الشيلي: الطبقة العاملة قيد التشكل فاعلا سياسيا
مقابلة مع كارينا نوهاليس وخافيير زونيغا*
السياق: بدء من شهر تشرين الأول/أكتوبر، ينزل أكثر من مليون متظاهر إلى الشوارع يوميًا. يحتج المتظاهرون على انعدام المساواة الاجتماعية في مجالات التعليم والصحة ومعاشات التقاعد. كانت الزيادة في تذكرة المترو سبب اندلاع التظاهرات. لأول مرة منذ إرساء الديكتاتورية، ينتشر الجيش في الشوارع. لقي 22 شخصًا مصرعهم على أيدي قوى الأمن، وأصيب 2000 شخص بجروح وتعرض 110 للتعذيب. نُظم إضراب عام يوم 12 تشرين الثاني/نوفمبر. اتفقت أحزاب على تنظيم استفتاء عام 2020 لوضع دستور جديد محل الدستور الموروث عن أوغستو بينوشيه.
أليكس ج: أين وصلت التعبئة في الشيلي؟ كيف يمكن تحديد معالمها؟ بالأمس، علمنا باستقالة جميع وزراء الحكومة ونهاية حالة الطوارئ. ماذا يعني ذلك؟ كيف تطور تعامل سبستيان بنييرا مع الحركة؟
خافيير زونيغا: أعتقد أن رهان بنييرا وحكومته في هذه اللحظة، قائم على تحليل مفاده أن الاستجابة السياسية عبر حالة الطوارئ لم تسمح باحتواء التعبئة. تضاعفت التعبئات حتى وصلت مستوى هام: وكانت التعبئة الحاشدة يوم الجمعة 25 تشرين الأول/أكتوبر تعبيرا بالغا عن ذلك. هذا يدل على أن الرد بالقمع لم يكبح دوافع التعبئة. يسعى بنييرا إلى التحايل على مستوى معين من سخط بدأ مع ارتفاع سعر تذكرة المترو، لكنه اتسع ليشمل غيره من مشاكل المجتمع. بدأت الطبقات الشعبية المعبأة تفرض تغييرات عميقة. يمثل تغيير مجلس الوزراء جزءا من فكرة ممارسة المرونة تدريجيا، بهدف إجراء اتصالات. لكن هذا لا يكفي لنزع فتيل التعبئة. لم يسفر هكذا تغيير مجلس الوزراء عن اجماع.
كارينا نوهاليس: في رأيي، هناك انتفاضة شعبية في الشيلي، تمرد ضد النظام السياسي –تلك كانت حصيلة 30 عاما من ديمقراطية توافقية. بدأ ذلك بتعبئة الشباب ضد ارتفاع ثمن تذكرة المترو، وامتد إلى جميع أنحاء سانتياغو والبلد بأسره. لكن ذلك لا يؤدي إلى رفع مطالب نوعية، لأن الأمر يتعلق باحتجاج على النظام السياسي برمته وضد الأحزاب السياسية التي شاركت في هذه الديمقراطية التوافقية. رد بينيرا بقدر ما كانت الحركة تتطور: عندما بدأت ضد ارتفاع سعر تذكرة المترو، علّق بينيرا تلك الزيادة ونشر الجيش في الشوارع؛ ولما احتجت الحركة ضد الانتهاكات الاقتصادية والتفاوتات الاجتماعية، أعلن بينيرا عن حزمة تدابير اقتصادية. لكن جميع إجاباته باءت بالفشل. وهكذا، اتخذت التعبئة أشكالًا مختلفة: شكلا متفجرا في بدايتها، و منتشرا في المناطق، ثم تقلص حجم التعبئة يوم الثلاثاء 22 تشرين الأول/أكتوبر، ولكن بدء من يوم الأربعاء، اتخذت شكلها الحالي، باتت حاشدة ومتركزة في مراكز المدن. وفي المناطق، تستمر تعبئات.
أليكس ج: ماذا يعني القمع العسكري من منظور تاريخي؟ ما هي طرق الدفاع الذاتي والحماية؟
كارينا نوهاليس: انتظرت الحكومة ثماني ساعات وحسب لنشر الجيش في شوارع سانتياغو وإعلان حالة الطوارئ. هذا قرار قوي، لأنه إشارة إلى عدم استقرار البرجوازية، مع ما يعنيه ذلك لسوق الأوراق المالية وقدرات الاستثمار. هذا القرار قطيعة مع حكاية المرحلة الانتقالية لما بعد الدكتاتورية، وتأكيدا على أن ذلك «لن يتكرر بأي وجه». بالنسبة لنا، كان «ذلك» يعني نهاية تواجد الجيش. بالنسبة للبرجوازية، كان ذلك يعني «لا صراع طبقات مرة أخرى بأي وجه». تجذر الإشارة إلى أن الجيش الحالي وجيش الديكتاتورية لا يختلفان. من الواضح أن الأشخاص الذين يشكلونه تغيروا. لكن المؤسسة العسكرية ظلت سليمة، وتمثل الاستمرارية بين الديكتاتورية والديمقراطية، تمامًا مثل المرحلة الانتقالية. بقيت القوات المسلحة دون عقاب. هناك الآن تغير مرحلي في الشيلي. حدث شيء غريب: لم يكن الناس خائفين وخرجوا إلى الشارع، على الرغم من وجود الجيش وحظر التجول. فيما يتعلق بالدفاع الذاتي، يمتلك شعب أعزل حلين، وقد استخدمهما بإبداعه وجماهيره.
