتيحها وسائل التواصل التكنولوجي: فايسبوك، واتساب، يوتيب، مدونات، مواقع الكترونية…، لفتح نقاش حول أسباب الوباء والحلول الطبقية لمواجهته، وفي نفس الوقت تنبيه طبقتنا إلى ما يمرره أرباب العمل ودولتهم من تعديات اجتماعية (تسريحات، قطع أجور، استغلال في ظروف لا تضمن معايير السلامة، أجرأة بنود مراجعة الأنظمة الأساسية لموظفي- ات الدولة…)، ومن تعديات على الحريات (حرية النشر والتعبير عن الرأي، بدعوى مواجهة نشر الإشاعة والهلع).
على طبقتنا وعلى طلائعها التحلي باليقظة اللازمة للرفض الواعي لكل هذه التعديات، والاستعداد لتلك اللحظة التي سيسمح فيها انقضاء الوباء لاستئناف النضال الذي أوقفه امتداده إلى المغرب.
النضال قادم، لنحافظ على الوجود البيولوجي لطبقتنا وطلائعها، ولنحافظ على استقلالية وعيها عن كل التعبيرات السياسية للبرجوازية، رسمية كانت، أو معارضة، رجعية كانت أو مدعية التقدمية.
نناشد كل من لا يشتغل بقطاع حيوي البقاء بالمنزل، وأن نعمل جميعا، نحن الأكثر تضررا بالأزمة، على تنظيم تضامننا العمالي والشعبي ونحن متباعدون، بلا اتصال جسدي، من شرفات منازلنا ونوافذها، وأسطحها…
يتوجه تضامننا لضعفاء مجتمعنا البشري، وللعمال الذين أُكرهوا على البطالة القسرية، وللبدون مأوى، وإخواننا المُهاجرين المتضررين بشدة مما يجري. ولا ننس إكبارنا للجهود الجبارة لعمال النظافة، وخاصة للنساء اللواتي تزيد الأزمة أعبائهن، والعمال والعاملات الزراعيين/آت، وكل العاملين من أجل ضمان تزودنا بالأغذية والأدوية وكل ما يلزم من مقومات الصمود بوجه الوباء.
لنبقى مُتحدين، مُتضامنين، حياتُنا أولى من أرباحهم.
تيار المناضل-ة، 23 مارس 2020
اقرأ أيضا