لبنان: ربيع الثورة؛ ضد الطائفية ونظام المصارف [مقابلة مع جوزيف ضاهر]
تدخل الانتفاضة الشعبية يومها الثامن في لبنان، وهي لا تني تحافظ على جذوتها، وبتكتيك إغلاق الطرقات، والدعوة إلى الإضراب العام، ومشاركة ملفتة للنساء، دالة على عمق قهرهن واضطهادهن الطائفيين. ليست لبنان في منأى عن سيرورة “الربيع العربي”، الثورية طويلة الأمد. فقد تخطت الانتفاضة الحالية كل الحواجز الطائفية والمذهبية ليصدح اللبنانيون جهارا ضد خدام النظام الطائفي الرأسمالي، “كلن يعني كلن”.
للوقوف على مستجدات الوضع السياسي في لبنان، على ضوء الانتفاضة الشعبية الحالية، ولفهم ما يعتمل في الساحة اللبنانية، حاورت جريدة المناضل-ة، جوزيف ضاهر، مناضل سوري ومتابع للوضع في منطقة الشرق الأوسط. هذا نص الحوار:
- ماذا يجري في لبنان؟ وماهي دلالته السياسية في منطقة “الشرق الملتهب”؟
إن ما يشهده ويعيشه لبنان اليوم حركة شعبية واسعة، وتعد الأكبر في السنوات الأخيرة في بيروت والمناطق اللبنانية كافة. اندلعت حركة الاحتجاج في البداية ضد الزيادات الضريبية في إطار سياسات التقشف، إلا أن الحركة الشعبية في جوهرها وغالبيتها تعارض وتتحدى النظام السياسي اللبناني الطائفي والبرجوازي برمته وسياساته النيوليبرالية وفسادها.
فقد شهد لبنان بعض الاحتجاجات الهامة في أوائل عام 2011، ضد النظام الطائفي في أعقاب بداية الانتفاضات الشعبية الإقليمية، وفي صيف عام 2015 حملة “طلعت ريحتكم” التي اندلعت بعد أزمة إدارة النفايات، بالإضافة إلى استمرار النضالات العمالية في 2012 و 2014.
ومع ذلك، فإن حجم المظاهرات الحالية هو الأهم والأوسع جغرافيّا من سابقيه. ليست الاحتجاجات مقتصرة فقط على العاصمة بيروت، بل امتدت إلى جميع مناطق البلد ومدنه مثل: طرابلس والنبطية وصور وبعلبك والزوق، إلخ… فيوم الأحد 20 اكتوبر2019، قدّر أن 2.1 مليون شخص احتجوا في بيروت وأكثر من مليوني شخص في جميع أنحاء البلد، البالغ عدد سكانه 6 ملايين نسمة. ولهذه الحركة الشعبية جذورها في الطبقات الشعبية والطبقة العاملة، أكثر من حركات الاحتجاج السابقة في عامي 2011 و2015، والتي كانت في الغالب من قطاعات الطبقة الوسطى، رغم عدم اقتصارها عليها.
- كيف ترى القوى السياسية اللبنانية (أحزابا وتيارات) الانتفاضة الحالية في لبنان؟ وهل شملت الانتفاضة مناطق نفوذ هذه القوى؟ وما تفسير ذلك؟
لم يكن للقوى السياسية الطائفية تأثير أو مشاركة في الحركة الشعبية. على العكس من ذلك، تمثل هذه الحركة الاحتجاجية تهديداً مباشراً لسلطتها ولنفوذها، لأنها تعارض النظام الطائفي والبرجوازي ككل، بأكمله، وبالتالي جميع الأحزاب السياسية الطائفية المشاركة فيه. إذ قامت ميليشيات من بعض الأحزاب الطائفية بمهاجمة المتظاهرين في بعض المناطق، بينما تحدث آخرون في وسائل الإعلام عن مؤامرة أجنبية، والجيش أيضاً قمع المتظاهرين .وكل مرّة ظهرت فيها حركة عابرة للطوائف من الأسفل، تمّ تفريق هذ الحركة من قبل قوّات نخبويّة طائفيّة لأنّها تشكّل تهديدًا لها. ويشكل تطور الحركات من منطلق طبقي تهديداً محتملاً لجميع أطراف الطبقة الطائفية الحاكمة في لبنان.
- تبدو المظاهرات بعيدة عن النزوع الطائفي، كيف أمكن ذلك؟ أليس الأمر مؤشراً على أزمة المحاصصة الطائفية اللبنانية؟
شهدنا الشعارات ورسائل التضامن بين المناطق وعبر الطوائف الدينية منذ بداية الاحتجاجات، على سبيل المثال في مدينة طرابلس بين حيّي باب التبانة (الذي تسكنه أغلبية علوية) وجبل محسن (المأهول بأغلبية سنية)، اللذَيْن عانيا الكثير من النزاعات المسلحة في السنوات الأخيرة، أو بين طرابلس (معظم سكانها من السنة) والمدن الجنوبية مثل النبطية وصور (ومعظمها من المناطق يقطنها الشيعة).