خافيير زونيغا: ما قالته كارينا بُعدٌ أول. يشكل اللجوء إلى القوة العسكرية أخر وسيلة للبرجوازية بوجه انتفاضة. يجب أن يظهر الجيش بصفته ضامن الديمقراطية البرجوازية. لكن في حالتنا، لم يعمل ذلك على حل أي شيء، بل أصبح مشكلة لحكومة بينيرا. إن رفع حظر التجول يوم السبت الماضي شاهد على ذلك. لقد بدأ سيناريو جديد: كيف ستحاول الحكومة تعطيل مفعول التعبئة دون تدخل الجيش؟ الانقلاب محفوف بالمخاطر، لأن ماذا تبقى للحكومة لتقدمه؟ من المحتمل أن استغلال تغيير مجلس الوزراء لضم من شارك في المرحلة الانتقالية من شخصيات منتمية للحزب الديمقراطي المسيحي، وهي وجوه متردية تماما. لكن ذلك لا معنى له بالنسبة لجماهير العمال المعبأة. إلى أين قد يؤدي بنا هذا السيناريو؟ هناك أزمة سياسية، لكن هل يتعلق الأمر أو سيتعلق بأزمة هيمنة، أي أزمة قدرات الشبكة الرأسمالية برمتها لتصبح مهيمنة في المجتمع بأسره، ولإعادة تشكيل قاعدة اجتماعية؟ حاول الرأسماليون في المقام الأول حل الأزمة مع الجيش. لكن هؤلاء الأخيرين سيعودون الآن إلى ثكناتهم. سيتم التعرف والتعليق على العنف وانتهاكات حقوق الإنسان -التي لا تزال تمارس-. بالنسبة للرأسماليين، يعني ذلك تحديًا لأشكال سرد الثورات، وبالتالي صعوبة إضافية بوجه احتواء التعبئة في هذه الدورة السياسية التي تنفتح. قد تثار أسئلة أساسية في هذا السياق.
كارينا نوهاليس: تشير الأرقام الرسمية إلى حوالي 20 قتيلا. ومن المحتمل اكتشاف مزيدا من القتلى. ستجري المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تحقيقات حول الأشخاص الذين لقوا حتفهم في حرائق لفهم سبب وفاتهم. هناك أيضا حالات عنف جنسي. على عكس فترة الدكتاتورية، نحن حاليًا قادرين على التبليغ عن مثل هذا العنف. في ظل الديكتاتورية، كان العنف الجنسي غير ظاهر للعيان. والآن، بفعل عمل النسويات، تبين أن ذلك لا يمثل تجاوزات، بل شكلا من أشكال القمع، وخاصة ضد النساء، ووسيلة لضبط الأجساد واخضاعها. في هذه الأيام قام رجال الدرك، وليس الجيش، بتعذيب شاب، واغتصابه وإجباره على التصريح علنًا أنه مثلي. يتعلق الأمر ببعد سياسي لما تمارسه قوى القمع من إجراءات تأديبية وليس بتجاوزات. ويتم الآن معالجة انتهاك حقوق الإنسان بطريقة متعددة الأبعاد. في الجنوب، قُتل شاب. وفي تصريح ألقى والده المسؤولية على الرجل الذي قال إننا كنا في حالة حرب وعلى الذي نشر الجيش في الشارع. لا تقع مسؤولية ممارسة العنف على عاتق الجيش وحسب، لأن بنييرا هو المسؤول عنها. لذلك نطالب باستقالته.
أليكس ج: أعلن بنييرا عن حزمة تشريعية من التدابير الاجتماعية والاقتصادية. ما هي هذه التدابير؟ ما رأيك في ذلك؟
كارينا نوهاليس: تم الإعلان عن هكذا حزمة تدابير يوم الثلاثاء 22 تشرين الأول/أكتوبر. بنييرا رجل أعمال. كان انطباعي الأول أنه يتصرف مثل أرباب العمل أثناء مفاوضة جماعية. وأثناء تقديم عروض ديماغوجية، أجاب كما لو كان الأمر يتعلق بمقاولة، وليس المجتمع. تهم نسبة 70% من هذه التدابير معاشات التقاعد، لأن بنييرا يدرك أن هذا الأخيرة نقطة نزاع هامة للغاية. بعد ذلك، تأتي قضيتي الصحة والأجور. قدم عرضا بتوسيع التغطية الصحية عبر دعم الأدوية، أي دعم المقاولات الخاصة التي تمتلكها. وضمانا لحد أدنى من الدخل، اقترح مرة أخرى المال العام لدعم المقاولات: في حالة ما إذا كان العامل يحصل على أقل من الحد الأدنى للأجور، ستدفع الدولة الباقي. لا تؤثر الزيادة في مبلغ معاشات التقاعد على صناديق تدبير معاشات التقاعد، وهي مؤسسات مالية. يتعلق الأمر والحالة هذه بتعميق منطق دستور بينوشيه الذي ينص على دعم المقاولات الخاصة. ما من أحد مهتم بهذه التدابير.
خافيير زونيغا: تجب الإشارة في المقام الأول إلى تأثير شبكات التواصل الاجتماعي في نشر الرسائل السياسية، والدعوات إلى التظاهر والتنظيم. عندما أعلن بنييرا عن هذه التدابير، كان رد الفعل فوريًا على شبكات التواصل الاجتماعي: عدم تصديقها ورفضها. كانت تظاهرة يوم الجمعة الأخير الأكبر في تاريخ الشيلي لنفس السبب: مفاد الرسالة السياسية أن الإعلان عن هذه الحزمة التشريعية لا معنى لها بالنسبة للشعب. لم يثبط ذلك همة التعبئات ولم يسمح للحكومة باحتواء قطاعات من الحركة. لم يُنظر إلى هذه التدابير على أنها قادرة على تحسين الظروف المعيشية، وإنما مناورة ودهاء دعائي. كنت في تجمع اليوم حيث قالت امرأة يفوق عمرها 60 عامًا حول خطاب بنييرا: « لم يكن له أي تأثير لأننا استيقظنا».
