ملاحظات أولية حول الانتخابات الأوروبية في اليونان
بقلم، ستاتيس كوفيلاكيس.
لنكن واضحين: إنها كارثة أسوأ مما كان متوقعا من قبل الأكثر تشاؤما.
أولاً، الصورة الكبيرة: تلقت سيريزا عقابا قاسيا، وأعلن تسيبراس انتخابات مبكرة في نهاية يونيو، للحد من الضرر قدر الإمكان.
- ستكون انتخابات يونيو هذه بمثابة جولة استجمام لليمين، وربما يحقق أغلبية مطلقة. زادت الفجوة بين سريزا وحزب الديمقراطية الجديدة أكثر من المتوقع (زهاء 10٪، وهو رقم قياسي لمعايير اقتراع العقود الأخيرة)، وتضخمت بفعل نكسات سريزا في البلديات والجهات. إن نبذ تسيبراس وحكومته واضح. بالإضافة إلى ذلك، يظهر تحليل أكثر تفصيلاً أن ناخبي سيريزا لعام 2019 ليس لهم علاقة تذكر مع ناخبيها لعام 2015. أما المرشح الثاني صاحب أكثر الأصوات تفضيلًا في البرلمان الأوروبي فهو من حزب كامينوس، ويتبنى خطابا ذا نزعة وطنية وكاره للأجانب بجلاء. والرابع في الترتيب ممثل بلمحة “الشباب أولا” المنتمي لحزب الديمقراطية الجديدة. ويشبه ناخبو سيريزا زبائن حزب حاكم أكثر مما هم ناخبي حزب يساري. من الواضح أيضًا أن سيريزا ورث جزءًا من بازوك “ليبرالي اجتماعي” سنوات 2000: المحافظات الثلاثة الوحيدة في البلاد حيت تحتل سيريزا الصدارة هي المعاقل الأسطورية للبازوك: في جزيرة كريت وفي الشمال الغربي لبيلوبونيز، نواحي باتراس، مهد عائلة باباندريو.
- بروز حزب يميني متطرف جديد هو “الحل اليوناني”، مدفوعًا بالتجمعات القومية حول مقدونيا وتهالك الفجر الذهبي. حقق نتائج ممتازة شمال اليونان (حيث كانت هذه التجمعات أهم)، ويعادل تقريبا الفجر الذهبي على المستوى الوطني (4.1 و4.8 على التوالي). وربما أن اليمين المتطرف اليوناني قد وجد وجهًا «مقبول الظهور» أكثر من وجه مجرمي الفجر الذهبي، وقد يصبح قادرًا على تحقيق اختراقات جديدة في المستقبل. مؤشر آخر مثير للقلق حول إمكانات اليمين المتطرف يكمن في النتيجة التي كان يمكن أن يحققها الفجر الذهبي بين الناخبين لأول مرة، حوالي 13٪ وفقا لاستطلاع رأي.
- يظل مؤشر الحزب الشيوعي اليوناني مستقرا بالنسبة إلى نتائج عام 2015 (5.5٪) ولكنه يفقد الأصوات مقارنة بالنتيجة الأوروبية لعام 2014 (6.1٪). وتظهر نتائجه الإقليمية انخفاضًا واضحًا مقارنةً بانتخابات عام 2014، بحوالي 20٪ من الأصوات. الحزب الشيوعي اليوناني حزب يتآكل تأثيره ببطء ولكن بثبات.
