العمال والجائحة: إقبار الرأسمالية قبل أن تقبرنا، بقلم ي.ح (صحفي بجريدة المناضل-ة الموقوفة)
سيمثل انتشار جائحة كورونا ببلدنا فاصلا بين مرحلتين، فما بعده سيكون مختلفا تماما على كافة المستويات. لقد تبين أننا مقبلون على أول كارثة عامة تضرب البلاد وفي نفس الوقت العالم في سياق أزمة المنظومة الرأسمالية المعولمة. وسيكون وقع تلك الكارثة أكبر في ظل غياب جركة عمالية منظمة وواعية، مما سيشجع الطبقات السائدة على استغلالها لفرض وتعميق المزيد من الخيارات المدمرة لما بقي من مكاسب ولإعادة تنظيم المجتمع على أسس تعمق سيطرة رأسالمال، كما كان الأمر مع أزمة 2008.
إن الحرب ضد الأوبئة هي حرب مع عدو يوجد في كل زاوية، وفي الحرب الناجحة يتبين بشكل واضح أن مفتاح النجاح يكمن في مركزة الموارد وحسن استعمالها، بمعنى أنه باعتماد اليات السوق سيكون مستحيلا إدارة الأزمة الماثلة أمامنا.
يأتي الوباء في ظرفية متميزة بموسم فلاحي جاف، سيعري حقيقة 12 عاما من تطبيق مخطط المغرب الأخضر. قد نواجه عجزا غذائيا كبيرا مع إصابة دول كثيرة، نعتمد عليها لاستيراد احتياجاتنا، بالجائحة وستسعى للحفاظ على مخزونها من المواد الغذائية. في الوقت الذي ستغلق صناعاتنا ذات الطبيعة الطفيلية والثانوية في عمومها، لارتباطها بالتصدير لسوق عالمية مغلقة، وسيلقى بأجرائها إلى براثن البطالة بعدما استهلكت قواهم مثلما استهلكت موارد جمة وأسهمت في الكارثة البيئية.
تتصرف الطبقة السائدة اليوم بحسب خبراتها السابقة، فعندما يتعلق الأمر بمصالح رأس المال تكون الإجراءات ملموسة: ولعل أهمها “الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا “كوفيد 19” الذي يمثل عمليا الأداة الاستثنائية لمواجهة الوباء وآثاره، والمكرس فعلا لخدمة مصالح أرباب العمل تحت عنوان “الحفاظ على مناصب الشغل ودعم الاقتصاد الوطني ودعم الميزانية العامة”. في حين لن تمثل المصاريف التي ستوجه للمجال الصحي، الواقع في كارثة مزمنة بفعل السياسات الليبرالية، إلا قسما هامشيا من مصروفات الصندوق، فيما ستلجأ الدولة لاستعمال جزء يسير من إيرادات الصندوق لدعم مباشر للأجراء المسجلين بالضمان الاجتماعي الذين يفقدون عملهم، وهو دعم لن يتجاوز 2000 درهم بحسب لجنة اليقظة الاقتصادية.
تقوم دعاية كاذبة بأن الصندوق هو من تمويل بعض الأثرياء في البلد، وهو ادعاء لا يصمد البتة إن علمنا أن هؤلاء الأثرياء استفادوا من المالية العمومية بموجب قوانين المالية المتعاقبة، من إعفاءات جبائية تفوق 30 مليار درهم سنويا (ما يسمى نفقات جبائية)، كانت المقاولات الكبرى أكبر المستفيدين منها، بينما موجودات صندوق الحسن الثاني فهي بالضبط أموال ممتلكات الشعب المغربي التي تم خوصصتها وسخرت لدعم الرأسمال مباشرة بالأموال أو بشكل غير مباشر بالبنية التحتية من طرق وموانئ ومطارات ومناطق صناعية ومناطق حرة، في حين أن مساهمة صندوق الإيداع والتدبير والمكتب الشريف للفوسفاط ليست إلا ثروة المغاربة التي يسيرها الرأسماليون لمصلحتهم منذ زمان مثلها مثل مساهمة ميزانيات الجهات وعدد من المؤسسات العمومية، بينما الأموال المتحصلة من اتصالات المغرب أكثر وضوحا في ملكيتها لفقراء الشعب الذين يستعملون منتجات تلك الشركة للاتصال، تلك الشركة حتى لا ننسى أرادت أن تجعل الواتساب خدمة مدفوعة، بينما تظل أرباح شركات المحروقات المتحصل عليها من تحرير سوقها مثال واضح عن الضحك على الذقون الذي جاءت به مساهمة أحد أباطرتها، في محاولة منه للضحك على شعب في زمن لا يصح فيه الضحك… إن الحديث عن المساهمة “الوطنية” للأثرياء في الصندوق كذب بواح، وينبغي كشفه.