أليكس ج: ما تقييمكم حول أيام الإضراب العام في الأسبوع الماضي؟ هل تواصل قطاعات شن الإضراب؟
كارينا نوهاليس: نادرا ما شهد الشيلي إضرابا عاما. ولم ينظم هذا الأخير بأي وجه منذ عودة الديمقراطية. بدأت أيام الاحتجاج من عام 1983 إلى عام 1986 بدعوات لخوض الإضراب العام، لكن بوجه استحالة تعبئة الطبقة العاملة في ظل الديكتاتورية، تحول ذلك إلى احتجاج وطني. وكما قالت التنسيقية النسائية لـ 8 آذار/مارس (CF8M)، كان الإضراب كلمة محظورة، ولم يكن مضمونها معروفًا. انطلاقًا من الحركة النسوية، أثبت موضوع الإضراب العام نفسه مرةً أخرى بصفته طريقة نضال الطبقة العاملة. اقترحت التنسيقية النسائية لـ 8 آذار/مارس دعوة إلى خوض إضراب عام يوم الاثنين 21 تشرين الأول/أكتوبر على فضاء أوسع، سمي وحدة اجتماعية، شاركت فيها. أجاب الاتحاد الموحد لنقابات العمال CUT)) بأنه لم يكن مستعدًا واعتبر هذا الاقتراح غير مسؤول في سياق حظر التجول. لذلك قررنا إطلاق الدعوة يوم الأحد مع منظمات المدارس الثانوية وغيرها من منظمات حقوق الإنسان. وفي اليوم التالي، عقدت النقابات العمالية في الوحدة الاجتماعية لقاء للدعوة إلى الإضراب العام يوم الأربعاء. دون ضغط الشباب والنسويات، لا نعرف ما إذا كانت هذه الدعوة سترى النور. وفي يوم الإثنين 21 تشرين الأول/أكتوبر، شن الاضراب عمال حوالي 20 ميناء في الشيلي وعمال أكبر منجم نحاس في العالم، منجم اسكونديدا التابع للقطاع الخاص. كان ذلك بالغ الدلالة. ومع ذلك، من الصعب تقييم التأثير الفعلي للإضراب لأن كل شيء كان مشلولا عمليا. أفادت النقابات الصناعية أن المقاولات المفتوحة اشتغلت بنسبة 30٪، وأن معظمها كان مغلقا بسبب انعدام وسائل نقل. لكن الإضراب يبدو من جديد في الشيلي كوسيلة فعل. وفي يوم الأربعاء القادم، جرت الدعوة إلى خوض إضراب عام جديد. قد نرى بشكل أمثل ما إذا كان ذلك يسير على ما يرام فعلا.
خافيير زونيغا: كان بالفعل قد جرى تعبئة العمال والعاملات برمتهم بالأقل منذ يوم الجمعة 18 تشرين الأول/أكتوبر، ما أدى إلى بناء الذات عبر حواجز الإضراب وقرع الطناجر ورغبة في احتلال الأماكن العامة. منذ تلك اللحظة، كانت دعوات رائجة باستمرار على نحو تلقائي. تستتبع الدعوة إلى الإضراب من عدمها مراعاة وجود انتفاضة بالفعل. كان الناس في الشارع قبل أن تكون ثمة دعوة إلى ذلك. ما يختلف والحالة هذه عن سيرورة الإضراب العام النسوي التي جرت الدعوة إليه يوم 8 آذار/مارس عام 2019: تمثل عمل الرفيقات النسويات في إعداد حدث بارز، في العمل الإنتاجي، مع بلورة انغراسه في مجال العمل الإنجابي، بعقد اجتماعات وفضاءات للتداول الأولي، إلخ. لذلك، يتمثل الاختلاف في أن الدعوات الأخيرة وصلت بينما كانت الأحداث جارية بالفعل. ما الخطر والحالة هذه في الدعوة إلى الإضراب، إذا كانت الجماهير في حالة تعبئة بالفعل؟ في رأيي، بات دياليكتيك قائما، كما يقول غرامشي، بين العفوية وتوجه الحركة. يتمثل رهان الإضراب في منح معنى للتعبئة. حظي هذا الإجراء بدعم قسم كبير من المنظمات الاجتماعية والسياسية -على الرغم من أن هذا لا يعني «احراز تقدم»، كما تريد بعض القطاعات. لا يمكن أن تتجسد النزعة الذاتية للغضب والتعبئة بإصدار قرارات، ولكن من الممكن الإسهام في تحديد اتجاهها. تسمح الدعوة إلى الإضراب بتركيز جهود الجماهير المشاركة في التعبئة الجارية. قد تكتسي هذه الدورة السياسية منظورا مناهضا للنيوليبرالية -بالأقل هذا ما تشير إليه المجالس الشعبية. قد يفتح ذلك في المجتمع سياقا جديدا. أصبح الإضراب مرة أخرى أداة تقرها الجماهير المعبأة. وإذا توج بانتصار، ستتمسك الحركة بممارسة الإضراب كتكتيك لمراكمة القوى. لن يكون الإضراب والحالة هذه تأكيدًا ذاتيا للطبقة العاملة، ولكن وسيلة أمام الحركة. مع خوض الإضراب في القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد، تؤدي هذه الطريقة إلى التنظيم وفقًا للإضراب، الذي يصبح أداة فعل للطبقة العاملة بأكملها وليس وحسب للعالم النقابي والمُنَّظم.
الوحدة الاجتماعية
أليكس ج: يبدو أن فضاء الوحدة الاجتماعية يقود الحركة أو بالأقل يؤثر فيها. ماذا يقترح هذا القطاع؟ كيف ينسج روابط مع التعبئات؟
خافيير زونيغا: الوحدة الاجتماعية مرتكز مشروع. على سبيل المثال، في المجلس الذي كنت فيه، يدرك الناس الحاجة إلى وجود من يتحاور معهم على المستوى العام. إن الوحدة الاجتماعية شبكة معقدة من المنظمات. في رأيي، هناك ثلاثة اتجاهات تشكل جزءًا من هذا الفضاء:
أولاً، قطاع يضم النقابات الكبيرة والحركات الاجتماعية التقليدية: الاتحاد الموحد لنقابات العمال CUT)) وحركة لا لمؤسسات تدبير صناديق معاشات التقاعد (No + AFP) [دفاعا عن نظام عام لمعاشات التقاعد]، وقسم من الكونفدرالية الوطنية للرعاية الصحية البلدية (Confusam)، ونقابة المدرسين (Colegio de profesores)، والكونفدرالية الوطنية للمهنيين الجامعيين في قطاع الخدمات الصحية (Fenpruss)، والجمعية الوطنية للمستخدمين الإداريين (Anef). إنها ترسم معالم اتجاه معين للفضاء. يطمح هذا القطاع إلى قيادة الحركة، والبروز على رأس الحركة، وعدم وضع نفسه تحت تصرفها، وتقديم مقترحات، وجمع المطالب، إلخ.