- مفاجأة الانتخابات (بالنسبة لي وبشكل عام) هي النجاح غير المتوقع لفاروفكيس (3٪، وربما يكون قد تم انتخابه للبرلمان الأوروبي، لكن يبقى هذا الأمر للتأكيد عند اكتمال فرز الأصوات). حافظت زوي كوستانتوبولو أيضًا على ماء الوجه بطريقة معينة بنسبة 1.6٪. ويظهر فحص نتائج هذين التشكيلين ناخبين منتشرين، وغير متجانسين نسبيًا،وبدرجات أكبر قليلاً في المدن الكبرى، بدون طفرات ولكن بدون أضرار بليغة. في الأساس، تصويت متعاطف منتشر، مبني على الوجود الإعلامي وبروز الشخصيات التي توجه هذه التشكيلات التي تعكس عدم وجود انغراس تنظيمي. إن انتخاب صوفيا ساكورافا، إذا تم تأكيد ذلك، على قائمة فاروفكيس، وهي عضو البرلمان الأوروبي المنتهية ولايته، والتي انتخبت في البداية كمنتمية لسيريزا، ليس بالأمر السيئ، فاسمها يبقى مرتبطًا في الذاكرة الجماعية بالتعبئة ضد مذكرات سنوات 2010-2012. من المؤكد أن هذا أمر جيد بالنسبة لـفاروفكيس، وهو الوحيد في الوقت الحالي، ولكن من المحتمل أنه من الآن فصاعدًا سيكون قادرًا على جذب جزء كبير من «محبطي سيريزا»، خاصة على مستوى «الكوادر»، و «الشخصيات» إلخ. يبدو أيضًا أن قائمته حققت نتائج جيدة بين الشباب (يالتأكيد الشباب حاملي الشهادات من الطبقة الوسطى): وفقًا لاستطلاع رأي وقت الخروج من مكاتب التصويت بين الناخبين لأول مرة، ستكون نتائجه قريبة من 4.5٪، أكثر من الحزب الشيوعي اليوناني، الدي تعطيه نتائج الاستطلاع نحو 3.7٪ بين هذه الفئة العمرية في حين أن لديه منظمة شبابية حقيقية.
- نجاح فاروفكيس، والنتيجة المشرفة نسبياً لزوي كوستانتوبولو تجعل هزائم الوحدة الشعبية وانتراسيا أكثر إزعاجًا، وهزائم الأولى أكثر مما هزائم الثانية، وهذا في انتخابات حيث يلعب ضغط التصويت المفيد دورا أقل بكثير مما في الانتخابات الوطنية. ستنزل هذه الهزيمة بثقلها لأن الأمر يتعلق بالقوتين الوحيدتين اللتين تمتلكان شبكات مناضلة، على عكس فاروفاكيس وكوستانتوبولو، اللتين توجدان فقط على وسائل الإعلام.
حققت أنتارسيا نتيجة منخفضة جدًا (0.66٪) ولكنها شبيهة في النهاية مع انتخابات سابقة، أوروبية أو وطنية. حصل فشلها الرئيسي في الانتخابات البلدية في أثينا، حيث ظهرت قائمتان، بعد أن تفرق حزب العمال الاشتراكي قسمين. حصل كلاهما على منتخبين، لكن ناخبي 2014 انقسموا إلى قسمين، وتم إهدار رأسمال مراكم لسنوات.
- حصلت الوحدة الشعبية على نتائج مذلة (0.58٪)، خاصةً مقارنة بنتيجة الانتخابات التشريعية في سبتمبر 2015 (2.93٪). هناك شيء من الرفض الشخصي للافزانيين، ولكن أيضًا للسياسة التي ينهجها تيارهم وبالطبع فشل جماعي للوحدة الشعبية. ساهمت عدة عوامل في ذلك، يمكن فقط سردها باختصار.
توجد مشكلة قيادة، حتى لو كان الاقتصار على هذه المسألة دائمًا مختزلا. ومع ذلك، لا بد من القول إن اللفازانيين يُنظر إليهم على أنهم مستهلكون وفاقدون للمصداقية، ليس فقط بسبب إخفاقهم الواضح في معارضة استسلام صيف 2015 بل وأيضًا بسبب انحرافات الفترة الأخيرة، المطبوعة بمغازلة داعمة للنزعة القومية (بشأن مسألة مقدونيا على وجه الخصوص). وظهور على قناة تلفزيونية يمينية متطرفة (التي تسببت في عاصفة داخلية في الوحدة الشعبية). كما تجدر الإشارة إلى أن كوستانتوبولو ذهبت أبعد جدا من هذه القيادة (دعت للمشاركة في التجمعات القومية)، لكنها لم تكن تخاطب نفس الناخبين.