ما من إجراءات عاجلة في مجال الصحة العامة وبشأن العاملين بالقطاع الصحي، لا ميزانية استثنائية ولا تشغيل لردم الخصاص ومن أجل توفير اللوازم الطبية. وبالنظر الى أن البلد ليست مصنعة وتعتمد على الاستيراد في توفير ما يلزم من معدات فالعاجل هو تحويل ما يمكن من بنية إنتاجية متوفرة لإنتاج ضروريات التعامل الصحي المناسب الوقائي مثل الكمامات والمعقمات… إن رفض أو التلكؤ في اتخاذ إجراءات عاجلة لتنظيم عالم الشغل بما يناسب مواجهة الوباء معناه تعريض صحة وسلامة ملايين العمال والعاملات للخطر وكذا ذويهم ومحيطهم، وسيشكل جريمة كبرى.
كما يتم تنظيم الاقتصاد زمن الحرب تسعى البورجوازية لتنظيم الإنتاج زمن الجائحة، وكما تنظمه في الحرب بالشكل الذي يضمن أرباحها ويلقي بالأعباء على العمال والعاملات وعموم الشعب الكادح، ستسعى لكي يدفع الأخرون تكاليف الجائحة سواء في صحتهم أو في قوتهم.
غير أنه في هذا الزمن سيكون ذلك صعبا عليها، فإقناع ملايين البشر بالقبول السلبي بالتحلل تحت سياط المجاعة والأوبئة بينما ترفل القلة البورجوازية في قصور نعيمها أمر مستبعد.
تغلف البورجوازية إجراءاتها الآن برداء ناعم، مستغلة حالة الخوف الذي انتاب المجتمع لدى اكتشافه جدية التهديد، لكنها قد تصبح أكثر وحشية في سعيها للحفاظ على مكاسبها والدفاع عن مصالحها وأرباحها وسيطرتها، إن طالت مدة انتشار الوباء وآثاره. وهو ما تهيئ له منذ الآن عبر إجراءات تهدف تكميم الأفواه: مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي التي ستلعب في هذه الظرفية الوبائية دورا هاما في تبادل الأفكار والأخبار. والدرس البليغ لذلك أن البرجوازية ودولتها لا تؤجلان الصراع الطبقي، بل هما أحرص على أن تكون حتى أحلك الظرفيات مناسبة لتوجيه أقسى الضربات للطبقة العاملة والطبقات الشعبية المقهورة.
قد تجد الطبقة العاملة نفسها مجبرة على دفع التكلفة الغالية للجائحة والانحدار بذلك لمستوى العبيد، إن لم تضطلع بدور محوري وريادي في سيرورة انتقال لمجتمع آخر مبني على التضامن: اقتصاديا واجتماعيا وخدماتيا، منظما فلاحته على أساس تلبية الحاجيات الأساسية مع الحفاظ على البيئة. ولأجل ذلك عليها التعويل على كل أشكال التضامن الطبقي العمالي والشعبي الممكنة وفعل ذلك جماعيا ودعوة ما يفترض أنها منظمات نضالنا الطبقي لتحمل مسؤوليتها. بعقد اجتماعات تراعي الظرف من أجل تسطير بدائل ومواجهة الاستهتار بحياة من تحملوا تضحيات الماضي والحاضر ويطلب منهم دون أدنى توفير للشروط الضرورية بدل التضحيات لتخطي هذه الأزمة.
يمثل تركيز موارد المجتمع تحت سلطة مركزية ديمقراطية في خدمة الشعب ضرورة لتوفير إمكانيات فعلية جبارة لمواجه الجائحة، ولأجل ذلك وجب النضال من اجل إجراءات استعجالية:
– استعادة السيطرة على البنك المركزي، ووضع النظام البنكي تحت سلطة عمومية موحدة واعتباره خدمة عامة غير موجهة لنهب مواد الشعب الكادح عبر آليات الفوائد الإجرامية… يراكم البورجوازيون الأرباح في الأبناك، ويقرضونها للدولة والأفراد مقابل فوائد لسد عجز ميزانية تسببوا فيه جراء عدم أدائهم ضرائب تتماشى ودخلهم ومستوى استهلاكهم… وبعد ذلك يطالبون بالتقشف في نفقات الخدمات العمومية لكي يستردوا ما أقرضوه ومعه الأرباح…
– إقرار نظام صحي عمومي ومنع رأسالمال من الاستثمار فيه وإعادة خدمات قطاع النظافة للتدبير العمومي ووقف خطط تحرير المياه….،
– تأميم فوري لكل الخدمات العامة دون تعويض فهي ملك للمجتمع الذي أنتجها وبناها بشقاء عماله وعاملاته…..
