رأي للإسهام في الإعداد لمجلس تنسيقية المفروض عليهن- هم التعاقد الوطني؛ هل تُغْنِي المقترحات الملموسة عن المنظور العام للنضال؟
لم يبدأ النضال ضد مخطط التعاقد قبل تنزيله في نوفمبر 2016، بل تطلب انتظارَ فوجين من الأساتذة-ات ظهورَ آثارِه الكارثية في الواقع [تفعيل بند فسخ العقد دون قيد أو شرط: طرد أستاذين] لتنطلق موجة رفضه والمطالبة بإسقاطه.
كان هذا النضال إذن نهوضا ضد نتائج مخطط التعاقد، بعد أن نجحت الدولة في تمريره وتوسيع دائرة ضحاياه. وقد حكم هذا على معركة التنسيقية بأن تتسم بالمعتاد في المعارك الدفاعية تحت وقع هجوم مباغت: غياب الإعداد النظري والبرنامجي، عدم تدقيق المطالب، عجالة تأسيس أدوات النضال…
لكن أكبر عائق يواجه مثل هذه المعارك هو التأثر بتقاليد النضال السائدة وسياقها العام، فقد نشأت تنسيقية المفروض عليهن- هم التعاقد في سياق تشتت الحركة النقابية وتفشي العقلية القطاعية والنزوع الفئوي داخل شغيلة الوظيفة العمومية وقطاع التعليم. تعيق هذه التقاليد أي تقدم للنضال ضد مخطط التعاقد، وأي مخطط آخر لتفكيك الوظيفة العمومية.
مخاطر العقلية الفئوية
تعمل الدولة بمنطق شمولي: وحدة الهجوم مع تنويع صيغ تنزيله والحرص على عدم تزامن حلقاته، تفاديا لاستثارة رد فعل دفاعي مشترك من ضحاياه. وقد نجحت في ذلك كثيرا، فالهجوم الشامل على المدرسة والوظيفة العموميتين، لم يثر لحد الساعة إلا ردود فعل معزولة رغم بعض الاستثناءات التي تستحق التنويه، رغم أنها لا تواجه جوهر الهجوم في شموليته بل نتائجه.
لم تعد الدولة تخفي مخططاتها حول تفكيك الوظيفة العمومية: تعميم مخططات التعاقد على كل قطاعاتها، نزع المركزة واعتماد صيغة التوظيف الجهوي، “إصلاح” القطاع العام بما ينقل إليه علاقات الشغل القائمة في القطاع الخاص. وقد شرعت وزارة الداخلية في نقاش تمرير نظام أساسي خاص بموظفي الجماعات المحلية ينص على اعتماد التوظيف بموجب عقود.
ولكن في الجهة المقابلة، يصر ضحايا سياسة الدولة، بعضهم عن حسن نية والبعض الآخر عن سوئها، على الاستمرار في الانغلاق الفئوي وعزل مطالبهم وملفاتهم وبالتالي نضالاتهم بعضها عن البعض. ويقوم هذا العزل الفئوي على اعتقاد راسخ بأن تبسيط المطلب والاعتماد على المعنيين به فقط، أسهل بكثير من محاولة استنهاض فعل نضالي موحد يحتاج إلى جهود هرقل لتنظيف اسطبلات التواطؤ البيروقراطي مع الدولة وإقناع كل فئة بضرورة النضال الموحد.
تبذل مجهودات جبارة لإقناع ضحايا هجوم الدولة بضرورة توحيد الجهود النضالية، وقد أتت أكلها أحيانا في قطاع التعليم الموسم الفارط [إضراب 3 يناير 2019 الوحدوي، برنامج نضالي في شهر فبراير، تنسيق بين المفروض عليهن- هم التعاقد وحملة الشهادات والزنزانة في شهر أبريل]. ولكن الاتجاه العام هو تفضيل التقوقع الفئوي على توحيد فعلي وحقيقي للنضال: اللجوء إلى التنسيق في اللحظات الحرجة فقط، دون اقتناع صميمي بضرورته.
هذا هو السياق العام الذي يعد فيه المفروض عليهن- هم التعاقد لعقد مجلسهن- هم الوطني نهاية شهر ديسمبر 2019، وقد انطلق فعلا نقاش صحي حول المقترحات الملموسة لاستمرار النضال ضد التعاقد.
لا تكفي مقترحات ملموسة في إطار الانغلاق الفئوي
النقاش بحد ذاته شيء مطلوب، لكنه ليس كافيا دون بوصلة تشير إلى الحلقة الرئيسية، التي سيظل النقاش، دون الإمساك بها، محدودا في أمور تقنية وتنظيمية ويغفل الجانب الجوهري من الأمر: المنظور السليم للنضال.
تواترت تدوينات ومقالات عديدة تتضمن مقترحات ملموسة حول الخطوات النضالية الواجبة لاستمرار النضال: إضراب لمدة أربعة أيام، إنزال وطني، إنزالات جهوية، مقاطعة الامتحانات الإشهادية، الامتناع عن مسك النقط، إلى آخره من تنويعات برامجية تركز على الجانب الإجرائي فقط من خطوات النضال.
يجري نقاش خطوات النضال وأعين من يطرحها محصورة في 70 ألف أستاذ- ة، ولا استحضار لجسم موظفي وزارة التربية الوطنية الذي يفوق 300 ألف موظف- ة، وشغيلة وظيفة عمومية يتجاوزن 800 ألف، هذا دون الحديث عن اعتبار مخطط التعاقد والدفاع عن التعليم العمومي قضية عمالية وشعبية.
