النّضال الجماعي ضدّ مُخطّط التّعاقد وقانُون الإضراب وقّانون الإطار ضَرورةٌ نضاليّةٌ مُلحّةٌ
مداخلة محمد العثماني بندوة النقابة الوطنية للتعليم /كدش فرع أكدز الأحد 8 دجنبر2019.
1- تعديات تهدد مكاسب شغيلة التعليم والمدرسة العمومية
أ- مخطّط التعاقد:
التّعاقد مُخطط استراتيجي لتدمير المدرسة العمومية، فرضته الدولة للهجوم على مكتسبات الشغيلة والتملص من التمويل العمومي للخدمات الاجتماعية تنفيذا لتوصيات وقرارات المؤسسات المالية العالمية أساسا البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
إنه مخطط طبقي تنص عليه الوثائق الرسمية المرجعية بدءا من ميثاق التربية والتكوين والرؤية الاستراتيجية، وصولا لقانون الإطار، وسيتم تعميم العمل به بكافة القطاعات العمومية الأخرى مع تفكيك قانون الوظيفة العمومية.
التوظيف الجهوي نسخة منقحة من التعاقد:
قررت الدولة العمل بالتّعاقد كآلية بديلة للتشغيل عن الشغل القار والموحد في سياق ما يسمى بتنويع الأوضاع القانونية للمدرسين.
في البداية جاء التّعاقد بمبرر سد الخصاص المهول بالقطاع. لكن بعد ذلك صُدم الأساتذة بعُقدة شغل تتضمن أسوأ البنود المعمول بها حتى بالقطاع خاص: طرد دون إخبار، وغياب الضمانات التأديبية، والحرمان من الحركة الانتقالية والتكوين والتغطية صحية…
بفضل نضال تنسيقية الأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد، وبدعم من النقابات المناضلة، تم تحقيق بعض المطالب الجزئية، دون أن يتحقّق المطلبُ الجهوريّ الذي هو الإدماج بالوظيفة العمومية. في هذا السياق جاء الحديثُ عن التوظيف الجهوي.
يمكن أن ترجع الدولة إلى نُسختها الأصلية من التعاقد إذا استطاعت هزم الدينامية الجارية، خصوصا أن هدفها الأساس هو نهج تعاقد في خدمة خوصصة القطاع، وضرب مجانية التعليم، على غرار خوصصة خدمات النظافة والحراسة والمطاعم وتأهيل المؤسسات والنقل المدرسي..
مهام أنصار النّضال ضدّ مخطط التعاقد
أولا: يجبُ رفض ما يسمّى بالتوظيف الجهوي على اعتبار أنه خطوةٌ مدمّرةٌ لوحدة ومُكتسبات شغيلة التعليم، وآلية تشغيل تصبّ في تفكيك الوظيفة العمومية، وتسهّل كل مساعي الدولة المتعلقة بالتملص من التمويل العمومي للتعليم وبيع خدمة التدريس للخواص.
ثانيا: يستهدفُ مخطّطُ التّعاقد كافة القطاعات العمومية، ويستلزم إسقاطه نضالا جماعيّا وطول النفس، لهذا يجب أن تكون غايتنا دائما هي البحث عن سُبل الوحدة النضالية سواء مع ضحايا التّعاقد مُباشرة أو مع ضحايا السياسة التعليمية ككل.
قد تستطيع التنسيقية باستقلاليتها التنظيمية وانفتاحها النضالي وتعاونها مع التنسيقيات والنقابات المناضلة ومع أنصار المدرسة والوظيفة العموميتين تحقيق الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية، هذا النّصر مُمكنٌ، لكنّه مشروطٌ بتقييم جماعي وديموقراطي لمسار النضال. يجب تفادي ردود الأفعال وعدم اتخاذ القرارات بمعزل عن الجموعات العامة وجعل الحفاظ على مكسب التنسيقية من أولويات النضال.
