في وجه الوباء: لا ل -الإجماع النيوليبرالي-، لنتحلى باليقظة الطبقية ولنستعد للقادم، بقلم شيماء النجار (كاتبة بجريدة المناضل-ة الموقوفة)
لا تحدث الكوارث الطبيعية في مجتمعات مثالية ومنسجمة المصالح، بل في مجتمعات تنخرها تناقضات طبقية وتفاوتات اجتماعية صارخة. لذلك فإن الحديث عن “الإجماع الوطني والاصطفاف وراء الإرادة السياسية للدولة وتعليق الخلافات السياسية جانبا”، قصد استئنافها بعد القضاء على الكارثة الطبيعية، يعني عماء أيديولوجيا وسجودا صنميا أمام المجتمع القائم ومؤسساته.
لا يتوقف الصراع الطبقي في عز الكوارث (سواء كانت حربا، أو أزمة اقتصادية أو كارثة طبيعية) بل تتبدى أقسى أوجهه وأبشع مظاهره وتطفو إلى السطح: تفاوت إمكانات البقاء في وجه الكوارث.
يستطيع البرجوازيون وأصحاب المداخيل العالية، بحكم ما راكموه سابقا من ثروات الصمود أكثر، بينما تدفع الكارثةُ الشغيلةَ وفقراءَ القرى والمدن إلى الدرك الأسفل. ولا يجب أن ننسى أن ما راكمه البرجوازيون من ثروات تتيح لهم إمكانات البقاء جاء نتاج اعتصار الشغيلة ونهب المال العام واستغلال ثروات الطبيعة.
يملك البرجوازيون إمكان الولوج إلى أرقى الخدمات الطبية في أجود المصحات وحتى إمكان تلقي أجود العلاجات في فيلاتهم، إضافة إلى ثروة مالية هائلة تمنح القدرة على تكديس مواد الاستهلاك، في حين تتكدس أجساد الشغيلة في تنافس وحشي على أسرة مهترئة في مستشفيات عمومية متهالكة، ومطالبة بالأداء المسبق، لمن لا يملك بطاقة راميد، وأداء مسبقا لمن يملكها ويضطر للجوء إلى مصحات القطاع الخاص.
في هذا الوضع يعني تجميد الصراع وترك الخلافات جانبا، تجميد قوة طبقة منزوعة السلاح أصلا والمزيد من إفساد وعيها الطبقي، في حين تشتد الحرب الطبقة من جانب أرباب العمل ودولتهم.
إن دعوات “الإجماع الوطني” موجهة بالدرجة الأولى، إلى ما تبقى من أصوات رافضة للخيارات الاقتصادية والاجتماعية النيوليبرالية التي تصر الدولة على تنفيذها في عز الأزمة، ومن رفض الانصياع لهذا الإجماع فقد فصلت الدولة مراسيم وقوانين مقيدة لحرية النشر والتعبير لتكميم أفواههم- هن.
يعتبر أرباب العمل ودولتهم لحظات الأزمات (الطبيعية أو الاقتصادية أو السياسية) فرصا لا تعوض لتطبيق ما عجزوا عن تطبيقه في لحظات السلم والاستقرار حيث تملك الشغيلة حدا أدنى من اليقظة السياسية وتلاقيا جماعيا في أماكن العمل والاستهلاك، في حين تؤدي صدمات الكوارث وفجائيتها إلى تذرير الشغيلة وتعطيل الحس السياسي (مؤقتا طبعا): كيف سيجتمع الموظفون- ات المقتطعة أجورهم- هن تحت حالة الطوارئ المعلنة؟ كيف سيحتج العمال- ات المسرحون- ات في وقت يمنع فيه كل تجمع تحت طائلة الخوف من انتقال العدوى؟ كيف يمكن الاحتجاج على مراسيم عادمة للحريات في ظل منع التنقل؟
لم تتردد الدولة في استعمال المال العام لإغاثة أرباب العمل الذين ارتفع صراخهم من الأضرار التي ستلحقهم جراء التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا. إن أرباب العمل ودولتهم أكثر تمسكا بأيديولوجيتهم. تلك الأيديولوجية النيوليبرالية التي تحصر دور الحكومة “في دولة تحكم فيها الشركات” في دور “حزام ناقل يقوم بإيصال الأموال العامة إلى أيدي أناس من القطاع الخاص، وهي وظيفة تتطلب التزاما أيديولوجيا أكثر منه خبرة عملية مناسبة”. [“عقيدة الصدمة، صعود رأسمالية الكوارث”، نعومي كلاين].
إن المطالبة بتعليق النضال و”الخلافات الأيديولوجية”، بمبرر كونها أمورا ثانوية في وجه عدو أكثر شراسة (وباء كورونا)، وانتظار نهاية البلاء قصد استئنافها، وهم قاتل. فالكلفة البشرية والاجتماعية للوباء ستقع على طبقة الشغيلة، بينما ستنتزع الإجراءات القمعية طلائعها منها، ما يجعل كل استئناف أقرب إلى المستحيل.
يقتضي الوضع الحالي، يقظة وعينا الطبقي والحفاظ على استقلالية خطابنا ورايتنا عن كل الخطابات والرايات البرجوازية (الرسمية أو المدعية المعارضة)، والوقوف ضد أرباب عمل لا يهمهم إلا الإبقاء على معدلات ربحهم مرتفعة، ودولتهم الحريصة على ضمان ذلك إلى جانب الحرص على الاستقرار السياسي، أكثر من البقاء البيولوجي والاجتماعي لملايين الشغيلة والمفقرين- ات.
إن التأوهات الأخلاقية ودعوات التعفف لن توقف الصراع الطبقي بقدر ما تقيد أيدي الشغيلة وعموم المفقرين- ات وتنزع السلاح من أيديهم- هن في وجه عدو طبقي مسلح بجهاز دولة كلي القدرة إضافة إلى قدرة اقتصادية هائلة تمنحه، ليس فقط القدرة على البقاء في وجه الكارثة، بل القدرة على تحميل الشغيلة كلفتها.
لم يسكت قسم من الشغيلة، وواجه نفاق التضامن والتبرع، حيث اعترض قسم مهم من الموظفين- ات على الاقتطاع من أجورهم- هن الهزيلة أصلا بمبرر التبرع لصندوق ستوجه أغلب ماليته لدعم القطاع الخاص، ووُجِّهت انتقادات قاسية للبيروقراطيات النقابية التي دعت إلى ذلك الاقتطاع، دون أدنى استشارة لمن يعنيهم القرار.
واجبنا هو تعرية النفاق الطبقي الكامن وراء دعوات “الإجماع الوطني” و”التضامن” و”التبرع”، وفضح كل التعديات التي يعمل أرباب العمل ودولتهم تمريرها في غفلة من الشغيلة.
ستنتفض الطبقة العاملة والكادحون- ات لا محالة، فالوضع الذي ستنحدر إليه، جراء الوباء وسياسات الدولة وتعديات أرباب العمل، هو ما سيدفعها إلى النضال، وليس كتابات المحرضين- ات وناشري- ات الهلع. الاستعداد للحظة انطلاق النضال واجب كل نصير ونصيرة الطبقة العاملة، وأولى الواجبات حاليا هي الحرص على عدم الإصابة- ليس فقط بعدوى كورونا- ولكن أيضا بعدوى الأيديولوجيا الرسمية (“الإجماع الوطني”) والأيديولوجيا الليبرالية بكل تجلياتها.
اقرأ أيضا