- يتكون القطاع الثاني من منظمات نسوية وبيئية وطلابية، و«بوبلادوريس» (سكان أحياء ضواحي المدن والشعبية)، وجمعيات حقوق الإنسان التي لا تتبنى المنطق النقابي التقليدي. نحن لا نتناغم مع ما تتبناه هذه المنظمات النقابية من فهم للوضع، لأننا ندرك أن لحظة احتجاج ملحة ضد النظام النيوليبرالي قيد التبلور. يجب أن نكون في مستوى ذلك، وبالتالي عدم التركيز على مطالب مهنية. من الضروري والحالة هذه الحفاظ على الوضع مفتوحًا وعلى المشاركة الشعبية عبر مجالس (Cabildos) وتجمعات من أسفل. لا يتمثل هدفنا في عرقلة المفاوضات -التي ستحدث بالتأكيد- ولكن في فتح سيرورة تسييس انطلاقا من الاحتجاج على النظام. لم يعد العيش ممكنا كما كنا نفعل قبل شهر. نفهم والحالة هذه فكرة الجمعية التأسيسية كعنصر من عناصر الدينامية لتمكين الشعب من المشاركة السياسية.
- أخيرًا ، هناك قطاع ثالث، أقل هيكلة، يرى الوحدة الاجتماعية بمثابة سقف يمكن الانخراط في إطاره لتنسيق وقيادة الاحتجاجات.
تبدو الوحدة الاجتماعية والحالة هذه عاملا يحظى نسبيا بشرعية من قبل الشعب، على الرغم من بروز اختلافات. إنها فضاء في حالة نزاع، يسمح بالتقاء المنظمات الشعبية.
كارينا نوهاليس: وفقًا لتحليلي الشخصي، برز منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة تكتل معارض جديد (جبهة المعارضة) وجرى تدمير التكتلين الحكوميين القديمين – نويفا مايوريا [الأغلبية الجديدة]، وكونسيرتاسيون (تحالفان يضمان الحزب الاشتراكي وحزب الديمقراطية المسيحية والحزب الشيوعي ومنظمات الليبرالية الاجتماعية والوسط) – بانتقالهما إلى المعارضة. يجب والحالة هذه تشكيل تكتل جديد معارض. إن الحزب الشيوعي هو الأكثر هجومية ليكون على رأس تشكيل جديد معارض. على سبيل المثال، كان مشروع تقليص ساعات العمل إلى 40 ساعة سبب إجبار المعارضة على الاصطفاف خلف الحزب الشيوعي، لذلك أحرز تقدما. نجح الحزب الشيوعي في استبعاد الديمقراطية المسيحية تدريجياً من تكتل المعارضة، وهذا دليل على دوره.
عندما يظهر الهجوم التي نتحدث عنه، يستمر الحزب الشيوعي في القيام بما حققه بنجاح في البرلمان، ولكن عبر الاتحاد الموحد لنقابات العمال CUT)). انخرط الاتحاد الموحد لنقابات العمال CUT)) في الوحدة الاجتماعية بعد تشكلها وسرعان ما بات يقودها. انطلاقا من ذلك انضمت منظمات أخرى عديدة إلى هذا الفضاء، الذي ظهر بمبادرة حركة لا لمؤسسات تدبير صناديق معاشات التقاعد [No + AFP]. في حين قررت التنسيقية النسائية لـ 8 آذار/مارس (CF8M) ، التي تُشكل جزءًا من الوحدة الاجتماعية منذ البداية، المشاركة بشكل نقدي. في الواقع، يُنظر إلى هذا الفضاء على أنه يضم قيادات المنظمات وتقوده قطاعات نقابية محافظة. بالنسبة لهذه الأخيرة، ترى الصراع الطبقي في شكله النقابي، وتعتبر البيئة والنسوية ثانويتين. لقد جعلنا هذا النقد واضحا.
انتهى الأمر بالوحدة الاجتماعية إلى الدعوة إلى الإضراب العام. لكن مفهوم إضراب عام مختلف بالنسبة للاتحاد الموحد لنقابات العمال CUT)) والتنسيقية النسائية لـ 8 آذار/مارس. كان الاتحاد الموحد لنقابات العمال CUT)) وغيره من المنظمات النقابية تسعى إلى خوض إضراب لإثبات جديتنا بالدعوة إلى الانضباط وإظهار قدرتنا على القيادة -كما لو أن تمرد الطبقة العاملة كان شيئًا أقل أهمية! أخيرًا، جرى اقتراح تنظيم تظاهرة حاشدة في يوم 23 تشرين الأول/أكتوبر، ما قد يبدو أقل بكثير مما يتطلبه الحدث. كما جرى أيضا اقتراح تدابير معرقلة لكل تعبئة صراحة. وتفهم هذه القطاعات الإضراب العام على أنه لحظة وفرصة انخراط قيادتها في الحركة. وترى الحركة النسوية أن الإضراب العام بما هو سيرورة حيث يمكن للطبقة العاملة – على رأسها النساء والأقليات الجنسيىة والجندرية- التنظيم والتفكير في الحياة التي تريدها وكيفية تنظيمها. وبالمعنى الدقيق للكلمة، نحن النسويات، نعتبر أن ما من إضراب كان عامًا، لأن عمل قطاع الصحة لم يكن متوقفا. لا يعني الإضراب التوقف عن العمل وحسب، بل أيضا التفكير كثيرا. وباختصار، نحن نتحدث والحالة هذه عن مفهومين للإضراب العام: الأول تنظيم الإضراب العام، والثاني قيادته. وهذان المفهومان مطروحان على طاولة النقاش في هذه الأيام.
