اعتقال الصحافية هاجر الريسوني؛ الاستبداد يشدد خنق الحريات
قضت المحكمة بالسجن النافذ عاما الصحفية هاجر الريسوني بتهمتي ممارسة الجنس بلا زواج والإجهاض، وبالحكم نفسه على خطيبها. والسجن النافذ عامين على الطبيب المتهم بالإجهاض، والسجن عاما موقوف التنفيذ على طبيب التخدير، والسجن ثمانية أشهر موقوفة التنفيذ على سكرتيرة العيادة.
اعتقلت الصحافية الشابة، يوم 31 غشت 2019. ونفت كل التهم الموجهة لها، وصرحت أنها تعرضت للتعذيب. لقد اقتيدت وهي بالحراسة النظرية إلى المشفى وأخضعت لفحص طبي دون إرادتها، والهدف من ذلك جلي؛ إرغامها على الخضوع…
خلف الحادث، والحكم أيضا، استياء وتضامن واسعين مع الصحفية جراء الطريقة المهينة التي اعتقلت بها، ونتيجة التشهير بها، ومتابعتها بقوانين قروسطية ما انفك المدافعون والمدافعات عن الحقوق الإنسانية ينادون بإلغائها.
الدولة تخوض حربا سياسية على الرأي الناقد أو المعارض بتهم غير سياسية
كانت هاجر الريسوني قيد الترصد في انتهاك سافر لحقها في الخصوصية ومصادرة حريتها الفردية. كل شيء يشير إلى رجحان استهدافها كصحفية، علما أنها صحفية بجريدة أخبار اليوم القابع مالكها توفيق بوعشرين في السجن والمحكوم بمدة 12 سنة سجنا نافذة في قضية شبيهة (استهداف سياسي بتهم غير سياسية). وهي أيضا قريبة معارضين بارزين، مثل أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
تفيد رسالة لهاجر على مواقع التواصل الاجتماعي عقب توقيفها أن أسئلة المحققين أبعد ما تكون على التهم الموجهة لها، إذ تركزت على “كتاباتها السياسية وأعمامها الريسوني”.
بات الاستهداف السياسي المقنع بتهم غير سياسية متزايد الاستعمال في السنوات الأخيرة للقمع بالمغرب. فصارت التهم تتعلق بأفعال مندرجة ضمن تهم الحق العام بدل متابعتهم بجريرة آرائهم ومواقفهم. تلجأ الدولة للمتابعة بتهم حيازة المخدرات أو استهلاكها، أو الخيانة الزوجية، أو الإجهاض، وغيرها، كي تبعد عنها شبهة قمع الحريات الجماعية والفردية… ولإخفاء طابع المتابعات السياسي، في وقت لا تنفك الأقلام المأجورة تروج لانفتاح مزعوم للعهد الجديد، وكي تشل التضامن مع الضحايا، ومن أجل تشويه سمعة المعنيين وإفقادهم المصداقية لدى الرأي العام، وزرع الخوف لدى باقي الصحفيين الخارجين عن جوقة متملقي الاستبداد.
التنكيل بحركات النضال وقمع الصحافة وحرية الرأي
أنهت الدولة بالفعل فترة تليين القبضة التي تلت صعود نضال حركة 20 فبراير 2011، وعادت لعادتها في قمع حرية التعبير والرأي والصحافة، وحرية التجمع والتظاهر… نكلت بحركات اجتماعية عدة، واعتقلت مناضليها ومناضلاتها (الريف وجرادة المثالان البارزان)، وضيقت الخناق على العديد من الجمعيات مثل الجمعية المغربية لحقوق والإنسان وجمعية أطاك المغرب وغيرهما كثير، واعتقلت صحافيين من مواقع الكترونية شمال المغرب لأنهم خرجوا عن سرب المدافعين عن رؤيتها للريف وتنميته وتطورات حراكه النضالي، واعتقلت أيضا الصحفي المهداوي لنفس السبب، وشدت الخناق على الناشط الحقوقي الجامعي المعطي منجب بسبب آرائه، وعزلت أساتذة بكليات الطب بالبيضاء ومراكش وأكادير بسبب تضامنهم مع طلاب كليات الطب والصيدلة المحتجين.