رغم أن هذا كله وارد في بيانات التنسيقية: النضال الوحدوي خيار استراتيجي، ولكن حين يتعلق الأمر بخطوات النضال الملموسة يجري تناسي هذا المبدأ، أو بالأحرى يُعتبر مبدأً يُعلن في البيانات ويبقى تنفيذه رهين نية الأطراف الأخرى، دون القيام بما يلزم لإقناعها، أو لإقناع قواعد النقابات وبقية التنسيقيات بضرورة الوحدة وتفرض ذلك على قياداتها.
ما دامت العقلية التي تصاغ بها هذه المقترحات حبيسة أسوار التنسيقية الوطنية ورهينة العقلية القطاعية بَلَهَ الفئوية، فلن تستطيع أفضل البرامج النضالية حلحلة الموقف أو إحراز أي تقدم في مواجهة مخطط التعاقد.
الدليل: لولا ما استثارته معركة المفروض عليهن- هم التعاقد في الموسم الفارط من تململ نضالي عارم في صفوف شغيلة التعليم، لما اضطرت الدولة إلى التنازل عن فتات لوقف تلك الدينامية. وكان الفتات هو سحب تلك البنود المثيرة للسخط في الأنظمة الأساسية وإسقاط ملحقات العقود إضافة إلى حل جزئي لملف ترقية الزنزانة 9 وضحايا النظامين، ولكنه فتات انتزع بنضال اشتركت فيه كل فئات شغيلة التعليم وهذه هي العبرة.
ليس المشكل إذن في روتينية الخطوات النضالية، ولا في غياب طابع التصعيد عنها، بل في العقلية الفئوية الضاربةُ جذورها حتى الأعماق في وعي ولا وعي القواعد والقيادات على حد سواء. ويجري ترسيخ اعتقاد بأن الحل يكمن في استكناه خطوات نضالية وطرق تنظيمية، لكن هذا مجرد سراب يبتعد كلما اعتقدنا أننا مدركوه.
الحل يوجد خارج التنسيقية وليس داخلها، فبدون نضال موحد، ستستمر التنسيقية الوطنية في استنفاذ نفسها في خطوات تتراوح بين تصعيد ومراحل خفوت، حتى تنتهي قوقعةً لا فائدة منها. وتكون النتيجة هي ما يتخوف منه الكل حاليا: القبول المبدئي بالتعاقد كصيغة عادية للتوظيف.
لا غنى عن نضال وحدوي
لا نعدم تجارب سابقة تكون ركيزة لعمل موحد مستقبلا: فَتَحَ إضراب 3 يناير الوحدوي في الموسم السابق ثغرةً في جدار أسوار الصين العظيمة القائمة بين فئات شغيلة التعليم، وانبثق أمل عظيم في توحيد نضالاتها. وعقدت اجتماعات تنسيقية جهوية ووطنية، نتج عنها برنامج وحدوي أيام 19 حتى 22 فبراير ضمنها مسيرة وطنية في 20 فبراير. برنامج وحدوي أرغم حتى البيروقراطيات النقابية التي مزقت أوصال جسم الشغيلة وجعلته “وزيعة” بين أحزاب غير عمالية، أو الولاء المباشر للدولة، على الالتحاق ومسايرة تلك الميول الوحدوية.
لكن سرعان ما انطفأت شعلة الأمل تلك، بانسحاب بعض التنسيقيات، وإعلان تنسيقية حملة الشهادات برامج نضال معزولة، واضطرار تنسيقية المفروض عليهن- هم التعاقد لوحدها إلى الانخراط في معركة تصعيدية ضد استفزاز الدولة التي طرحت ملحقات عقود للتوقيع.
إن أرضية مطلبية موحدة تركز على الهجمات الكبرى للدولة على الوظيفة العمومية، رهينة بتوحيد الفعل النضالي لتنسيقيات ونقابات تبعدها المطالب الفئوية عن بعضها البعض. لنتوحد في النضال:
– ضد مشاريع القوانين التنظيمية لتفكيك الوظيفة العمومية.
– ضد مشروع قانون عادم لحق الإضراب ومكبل لحق تأسيس النقابات.
– ضد تفكيك أنظمة التقاعد.
– من أجل إسقاط مخطط التعاقد والاستجابة لمطالب الترقية وكل صنوف تحسين قدرة الشغيلة الشرائية.
وستكون البداية بعقد مجالس وطنية وجهوية مشتركة بين كافة تنسيقيات شغيلة التعليم، لنقاش أمور الوحدة النضالية الميدانية، وتعميق النقاش حول بلورة أرضية مطلبية موحدة.
إن التعاقد “مخطط استراتيجي” أعدته الدولة على نار هادئة لمدة عقدين، وسائرة في تطبيقه في كل قطاعات الوظيفة العمومية. لذلك فمواجهته ليست باليسيرة، وإن لم تكن مستحيلة، لكنها تستدعي قوة جماعية لطبقة الشغيلة. والاعتقاد بأن إسقاطه رهين خطوات تصعيدية لفئة وحيدة، لن يؤدي إلا إلى تبديد القوة النضالية في معارك معزولة مهما بلغت قتاليتها وكفاحيتها، في خطوات معزولة تنتهي بإحباط أعظم من الحماس الذي بدأت به.
ويقف في وجه هذه المهمة عوائق ذاتية قائمة في الجسم النقابي وهي نقص التعاون وإذكاء عصبوية الانتماء إلى نقابات وتنسيقيات. لا يمكن مواجهة مخطط التعاقد بجسم مشتت، وتوحيده يحتاج إلى وقت، والتهرب من هذه المهمة بمبرر صعوبتها وتفضيل السبيل الأقصر لتحقيق المطلب [النضال الفئوي] هو عينه السبيل الأسهل للهزيمة.
شغيلة موحدة… ملف مطلبي موحد… نضال موحد
بقلم، شادية الشريف
اقرأ أيضا