مشروع قانون الإضراب: تشديد لقبضة الاستبداد القائم
يعتزم الاستبداد القائم ببلدنا الإقدام على خطوة إضافية في الهجوم على الحريات النقابية. فقد قررت حكومة الواجهة إحالة مشروع القانون التنظيمي رقم 15-97 بشان “تحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب” على البرلمان، ساعية إلى جر قيادات المنظمات النقابية إلى تزكيته.
هذا القانون سيلغي عمليا حق الطبقة العاملة في الإضراب (بالقطاعين الخاص والعام)، بمنع أشكال منه، بمقدمتها الاضراب السياسي والاضراب التضامني، والاضراب اللامحدود، وبتقييد بعض آخر بشروط دقيقة صارمة ستجعله في حكم المستحيل، وإبطال مفعول الحالات التي قد تنجو من المنع والشروط المعقدة، بتمكين أرباب العمل من الوقت الكافي لنزع أي قوة ضغط عن الاضراب، سواء بإجبارية عملية تفاوض ومصالحة وتحكيم مديدة، أو بفرض آجال سابق إعلام، أي رفض استعمال سلاح الإضراب بشكل مفاجئ حتى يتسنى لأرباب العمل اتخاذ الإجراءات المسبقة بقصد أقصى إبطال للمفعول الاقتصادي للإضراب، هذا ناهيك عن منع وتجريم حواجز حراسة الإضراب les piquets de Gréve، وكذا منع احتلال المعامل ومقرات العمل. أو باستصدار قرارات قضاء استعجالي تنسف الإضراب، وتمكين أرباب العمل من كل أساليبهم المعهودة في ترحيل السلع والآلات عند الإضراب، واستعمال المفوضين القضائيين لإشاعة الترهيب أثناء الاضراب، أو تمكين أرباب العمل من تجنيد كاسري الاضراب بمبرر ضمان “حد أدنى من الخدمة”، وبتكريس الفصل 288 من القانون الجنائي بالتنصيص على العقوبات الحبسية في حق العمال المضربين، ومنع اعتصامات الأجراء، ومصادرة حق اتخاذ قرار الاضراب بالتدخل في هذا الشأن الذي يهم العمال ولا يحق لغيرهم حشر أنفه فيه. وفوق هذا وذاك فالدولة التي تخرب يوما تلو الآخر الخدمات العمومية بإلغاء مجانيتها وإهدائها للخواص المتعطشين الى الربح، تسمح لنفسها بالحديث عن ما تسميه حدا أدنى من الخدمة لتبرر به منع الاضراب، فيما كان الأجراء دوما حريصين على تقديم الخدمات الضرورية رغم الاضراب، سواء في قطاع الصحة أو كل ما ينطوي على مخاطر في القطاعات الأخرى.
إن منطق الدولة، التي تبنت مشروع منظمة أرباب العمل لإلغاء الاضراب، وزادته تشديدا من عندها، هو إلغاء حق اضراب الطبقة العاملة بكل المبررات الممكنة. وستكون النتيجة الأولى لتنفيذ مشروع هذا القانون هو مزيد من المعتقلين النقابيين، ومزيد من تهرب أرباب العمل من تطبيق ما في صالح العمال في قانون الشغل. وبالرغم من وضعية الضعف التي يوجد عليها جهاز تفتيش الشغل (ضعف وسائل التفتيش وقلة الأطر الذين لا يتجاوز عددهم 300 مفتش على الصعيد الوطني)، وفساد قسم منه، فإن الإضراب العمالي والخوف منه يجبران أرباب العمل على تطبيق جوانب من قانون الشغل. عند الالغاء العملي للإضراب بهذا القانون الجديد، وانتفاء خوف أرباب العمل من الاضراب، سيسود قانون الغاب في العلاقات الشغلية بشكل غير مسبوق. يسعى البرجوازيون ودولتهم الى تحويل البشر العامل الى آلات طيعة لا إرادة لها، ولا حق لها في رفض العمل في ظروف القهر وفرط الاستغلال.
بهذا تحظى الطبقة العاملة بالقسط الاوفر من استبداد الحاكمين، حيث تنضاف قيود قانون الاضراب الى ما يعانيه الأجراء، على نحو مشترك مع فئات اجتماعية اخرى، من إعدام للحريات، بمقدمتها الحرية السياسية حيث لا يسمح قانون الأحزاب بوجود أحزاب تناضل من أجل نظام اجتماعي واقتصادي وسياسي بديل عن الرأسمالية ونظام حكمها المطلق، وحيث حرية التعبير والتجمع والتظاهر حبر على ورق. ما يشجع دولة الرأسماليين على سن قانون منع الاضراب إنما هو موقف القيادات النقابية المتعاونة معها بمنطق “الحوار والتعاون الطبقي والشراكة الاجتماعية” من اقتطاع أجور الموظفين المضربين. فعوض التصدي لذلك الاقتطاع بالنضال، كان الموقف العملي للقيادات هو مسايرة الدولة بالامتناع عن أي مبادرة نضالية لوقف الاقتطاع من الأجور، رغم أن إضراب مدرسي جهة سوس – ماسة درعة، في العام 2010، دل على إمكان فرض التراجع عن اقتطاع أجور المضربين. وكذلك شأن ضرب مكاسب التقاعد، حيث تعاونت القيادات مع الدولة، منذ سنة 2004، فيما سمي باللجنتين الوطنية والتقنية لإصلاح أنظمة التقاعد، وكثرت التصريحات حول رفض مخطط الدولة مع تركه عمليا يمر بالاستنكاف عن أي مبادرة نضالية. لذا يجب على مناضلي طبقتنا ألا يطمئنوا لما قد يصدر من تصريحات وكلام بيانات وأن ينتبهوا للأفعال وليس للأقوال. إن الموقف العملي للقيادات من مشاريع قوانين الإضراب المتعاقبة منذ العام 2001 كان خلوا من أي تنوير أو تعبئة او خطوة نضالية ميدانية.
