سكورة/ ورزازات؛ صرخة عمال بوجه مقاولة رأسمالية: لسنا عبيدا
يخوض عمال بواحة سكورة؛ اقليم ورزازات نضالا بطوليا بوجه مقاولة رأسمالية (هيدروكان) تعمل في مجال تهيئة قصبة أيت عبو السياحية ، وتستغل 90 عاملا في ظروف غير لائقة بالبشر وقريبة من العبودية، كما تستغل الطابع المؤقت للعمل، الذي قد يتوقف بانتهاء الأشغال، وتحرم العمال من حقوق أساس يضمنها قانون الشغل، مستخدمة المناورة والتنصل من محاضر موقعة والغياب المتعمد عن جلسات تفاوض، لاعبة على ربح الوقت. كل هذا أمام أعين ممثلي الدولة/سلطة محلية واقليمية، والمديرية الاقليمية للتشغيل ومفتشية الشغل. الدولة هنا ليست طرفا محايدا. ليست جهازا يسمو فوق الطبقات. أو جهازا يسهر على تطبيق قانون يخدم جميع الطبقات الاجتماعية مجموعة في سلة واحدة على قدم المساواة. بل الدولة كمشغل جماعي وكمعبر عن المصلحة العامة للرأسماليين، منحازة لطبقة من هم في الأعلى التي تهضم حقوق من هم في الأسفل.. هدفها تحقيق الأرباح ومراكمة الرأسمال على حساب البشر من العمال المستغَلين والمستعبدين بالشركات الرأسمالية. فتنزل بآلتها القمعية على جماجم العمال المظلومين عند مطالبتهم بحقوقهم، وتحمي ظالميهم الرأسماليين وتعفيهم من الضرائب وتعدل القوانين لصالحهم، كما هو شأن القوانين الجديدة الخاصة بالعمل الهش والعمل بالعقدة.. أما السلطة المحلية ففاقدة للقرار الزجري ضد مقاول يخرق قانون الشغل كما يشاء، ويخلف مواعد ترعاها السلطة ويتنصل من التزامات تعهد بها أمام نفس السلطة.. هاجس الأخيرة الحفاظ على توازن أمني تخاف اختلاله لاغير. ماذا لو أن العمال هم من أخلف تلك المواعد وأخل بالالتزامات الموقع عليها بمحضر؟ الجميع يعرف الجواب؛ ستقام الدنيا ولا تقعد. سيُتهم العمال بالحاق الأضرار البليغة بالشركة وبعرقلة الاستثمار وتخريب اقتصاد البلاد والعداء للوطن…ثم لماذا لم تستخدم السلطة المحلية مع المشغل الخارق للقانون لغة التهديد التي وجهتها بلهجة صارمة للمناضلين الثلاثة بشأن منع المسيرة الشعبية التي كان مزمعا تنظيمها دفاعا عن الحقوق كما سنرى؟ كل هذا يفضح حقيقة الدولة. حقيقة تحيزها المكشوف لطبقة أرباب العمل ضد العمال. لمالكي وسائل الانتاج (الأموال، المصانع، الضيعات..) ضد من لا يملك سوى قوة عضلاته..
عندما حزموا أمرهم بخوض النضال كسبيل وحيد للتحرر من الاستغلال، وجه عمال المقاولة مراسلة للإطارات المحلية المناضلة تتصدرها العبارة التالية: “نطلب منكم مؤازرتنا في المحنة التي نعيشها مع شركة هيدروكان التي تحيي فينا جرح الاستغلال البشع لأجدادنا وآبائنا سنوات حكم [أتباع الباشا] الكلاوي للمنطقة”
صاحب المشروع
هو مشروع سياحي يشمل 08 قصور سياحية متفرقة بالجنوب الشرقي، وصاحبة المشروع هي الشركة المغربية لتثمين القصبات، بمساهمة ( حسب العمال) من صندوق الايداع والتدبير بنسبة 65 بالمائة وشركة أكوا وضمنها (حسب العمال دائما) الملياردير والوزير عزيز أخنوش، المحرض على البلطجة، بنسبة 35 بالمائة. دخل صندوق الايداع والتدبير المشروع باسم الشركة الهندسية السياحية. أما شركة هيدروكان، الكائن مقرها بتابريكت؛ سلا؛ فمكلفة بورش بناء وترميم القصبة وبناء فيلات سياحية ومرافقها.