أليكس ج: ما العلاقة التي تربط الوحدة الاجتماعية باليسار المؤسسي؟ ما الذي يفعله ويقترحه هذا الأخير، خاصة في البرلمان؟
كارينا نوهاليس: رأيي الشخصي، ولكن تقاسمته مع رفاق آخرين في الاجتماع الأخير للتنسيقية النسائية لـ 8 آذار/مارس (CF8M)، مفاده أنه عبر الحفاظ على النشاط البرلماني، سمحت المعارضة للسلطة التنفيذية بالحفاظ على حكمها. أطلقت الوحدة الاجتماعية فكرة إضراب تشريعي، لكن ذلك لم يحدث. على سبيل المثال، جرى اعتماد مشروع تخفيض ساعات العمل إلى 40 ساعة أسبوعيا أثناء حالة الطوارئ، مع نزول الجيش في الشوارع. في تحالف الجبهة العريضة Frente amplio (FA)، الذي تأسس أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لم يكن هناك اتفاق بين مختلف القطاعات. كانت فكرة من كانوا يسعون إلى الحفاظ على النشاط البرلماني تتمثل في أنهم بذلك يحافظون على الديمقراطية. لكن المعارضة تسمح على هذا النحو بالعمل في حالة الطوارئ على تشريع جميع التدابير التي اقترحها بينيرا، وبالتالي مساعدة الحكومة. في لحظة ما، اقترحت الحكومة عقد اجتماع مع أحزاب المعارضة. ذهب إلى هذا الاجتماع حزب الديمقراطية المسيحية والحزب الراديكالي وحزب الديمقراطية. وغاب عنه الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي وتحالف الجبهة العريضة. وكان حزب الثورة الديمقراطية (القطاع الرئيسي في تحالف الجبهة العريضة) يسعى إلى المشاركة فيه في البداية. وهذا أمر خطير. والآن يريد الحزب الشيوعي توجيه الاتهام إلى بينيرا باسم دستور عام 1980… ويوافق تحالف الجبهة العريضة على ذلك!
خافيير زونيغا: كان دور الحزب الشيوعي هاما للغاية، إذ أعلن على الفور عدم حضور الاجتماع الذي دعا إليه بينيرا. وبما أن تجربة الحزب الشيوعي السياسية معترف بها، كان له تأثير على مدار أحزاب المعارضة، ما يسمح له بالتميز عن حزب الديمقراطية المسيحية والضغط على الحزب الاشتراكي وتحالف الجبهة العريضة. لكن على أي حال، لن تقبل الحركة عقد أحزاب المعارضة لقاء مع بينيرا. قد تواجه هذه الأخيرة الرفض والمقاطعة بنفس الطريقة. ذلك ما فهمه الحزب الشيوعي. بالإضافة إلى ذلك، اعترف الحزب الشيوعي بالوحدة الاجتماعية ممثلا شرعيا والمجتمع المدني مركزا للحوار. وعلى هذا النحو يبدأ مسار الاعتراف بالوحدة الاجتماعية كمُحاور وعنصر شرعي. لكن قسماً من المعارضة يمارس ضغوطاً دستورية، في إطار الاستمرارية.
تضم الوحدة الاجتماعية مناضلات ومناضلين من تحالف الجبهة العريضة والحزب الشيوعي وعناصر من الحزب الاشتراكي، ولكن لا يمكن القول أن هذه الجبهة تقودها الأحزاب. لا تسمح الحركة، مثل الدينامية الداخلية للوحدة الاجتماعية، بالأقل في الوقت الحالي، بأن تقود هذه المجموعات زمام المبادرة فيها. إن السبب الأساسي في ذلك كالتالي: تبرز التعبئة التي تنخرط فيها الوحدة الاجتماعية على نحو غير منسق ولكن بحفز من الطبقة العاملة كعنصر فاعل يدعو المجتمع بأسره إلى الفعل. ما يغير طريقة ممارسة السياسة. ومع ذلك، فإن بروز الطبقة العاملة لا يعني أنها تتنظم وتكتسب وعياً «لنفسها»، إذ لا توجد سوى أجنة تنظيم ونضال تسير في هذا الاتجاه، على الرغم من أنها تنمو. وبما أن الطبقة تبرز بصفتها عنصرا فاعلا، قد تساهم الوحدة الاجتماعية في إعادة تشكيلها السياسي شرط عدم التفكير وحسب في فتح حوارات مع الحكومة أو في مطالب مهنية وتوفيقية محدودة.
أليكس ج: أثناء هكذا أيام الثورة، ظهر أناس بسترات صفراء. خوسيه أنطونيو كاس، شخصية من أقصى اليمين في الشيلي، دعاهم إلى التظاهر يوم الأحد الماضي. هل يمكن أن تظهر قاعدة اجتماعية رجعية في هذا الوضع؟
كارينا نوهاليس: وصفت وسائل الإعلام في البداية أيام الانتفاضة بأنها أعمال نهب وسلب من قبل مجرمين. لقد خلقت شعورًا بانعدام الأمن. لذلك تشكلت في الأحياء مجموعات كانت تستعمل سترات صفراء -بعصي أو أشكال أخرى من الأسلحة المحلية- بهدف منع السرقة ودفاعا عن منازلها. وسرعان ما دعا اليمين المتطرف هذه السترات الصفراء للمشاركة في تظاهرة يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر باسم الحق في العيش في سلام -وبالتالي محاولة انتحال أغنية فيكتور جارا الحق في العيش في سلام، التي أصبحت نشيدا شعبيا أثناء حظر التجول. كان ذلك يثير الارتباك والغموض. لكن في يوم الجمعة 25 تشرين الأول/أكتوبر، بعد التظاهرة الحاشدة، قرر اليمين المتطرف إلغاء تظاهرته. ربما ما كانت تظاهرة يوم الجمعة 25 تشرين الأول/أكتوبر، لتشهد نجاحا بنفس هذا القدر لو لم ينزل جنود كُثر في الشوارع ولو لم تستمر الحكومة في عدم التحدث سوى عن لصوص ينهبون المحلات التجارية الصغيرة. ولكن بسبب تاريخ بلدنا، لما ينتشر الجيش في الشوارع، يثير حساسية ضده وتعبئة الناس. يعيد وجود الجيش في الشوارع فتح ذاكرة مؤلمة.
