لتعش فلسطين حرة، ولتسقط”صفقة القرن”، وكل المساعي لتصفية القضية الفلسطينية
بيان مشترك: التجمع الشيوعي الثوري، لبنان، وتيار المناضل-ة، المغرب
فيما شهد القرن السابق زوال شتى أشكال الاستعمار [القديم القائم على الاحتلال العسكري والحكم المباشر] من مختلف البلدان والقارات، ها نحن بدأنا قبل شهر ونيِّف العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، ولكن لنلاحظ أن بلداً واحداً، في عالمنا هذا، لا يزال يكابد أحد أبشع الاستعمارات التي عرفتها البشرية جمعاء، ألا وهو الاستعمار الاستيطاني. هذا البلد منكود الحظ، للأسف والحزن الشديدين، يُسمَّى فلسطين! فلسطين، بالضبط، التي عاشت، على امتداد الصراع المرير الذي خاضته، في القرنين الأخيرين، بمواجهة الصهيونية العالمية، وحلفائها الكثيرين عبر العالم، سلسلة مريرة من المآسي والنكبات، قبل أن تبدأ، في الفترة الأخيرة، بمواجهة أقصى التآمر العدواني ضدها، من الدولة الصهيونية التي قامت، عنوة واغتصاباً، على أرضها، في العام 1948، ومن حليفتها الأساسية الحالية، المتمثلة بالإمبريالية الأميركية، بقيادة رئيسها الراهن، دونالد ترامب، صاحب ما بات يسمى “صفقة القرن”، التي قد تشكل، بلا ريب – في حال لم يتم استنفار كل قدرات الشعب الفلسطيني، في الدرجة الأولى، وتلك الخاصة بكامل الشعوب العربية، وشعوب البلدان الصديقة، والديمقراطية، عبر العالم، بهدف إسقاطها – نقطة الذروة في عملية القضاء على هذا الشعب، وتصفية قضيته العادلة، فضلاً عما تمثله من طعنة نجلاء لكامل تطلعات شعوب منطقتنا للتحرر، ليس فقط من المخاطر الكارثية لوجود الكيان الصهيوني، في القلب منها، بل كذلك من الأعباء القاتلة لاستمرار الهيمنة الإمبريالية، بفضل هذا الوجود، إلى حد بعيد، على مقدرات منطقتنا. علماً بأن قضية الشعب الفلسطيني مرت، على امتداد القرنين الأخيرين، بتقلبات خطيرة، وتعرضت لأقسى الضربات، وشتى المظالم والنكبات، التي تكاد لا تكون تعرضت لمثلها قضايا أي شعب آخر، أقلُّهُ في التاريخ الحديث.
فعبر أكثر من مئة وعشرين من الأعوام، يتعرض شعب فلسطين، المتجذر في أرضها، منذ آلاف السنين، لمختلف أصناف المؤامرات، والمكائد، والاضطهادات والخيانات، من كل حدب وصوب، وذلك مذ عمد تيودور هرتزل – مستنداً إلى أوهامٍ وهلوساتٍ سبقه إليها رهطٌ كبير من المسعورين الدينيين، الذين، بالمناسبة، لم يكونوا يهوداً، بل صهاينة مسيحيين أميركيين – إلى كتابة مؤلَّفِه المشهور، “دولة اليهود، محاولة لحل عصري للمسألة اليهودية”. وهو الكتاب الذي رأى فيه أنه طالما بقي اليهود في أوروبا الرأسمالية سيتعرضون للاضطهاد المستمر، بسبب منافستهم الاقتصادية لها، وكان الحل الأمثل لديه إقامة دولة لهم في فلسطين. وبالطبع، لم يكتف الكاتب المسرحي المغمور بإطلاق تلك الفكرة في الكتاب المشار إليه، بل دعا إلى انعقاد ذلك المؤتمر الذي بات معروفاً، فيما بعد، بمؤتمر بازل، في سويسرا، في العام 1887. وهو المؤتمر الذي تأسست فيه الحركة الصهيونية، وترأس هو شخصيا المنظمة المنبثقة منه، وقد جمعت يهوداً من شتى بلدان القارة العجوز بات هدفهم الأهم الإعداد، ولا سيما عبر تشجيع هجرة يهود من شتى البلدان، إلى فلسطين، لإقامة دولة لهم، فيها.
