الوزارة وأكذوبة الترسيم السيئة الإخراج
بقلم، عمر الكاسمي- أستاذ فرض عليه التعاقد، مديرية زاكورة.
بدأت نضالات التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد قبل سنة من كتابة هذه الأسطر، لكن الوزارة الوصية على القطاع تعاملت مع الأمر بآذان صماء، فلما نطقت، ابتكرت كذبة كاملة الأوصاف تدعي فيها الاستجابة لمطالب التنسيقية، معلنة نهاية “التعاقد”، ولم يخف على أسذج الساذجين أنّ غاية الكذبة هي تكسير الإضراب البطولي الحالي وتأليب الرأي العام والأسر ضد نضالات التنسيقية الوطنية.
سأقدم فيما يلي تفصيلا لحيثيات الكذبة التي لم تنطل حتى على أقرب المقربين من مبتكرها بله أن تنطلي على ثلة من الأساتذة الغيورين على المدرسة العمومية، وسأتناول الردود في مستويين: جوهر الكذبة وتفاصيلها.
جوهر الكذبة
قامت الوزارة بعقد لقاء مع النقابات الأكثر تمثيلية يوم 09 مارس 2019 بغية إضفاء المصداقية على كذبتها. واكتفت الوزارة بإبلاغ القيادات النقابية مقترحات تعديل الأنظمة الأساسية، والنقابات بدورها رفضت هذه التعديلات في بلاغ أصدرته بعد اللقاء. بينما فوضت الوزارة إلى مجالس الأكاديميات صلاحية المصادقة على التعديلات الوهمية في مجالس استثنائية مستعجلة، تم تغييب المقاربة التشاركية فيها.
إن صيغة الاقتراح والتعديل تظهر جليا كذبة إلغاء التعاقد، و كما صرح به مدير الموارد البشرية لوزارة التربية الوطنية بعظمة لسانه أنه لم يتخل عن التعاقد. فالأنظمة الأساسية، قلنا حسب رئيس الحكومة ذاته، ليست قانونا ولا مرسوما، وبالتالي، فإنها ليست ملزمة وتمنح الأكاديميات نفسها بذلك صلاحية التراجع عما عدلته حاليا، بانعقاد مجالس الأكاديميات استثنائيا وبوجه الاستعجال للمصادقة على تعديلات جديدة، تلغي التعديلات السابقة، وهكذا دواليك.
تفاصيل الكذبة
الترسيم في ماذا ؟
خرجت التنسيقية الوطنية للمطالبة بالترسيم /الإدماج أسلاك الوظيفة العمومية بما يقتضيه ذلك من حقوق ومكتسبات يخضع بموجبها الأساتذة للشروط نفسها التي تخص القانون الأساسي للوظيفة العمومية.
وهو الشيء الذي لن يتحقق في إطار مسمى ” الأنظمة الأساسية لأطر الأكاديميات الجهوية ” الذي أُنجز من طرف المجالس الإدارية للأكاديميات. لأن صيغة التوظيف الجهوي غايته تدمير كل تقنين لعلاقات الشغل بين الأستاذ- ة والأكاديمية، ومنح هذه الأخيرة صلاحية تعديلها بشكل دائم.
الوظيفة العمومية، بادئ ذي بدء، وضعية نظامية تحكمها حقوق وواجبات الموظف تجاه القطاع أوالإدارة التي يشتغل بها، وليست أجرا شهريا حتى نقول إن الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد يتمتعون بالأجر ذاته الذي يتمتع به الأستاذ الخاضع للقانون الأساسي للوظيفة العمومية. وهذا ليس مبررا للحديث عن التسوية والإدماج والترسيم، فالأجر الذي يتقاضاه المستخدم في القطاع الخاص أو حتى بعض الوظائف أقل من أجور الأساتذة، لكن الاختلاف الجوهري يكمن في الحقوق والوضعيات النظامية التي تلزم الإدارة باحترامها، كحق الموظف في العطل والرخص والترقي وتغيير الإطار والانتماء النقابي وغيرها من الحقوق التي لا يوجد ضامن لها في صيغة التوظيف الجهوي بموجب عقود.
