الجبهة الاجتماعية؛ مبادرة ناقصة بشأن ضرورة ملحة
بلغ وجوب قيام جبهة نضال اجتماعية ضد التعديات على مكتسبات الطبقات الشعبية وحقوقها درجة عالية من الضرورة الملحة منذ انطلاق الهجوم الكاسح الذي مثلته برامج صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وتكريسها بما يسمى الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، هذه الأطراف الاستعمارية الجديدة التي غدت متحكمة بقبضة من حديد بمصير اقتصاد المغرب ومجتمعه. حيث تفرض سياسات في خدمة الرأسمال العالمي، وحليفه المحلي، مخلفة كوارث اجتماعية، دامت عقودا وبلغت اليوم مستويات مفجعة. فالخوصصة تعصف بالخدمات الاجتماعية، وظروف العمل في ترد مستمر، قوامه استشراء البطالة الجماهيرية والهشاشة والتدهور الخطير لظروف العمل، وأجور البؤس، وحرمان الأغلبية من حماية اجتماعية حقيقية، وما يقتضيه هذا كله من استبداد سياسي وقمع وتجريم للمقاومة الاجتماعية، وهلم جرا.
وقد تقدم هذا الهجوم الرأسمالي وحقق معظم أهدافه بفعل تشتت المقاومة العمالية والشعبية، رغم ظهور أشكال تنظيم توحيدية مثل تنسيقيات مناهضة الغلاء 2006-2007، وتنسيقيات نقابية، ولجان تضامن، وتنوع التعبئات الشعبية بالمناطق المهملة، مثل ايفني-ايت باعمران في 2005-2008، ونهوض حركة 20 فبراير وما وازاها من كفاحات اجتماعية بالغة التنوع، ومؤخرا حراكي الريف وجرادة المجيدين.
ويكمن خلف تشتت الرد العمالي والشعبي الطبيعة السياسية- الطبقية للقوى المهيمنة في أدوات النضال النقابي، إذ أن انْحِكامها بمنظور يروم الاقتصار على إصلاح بعض أوجه النظام السياسي دون طعن في جوهر النظام الاقتصادي-الاجتماعي الرأسمالي التابع، وقَصْر مطالبها في تلطيف اجتماعي مزعوم لسياسة الدوائر الامبريالية والبرجوازية المحلية، جعلها تخشى وتتفادى توسع النضالات الاجتماعية وتجذرها، ما يدفعها إلى الكبح والتحكم الفوقي والسعي إلى توافقات تجهض في آخر المطاف الاندفاع العمالي والشعبي إلى النضال، وحتى إلى النفور من الهيئات النقابية والسياسية المنتسبة إلى اليسار. وبلغت الكارثة مستوى مشاركة أطراف من هذه القوى-ذات البديل الرأسمالي المنقى من الريع والفساد ليس إلا- في حكومة واجهة كانت غطاء لمواصلة برنامج صندوق النقد الدولي بحذافيره، ومساندة نقدية من قوى أخرى مجاورة سياسيا.
وبرز هذا الخوف من النضال الشعبي المتسع والمتجذر بجلاء غير مسبوق إبان حراكي الريف وجرادة، حيث انصبت جهود تلك القوى المنتسبة للديمقراطية والحقوق الاجتماعية على إسداء النصح للدولة قصد فش الحراكين بدلا عن السعي لانتشارهما بالتعبئة العمالية والشعبية بمنظور القطع النهائي مع الاستبداد والسياسة النيوليبرالية.
وعلى غرار النظام، استعملت تلك القوى، بعد انكفاء حركة 20 فبراير، فزاعة الحرب الأهلية، وأكذوبة الاستقرار، لكبح النضال العمالي والشعبي، ما شجع الدولة على الإمعان في قمع حراكي الريف وجرادة وتصعيد الهجوم على الحريات.
وقد تأكد الضرر البالغ الناتج عن هذا الخط السياسي الحامل لواء الديمقراطية والحقوق الاجتماعية لكن المتوجس من اتخاذ النضال نطاقا يتجاوز الضغط الطفيف المتلازم مع سعي للتحكم والتوجيه الفوقي، بعيدا عن أي ديمقراطية في تسيير النضالات وتقرير آفاقها.
إن التصدي الفعلي للتعديات البرجوازية، المسنودة من الامبريالية، يتطلب قيام حركة نضال جماهيرية مسيرة ذاتيا، بآليات الديمقراطية المباشرة، من لجان في أماكن العمل والسكن، تخص النساء بمكانة متقدمة بفعل قوة مشاركتهن الكفاحية في النضالين النقابي والشعبي على السواء. وبناء هكذا حركة مهمة المنتسبين إلى بديل ديمقراطي حقيقي، سياسيا واجتماعيا: البديل العمالي الاشتراكي الثوري، المطالب بلف كل ضحايا الرأسمالية حول الطبقة العاملة، بما هي نوعيا العنصر الرئيس في أي تصد حقيقي للاستبداد والظلم الاجتماعي.
وقد كان السعي لبناء هكذا حركة عمالية وشعبية جماهيرية هدف مناضلي/ات البديل العمالي رغم قلتهم، ولا يمكن لهؤلاء إزاء أي دعوة لتوحيد النضال العمالي و/أو الشعبي حول أي مطلب سياسي و/أو اجتماعي مهما بدا صغيرا، إلا أن ينخرطوا بكل قواهم، معتبرين كل معركة مدرسة نضال ترقي الوعي وتكشف الصديق والعدو.
لذا فإن تيار المناضل-ة، الذي يدرج جهوده ضمن مشروع البديل العمالي الاشتراكي الثوري، يمد يد التعاون إلى كل مناضل/ة من أجل حقوق طبقتنا وعامة ضحايا الرأسمالية، داخل الجبهة الاجتماعية وخارجها، مدركا تمام الإدراك حدود القوى المهيمنة اليوم في أدوات النضال النقابي والشعبي، مجدا من أجل بناء أدوات نضال سياسي واجتماعي طبقية بناء ديمقراطيا وكفاحيا.
تيار المناضل-ة، 17 فبراير 2020
اقرأ أيضا