وعلى الرغم من أن الغالبية الساحقة من يهود العالم لم ترُقْ لهم هذه الفكرة، وظلوا طويلاً يمتنعون عن تنفيذها، فسرعان ما التقت مصالح المنظمة المشار إليها مع مصالح الدول الاستعمارية لتسهيل الانتقال بها إلى التنفيذ. وضمن هذا المنظور، سوف يصدر، منذ العام 1917، ذلك الوعد المشؤوم الذي وقعه أرثر جيمس بلفور، وزير خارجية الدولة الرأسمالية الاستعمارية الأهم، في أوروبا، آنذاك، بريطانيا، في رسالة إلى اللورد والتر روتشيلد، وعده فيها بدعم نشوء دولة قومية لليهود في فلسطين. وهكذا مارست الدولة المذكورة، في سعيها للوفاء بذلك الوعد، من موقعها كمنتدبة على أجزاء عربية عدة من السلطنة العثمانية، المنهارة، خلال الحرب العالمية الأولى، من ضمنها فلسطين، كل ما تستطيع من قمع شرس للفلسطينيين، الذين قاوموا بصلابة وبطولة هذا المسعى، في انتفاضات عديدة، منذ أوائل عشرينيات القرن الماضي، ولا سيما إبان الثورة التي أشعلوها بين العامين 1936 و1939.
خيانة الأنظمة القديمة، فانهزام تلك التي انقلبت عليها
وقد كانت أول مصيبة بالغة القساوة حلت بهم تلك التي تواطأ جزء كبير من العالم على تعريضهم لها، والتي تمثلت في العام 1947، بقرار الأمم المتحدة تقسيم وطنهم التاريخي بينهم وبين اليهود القادمين إليه من شتى بقاع العالم، فيما كانت المصيبة الثانية تلك التي حلت بهم في العام التالي، 1948، وتمثلت بالخيانة الكبرى من جانب الأنظمة العربية، في تلك الفترة، التي أوهمتهم، خلال الحرب التي خاضتها ضدهم العصابات الصهيونية، للاستيلاء على الجزء الأكبر من وطنهم، بانها ستدافع عنهم بكل ما ملكت أيمانها، وتُفشل مسعى الصهاينة ذاك. ولكن ما سمي جيش الإنقاذ الذي أرسلته تلك الأنظمة لخوض تلك الحرب، دفاعاً عن فلسطين وشعبها، انهزم شر هزيمة، في مواجهة تلك العصابات، لأنه لم يكن معداً، في الأساس، لإحراز النصر، في الوقت الذي دعا فيه قادتُهُ السكان الفلسطينيين للجوء، مؤقتاً، إلى البلدان العربية المجاورة، بدل الصمود في مدنهم وقراهم، ما سهَّلَ استيلاء الصهاينة على أكثر من 80 بالمئة من بلدهم، وإعلانهم عن قيام دولة إسرائيل. وهو أمر لا تُسأل عنه الأنظمة المشار إليها وحدها، بل كذلك، وفي درجة أساسية، طبيعة القيادة الذاتية للشعب الفلسطيني، آنذاك، في واقعها الاجتماعي، المتمثل، بوجه خاص بالعائلات المالكة الكبرى للأرض، والمراجع الدينية المتخلفة، التي كان على رأسها مفتي فلسطين، الحاج أمين الحسيني.