حذف مصطلح التعاقد من جميع المواد
نحن لا نريد حذف المصطلح بل نريد إلغاء واقع التعاقد، لكون العملية ترتبط بطبيعة ومضمون الانتقال من وضعية الترسيم داخل النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية إلى التعاقد ضمن نظام أطر الأكاديمية، الذي يعتبر تخليا للدولة عن قطاع التعليم وتفويض هذه المهام لمؤسسات عمومية (الأكاديميات)، وهو ما يشكل خطرا حقيقيا على استمرار المرفق العمومي والخدمة العمومية.
لا ينبع رفضنا للتعاقد من هواجس بل من واقع تؤكده تصريحات الدولة وواقع المؤسسات التي تسمى زورا بالعمومية (واقع المكتب الوطني للماء و الكهرباء، التطهير السائل، السكك الحديدية…)، وغيرها من المؤسسات التي تحولت من تقديم خدمة عمومية وتوظيف عمومي إلى قطاع لبيع الخدمات وفرض شروط العبودية على شغيلتها وهذا ما سيسري على أطر الاكاديميات إن تم تمرير مخطط ” التعاقد “.
الترسيم في نظام غير النظام الأساسي للوظيفة العمومية تزوير صريح لمصطلح الترسيم. إنه التعاقد ولكن بلغة مهذبة وستنكشف نواياهم عند أول اختبار.
نود هنا الإشارة لشركات المناولة في مجال الحراسة والنظافة بالمؤسسات التعليمية والتي كانت سابقا من اختصاص الدولة ويقوم بها المساعدون التقنيون المرسمون في إطار الوظيفة العمومية. لكن اليوم وبصفقات التعاقد على صعيد الأكاديميات هُضمت حقوق العمال ( الأجر، العطل، الرخص…)، فصرنا نلمح استغلالا وشططا في التعامل مع هذه الفئة معاملة تستجيب لشروط أدنى من عبودية القرون القديمة.
الحركة الانتقالية
الحركة الانتقالية في التعاقد المهذب حركة جهوية وغير محددة بشروط نظامية في القانون وقد تتراجع عنها الأكاديميات في أي حين وبأي منطق تراه مناسبا لها، وعلتنا في ذلك أن الحركة الانتقالية محدودة في الجهة، وهي مجال ضيق بالنظر لضخامة القطاع وعدد العاملين فيه مما سيخلق إشكالات كبيرة في المستقبل خاصة فيما يتعلق بحالات الالتحاق بالأزواج/ الزوجات – للإشارة فالحركة حتى بشروطها الحالية وحتى الوطنية تخلق مشاكل ومآسي إنسانية فما بالك بحركة جهوية محدودة جغرافيا.
هذا ناهيك عن الملفات الصحية المرتبطة بالقرب من مراكز العلاج والاستشفاء، خاصة أنّ بعض الجهات لا تتوفر على مستشفيات قادرة على تلبية حاجات نساء ورجال التعليم ( جهة درعة تافيلالت أنموذجا)مما سيفرض عليهم الموت في جهاتهم أو التخلي عن الشغل من أجل العلاج حيث لا مجال لحركة وطنية.
الترقية و اجتياز المباريات
تنظم الترقية وفق نموذج معين يجب أن يفصح عنه القانون الأساسي كما هو مبين في القانون الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية ويتضمن أشكال عدة (الامتحان المهني بعد 6 سنوات، الترقي بالاختيار، الترقي بالتسقيف، بالشواهد كما هو معمول به…). يغيب هذا الأمر في النظام الخاص بأطر الأكاديمية ولا يمكن أن يعول فقط على وعود عامة بالترقية حتى نتحدث عن تماثل مع الأساتذة المرسمين خاصة أنه لم تتم الإشارة بوضوح لهذه المسألة في هذا النظام.
أما اجتياز المباريات فكذب وتدليس لا يمكن أن يقبله عاقل. فكيف سيجتاز هؤلاء المباريات الوطنية وهم موظفون مرتبطون بأكاديمية جهوية ؟ ومن ناحية أخرى نجد أنّ الدخول لهذه المراكز يتطلب شروط نظامية من حيث الوضعية المهنية، أهمها (الإطار) الأصلي للأستاذ و نقصد به (أستاذ التعليم الابتدائي، أستاذ التعليم الثانوي الإعدادي، أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي)، وهو ما لا تتم الإشارة إليه في هذا النوع من التوظيف، إذ نجد أستاذ التعليم الإبتدائي وأستاذ التعليم الثانوي فقط. ناهيك عن عدم تحديد ساعات العمل القانونية بالنسبة لكل سلك والتمثيلية في مجالس المؤسسة وغيرها من المواضيع الأخرى المهمة.
