الجزائر: هدف المطالبة «بمحاكمة علنية» كشف مشاكل المؤامرة القضائية
مقابلة مع الطالبة أدلين بلحمر، مناضلة حزب العمال الاشتراكي. 12 مايو 2019
اتسمت الوقائع السياسية الراهنة في الجزائر مؤخرًا بسلسلة عمليات اعتقال عدد من كبار ضباط الجيش السابقين وأوليغارشية دائرة بوتفليقة على حد سواء. ما معنى هذه الاعتقالات؟
تضع هذه الاعتقالات المتتالية التكتلات الاجتماعية بالسلطة في منطق إعادة تشكيل يكرس تحول مركز سلطة الرئاسة الذي يجسده بوتفليقة نحو هيئة أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري. إن ميزان القوى الذي يتبلور لفائدة أحمد قايد صالح يؤدي إلى سجن كل من كانوا يجسّدون عهد بوتفليقة ومن كانوا متواطئين مع رئيس المخابرات السابق، محمد الأمين مدين المعروف باسم الجنرال توفيق. سيكون من السذاجة المحيرة الاعتقاد بأن الجهاز القضائي الذي بدأ يتحرك غير خاضع لأي طرف متحيز. في الواقع، يتعلق الأمر بالنسبة لأحمد قايد صالح بتلميع سمعته وابراز تلبيته مطالب المحتجين الذين كانوا يطالبون بمحاكمة الـ«عصابة». وبالتالي فإن زي الرجل القوي، الذي ينسجه رئيس الأركان، يمر عبر تدمير التكتل السائدة. والدليل على ذلك عدم توجيه أحمد قايد صالح أي رسالة دون إشارة إلى «المؤامرة المحاكة» التي «يجري القضاء عليها»، وغالبًا ما تُعِدّ هذه الإعلانات عقول الناس لوجود مؤامرة تجري بروائح تصفية حسابات، والتي لا لا يمكن للجماهير الشعبية طبعا اختيار معسكر بينها.
ما هي المبررات المقدمة أثناء الاعتقالات؟
شكليا، الاتهامات الموجهة ضد البعض والبعض الآخر عديدة. وبالتالي، بالنسبة للمستشار السابق للرئاسة وشقيق الرئيس السابق، سعيد بوتفليقة، كما هو حال الجنرالين السابقين توفيق وطرطاق، فإن عناصر الاتهام متمثلة في «المؤامرة ضد سلطة الدولة» و«المساس بسلطة الجيش» (هذه التهمة الأخيرة لا ينص عليها ﻗﺎﻧون اﻟﻌﻘوﺑﺎت اﻟﺟزاﺋري). ويتعلق الأمر بالنسبة للملياردير يسعد ربراب بـ«التصريح الكاذب المتعلق بحركة رؤوس الأموال من الجزائر وخارجها وتضخيم فواتير استيراد تجهيزات واستيراد عتاد مستعمل رغم الاستفادة من الامتيازات الجمركية الجبائية والمصرفية». ووجهت عناصر اتهام عديدة من نفس النوع ضد الأوليغارشيين علي حداد، ومحي الدين طحكوت، إلخ. وآخر من كانت موضع بحث قضائي هي الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، حزب تروتسكي ذو تقاليد لامبرتية، جرى الاستماع إليها بادئ ذي بدء كـ«شاهدة» قبل إيداعها السجن. الأمر المؤكد أنه بغض النظر عن الجانب الشكلي للإجراءات القضائية، فإن المؤامرة تحركها رغبة «تطهير» لصالح أحمد قايد صالح، الذي ينصبه صعوده المهيمن حكما، والساعي في الواقع تحت غطاء عملية أيدي نظيفة، إلى إدامة النظام، الذي تتظاهر الجماهير ضده كل يوم جمعة بالملايين مطالبة برحيله.