ولن تكون تجربة الأنظمة الانقلابية، التي حلت محل أنظمة هزيمة العام 1948، وقامت باسم التقدمية والاشتراكية المزعومتين، وبوجه أخص باسم تحرير فلسطين، أفضل، نوعياً، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، هي التي ستمنى، في حزيران 1967، بهزيمة لا تقل بشاعة وبؤساً عن الهزيمة الكبرى الأولى، ولا سيما بسبب طبيعتها الدكتاتورية القمعية وواقعها الطبقي البرجوازي. علماً بأنها ستتحول، بعد حرب تشرين 1973، إما إلى الدخول في صلح خياني مشهود مع الدولة الصهيونية، كما الحال مع مصر، في ظل قيادة أنور السادات – وهو الصلح الذي أخرج من المعادلة العسكرية مع إسرائيل أقوى وأكبر دولة عربية -، أو إلى الانكفاء، في حالة النظام السوري، إلى موقف انتظاري منافق، يدَّعي الممانعة، بانتظار تحقيق ما كان يسميه التوازن الاستراتيجي، المستحيل، مع العدو، في حين هو امتنع، في ظل سلطة حافظ الأسد، ومنذ حرب تشرين المشار إليها، عن إطلاق رصاصة واحدة ضد إسرائيل، على الرغم من احتلالها جزءاً هاماً من الأرض السورية، وفيما امتنع الأسد الابن، بعد استلامه السلطة، في العام 2000، حتى عن الرد على الاعتداءات الإسرائيلية المباشرة ضد بلده، علماً أن الأسدين، الأب والابن، كليهما، مارسا قمعاً دموياً شرساً ضد اللاجئين الفلسطينيين، في سوريا بالذات، كما في لبنان، وكذلك وبوجه خاص ضد المقاومة الفلسطينية التي نشأت، قي النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، بحيث قد يكون عدد الفلسطينيين الذين سقطوا، بين قتيل وجريح، في معارك النظام المذكور، وعملائه اللبنانيين، ضدهم، مدنيين كما مقاتلين، اكبر بوضوح من خسائرهم في مواجهة إسرائيل، أقلُّهُ على الأرض اللبنانية!
دور المقاومة الفلسطينية، في الصراع مع إسرائيل، فالصلح معها
المقاومة المنوَّه بها، التي ستنمو ويتعاظم حضورها، بعد حرب حزيران 67، جاءت بنتيجة شعور الفلسطينيين أنهم لا ينبغي أن يراهنوا على الأنظمة العربية في سعيهم لاستعادة وطنهم التاريخي، بل على قدراتهم هم أنفسهم. علماً بأن هذه الفكرة ظهرت في الأصل، لدى تلك الأنظمة بالذات، التي عمدت في العام 1964 إلى إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف.). هذا مع التشديد في الميثاق الوطني الذي وضعته منظمة التحرير هذه، في البند رقم 27 من الميثاق، في العام 1968، على التزام الفلسطينيين بالامتناع عن التدخل، بالمقابل، في الشؤون الداخلية لأي بلد عربي. وهو الأمر الذي ما كان ليقبل بتبنيه أي امرئ يتمتع بالحد الأدنى على الأقل من التطلعات والتوجهات الثورية. حيث إن الشعب الفلسطيني كان وسيبقى عاجزاً لوحده، ومن دون نجدة الجماهير العربية الواسعة، عن تحرير شبر واحد من الأرض الفلسطينية. وهي جماهير تسعى الأنظمة العربية القائمة إلى الآن لإبقائها مكبلة، بالكامل، وعاجزة عن التدخل الحاسم في أي من الأمور المتعلقة بمصير بلدانها، وحتى بمصيرها الذاتي.
مع ذلك، أي مع التوجه العام لدى المقاومة لعدم التدخل في شؤون هذا النظام أو ذاك، كان الأشرس في التصدي للمقاومة الفلسطينية، منذ السنوات الأولى لنشأتها، إنما هو تلك الأنظمة، لا إسرائيل، تحديداً. وهو ما سنراه بادئ ذي بدء، في الأردن، حيث تمكن النظام الملكي هناك من سحق الجزء منها الذي كان موجوداً في الأردن، سواء في مجازر أيلول الأسود 1970، أو بعد ذلك بأشهر، في جبال جرش وعجلون.