قد يكون هذا تفاؤلاً، لكني أعتقد أن شعب الشيلي ليس يمينيا. لولا وجود الجيش في الشوارع، كان ممكنا حضور مزيد من السترات الصفراء اليمينيين، لأن اليمين المتطرف داهية. لكنه أصبح متجاوزا. استغرق الحديث عن السرقة وانعدام الأمن يومين أو ثلاثة أيام. عندما قلصت الحكومة حدة نبرتها حول فكرة «نحن في حالة حرب»، انتقلت وسائل الإعلام من السرقة إلى الرعب. ظهرت أشرطة فيديو رهيبة عن القمع، مع جنود يطلقون النار على الناس ويدخلون المنازل، ما يشير إلى أنك «إذا خرجت إلى الشارع، فسوف يقتلونك». فشلت هذه الحكاية. ثم، بعد التظاهرة الحاشدة، غيرت وسائل الإعلام خطابها مرة أخرى، مؤكدة أن الشعب مسالم ويعقد الأمل على مستقبل أمثل، لأن السلطة تصغي إليه. بناء على ذلك قال بينيرا إن رؤية عائلات تتظاهر كان أمرا جيدا… بينما كان الناس يطالبونه بالرحيل.
خافيير زونيغا: حاولت قطاعات يمينية والدرك والجيش استمالة الأشخاص الذين كانوا خائفين. كان هناك شعور بالهذيان والهستيريا، ويسعى اليمين المتطرف إلى استغلاله. إنه يريد مخرجا في إطار مهني، ويستهدف قسما من الشعب العامل المتطلع إلى السلم والهدوء في الحال، لجعله يواجه القسم الذي يراهن على التعبئة، ويدرك أن هذه هي اللحظة المناسبة لرفع المطالب. أدت التظاهرة الضخمة يوم الجمعة الماضي إلى تعطيل التناغم المفترض بين اليمين المتطرف وقسم من الشعب. لم تكن هذه السترات الصفراء مؤيدة بالضرورة لمخرج أكثر عسكرة، ولم تكن مؤيدة لخوسيه أنطونيو كاست (الذي حصل على نسبة 8% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ويشبه بولسونارو في بعض النواحي). كان كُثر يسعون إلى راحة البال. في حي بوينتي ألتو الذي أقطن فيه -بلدة تقع على مشارف المدينة- احتفل من كانوا يرتدون سترات صفراء بحدث يوم الجمعة عبر تنظيم حفلات الشواء والاستماع إلى الموسيقى الشعبية واليسارية. بعد أن حاولت وسائل الإعلام المبالغة في الجوانب الأكثر رجعية فيما نشهده من تشنج واضطراب، جعلتنا هذه التظاهرة نلتحم بصفتنا طبقة. يمتلك كاست خطابا أمنيا مكنه من استمالة الشعب الفقير وإيجاد صدى لديه، لكن برنامجه الاقتصادي يحافظ على النيوليبرالية التي تشكل أصل ما نعانيه من تعاسة. يشكل ذلك حدا أقصى لمشروعه. لا يستطيع اقتراح مخرج لهذه التعبئة ضد ما بات لا يطاق من نمط الحياة النيولبيرالي والشقاء الذي يثيره. علاوة على ذلك، يكشف ظهور السترات الصفراء عن المشكل الحقيقي للعصابات المنظمة في الأحياء الشعبية الهامشية، التي تتاجر بالمخدرات وترتكب جرائم ضد الطبقة العاملة. إن السترات الصفراء هي من تواجه هذه العصابات. يتعلق الأمر بتهديد حقيقي. لا يستتبع ذلك في أي حال من الأحوال دعم الحكومة أو كاست أو القمع.
أليكس ج: تتمثل أشكال النضال والشعارات التي تبدو أنها تتمتع بأكبر قدر من القوة -إضافة إلى الإضراب العام- في المجالس الإقليمية والجمعية التأسيسية. ما هي حقيقة المجالس الإقليمية في هذه اللحظة؟ ما هي سيرورات التنظيم الذاتي التي تتطور؟ كيف برزت هذه الشعارات، سواء على نحو تلقائي أو نتيجة تجربة نضالات السنوات الأخيرة؟
خافيير زونيغا: تشكل إلى حد ما خليطا من دعوات إلى عقد مجالس إقليمية عبر عدد كبير من الرسائل في وسائل التواصل الاجتماعي – يمكن والحالة هذه أن نقول «دعوات ذاتية» -بما أن الناس تجمعوا في محطات المترو وفي أماكن عامة أخرى، حيث يجري الغناء والتشاور وتنظيم أنشطة ثقافية، إلخ. تبدو هذه الظاهرة تلقائية. على النحو ذاته، سرعان ما تنتهز قطاعات مناضلة هذه اللحظة وتقدم توجيها واعيا، بالدعوة إلى عقد مجالس إقليمية. لماذا هذه المجالس هامة تكتيكيا؟
- أولاً ، هم يجتمعون الآن، وينظمون أنفسهم في مناطق عديدة. لقد رأيت بالفعل سيرورات نشاط ذاتي مماثلة، لكنني لم أشاهد بأي وجه مثل هذه الموضوعات التي نوقشت ناهيك عن مثل هذا الحجم. يجب أن تتحرك هذه المجالس الشعبية نحو الجمعية التأسيسية. هذه آلية مشروعة لتغيير الدستور، لكن من الواضح أن هذا الهدف لا يكفي بحد ذاته. تتحدث بعض القطاعات السياسية عن دستور جديد وبرلمان جديد. ليس هذا ما نتحدث عنه، إن الأمر يتعلق بأمور أخرى. أضفنا صفة «الشعبية» إلى الجمعية التأسيسية تأكيدا على من هو سيد السيرورة. يمكن للجمعية التأسيسية قلب السيناريو السياسي وتغيره. يسمح الاحتجاج ضد النظام بديمقراطية تشاركية تصبح فيها الطبقة العاملة فاعلا دالا ورئيسيا.