ويتجلى عنصر آخر في إثارة مثول كبار شخصيات النظام (سعيد وتوفيق وطرطاق) أمام محكمة عسكرية أسئلة عديدة من مراقبين كُثر. وكما يشير الصحفي ياسين تملالي: «ليس من غير المشروع الاعتقاد بأن تورط القضاء العسكري في هذه القضية يهدف إلى منع محاكمة المتهمين المحتملة من الكشف في اشتغال نظام عبد العزيز بوتفليقة عن عناصر مزعجة للغاية بالنسبة للنظام الذي بات قائما فعلا منذ إقالته. وليس من غير المشروع أيضا الاعتقاد بأن المحاكمة “المُتحكم بها”، أمام محكمة عسكرية، تُمكن اثنين من أقوى الجنرالات السابقين، محمد الأمين مدين وعثمان طرطاق، من تفادي إهانة علنية قد تثير اضطرابات داخل الجيش». لذلك فإن المطالبة بـ «محاكمة علنية» تعبير واضح للكشف عن مشاكل مثل هذه المؤامرة القضائية.
حظي الأوليغارشي ربراب بحركة دعم واسعة. كيف يُفسَّر ذلك؟
بادئ ذي بدء، من الضروري اعتبار حركة الدعم الـ«واسعة» نسبية. وكما رأينا أثناء مسيرة الدعم في 23 نيسان/أبريل، لم يكن عدد المتظاهرين كبيرا كما وعدوا به. ويمكن حتى التحدث عن فشل التعبئة بالنظر إلى الوسائل المتاحة (حافلات مُسخرة وضغوطات على العمال…). وإلا في رأيي، فإن الدعم النسبي الذي يتبجح به ربراب قائم على ثلاث نقاط رئيسية. تتمثل الأولى في ضربه على وتر الاقليمية إلى حد كبير متظاهرًا بأنه «قبايلي مُضطهَد». جعل المسار التاريخي للجزائر من إشكالية الهوية مسألة حساسة للغاية، والتي يستغلها ربراب على نحو وقح. ويتجلى العنصر الثاني في أن ربراب يقدم نموذج «قائد صناعة (كذا!)» ناجح، وتتمثل قمة الخيانة في تقديمه ديموقراطيا نزيها. بينما نتحدث عن نفس ربراب الذي بات ثريا في ظل النظام، واستورد خردة مشعة في سنوات 90، وكان رئيس منتدى رؤساء المؤسسات الجزائرية حتى 2014، وأيد عهدتي بوتيفليقة الأوليتين وسرح عشرات العمال في عام 2012 لسعيهم إلى تكوين فرع نقابي. ويتمثل العنصر الثالث في أن ربراب يستغل بؤس الشباب وغير الشباب بسبب البطالة الجماهيرية، متباهيا دون خجل باسم «خالق الثروة». يوفر له ارتفاع معدلات البطالة الجماهيرية (نسبة 8.1%: لدى الرجال، ونسبة 20% لدى النساء ونسبة 17.6%: لدى الشباب حاملي الشهادات) خزان دعم مناسب ضد الإدارة التي تعيق عددا من مشاريعه. وقد تفسر هذه العناصر الثلاثة مجتمعة ما يستفيد منه من دعم نسبي، ولكنه تلاشى كما يتضح اليوم بعد اعتقاله، لأن ذلك يضعه مباشرة جزءا لا يتجزأ من إعادة تشكيل السلطة التي باتت تتكون.
كيف كانت ردود فعل المتظاهرين يوم الجمعة بشأن اعتقاله؟
يجب التأكيد على أن التعبئة ظلت سليمة رغم الحرارة وشهر رمضان. ارتكبت السلطة التي كانت تراهن على الانهاك خطأ فادحا. أما بالنسبة لموجة الاعتقالات التي تخللت أخبار الأسبوع، فقد اعتبرت بوضوح صراعا داخليا في السلطة يُبعد الجماهير عن دعم معسكر ضد آخر. وبالمقابل، بصرف النظر عن الاعتقالات، اتضح من الشعارات رفض الانتخابات المفروضة في الرابع من تموز/يوليوز المقبل كحل دستوري تدعونا إليه السلطة الفعلية حاليا. من ناحية أخرى، جرى على نطاق واسع رفع شعار الجمعية التأسيسية التي تمثل مصالح الجماهير الشعبية. ويكمن التحدي في تجاوز مرحلة شعار «ليرحلوا جميعا» المجرد وترويج فكرة التنظيم الذاتي التي لا تزال في حالتها الجنينية.
ترجمة جريدة المناضل-ة
اقرأ أيضا