مول كاسكيطة في السجن: ملعقة اعتقال الأفراد لن تفرغ بحر الغضب الشعبي
في بادرة باتت غير مفاجئة في المناخ السياسي الجديد السائد بالمغرب، قام المواطن السكاكي محمد، المعروف بـ”مول كاسكيطة”، بإخراج فيديو بالإنترنيت يصرخ فيه في وجه الملك مباشرة بسيل غاضب من الانتقادات. انتقادات أصبحت رائجة على نطاق لم يخطر قط على بال أجيال القرن العشرين بالمغرب.
خاطب مول كاسكيطة الملك بما يروج من مؤاخذات شعبية، فحواها: حالة المغرب المنكوب، من قهر وبطالة وفساد ونهب الثروة؛ وغنى الأقلية الفاحش، بما فيها الملك، وعدم اكتراث هذا الأخير بمصير الشعب. صرخ الشاب، العاطل الذي جرب الاستغلال في المصانع، بما أصبح يتجرأ عليه عدد متزايد من المغاربة المنكوبين، ومَرَّ يرد على التهم التي ضربت بها الدولة حراك الريف، من قبيل “الانفصال” و”التنكر للوطن”، مع تسفيه العديد من الشعارات الرسمية. ولم ينس التذكير بمصير المنتقدين الذي هو السجن. وكذلك كان مصيره باعتقاله بتهمة “سب للمواطنين المغاربة ووصفهم بأوصاف مهينة لهم وحاطة من كراماتهم وتمس بمؤسساتهم الدستورية”.
وقد سبق لمول كاسكيطة نشر أشرطة كرر فيه شعار حراك الريف- عاش الشعب ولا عاش من خانه- مشهرا بالوضع الاجتماعي المفجع، صارخا ببلوغ السيل الزبى، داعيا الملك ليجول في مستشفيات البلد كي يرى رأي العين كيف يُداوى الشعب، وفي المصانع ليعاين بطالة الشباب وأجور البؤس – 1500 درهم في الشهر. شريط مفعم بما سما هو نفسه “الفوارق الطبقية بين البرجوازية والطبقات الفقيرة”.
ما قاله السكاكي محمد غيض من فيض، في أناشيد الألتراس، وفي الأغاني، وفي انترنت. وما في السرائر أعظم.
وزارة الداخلية في حيص بيص أمام تسونامي الانتقادات الشعبية، وصرخات التوجع التي لا تستثني القصر الملكي، وتتخطى كل ما يسمى الخطوط الحمراء. وتبدو تلك الوزارة مثيرة للسخرية وهي تعمل لإفراغ بحر الغضب بملعقة اعتقال الأفراد، والحال أن إمساكها عن اعتقال رموز الغضب الشعبي سيزيده اشتعالا، واعتقالهم اشتعالا على اشتعال.
إننا إزاء تعبيرات عن تحول في الوعي الشعبي، متعاظم منذ دينامية 2011-2012 النضالية التي اجتاحت المغرب وأسقطت جدران عديدة، منها قدسية الملكية مزيلة إياها من الدستور. فبعد شعارات 20 فبراير المخاطبة الملك مباشرة، جاء شعار -عاش الشعب- للتعبير عن رفض قول “عاش الملك”، وصاغ المخيال الجماعي مصطلح العياشة لنعت متملقي النظام الظالم الذي حول أغلبية الشعب إلى بائسين يتخذون كل السبل الممكنة للهرب الى الخارج.
الفجوة التي فتحتها 20 فبراير تتسع، وطابو الملكية سقط إلى الأبد، والوعي الشعبي يتطور، ويلامس جوهر أصل البلاء: نظام سياسي مستبد ونظام اقتصادي في خدمة الأقلية، يسمى الرأسمالية.
رب قائل كل هذه الأناشيد بالملاعب، والأغاني، وآلاف أشرطة التشهير بالظلم، تنفيس ليس إلا. إن اعتبار كل ذلك مجرد فش لـ-“الكعية” ينم عن كون صاحبه ينتظر من الجماهير أن تبلغ أرقى من ذلك من تلقاء نفسها. والحال أن الجماهير المقهورة كي تنتقل من آهات التفجع والتظلم، وصرخات الانتقاد، إلى فعل نضالي هي بحاجة إلى تنوير يوضح الطريق إلى الخلاص من الاستبداد ومن النظام الرأسمالي، هذا الذي يحكم على ملايين البشر بالبطالة، لاسيما الشباب، وعلى ملايين أخرى بجهنم الاستغلال بأجور البؤس.