لا يناهض المتظاهرون السياسات الاقتصادية النيوليبرالية للحكومة وفسادها وحسب، بل حتى النظام الطائفي والبرجوازي وجميع مكوناته الحاكمة. ويعكس الشعار الرئيسي هذه الرغبة في التغيير الجذري «كلّن يعني كلّن» (كلهم يعني كلهم).
- يشبه ما يحدث مجريات السيرورة الثورية في موجتها الأولى، ألا يحد الأمر من أهمية ما يحدث بفعل غياب بديل سياسي معبّر حقا عن تطلعات الجماهير المنتفضة؟
نعم، تتمثل التحديات الرئيسية لاستمرار وتعميق الحركة في انعدام هياكل بديلة للتمثيلات ومنظمات عمالية مستقلة، لتوجيه مطالب الحركة الاحتجاجية في مكوناتها الأكثر تقدمية ضد الاتجاهات الانتهازية والمحافظة، والتي رفعت مطالب متل حكومة تكنوقراطية أو حكم عسكري.
وبدأ النقاش حول نوع الهياكل البديلة للتمثيل من الأسفل، من أجل تنظيم وتوجيه المطالب المحلية للمتظاهرين، في الأحياء وعلى مستوى مختلف المناطق والطوائف. فالهياكل البديلة للتمثيلات والمنظمات هي ضرورية لمحاولة تحقيق وضع قريب من السلطة المزدوجة التي يتم فيها تحدٍّ لهيمنة الأحزاب الحاكمة الطائفية والبرجوازية. إذ انضمت الجماعات المنظمة، وخاصة في صفوف النسويات وطلاب الجامعات، إلى الاحتجاجات وتدخلت بطرق منسقة. وتكمن اهمية توسيع هذه الأشكال من التنسيق في جميع أنحاء البلد.
- أي دور للطبقة العاملة ومنظماتها في الاحتجاجات الحالية؟
فقدت الحركة النقابية علاقتها بالعمال منذ زمن بعيد. وفي واقع الأمر، ساهمت القوى السياسية في لبنان، وبكل قوة، في إضعاف الحركة النقابية. وتسيطر هذه القوى على غالبية مقاعد قيادة الاتحاد العمالي العام. ونتيجة لذلك، يرفض الاتحاد تعبئة العمال على الرغم من تشديد تنفيذ السياسات النيوليبرالية. إضافة إلى ذلك، لم يعد للاتحاد قدرة على تعبئة العمال منذ سنوات.
ويبدو أن رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، التي قامت بدور قياديّ داخل هيئة التنسيق النقابية، بات مصيرها مماثلا. فخلال انتخابات يناير عام 2015، اتحدت الأحزاب السياسية الطائفية-ومن بينها حزب الله و8 و14 آذار- ضد حنا غريّب، الذي حاز على دعم المستقلين والحزب الشيوعي اللبناني. وعكست هذه الانتخابات طريقة تقويض القوى السياسية الطائفية للاتحاد العمالي العام. وتراجعت أنشطة هيئة التنسيق النقابية بعد هذه الانتخابات.
لهذا فالشارع اللبناني في حاجة ملحة لإنشاء وبناء حركة نقابية ديمقراطية ومستقلة جديدة، مستقلة عن قرارات الأحزاب السياسية الطائفية. وفي نفس الإطار، بناء النقابات العمالية للعمال الأجانب، والتي ما زالت محظورة من قِبل وزير العمل، كما هناك تحدي نظام الكفالة الذي يحتاج أيضاً إلى معالجة.
- أي أفق للحراك في لبنان؟ وماهي مهام اليسار العمالي في عموم المنطقة بالنظر إلى استرجاع السيرورة الثورية لبعض جذوتها؟
لا تزال كلّ الاحتمالات مفتوحة في لبنان والحركة لديها الكثير من التحديات، ولكن الأمل كذلك أن أي مشروع مناهض للهيمنة يتطلب قطيعة مع النظام السياسي الطائفي والبرجوازي في لبنان، وكذلك مع النظام الإمبريالي الإقليمي والدولي.
ودورنا كيسار عمالي هو دعم هذه الحركة وتحدي حكوماتنا وأنظمتنا. كلما ظهرت حركات الاحتجاج والسخط الشعبي في أي نقطة من العالم، فيجب أن نشارك فيها ونشتغل لكي نبني بديلاً تقدميّاً ومناهضاً للرأسمالية.
اقرأ أيضا