ثالثا: نحن على أبواب تجديد اللجان الثنائية ولجن الأطر، الشيئ الذي يستدعي الحيطة والحذر من أي انزلاق قد يهدد التنسيقية بالانشقاق. يجب في هذا الصّدد العودة للجموعات العامّة في اتخاذ أي قرار بخصوص لجن الأطر، فإذا كان القرار هو المقاطعة فيجب اتخاذه بشكل جماعي. ولكي تنجح التنسيقية في ذلك، عليها دراسة شروط إنجاحه، لكي تكون مُقاطعة نشيطة، ممزوجة بالنضال. ولدى التنسيقية خبرة دروس معركة مقاطعة ملحق العقد كتجربة ناجحة.
أما إذا كان قرار التنسيقية هو المشاركة فيجب أن تكون على أرضية لائحة مستقلة وعلى النقابات احترام قرار التنسيقية سواء كان بالمقاطعة أو بالمشاركة بلائحة مستقلة .
وهناك خيار ثالث وهو المتمثل في رفض فكرة لجن الأطر من أساسها والتشبث بالمشاركة في انتخابات اللجن الثنائية إسوة بالرسميين، ويبقى هذا الخيار رهين بميزان القوى النضالي للتنسيقية وأنصار النّضال ضدّ مُخطط التعاقد.
ب- مشروعُ قانون الإضراب:
المشروع هو رهن المشاورات مع القيادات النقابية، إنه المشروع السابع منذ 2001. لقد صَادق عليه المجلس الوزاري، وستتم إحالته على البرلمان كحلقة أخيرة للمصادقة عليه، وهو الذي لن يتردد في المصادقة عليه بالتصفيق. إنهم ينتظرون فقط اللحظة المناسبة التي لن تكون إلا لحظة خمول النضال.
- مخاطر مشروع قانون الإضراب:
تجريم الإضراب السياسي والإضراب التضامني واللامحدود، و كذلك الإضرابات الأخرى ذات الطابع المهني سيتم تقييدها لتصبح بلا فعالية.
سيتم إعطاء مُهلة كافية قبل إعلان الإضراب، مما سيفقد الإضراب مضمونه و جدواه، المتمثّل في الضغط على أرباب العمل ودولتهم.
وسيتم بموجبه فرض التّفاوض والسّلم الاجتماعي، ورفض الإضراب المفاجئ حتى يتسنى لهم إبطال مفعوله.
وسيتم منع حواجز حراسة الإضراب، ومنع احتلال المعامل، ومقرات العمل، وفرض حد ادنى من الخدمة. بمعنى شرعنة كاسري الإضراب.
خلاصة :
في سياق استمرار العمل بالقانون الجنائي الفصل 288، ومع تطبيق هذا القانون، سنعود بالعلاقات الشّغليّة إلى عهد الإستعمار، إذ تم انتزاع حق الإضراب أنداك بتعاون مع العمال الأجانب في إطار نقابتهم الكونفدرالية العامة للشغل سنة1946م، وتم فرض حق الإضراب رسميا بالدساتير منذ 1962 إلى الآن بفعل نضال النقابة العمالية التي كانت في عز عنفوانها.
إن التضييق على الحق النقابي في الإضراب ساري المفعول منذ مدة، بفعل الاغتيالات والمحاكمات والاعتقالات وقمع الإضرابات وتشريد العمال المضربين، والاقتطاعات.. هذا الوضعُ سيتم تعميمه إذا تمت المصادقة على هذا المشروع.
الموقف إزاء قانون الإضراب:
أي قانون إضراب متفاوض حوله مع دولة الرأسمال لن يكون إلا قانونا تكبيليا للإضراب.
يجب رفض أي قانون للإضراب، والنّضال من أجل إسقاطه. أولا لأن تحديد شروط الإضراب هو من خصوصيات الشغيلة وممثليها النقابيين. وثانيا لان أي تعديل لمشروع جل مواده قيود مانعة للإضراب لن يكون إلا قانونا معاديا لأي تنظيم له.