من يلبي اليوم حاجات الكادحين إلى تنوير سياسي مرشد إلى سبيل الخلاص ذاك؟
اليسار الزائف، والقيادات المستبدة في النقابات العمالية، لا يكفان عن إسداء النصح للنظام، وتنبيهه إلى خطورة الوضع وقابليته المرتفعة للانفجار، وإلى ضرورة صون نعمة “الاستقرار”، هذه النعمة على البرجوازية والنقمة على العمال والمعطلين والنساء، وكافة ضحايا الرأسمالية.
الحكم، ومجمل الطبقة البرجوازية الملتفة حوله، يسيران بالمغرب إلى التهلكة. المغرب بحاجة إلى تنظيم القوة الكفاحية الصاعدة من المجتمع، والمعبرة عن نفسها بصيغ بالغة التنوع، منها الحراكات المتنوعة، وإضرابات الأجراء، وحملة مقاطعة عدد من السلع، وما نشهد من تعبيرات جماهيرية، والقادم أعظم.
إن للعمال أدوات نضال نخرها الداء البيروقراطي، داء التعاون مع البرجوازية ودولتها وخيانة مصالح الشغيلة. هذه الأدوات يجب معالجتها قدر الممكن، وبناء أدوات أخرى إلى جانبها، تنسيقيات، لجان تضامن، لجان إضراب، لجان بالأحياء الشعبية ضد غلاء المعيشة، لجان بالمدارس والجامعات|، لجان قرويين ضد تسلط الرأسمال على الأرض وثرواتها،… ولا بد أن تكون هذه التنظيمات روافد لحزب التغيير الشامل والعميق. فالمشكل الاقتصادي- الاجتماعي هو في آخر المطاف مشكل سلطة برجوازية يجب تغييرها بسلطة عمالية شعبية، وإن أداة التغيير السياسي منظمةٌ سياسية من طراز مغاير.
يجب تنوير الكادحين سياسيا حول البديل وسبل تحقيقه. فالكثير من مشعوذي السياسة، من ليبراليين مقنعين بقناع الديمقراطية، ومستعملين للدين لإدامة نظام الاستغلال الرأسمالي، يسوقون مشاريع تغيير زائفة: تغيير شكل سلطة البرجوازية، بلحية أو دونها، لضمان استمرار احتكارها للثروة. ولا يقل شعوذة من يدعي الراديكالية ويؤجل حل المسألة الاجتماعية (الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأغلبية) بمبرر أننا في طور ديمقراطي عنوانه “إسقاط المخزن”، او “نزع الطابع المخزني” عن الدولة.
البديل السياسي “الديمقراطي” الذي يروج له صنف مثقفين من الديمقراطيين الزائفين، أمثال هشام العلوي، سيواصل الهمجية الرأسمالية التي فرضت البطالة والبؤس والمرض على ملايين الأجراء والمعطلين والنساء والمشردين في اكواخ القصدير بهوامش المدن والقرويين المهملين.
والبديل الحقيقي، السياسي والاقتصادي –الاجتماعي، هو سلطة عمالية شعبية، قائمة على التنظيمات الشعبية بأماكن الكدح والسكن. لقد دلت تجارب تاريخية عديدة عبر المعمور أن معضلات البلدان المتخلفة لا تحلها غير سلطة عمالية مستندة على فقراء القرى. وكل تعويل على غير ذلك يعيد إرساء سلطة البرجوازية على قبر أحلام تحرر العمال ومجمل الكادحين.
بلدنا بحاجة إلى سلطة تعيد بناءه على أسس تلبية حاجات الجماهير الشعبية بالقضاء على نظام الاستبداد وأرباح الأقلية.
بهذا المعنى يسائلنا جميعا، نحن المناضلين والمناضلات، هذا السيل من التعبيرات الشعبية عن الغضب، نحن المطالبون بالنهوض بدور الخميرة، دور المساعدة على ايجاد طريق الخلاص.
الكادحون يضعوننا أمام مسؤولياتنا، فلنكن في مستواها. نحن مطالبون بتعميم دروس حراكات إيفني- ايت باعمران، والريف-جرادة، و20 فبراير، ودروس التجارب الجارية اليوم من هونغ كونغ إلى الشيلي مرورا في العراق ولبنان والجزائر.
نحن مطالبون بتوضيح جوهر البديل السياسي والاقتصادي الاجتماعي على أوسع نطاق، لسد طريق البدائل الزائفة، المتربصة بالغليان العمالي والشعبي الجاري.
اللحظة تنادي كل مناضل-ة الى واجبه التاريخي.
الحرية للسكاكي محمد و الكناوي وكافة المناضلين من أجل حياة لائقة.
عاش الشعب، وإلى أمام صوب الحرية والكرامة والحياة الجديرة بهذا الاسم
بقلم، جنين داود
اقرأ أيضا