اختيار الموقع، حيث قصبة أيت عبو لبناء مرافق سياحية ليس من باب الصدفة. هو اختيار ينسجم وسياسة نهب الثروات والموارد الطبيعة للمناطق الغنية بالماء والأرض. كما أن التحفيظ المجاني للأراضي الفلاحية والتحفيظ المرتقب للأراضي السلالية لم يأتيا جزافا بل خدمة لجشع الشركات الرأسمالية الناهبة لثروات السكان الأصليين أينما كانت. ابتداء من 2010 انطلق نهب شركات رأسمالية عملاقة ل 3000 هكتار من أراضي قبيلتي تدغست وتسلمانت لإقامة مركب نور الرأسمالي الضخم للطاقة الشمسية بإقليم ورزازات الذي يلتهم كذلك مياه السد الكبير سد المنصور الذهبي، خدمة لأرباح تلك الشركات لا مصالح السكان وذوي الحقوق. يجري كذلك نهب الثروة المائية لفلاحي اقليم زاكورة الصغار (انخفاض مستوى مياه الآبار كل عام) لإقامة ضيعات البطيخ الأحمر الرأسمالية الكبرى المستهلكة للمياه بكثافة، بحثا عن الربح ولو بتدمير بيئة الفقراء. وهذه مجرد أمثلة عن شتى أشكال نهب الموارد الطبيعية للسكان من قبل شركات تحظى برعاية الدولة وبتشجيع منها وتغاضٍ عما يرتكب من جرائم بيئية ومن استيلاء باسم الرأسمالية الخضراء.
ظروف العمل ومطالب العمال
من 18 شتنبر 2018، تاريخ انطلاق الأشغال، إلى اليوم، مرت سنة وثلاثة أشهر والعمال محرومون من أدنى وسائل الوقاية من الأخطار، لا خوذات، لا أحدية، لا ملابس خاصة بالعمل.. ومرحاض واحد ل 90 عاملا بالورش!!
يتلقى هؤلاء الكادحون أجور بؤس دون الحد الأدنى الذي تضمنه مدونة الشغل، يتسلمونها بالقطعة كل كانزا (كل 15 يوم). وككل الشركات التي تجوع عمالها مستخدمة شبح البطالة كفزاعة، تماطل هيدروكان في تسليم أجور البؤس تلك، وهي النقطة المفجرة للنضالات كما سنرى. تتلاعب هيدروكان كذلك فيما يخص التصريح بالعمال لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. فتقلص أيام العمل الفعلية بالنسبة لمن صرحت بهم، وتعفي نفسها من التصريح بمن تبقى. فلا تعويضات عائلية ولا احتساب لأيام العمل الفعلية في التقاعد. في بداية الأشغال طلبت المقاولة من العمال الادلاء بوثائقهم الشخصية، وبعد احضارها ألقتها بسلة المهملات. فلا وثائق عمل بحوزة العمال؛ لا ورقة أداء ولا بطاقة شغل..
حتى هذه اللحظة، سقط 04 إلى 05 عمال ضحية حوادث نتجت عنها جروح ودماء، كان آخرها اصابتين في الرأس بسبب سقوط الطوب الأحد الماضي 22 دجنبر 2019، أو بالأحرى بسبب غياب الخوذة الواقية!!! لا تأمين لا تعويض مادي لا تصريح بالعامل المصاب لدى الصندوق.. فقط سيارة اسعاف تنقله الى المشفى حيث تسارع السلطات الاقليمية الى الاعتناء بالمصاب بإجراء فحوصات خوفا من اختلال أمني أو تصعيد عمالي أو رد فعل شعبي..
سطر العمال ملفهم المطلبي (الضمان الاجتماعي، الأجور في وقتها، تحسين ظروف العمل وتوفير وسائله) وطلبوا التفاوض لحل المشاكل، ثم لم يجدوا من سبيل سوى النضال لانتزاع حقوقهم.
السيرورة النضالية
جوعت الشركة عمالها بحرمانهم من الفرنكات المسماة أجورا من أواخر غشت حتى أكتوبر2019، فحل عيد الأضحى ثم الدخول المدرسي والأجر متوقف. كانت تلك النقطة التي أفاضت الكأس. تمثل أول رد في اضراب أيام 10، 11 و12 شتنبر، خاضه العمال خارج أي اطار نقابي. نظموا أول جمع عام لهم بتاريخ 13 شتنبر وانتخبوا لجنة عمالية وكلفوها بتدقيق الملف المطلبي. عقدوا اجتماعا مع قائد قيادة سكورة يوم 16 شتنبر ولقاء آخر بتاريخ 23 من نفس الشهر فلم يلتزم القائد بمخرجاتهما. أجروا رفقة المناضلين المؤازرين لهم من القطاعات الأخرى بالمنطقة اتصالات شبه يومية بمفتش الشغل. راسلوا كل السلطات والادارات المعنية. وجهوا طلب مؤازرة إلى الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية بالمنطقة والاقليم فأثمر ذلك تشكيل لجنة الدعم المكونة من مناضلي ومناضلات الهيئات. نظموا مهرجانا خطابيا بحضور الهيئات أمام الورش يوم فاتح أكتوبر 2019. طالبوا مفتشية الشغل بإلزامية حضور ممثل الشركة إلى طاولة التفاوض. عقدوا لقاء تفاوضيا بمفتشية الشغل بتاريخ 10 اكتوبر وخرجوا بمحضر موقع من قبل ممثل الشركة لكنه لم يلتزم بمخرجاته. خاضوا اضرابا آخر، قبل تأسيس المكتب النقابي أيام 14، 15، 16 و17 أكتوبر 2019 مرفوقا بوقفات احتجاجية. أسسوا مكتبا نقابيا في اطار الاتحاد المغربي للشغل بتاريخ 16 أكتوبر 2016، تحت اشراف كاتب الاتحاد المحلي للنقابة بورزازات. حضروا لقاء تفاوضيا بمندوبية الشغل بورزازات بتاريخ 17 أكتوبر. بعد التأسيس خاضوا اضرابا فرضته القاعدة العمالية بتاريخ 29 نونبر مرفوقا بمسيرة مشيا على الأقدام باتجاه العمالة. بعد قطعهم حوالي 10 كلمترات ، ستوقفهم السلطة وسيعقد لقاء تفاوضي بمقر الدائرة بهسكورة برئاسة رئيس الدائرة وبحضور مندوب وزارة التشغيل ومفتش الشغل. ثم عُقد لقاء آخر بتاريخ 03 دجنبر 2019 توج بتوقيع محضر لم يلتزم ممثل الشركة بمخرجاته.