ت- قانون الإطار رقم 51-17:
قّانون الإطار يكرس نظام التعاقد: يدعو قانُون الإطار إلى تعزيز استقلالية الأكاديميات والجامعات في إطار تعاقدي، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص. بمعنى فتح الباب على مصراعيه لخوصصة القطاع، وتكريس التعاقد مع الشركات وتحويل التلاميذ والطلبة الى زبائن.
قانون الإطار قانون طبقي بامتياز: يكرّس التمييز الطّبقي إذ يعتمدُ على مُساهمة مؤسسات القطاع الخاص في الارتقاء بمنظومة التربية. وستكون النتيجة هي تعميق الثنائية تعليم عمومي موجه للفقراء وتعليم خصوصي لمن يدفع أكثر.
قانون الإطار ومجانية التعليم: ستتم إعادة النظر في رسوم التسجيل عبر إصدار مرسوم وزاري. حيث ثم التأكيد على أن التعليم إلزامي فقط لمن هم في سن 4 سنوات إلى 15 سنة، والتعليم الثانوي والعالي سيفتح لمن سيسدّد الفاتورة.
قانون يستند إلى توصيات المؤسسات المالية الدولية ولا يحترم سيادة الشّعب المغربي: هل تم استشارة جمعيات الآباء في اختيار نمُوذج التعليم الذي يريدونه بدءً من قرار خوصصة القطاع، ورسوم التسجيل والتناوب اللغوي المقرر بقانون الإطار؟
2 – استياءٌ عامّ ونضالات معزولةٌ
واصلت الدولة هجومها خلال العقود الأخيرة بوثيرة متسارعة، ساعدها في ذلك، ضعفُ الحركة النّقابية حيث أجهزت على الخدمات العمومية وكرست الهشاشة، وبدأت مسلسل تفكيك أنظمة التقاعد، والتغطية الصحية. والان تستعدّ لتجريم الإضراب بعدما مهدت له بالاقتطاعات.
هذه الأوضاع أدت إلى استياء عام حتى في صفوف النقابيين أنفسهم، حيث اختار البعض تجميد العضوية والعزوف عن النضال. والبعض الآخر اختار خيارات أخرى من قبيل استبدال الإطار النقابي وتأسيس نقابات جديدة أو الاكتفاء بالنضال الفئوي، وبقيت قلة قليلة متشبّثة بوحدة الحركة النقابية، ومدافعة عن استقلاليتها وكفاحيتها.
هذا الاستياء العام أدى إلى عزوف جماهيري عن النضال من جهة، وواقع نقابي مشتت وبؤر نضالية معزولة عن بعضها البعض. في قطاع التعليم تناضل التّنسيقية الوطنية للأساتذة الذي فرض عليهم التعاقد وتنسيقية حاملي الشهادات وتنسيقية خارج السلم وفئة التوجيه والتخطيط ونضالات نقابية ضد الإعفاءات الجائرة وضد الاقتطاعات وضد التعسف الإداري..
هذا الوضع معمّم في جميع قطاعات الوظيفة العمومية، إنه السمة الأساسية للحركة النقابية بالمغرب، الطبقة العاملة في وضعية دفاع هش وأغلب الشغيلة المغربية مغلوبٌ على أمرها، والذي يناضل، يناضل لوحده حتى داخل النقابة الواحدة.
شغيلة بالعديد من القطاعات يخوضون إضرابات خلال الشهور الأخيرة: بالبريد والإنعاش الوطني والمحافظة العقارية والمطارات والماء والكهرباء والجماعات والضيعات الفلاحية؛ إنها نضالات مشتتة و معزولة، ويزيد هزمها وعدم الاستجابة لمطالبها اليأس والإحباط، الشيئ الذي يساعد أرباب العمل ودولتهم على تعميق الهجمات، بخاصة في ظل ضعف الوعي السياسي للطبقة العاملة، وتنامي ظاهرة العزوف النقابي، وامتناع البيروقراطيات النقابية عن مركزة النضال وتوحيده.