وسيحاول النظام اللبناني، هو الآخر، القيام بالشيء نفسه مع الجزء منها الذي كان موجوداً في لبنان، مراراً، ولا سيما في ربيع العام 1973، وإن كان سينوب عنه، فيما بعد، اليمين البرجوازي المسيحي اللبناني، الذي افتتح الحرب الأهلية في العام 1975، وكانت موجهة بوجه اخص ضد هذه المقاومة، ولكن أيضاً، وفي الوقت نفسه، ضد الحركة الوطنية اللبنانية، التي طرحت في آب/أغسطس 1975، وبعد أولى جولات تلك الحرب، برنامجاً للإصلاح، بمواجهة النظام اللبناني القائم، وقاتلت لأجله، في الوقت نفسه الذي شاركت خلاله في القتال لحماية المقاومة الفلسطينية، التي كان يستهدفها ذلك اليمين.
هذا ولقد كان يمكن لتلك المواجهة مع اليمين الطائفي البرجوازي اللبناني، لو تسنت لها قيادة ثورية حقيقية، أن تحقق نقلة نوعية ليس فقط في الواقع اللبناني وحسب، نحو تجاوز البنية الطائفية للنظام القائم باتجاه مجتمع ودولة علمانيين ديمقراطيين، قائمين على قدر واسع من مقومات العدالة الاجتماعية والمساواة، بل أيضاً في اتجاه ضمان المساواة بين اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين، وإقرار الحقوق المدنية والإنسانية لأولئك اللاجئين، بما يساهم في تجذير المقاومة المشار إليها، وتخليصها قدر الإمكان من الأمراض التي أصابتها، سريعاً، بنتيجة الارتباط بالتمويل القادم من الأنظمة العربية ولا سيما النفطية منها، ومن ضمنها الانحطاط البيروقراطي، وغياب الديمقراطية.
في كل حال، وحتى مع واقع تلك المقاومة المشار إليه، كانت تثير مخاوف كثيرة لدى الكيان الصهيوني، الأمر الذي سيدفع به في اتجاه القيام بمسعاه الخاص، هو الآخر، في اجتثاث تلك المقاومة، من داخل لبنان، وذلك على جولتين تمثلت أولاهما في الاستيلاء على شريط حدودي هام، في أواسط آذار/ مارس 1978، وثانيهما، وكان الأعنف والأشد ضراوة وفعالية، في أوائل حزيران 1982. وقد نجح في إجبار المقاومة المسلحة المنوه بها، على المغادرة إلى تونس، بعيداً جداً عن ساحة المواجهة المباشرة مع الكيان الصهيوني، بدلاً من الإصرار على الصمود بوجه الاجتياح الصهيوني، حتى النهاية، بما يساعد على الاستحصال، في غضون ذلك، وبسببه، على تضامن الشعوب العربية، في الدرجة الأولى، وشعوب العديد من البلدان التقدمية والديمقراطية، تالياً، يما يضطر إسرائيل، في الأخير، إلى التراجع.
