السودان: وراء الحكومة المدنية، العسكر في السلطة
أعلن الوزير الأول السوداني عبد الله حمدوك يوم 5 شتنبر أسماء أعضاء حكومته. إنها خطوة إضافية في السيرورة التي انطلقت بتوقيع الاتفاق يوم 17 غشت بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير المعبرة عن الحركة الشعبية التي أطاحت بالديكتاتور عمر البشير.
هذه السيرورة، الموصوفة بالانتقال نحو نظام ديمقراطي من الطرفين وقادة القوى الكبرى، ليست في الواقع غير وسيلة استعملها القادة العسكريون للإختباء وراء حكومة مدنية، للحفاظ على الأساسي من السلطة.
الحلقة الأولى من الانتقال المزعوم كانت يوم 21 غشت بتنصيب مجلس سيادي برئاسة رئيس المجلس العسكري، الجنرال عبد الفتاح برهان، الذي سيسيره لمدة 21 شهرا قبل أن يخلفه مدني. تضم هذه الهيئة المكونة من 6 مدنيين و 5 عسكريين، في صفوفها الجنرال حميدتي، المسؤول عن القمع الدموي منذ انطلاق الحراك. احتفظ العسكر ضمن الحكومة المنصبة، بحقائب الدفاع والداخلية، حيث مُنحت الوزارت الأخرى للتكنوقراط، كما هو الحال بالنسبة للوزير الأول، اقتصادي سابق للأمم المتحدة، أو وزير الاقتصاد الذي مر عبر البنك العالمي.
هكذا تم توزيع المهام بوضوح. المدنيين في مواجهة الكارثة الاقتصادية التي يعاني منها الشعب السوداني، عبر استجداء القروض من القوى العظمى وصندوق النقد الدولي وبالمقابل تنفيذ الإجراءات غير الشعبية المطلوبة. في حين ابقى العسكر سيطرتهم على قوى القمع، أي، السلطة الحقيقية، ومعها الثروات التي يضمَنَها استيلائهم على ميزانية الدولة والشركات. كمثال على ذلك، يحافظ الجنرال حميدتي على إمبراطورية صغيرة أسسها عبر استخراج الذهب، النقل، التجارة أو البناء. سوف ينتظر العسكر ساعتهم، حين يفقد المدنيون الاعتبار.
قد لا تنهي هذه العملية غضب الشعب السوداني. يشهد الذين واللواتي يطالبون ب” كل السلطة للمدنيين”، أن العسكريين لا زالوا ممسكين بزمام الأمور، وأن الحالة الاقتصادية في تدهور وأن القمع يتسارع ضد الذين يحتجون. إن تنظيم مجزرة يوم 3 يونيو في حق مئات المشاركين في التجمع المنعقد أمام مقر القيادة العامة للعسكر بالخرطوم، كان الهدف منه إنهاء الاحتجاج بالشارع. لم ينجح الأمر. في يوم 29 يوليوز، شهدت مدينة العبيد وثلاث مدن أخرى بكردفان الشمالية، تظاهرات جديدة ضد غلاء أسعار الخبز و الوقود. فكان رد البوليس هو إطلاق النار أسفر عن مقتل أربع تلاميذ. تم فرض مظاهرة يوم 1 غشت بمدينة أم درمان القريبة من الخرطوم للمطالبة بمحاكمة قتلة متظاهري العبيد. هنا أيضا، هناك أطلقت قوى القمع الرصاص مخلفة أربع قتلى. جرت بالخرطوم أيضا مظاهرات للاحتجاج ضد خلاصات لجنة تحقيق برأت منفذي جريمة 3 يونيو.
أفضت هذه الأحداث إلى تغيير موقف الحزب الشيوعي السوداني، الذي كان إلى حدود تلك اللحظة إلى جانب سياسة التفاوض مع العسكر بقيادة قوى الحرية والتغيير. أعلن كاتبه العام خروج الحزب من المفاوضات وعدم المشاركة في أي مستوى من السلط الانتقالية، حيث يمكن للسيرورة الجارية “أن تساهم في عودة الثورة المضادة إلى السلطة”.
اليوم، يكثر قادة القوى العظمى الكلام الجميل احتفالا بالحكومة السودانية الجديدة. وجه ماكرون دعوة لحمدوك لزيارة باريس، وهنأه كل من ترامب وميركل بحرارة، مثلما فعل عرابو العسكر الإقليميون بمصر والعربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة. إنهم يأملون أن تنجح خدعتهم في كسب الرهان. لكن الشعب السوداني الفقير، لا يرضيه تعيين هذه الحكومة. ولديه كل الدوافع للاستمرار في النضال.
بقلم، دانيال ميسكلا
النضال العمالي عدد 2667 ـ 11 شتنبر 2019
ترجمة جريدة المناضل-ة
اقرأ أيضا