لم يلتزم المشغل بالمحاضر الموقعة فعقد العمال جمعا عاما بتاريخ 11 دجنبر وسطروا برنامجا نضاليا بالتوقف عن العمل ساعة كل يوم، منتصف النهار، ووقفات احتجاجية أمام الورش بعد انهاء الأشغال في الرابعة والنصف بعد الظهر. كما قرروا خطوتين تصعيديتين يساهم في تنظيمهما وانجاحهما مناضلون ومناضلات من الاطارات المتضامنة مع العمال في هذه المعركة: قافلة من المتضامنين والمتضامنات يوم الأحد 22 دجنبر بعد الزوال، ومسيرة شعبية بمركز الواحة تزامنا مع السوق الأسبوعي يوم الاثنين 23 دجنبر (عطلة العمال الأسبوعية) تلقى الرفاق الثلاثة المسؤولون عن المسيرة من قائد قيادة سكورة (مناضل نقابي بقطاع الجماعات المحلية .ا.م.ش، مناضل نقابي بقطاع التعليم/التوجه الديموقراطي وعامل نقابي من الشركة)، منعا كتابيا للقافلة والمسيرة معا. نظمت قافلة متواضعة جدا يوم الأحد، وفي الغد، الاثنين، عقد لقاء تفاوضي بين العمال وبعض مؤازريهم وكاتب الاتحاد المحلي التابع للاتحاد المغربي للشغل من جهة، وقائد قيادة سكورة، من جهة أخرى، قدم فيه الأخير ضمانات كي يلتزم المشغل بما وقع عليه من محاضر. جرى تحويل مسيرة الاثنين/يوم السوق الى وقفة احتجاجية بالمركز. في الغد، الثلاثاء 24 دجنبر، لم يلتزم ممثل الشركة بالحضور الى الورش كما وعد رغم حضور القائد. وفي مساء الأربعاء 25 دجنبر عقد العمال جمعا عاما آخر للرد على امعان الشركة في المناورة والتلاعب والتنصل والاصرار على استعباد العمال وهضم حقوقهم.. والمعركة لا تزال مستمرة..
استنتاج
يخوض عمال الشركة نضالا دفاعيا متقهقرا إلى آخر خطوط الدفاع الخلفية لضمان لقمة عيش بالكاد تقي من جوع. هم ليسوا في موقع نضال من أجل مطالب استراتيجية تستحق تضحيات أكبر كمطلب الترسيم. لذلك، محكوم على نضالهم بالبقاء ضعيفا أمام وحش رأسمالي متغطرس وسلطة متغاضية عن الخروقات وتقف موقف متفرج يتمنى عياء المحتجين وذبول صرخاتهم.
الا أن للمعركة نقط قوة أساس. فاذا تمكن العمال بصمودهم من انتزاع مكاسب ولو طفيفة في الأيام القادمة، من شأن ذلك أن يوقظ آمال المارد الشعبي للمطالبة بحقوقه الاجتماعية المهضومة من تطبيب وعلاج (المستشفى المحلي/طبيب واحد لعشرات الآلاف من سكان سكورة والقرى الأخرى القريبة!!) وتعليم (تراجع الجودة واهتراء البنيات التحتية..) وخدمات من ماء شروب غير ملوث وكهرباء وطرق تفك العزلة عن القرى النائية المهملة والمقصية وتشغيل للعاطلين وتحرير للنساء من عبودية المجتمع الذكوري وادماجهن في برامج تنموية حقيقية.. وتوفير دور الشباب وأماكن للترفيه وألعاب الأطفال، مثلما فعل ذلك المارد نفسه أيام نهوض 2011 الذي شهدته المنطقة والمغرب عامة.
بقلم : مراسل جريدة المناضل-ة
اقرأ أيضا