ومع أن هذه المقاومة، في جزء أساسي منها، كان يتمثل بالمنظمة الأم، م.ت.ف.، بوجه خاص، ومنظمات أخرى عديدة، في مقدمتها حركة فتح، ومن ضمنها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، سبق أن تخلت ، بصورة أو بأخرى، عن شعار التحرير من النهر إلى البحر، في العام 1974- حين خطب رئيس فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، الراحل، ياسر عرفات، في الأمم المتحدة، معلناً الاستعداد للسلام مع الكيان الصهيوني، مقابل الحصول على دولة فلسطينية، في الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967، عاصمتها القدس الشرقية – فلن تنضج لديه ولدى حلفائه، في المقاومة، إلا في العام 1988، فكرة التخلي النهائي عن الكفاح المسلح، والاعتراف بدولة إسرائيل، في حدود ما قبل الخامس من حزيران 1967. وقد فعل ذلك حتى قبل أن تعترف هذه الأخيرة بم.ت.ف.، وتعلن عن قبولها بقيام دولة فلسطينية، في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولم يكن ذلك نتيجة مباشرة، فقط، لخروجه من لبنان، بل كذلك لمواقف الأنظمة العربية المتخاذلة، والخائنة – ولا سيما الأنظمة الخليجية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية – التي كانت تضغط، بصورة أو بأخرى، لتقديم المزيد من التنازلات للدولة الصهيونية، وحلفائها في الإمبريالية العالمية، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية. هذا مع العلم بأن الشعب الفلسطيني، في الضفة والقطاع، كان قد بدأ انتفاضته الأولى، التي سميت بانتفاضة أطفال الحجارة، وعمد إلى تشكيل قيادة شعبية ديمقراطية ثورية لانتفاضته، وكانت تلك الانتفاضة تشكل، بالتالي، عاملَ إرباكٍ كبيراً بالنسبة لإسرائيل، كما بالنسبة لحلفائها، على اختلافهم، بما يتيح الاستفادة من هذا الواقع لإجبار هذه الأخيرة على تقديم تنازلات جدية. وهو ما لم يحصل. لا بل حصل العكس، إذ لعبت المنظمة دوراً مؤثراً في وقف تلك الانتفاضة، وتسريع الانتقال إلى مفاوضات غير متكافئة مع الكيان الصهيوني، بالشكل الذي سيصب في الأخير في عملية إنتاج اتفاقية أوسلو، في أيلول/ سبتمبر من العام 1993، وذلك من وراء ظهر الشعب الفلسطيني.
من أوسلو إلى صفقة القرن
خلال اجتماع الجامعة العربية، قبل أيام، الذي ناقش مضمون صفقة القرن التي طرحها الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، والتي ركزت على ضم إسرائيل كلاً من المستوطنات داخل الضفة، ومنطقة غور الأردن، فضلاً عن تكريس ضم القدس الشرقية الذي تم بعد احتلالها بفترة قصيرة، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قطع “أية علاقة بما فيها الأمنية” مع إسرائيل والولايات المتحدة، مؤكداً تحرره من التزاماته بموجب اتفاقات أوسلو الموقعة العام 1993.
غير أن السيف قد سبق العذل، كما يقال، ولم يعد ما تعهد بفعله عباس الآن ينفع قدر أنملة. هو الذي استقتل، على المستوى الشخصي، لتمرير تلك الاتفاقات التي لعب الدور الأساسي في التوصل إليها، حين قاد، بنفسه، الجانب الفلسطيني، في مفاوضات العاصمة النروجية، في أوائل الشهر التاسع من العام 1993. أكثر من ذلك، لقد استقتل أيضا في المواظبة على التزامه ببنودها، على مدى عشرات السنين، وحتى وقت قريب للغاية.
مع ذلك، ما الأمر الجوهري الذي يميز الصفقة المشار إليها من مضمون اتفاقيات أوسلو؟! وهل أخطأت وثيقة «من السلام إلى الازدهار»، التي كشف عنها البيت الأبيض، في أواخر الشهر الماضي، حين أكدت على التواصل التاريخي بين المشروع الصفوي الأخير لحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية، واتفاقيات أوسلو، على الشكل التالي:
«إن رئيس الوزراء إسحاق رابين الذي وقّع على اتفاقيات أوسلو والذي وهب حياته لقضية السلام(هكذا!!!!)، شرح في آخر خطاب له أمام الكنيست الإسرائيلي ملامح نظرته للحلّ النهائي للنزاع. وقد رأى أن القدس سوف تبقى موحّدة تحت السيادة الإسرائيلية، وأن أقسام الضفة الغربية ذات الكثافة السكانية اليهودية سوف يتمّ ضمّها هي وغور الأردن إلى إسرائيل، وأن ما تبقّى من الضفة الغربية ومعه قطاع غزة سيقعان تحت نظام حكم ذاتي فلسطيني في إطار ما قال إنه سيكون «أقل من دولة». وكانت نظرة رابين هي الأساس الذي استندت إليه موافقة الكنيست على اتفاقيات أوسلو، ولم ترفضها القيادة الفلسطينية في حينه».