نجحت الدولة المغربية في الظهور كواحة في صحراء إقليمية سمتها الرئيسة خنق الحريات ومصادرتها. هذا ما عملت على ترويجه مقدمة البلد استثناء “ديمقراطيا” في محيط مستبد، وهو ما عممته وطبلت له عدة أقلام مأجورة من الصحافة المحلية والعالمية.
دامت احتجاجات عشرين فبراير عاما تقريبا، وشهدت الحياة السياسية انفتاحا استثنائيا، شمل جل أرجاء المغرب، وصارت حرية الرأي والتعبير والصحافة… منتزعة، وعبر الناس عن انتقاداتهم وآرائهم حول أمور شكلت دوما خطوطا حمراء يعني مجرد الاقتراب منها الاعتقال والمضايقات والسجن،… وعاد القلق ليستبد بالنشطاء السياسيين. والصحافيين والمحتجين، إذ لم يدم “جو الحرية” المنتزع طويلا. ترسخ الاستبداد وأصبح صعبا ممارسة الحقوق الأساسية، فردية وجماعية، على من يرفض الالتحاق بجوقة المطبلين والمداحين.
يكفي أن نفتح أعيننا لنرى أن الدولة لا تطيق “المزعجين”، فمعظم الصحافيين المتابعين والمسجونين، ومدونين، كشفوا معلومات لا تريد الدولة انتشارها، وهذا مثلا حال الصحافيين المتابعين لأنهم كشفوا تفاصيل حول النقاش بصدد إصلاح أنظمة التعاقد بمجلس المستشارين…
الدفاع على الحريات الفردية والجماعية والنضال من أجل إقرارها
يندرج إسكات هاجر في سياق إخراس كل صوت معارض، إذ سبق مصادرة حرية الصحافي علي المرابط المشتغل بمجلة دومان الأسبوعية الساخرة، المخنوقة بتوالي أحكام قضائية انتهت بالحكم عليه بالمنع من مزاولة الصحافة لعشر سنين إثر متابعته بتهمة القذف. وكان ذلك مصير الصحفي بوبكر الجامعي ناشر صحيفتي لوجورنال إبدومادير (بالفرنسية) والصحيفة الأسبوعية (بالعربية) الذي غادر المغرب بعد توالي أحكام قضائية عليه بغرامات مالية، ومنع الإشهار عن مؤسسته الإعلامية، وهكذا تم اتهام الصحفي علي أنوزلا سنة 2013 بالترويج للإرهاب واعتُقل الصحفي الاستقصائي هشام المنصوري سنة 2015 بتهمة الخيانة الزوجية. واللائحة تطول، وليس المجال متاحا لاستعراض عشرات الحالات الأخرى لصحفيين ومدونين وناشطي منصات التواصل الاجتماعي…
إنه سعي لخنق ردود الفعل المجمعية الساخطة، وسعي المتضررين من سياسة البرجوازية ودولتها إلى تغيير الوضع. خنق مندرج في سياق قمع سياسي شامل لأدنى تحرك أو تعبير عن رفض قبول الأمر الواقع. إنه قمع سياسي استصدرت له قوانين قمعية من قبيل قانون الأحزاب، وقانون تأسيس الجمعيات والتنظيم والتظاهر، وقانون مكافحة الإرهاب، وما يجري تحضيره من قوانين لمنع الإضراب والتحكم في النقابات العمالية…
يفيد هذا القمع استمرار نظام الاستغلال الرأسمالي والاستبداد. نظام أقلية ضئيلة مستحوذة على المال والسلطة على حساب أغلبية ساحقة مقهورة. ما يجعل النضال من أجل الحريات ضروريا كونه يسمح بخلق أدوات النضال الطبقي الكفاحية الضرورية لإنهاء مجتمع الاضطهاد والاستغلال.
تغيير ضروري ليس ممكنا سوى باستنهاض العمود الفقري لكل حركة نضال فعالة في المجتمع الرأسمالي، ألا وهي الطبقة العاملة التي ستكون بحزبها في مقدمة باقي المقهورين والمقهورات من أجل تحقيقه. ولا طريق للتحرر من الاستبداد وشروره، وبناء بديل مجتمعي قائم على المساواة الاجتماعية غير هذا الطريق.
بقلم، ح. توناروز
اقرأ أيضا