في المقابل، كان احتكار وسائل الإعلام والبروز العمومي من قبل شخصه يزداد سوءًا، وواجهت كل محاولات تكريس وجوه جديدة رفضًا لتياره. أبدى اللافازانيون الحائزون على الأغلبية بأجهزة الوحدة الشعبية (عقب مؤتمر طبعته مناورات غير صحية)، عدم اكتراث كبير ببناء “بيت مشترك” لجميع مكوناته، ما كان أكثر ضرراً بالنظر لكون الوحدة الشعبية مكونة من كوادر سائرة للشيخوخة تحدرت من انشقاق عام 1991 عن الحزب الشيوعي اليوناني وناقلة لثقافة تتميز بروح بيروقراطية وقليلة الانفتاح على حساسيات وممارسات الحركات الاجتماعية.
كانت الوحدة الشعبية ومناضلوها بكل تأكيد حاضرين في جميع عمليات التعبئة التي تمت في الفترة الأخيرة (مثل مناضلي أنتارسيا) لكنهم يميلون إلى التخلي عن العمل الميداني واستبداله بأعمال رمزية أو أنشطة صغيرة، منظمة باسمهم وخاصة في الحركة ضد مصادرة المنازل. يتضح أن تيار اللافازانيين مطبوع بشكل خاص بهذا النوع من الممارسات.
- أخيرًا وليس آخرًا، أساءت كل من الوحدة الشعبية وأنتارسيا بشكل خطير تقدير الحاجة إلى تقديم مقترحات بديلة ذات مصداقية ومبلورة، اعتقادا أن مجرد التنديد بحكومة سيريزا والدعوة إلى الخروج من اليورو ومن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون كافيا في سياق إحباط حيث يسود لا يوجد بديل، بالتالي يبدو هذا الخطاب بمثابة تمرين بلاغي لا يقنع أحدا، وأتاح غياب مشروع بهذا الصدد إظهار فاروفاكيس كحامل لرسالة “مبتكرة” و “مثيرة”، لاعبا بذكاء على خريطة معارضة معتدلة لتسيبراس وسيريزا و “متوافقة مع اليورو”
- العنصر الأخير الذي يؤكد الفشل المزدوج للمكونات المناضلة لليسار المناهض للرأسمالية: حققت قوائمها في الانتخابات الإقليمية نتائج هزيلة بالتأكيد (عمومًا بين 1.5٪ و 2٪، وفي بعض الأحيان وصلت إلى 3٪ بالنسبة للوحدة الشعبية، أو القوائم التي تدعمها الوحدة الشعبية). ولكنها أعلى بكثير من نتائجها في الانتخابات الأوروبية وغالبا ما تمكنت من الحصول على منتخبين في المجالس الجهوية. يشير هذا إلى العجز غير القابل للتجاوز في رأيي لكل من أنتارسيا، بل وأكثر من ذلك للوحدة الشعبية (لأنها كانت القوة اليسارية الجذرية الجديدة الوحيدة منذ صيف 2015) في تشكيل قوة سياسية قابلة للحياة.
يبدو المستقبل أكثر قتامة، على المستوى الانتخابي، ويبدو أن فاروفاكيس قادر على فرض نفسه في هذا الفضاء “الوسيط”، على يسار سيريزا، ولكن باحتمال كونه منفتحا على تسويات حين تمر سيريزا إلى المعارضة، وأن يواصل الحزب الشيوعي اليوناني وحده الحفاظ على قاعدة مناضلة ومصداقية انتخابية لدى اليسار الراديكالي -ولكن بالبقاء أسير عصبوية سخيفة تحكم عليه بسيرورة تراجع بطيئة (في رأيي لا رجعة فيها).
طبعا، من الواضح أن عمل إعادة البناء سيحدث على المدى الطويل مع الدعوة بشكل عاجل إلى ابتكار سبل جديدة.
باريس، 27 مايو 2019
رابط المصدر: https://npa2009.org/idees/international/first-notes-on-the-elections-in-grece
ترجمة جريدة المناضل-ة
اقرأ أيضا