لقد بدت غريبة انفعالات السيد عباس، خلال حضوره أخيراً الاجتماع الاستثنائي للجامعة العربية. علماً بأن الموقف الوحيد الذي كان جديراً به اتخاذه إنما يتمثل بإنهاء حياته السياسية، بالكامل، بعد تقديم اعتذار صادق للشعب الفلسطيني، بسبب الكارثة التي تسبب له بها، على مدى عقود عدة، وسيبقى هذا الشعب يدفع ثمنها طويلاً جداً.
أما الشعب المشار إليه فأفضل طريقة للتعبير عن رفضه للصفقة الجديدة، التي يحاول ترامب فرضها عليه، فهو لن يكون فقط في الخروج نهائياً من أي مراهنات بائسة على أي من المتاجرين بالقضية الفلسطينية – سواء تمثَّل ذلك بالأنظمة العربية التي بات الجزء الأكبر منها على علاقة مباشرة بالكيان الصهيوني، ولن يفعل شيئاً لمواجهة المسعى الإسرائيلي الأميركي لوأد القضية الفلسطينية، إذا لم يكن العكس، كما هو حاصل، أو بالنظام الإيراني الذي لعب دوراً هاماً للغاية، حتى الآن، في تشجيع الانقسام القائم منذ سنوات داخل المجتمع الفلسطيني، وينخرط عملياً في سيرورة تمزيق المنطقة العربية، والسعي لخنق ثوراتها، التي يشكل انتصارها الأمل الوحيد في قيام مواجهة ناجحة للدولة الصهيونية، كما للهيمنة الإمبريالية على المنطقة المشار إليها – بل بالانضمام إلى السيرورة الثورية، التي بدأت، في المنطقة العربية – المغاربية، في أواسط كانون الأول/ ديسمبر 2010، في تونس، وانتقلت بعد ذلك، مباشرة، إلى مصر وبلدان عربية عديدة أخرى، لتعود فتتحرك، في الأشهر الماضية، في السودان والجزائر والعراق ولبنان، وستنتقل بالتأكيد إلى البلدان الباقية، في الآتي من الأيام والأشهر والسنوات. وبقدر ما يمكن أن يفعل ذلك – بالتلازم مع السعي لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، بالانتخاب الحر والديمقراطي في كل أماكن التواجد الفلسطيني، عبر العالم، على أساس برنامج ثوري حقاً – يمكن أن يستفيد إلى أبعد حد من اندفاع تلك السيرورة، وما ستنتجه من تبدلات في كل شيء، ولا سيما على صعيد موازين القوى فيما بين الدولة العبرية وكامل المنطقة العربية، لأجل سحق الهجمة الأميركية الصهيونية الجديدة-القديمة، وإعادة إطلاق اندفاعة ظافرة لفرض حل متقدم للصراع مع الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي.
في شتى الأحوال، إن الحل الأقرب إلى العدالة، الذي قد يمكن الوصول إليه واعتماده، في ضوء تبدل كهذا في موازين القوى، سيكون في الدولة الفلسطينية الواحدة، التي يعيش فيها عرب ويهود، على قدم المساواة الكاملة، وبعيداً من أي تمييز، في الوقت نفسه الذي يتم فيه تفكيك الدولة الصهيونية لصالح دولة ديمقراطية علمانية جديدة يتاح لكل من يريد من اللاجئين الفلسطينيين، في أي مكان من العالم، أن يعود إليها.
صفقة القرن، وواضعوها إلى مزابل التاريخ
فلتعش فلسطين حرة، عزيزة، معافاة
من أجل دولة علمانية ديمقراطية، تضمن العدالة والكرامة والمساواة، في كامل فلسطين
مع عودة كل من يشاء من اللاجئين إلى أرضهم التاريخية
التجمع الشيوعي الثوري-لبنان
تيار المناضل-ة-المغرب
اقرأ أيضا