تنضاف سلبية القاعدة العمالية وابتعادها عن النضال النقابي التضامني والوحدوي، إلى العوامل السالفة. فغالبيّة الشّغيلة، في أحسن الأحوال، تتعامل مع النقابة كمحامي، وليس كأداة للنضال الجماعي حيث يشارك الجميع في القرار والتنفيذ.
3- التنظيم النقابي ضرورة ملحة لتوحيد النضال
مهما بلغت النقابات من ضعف وتبقرط لا يصح الابتعاد عنها. حالة العزوف العام هي رد فعل سلبي يجب استبداله بموقف واعي بعيدا عن ما هو سائد من تملق ومحاباة للبيروقراطية واستقالات وانشقاقات نقابية.
يجب إعادة تملك الشغيلة لنقابتهم، لكن بأي منظور وأية رؤية ؟
النقابة التي نسعى إلى تطويرها هي:
النقابة المكافحة والديمقراطية، نقابة بديلة عن السائد، نقابة تقطع مع السياسات الليبرالية .
إنها النقابة التي تدافع عن المطالب الآنية المباشرة والموحدة لنضال الطبقة العاملة.
نقابة منفتحة على الطاقات الشابة وتطرح القضايا الاجتماعية من قبيل التعليم والصحة والبطالة والهشاشة والخوصصة والمديونية…
نقابة نضال طبقي تعادي كل تعاون طبقي مع دولة الرأسماليين.
نقابة تكرّس الديمقراطية الداخلية فعلا، وتطابق الأقوال بالأفعال، وتحتكم للجموعات العامة في اتخاذ القرار وتنتخب الأجهزة والقيادة وتستطيع عزلهم إن اقتضى الحال.
نقابة لا تختزل عملها في تقديم بعض الخدمات مقابل واجب الانخراط.
نرفض النقابة التي تقرر أجهزتها الفوقية وقاعدتها تنفذ.
نريد نقابة منفتحة على الحركة النسائية ونقابة منفتحة على مطالب النساء الخاصة .
نقابة تجسد شعار تأنيث النضال في وجه سياسة تأنيث الشغل.
مهمتان ملحتان :
أ- التنظيم النقابي مكسب تاريخي:
يجب الحفاظ على التنظيم النقابي مهما لحقه من صدأ، علينا رفع راية إزالة كل الصدأ الذي لازم التنظيمات النقابية.
إن السبيل إلى ذلك هو بلورة نماذج نقابية بديلة، وتجارب ميدانية ملموسة لنضال نقابي وحدوي وطبقي وديمقراطي معارض للخط النقابي البيروقراطي المتعاون مع الدولة البورجوازية. والبحث عن سبل مد جسور التنسيق والتعاون في إطار بناء خط نقابي معارض للخط الليبرالي المتحكم في الحركة النقابية.
ب- النضال الجماعي سبيل لنصر محقق:
في ظل التعديات الطبقية السالفة الذكر وغيرها لن يتحقق نصر حقيقي إلا ببناء ميزان قوى عمالي وشعبي، والبداية ستكون بتعزيز وحدة نضال كافة الشغيلة المناضلة.
+ بقطاع التعليم، لا مبرر للإنزواء في نضالات معزولة عن بعضها البعض:
– التعاقد مخطط يهدد كافة الشغيلة وفقراء المغرب.
– الترقية بالشهادة مطلب الرسميين والذين فرض عليهم التعاقد.
– مطلب خارج السلم مطلب لعموم شغيلة السلك الابتدائي والإعدادي.
– الاقتطاعات تعرقل حركة النضال بكاملها.
إنها أرضية مطلبية مشتركة لمعركة نضال موحّدة قد تبدو صعبة لكنها ليست بالمستحيلة.
مداخلة محمد العثماني بندوة النقابة الوطنية للتعليم /كدش فرع أكدز الأحد 8 دجنبر2019.
اقرأ أيضا