إن خطورة قانون الإضراب تلزم المناضلين النقابيين بالقاعدة، وبالقيادات التحتية (مكاتب الفروع، والمكاتب الإقليمية والجهوية والمكاتب النقابية بالمقاولات…)، بالمبادرة الى التعبئة ضد هذا الظلم السافر، وبالتجاوب مع كل الخطوات الوحدوية الساعية الى جعل مناضلي الطبقة العاملة صفا واحدا ضد هذا القانون. وإن المبادرة الى بدء التعبئة هو بالذات ما سيرغم القيادات على وقف تعاونها مع العدو.
إن حق الاضراب انتزعه عمال المغرب، جنبا إلى جنب مع رفاقهم الأجانب إبان الاستعمار، بممارسته. وتكرس قانونيا باضطرار الملكية إلى التنصيص عليه في جميع دساتيرها الممنوحة، ابتداء من أول دستور لها في العام 1962، لما كانت بمواجهة قوى معارضة وطنية راديكالية ونقابة عمالية في عز عنفوانها. وطيلة عقود ما بعد الاستقلال الشكلي، لم يجرؤ النظام على شطبه من الدستور، بيد أنه ضيق من حدود ممارسته الى أقصى ما أمكنته موازين القوى. فقد جرى سجن مئات النقابيين بمقتضى الفصل 288 من القانون الجنائي بدعوى حرية العمل المزعومة، وظل الفصل الخامس من مرسوم 1958 سيفا فوق رقاب موظفي الدولة. وتم قمع الاضرابات العمالية باقتحامها بقوات التدخل السريع والدرك، واطلاق النار على فقراء الشعب في الإضرابين العامين 1981 بالبيضاء و1990 بفاس، واغتيل مناضلون عماليون نقابيون (الفريزي، النعيمي، موناصير، لعرج….)، وشردت آلاف الأسر العمالية في خضم اضرابات تاريخية بقطاع النسيج، والمناجم، ومجال الصناعة التحويلية، وقطاع الصيد البحري، والضيعات ومحطات التلفيف الزراعية، وطرد الاف النقابيين من العمل في سياق اضرابات تم التنكيل بها، وغير هذا من الصفحات المظلمة من جرائم الاستبداد، سواء فيما سمي “بسنوات الرصاص” أو في ظل “العهد الجديد” المزعوم.
إن مناضلي ومناضلات تيار المناضل-ة، إذ يعبرون عن رفضهم المبدئي لكل تشريع «يقنن» وبالتالي يقيد حق الإضراب، يؤكدون أن تفاقم الأزمة البنيوية الشاملة التي يتخبط فيها نظام الرأسمالية التابعة بالمغرب ما فتئت تهدد، بجلاء متزايد، كل الحريات الديمقراطية التي انتزعتها الجماهير في مراحل سابقة وفي مقدمتها الحرية النقابية، وما الدمج المتنامي للبيروقراطيات النقابية في مؤسسات النظام القائم سوى سبيل سالكة لتقييد الديمقراطية النقابية وحرية العمل النقابي، وكبح نشاط الأجراء المنظمين بالنقابات عبر ألف شكل من اتفاقيات التوافق والتعاون الطبقيين. ولا يمكن للبيروقراطية أن تفعل ذلك سوى بخنق الديموقراطية النقابية، وبتقييد متزايد الحدة لحق أعضاء النقابات بخصوص التقرير الحر بجميع القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تهم العمال.
يتمثل واجب الثوريين في حفز توجهات نقابية ديمقراطية ومكافحة، وصياغة أكثر المقترحات انسجاما ودينامية في الدفاع عن الحقوق والحريات الديمقراطية، وفي مقدمتها الحرية النقابية، والنضال من أجل إعادة إرساء وتوسيع الديموقراطية داخل النقابة كوسيلة لا غنى عنها لتعزيز قاعدتها الجماهيرية وقوتها الضاربة ضد أرباب العمل وضد الدولة البرجوازية.
إن مناضلي ومناضلات تيار المناضل-ة، يسعون لتوحيد الجهود مع كل المدافعين عن حق الاضراب بوجه الهجمة البرجوازية الجارية، مواصلين بذلك جهودهم الدعاوية والتحريضية والميدانية في الدفاع عن مصالح طبقتنا بروح وحدوية ديمقراطية وكفاحية. فمنذ صدور جريدة المناضل-ة قبل زهاء 15 سنة، مدت مناضلي طبقتنا بمادة وافرة حول الموضوع من زاوية نظر مصالح الطبقة العاملة الآنية والتاريخية. ومع وعي كل المصاعب التي ما تزال تعترض العمل الوحدوي بالقاعدة، سنظل متمسكين بخيار العمل المشترك مع كل مناضلي طبقتنا، ونعتبر التصدي لمشروع القانون التنظيمي للإضراب فرصة لتوحيد الجهود لبناء قطب معارض لسياسات القيادات التي تفرط في حقوقنا ومكاسبنا، على طريق مراكمة القوى لبناء حزب العمال الاشتراكي الكفيل بتعبئة وتنظيم القوى العمالية القادرة على صد هجمات البرجوازية ودولتها، والتقدم نحو التغيير الجذري.
لنتحد من أجل اسقاط مشروع قانون منع الاضراب.
ومن أجل الظفر بالحرية النقابية الحقيقية، وباقي الحريات السياسية
تيار المناضل-ة، 17 يوليوز 2019
اقرأ أيضا