– وضع اليد على سوق المحروقات والتراجع عن تحرير أسعارها، ونفس الشيء بالنسبة للمواد الغذائية.
– لا مبرر لأجور مرتفعة وامتيازات لا حصر لها للبورجوازيين وخدامهم من كبار الموظفين حتى في الظروف العادية، فالأعمال الشاقة ينهض بها الشغيلة والكادحين، وشعبنا يعيش أوضاع قاسية ويعاني من سوء الخدمات في الأيام العادية…. فما بالك في وضع الجائحة….
– كل من يتقاضى أجرا لا يجب أن يتعدى مع كافة التعويضات عشر مرات الحد الأدنى للأجور على أن يستمر هذا الوضع دوما…
– كل من له مساكن مقفولة عليه أن يدفع عليها ضرائب تصاعدية، لكي يعرضها للكراء… أو للبيع لكي يتمكن جزء من أبناء شعبنا من سكن لائق ….
– تحويل بنيات سياحية إلى مستشفيات بشكل دائم وفورا، لكي يتم إحداث نقلة في نظامنا الصحي بشكل مستعجل….
– خفض جذري لوقت العمل الأسبوعي، 30 ساعة في الأسبوع لا يعقل أن يقهر البشر في العمل المأجور وجزء آخر بالبطالة…
– تأميم الشركات الكبرى الصناعية والتجارية وشركات الاتصالات الحيوية للاقتصاد دون تعويض…
– تأميم التجارة الخارجية والحد من الاستهلاك الباذخ المستورد… لا يخجل البورجوازيون من استعراض ثراءهم من سيارات فارهة ويخوت وقصور وأبناء شعبهم لا يجدون وسيلة نقل كريمة ولا مكان في مستشفى….
– وضع مخازن الغذاء تحت إشراف الإدارة العمومية، والرقابة الشعبية… لا يجب أن يكون الوباء مصدر ربح وتجارة للرأسماليين….
– سكان الأحياء الشعبية المكتظة لا مجال فيه لبقاء عشرة أفراد أو أكثر في شقق من خمسين متر أو أقل …. فتح المساكن الشاغرة والإقامات أمام الأسر العمالية والشعبية…. يعيش اثنين وثلاثة وأكثر من العمال الشباب في غرفة واحدة …
– مصادرة أموال الذين استفادوا من العفو مقابل أداء فتات على ثرواتهم المهربة للخارج …. أبناء شعبنا أولى بما سرق منهم في هذا الظرف العصيب…
– من أجل تدخل عاجل لإعادة هيكلة الأسواق في المدن بالشكل الذي يوفر فيها شروط الصحة والسلامة…. أغلب أسواق المدن قذرة … أما أسواق القرى والمراكز الصغرى فهي تعيش على مشارف القرون الوسطى…. أسواق البورجوازية نظيفة…. فأبناء وبنات شعبنا ينظفون أماكن عيش البورجوازية وأسواقها….
– نحن مقبلون على أوقات صعبة يجب وقف نهب الثروات السمكية من طرف الرأسماليين …. وتوجيهها لتغذية شعبنا… وللتعاون مع الشعوب الأخرى.
– الإشهار يستنزف موارد وطاقة ووقت خيرة شبابنا…ليقنعنا بشراء منتجات جلها مسرطن ومضر بالصحة ومبذرة للموارد، وجب تعويضه بمواد تثقيف وتنوير…..
– توفير الدخول المجاني للأنترنيت ذي الصبيب المناسب للتلاميذ والطلبة وفتح قنوات تلفزية تعليمية متعددة موجهة إليهم….
– تخصيص ما يكفي من المال للبحث العلمي للإسهام في إيجاد الحلول للوباء المنتشر.
– وقف دائم للمهرجانات التافهة والإشهارية وتوجيه مصاريفها لما ينفع الناس. من أجل تربية فنية (موسيقية ومسرحية..) في المؤسسات التعليمية.
يتأكد مجددا أن الرأسمالية تقود العالم نحو الكارثة، وحتى إلى فناء الجنس البشري نفسه، ويظل الشعار كما صدحت به الثورية العظيمة روزا لوكسمبورغ: “إما الاشتراكية أو الهمجية”.
اقرأ أيضا