ثانياً، إن المجالس الإقليمية قيد تكوين رواسب، ونسيج اجتماعي لن يختفي، حتى لو كانت شدة التعبئة قد تقل في لحظة معينة. إنها تجربة طبقية مشتركة، وتَعَلُّم تنظيم تاريخي، قد يسمح بالحفاظ على سلطة مضادة بوجه البرلمان، ومؤسسات الدولة الرأسمالية، عبر تطوير قيم أخرى في الأحياء الشعبية وأشكال أخرى من التنظيم الذاتي. ومع ذلك، أُلح على إمكانية امتلاك الجمعية التأسيسية القدرة على تحريك السيناريو السياسي في اتجاه مناهض للنيوليبرالية. هناك قوة غير عادية تحتج حاليًا على النموذج التعليمي بأكمله، وعلى إدارة الموارد الطبيعية والمعاشات والديون المالية، إلخ. يلزم والحالة هذه توليف جذري بين الجمعية التأسيسية وبرنامج محفز. هذا بالأقل ما يحدث الآن في الأقاليم. لكن ذلك لم تستوعبه بعض القطاعات السياسية التي تدعي أنها تقود الحركة.
كارينا نوهاليس: إنها أسئلة استراتيجية. يتمثل واقع التجمعات في أنها قطاعية وبدأت أمام محطات المترو، التي تصل بين الأحياء، بمشاركة من يعيشون في نفس القطاع. لقد نشأت لأن مناضلات ومناضلين انخرطوا فيها منذ اليوم الأول ولأنها كانت ضرورية. التقى الناس في النضال، بدأنا التعارف، والتحدث وطرح أسئلة. بلغ التحدي حاليا درجة إلى حد عدم بلورة أي طلب ملموس. ناضل الناس في محاولة لفهم ما نحارب ضده وكيف بوسعنا تصور ما نريد. يبدو الأمر بسيطًا للغاية، لكن بالنسبة لي هذه لحظة تأسيسية، ليس في اتجاه تغيير الدستور. إن الطبقة العاملة قيد التشكل في هذه السيرورة. من الصعب الحصول على صورة عامة حول البلد، من حيث التجمعات والتظاهرات والقمع لأن الوضع مضطرب ولا توجد منظمة قادرة على فهمه برمته. يتعلق الأمر بانفجار على هامش المنظمات التقليدية.
حفزت التنسيقية النسائية لـ 8 آذار/مارس (CF8M) وحركة الدفاع عن الحق في الماء والأراضي على وجود هذه المجالس. وتأسستا لضمان التموين بوجه إغلاق المتاجر، ولاستتباب الأمن بوجه القمع والنهب، ولدعم التعبئة. تتمثل المطالب في رحيل الجيش، واستقالة بينيرا ووزير الداخلية، وفي فكرة الجمعية التأسيسية. ما من شيء من ذلك تلقائي تمامًا، لكن من المتعذر حقا معرفة ما كانت التجارب السابقة في التنظيم والدعاية والتعبئة الدالة. الأمر المؤكد أن طوال 30 عامًا كانت هناك قطاعات شعبية منظمة تناضل، أحيانًا في عزلة كبيرة. من السهل اكتشاف حركة لا لمؤسسات تدبير صناديق معاشات التقاعد [No + AFP]، لأنها كانت جماهيرية وحديثة للغاية. وفي آذار/مارس الأخير أيضا. تسعى المجالس التأسيسية إلى وضع دستور جديد، وكل دستور يعالج مشكلة خلق السلطة السياسية. هذا مهم في الشيلي لأن دستور بينوشيه صريح بشأن الغرض منه. ما نص عليه هو عدم العودة إلى الإطار المؤسسي الذي كان قائما من قبل، لأن الرجوع إلى الوضع السابق إعادةُ فتح باب المسار المؤسسي للأحزاب العمالية التي شكلت الوحدة الشعبية. ولكن، أكثر من دستور عام 1980، يشكل انقلاب عام 1973 اللحظة التأسيسية الحالية للشيلي. لا تمثل مناقشة مسألة الجمعية التأسيسية خيارًا سهلاً للبرجوازية، لأنها تخشى المشاركة السياسية لخصومها. تبدأ لحظة لا رجعة فيها حيث لم يعد ممكنا تجاهل المشاكل السياسية للطبقة العاملة. في هذه الأيام، انتقل الخوف إلى الجانب الآخر.
على المستوى المؤسسي، يعد دستور جديد مشكلة رئيسة. ما من شك في ضرورة تغييره، لكن من المهم عدم جعل الحاجة إلى دستور جديد مشكلة أساسية، كما تقترح قطاعات عديدة، لأن ذلك يؤدي إلى تفادي منظور مناهضة الرأسمالية. إن ما يجري التعبير عنه في الشيلي هو صراع الطبقات، الذي كان موجودًا أيضًا قبل دستور بينوشيه. لا تبدأ المشاكل المطروحة ولا تنتهي في الدستور. يجب إيلاء الاهتمام إلى الطريقة التي تُطرح بها الجمعية التأسيسية. من ناحية، قد تنهي هذه الأخيرة لحظة سياسية، وتضمن حقوقا، لكني لن أقدمها كأساس محدد للوضع الحالي.
خافيير زونيغا: أوافق على ذلك. قبل عام 1973، لم يكن هناك بلدنا في سياق أفضل من اليوم. مع ذلك، هذا النقاش غير مناسب. في الوحدة الاجتماعية، يظهر موضوع الجمعية التأسيسية، لكنه لا يثير اهتمامنا، وهذا لا يبدو نقاشا ينظم السياسة. كيف بوسعنا تنظيم التعبئة، هذه هي المسألة الملحة في هذه اللحظة، والسؤال الأهم. قبل هذا الوضع، في منظماتنا الاجتماعية-البيئية على سبيل المثال، لم تكن الجمعية التأسيسية موضوعنا، بل كيف نحافظ على حقوقنا الاجتماعية والبيئية بوجه نهب المقاولات. إن النزاعات القائمة، كانت توجه تحركاتنا وفق صراع الطبقات، لمساعدة الطبقة العاملة على التنظيم الذاتي حفاظا على نفسها. تنطوي الجمعية التأسيسية، بهذا المعنى، على خطر فهم شكلي للسياسة: «نغير الدستور وبناء على ذلك نغير البلد». يفتح هذا الوضع امكانية فريدة: فرصة أمام الطبقة العاملة لتحمل المسؤولية في سيرورة تأسيسية ناجحة سياسيا. لكن الطبقات الاجتماعية، في نفس الوقت منظمة على نحو تناحري، وبالتالي فإن تناول الجمعية التأسيسية كما لو أن الأمر لم يكن صراع طبقات يبدو لي خطأً. نسعى –نحن القطاعات النسوية والإيكولوجية والمناهضة للرأسمالية- بالأقل إلى توجيه تحذير، في هذا السياق، مفاده أن الأمر يتعلق بصراع الطبقات وليس نقاشات شكلية ومجردة حول أمثل الطرق لتغيير الدستور.
كارينا نوهاليس: هناك قطاعات من التحالف المسمى سابقا Concertacion كونسيرتاسيون واليمين التي انفتحت على ضرورة صياغة دستور جديد، ولكنها لا تريد جمعية تأسيسية. يصبح ذلك مسألة أوسع وأشمل.
أليكس ج: ما التحديات التي تواجه اليسار النسوي والايكولوجي والمناهض للرأسمالية؟
كارينا نوهاليس: في هذه اللحظة، أعتقد أن الرهان الذي يواجه الطبقة العاملة -المنخرطة في الفعل في سياق عدم امتلاكها لأحزاب وضعف قوتها العضوية- متمثل في ممارسة نشاط سياسي تصاعدي. منذ عام 2005 إلى هذا الحد أو ذاك، باتت تقوم بذلك. سيكون الأمر أصعب إن لم نستعد بطريقة تنظيمية، في اتجاه لا يمكن أن يستمر في إطارات قطاعية: لم يعد كافياً تعزيز الحركة النقابية والنسوية دفاعا عن معاشات التقاعد والمطالب والاجتماعية والبيئية. يلزم وجود منظور عام لأن وضعا احتجاجيا بدأ. يجب أن يكون هناك وصف خاص لما يحدث ويجب أن تقوم به منظمات سياسية يسارية، التي عليها أيضًا تعزيز صفوفها. وإلا سيكون من الصعب بناء بديل.
خافيير زونيغا: تسمح هذه اللحظة التاريخية للمنظمات القائمة بالفعل ببذل جهود لاستيعاب الديناميات التاريخية الجديدة التي تنظم السياسة. لا يتعلق الأمر بمسألة إرادة سيئة، لكن المنظمات الأصغر حجماً غير قادرة على الرد والانخراط بطريقة مجدية في هذا الوضع. تحالف الجبهة العريضة Frente amplio (FA) أيضا، على الرغم من كونه منظمة تضم تيارات عديدة. لكن حتى الآن، كان يسود في تحالف الجبهة العريضة استعداد لتبني السياسة الانتخابية داخل المؤسسات، وكان عاجزا عن تحديد موقف فعال حول السيناريو الحالي. سؤالي والحالة هذه متمثل في كيف بإمكان المنظمات أن تتغير هي بالذات للانغراس في القوى السياسية الجديدة التي بدأت تنفتح؟
ما يمكننا القيام به بالأقل هو إعادة تشكيل منظماتنا، وبناء شبكات جديدة لكي نندمج وننخرط في سيرورات التسييس الشعبية الناشئة. أراهن على توحيد منظمات اليسار وتلك التي ستبرز من الآن فصاعدًا. يجب إيلاء الاهتمام لهذه الديناميات والاسهام داخلها في تطوير آفاق نسوية وإيكولوجية ومناهضة للرأسمالية، وذلك بإعادة تشكيل المنظمات السياسية، واستيعاب أشكال تسييس جديدة. نحن مشغولون للغاية وليس أمامنا متسع من الوقت، لكن لا يمكن تجاهل ضرورة التفكير الآن في أشكال تنظيم جديدة.
أجري الحوار يوم 28 تشرين الأول/أكتوبر 2019
مجلة انبريكور عدد 666-667 آب/ أغسطس – تشرين الأول/أكتوبر عام 2019
* كارينا نوهليس مناضلة في التنسيقية النسائية لـ 8 آذار/مارس (CF8M). خافيير زونيغا مناضل في حركة الدفاع عن الحق في الماء والأراضي. يساهم كلاهما في الوحدة الاجتماعية، وهي جبهة عريضة دعت إلى إضراب عام وتعتبر فاعلًا شرعيًا من قبل الحركة. أليكس ج، الذي أجرى هذا الحوار وترجمه، مناضل في الحزب الجديد المناهض للرأسمالية (NPA -فرنسا)، عضو في الأممية الرابعة.
ترجمة جريدة المناضل-ة
اقرأ أيضا