ستكون أجور موظفي الأكاديمية مرتبطة بميزانية الأكاديمية وبالتالي فمصير هذه الأجور قابلة للتغيير بالنظر للمشروع الذي تسعى له من خلال هذا الإجراء. وقد أفصح عنه ميثاق التربية والتكوين وغيره من المخططات الارتجالية المتعاقبة على القطاع، وقد يحسمه القانون الإطار رقم :51:17 بشكل نهائي، خاصة فيما يتعلق بالمرونة في التشغيل والترقية بالمردودية والبحث عن التمويل الذاتي للأكاديميات من خلال بيع الخدمة وهو باب ضرب مجانية التعليم وخوصصة القطاع.
التقاعد والحماية الاجتماعية
التقاعد والحماية الاجتماعية (التغطية الصحية الأساسية والتكميلية، التعويض عن العجز، التعويض عن حوادث الشغل، التقاعد النسبي، التقاعد) هي أمور أساسية تعطينا صورة واضحة عن الوضعية الحقيقية لما سمي زورا بالترسيم. فهل يتضمن ما سمي النظام الأساسي لأطر الأكاديمية هذه الحقوق كما تنص عليها جميع المواثيق والقوانين الدولية في مجال التشغيل أو كما هي متضمنة ولو جزئيا في القانون الأساسي للموظفين بوزارة التربية الوطنية ؟ هذا ما لن تجده طبعا، فالفرق بين الصندوق المغربي للتقاعد و الصندوق الجماعي لمنح رواتب التقاعد شاسع، وسيكون لهذا أثر كبير بالنسبة للموظفين الذين بدأوا حياتهم المهنية في عمر متأخر من حيث التقاعد الذي سيخرجون به في نهاية الخدمة بالمقارنة مع نظرائهم في الوظيفة العمومية.
فسخ العقد
ادعت الوزارة إزالة كل ما يشير إلى كلمة عقد من الأنظمة الأساسية. إنه الضحك على الذقون، فعندما نتحدث عن فسخ العقد أو فسخ التوظيف ( العزل) ليس المهم فيه المصطلح بل المهم مضمون هذا الفسخ وشروطه وهي أمور مهمة لم تتحدث عنها الوزارة في بشائرها لنا بالتعديلات. فحقيقة كلمة (فسخ) تكشف كل الحقيقة عن المضمون ولسنا في حاجة للسؤال عن هل هو عقد أم وظيفة بل ستنتهي كل الأسئلة وتتضح الصورة.
إن فسخ العقد لا يخضع لأية مراقبة ولا لأية متابعة ولا حق في الدفاع والترافع من طرف الموظف نفسه أو حتى من يمثله، بل يتم بشكل أحادي من طرف المشغل وهو الأكاديمية ومن طرف مديرها بالذات.
الفظيع في الأمر يكمن في أن الفسخ لا يترتب عنه أية حقوق مادية أو معنوية للأستاذ. إنها حقيقة وضعية أطر الأكاديمية وهذا النظام الجديد للتوظيف بموجب عقود. فنظام العقوبات والتأديب مجال كبير وعريض في النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية ويوضح كل صغيرة وكبيرة ابتداء من الاستفسار حتى العزل مرورا بالمجلس التأديبي، ويحدد الحقوق ويرتب الجزاءات ولا يترك أي شيء لتقديرات الإدارة إلا في حدود اختصاصها. بينما على العكس في نظام أطر الأكاديمية، الذي يحصر السلطة في يد الإدارة وبدون نصوص قانونية ولا مساطر وإجراءات واضحة ينبغي إتباعها بل فقط مزاج الرئيس وسلطة الإدارة هي الحاسمة: إنها سلطة تعسفية وليست قانونية، سلطة السيد الإقطاعي على أقنانه.
في الحصيلة نرى أن الهاجس المحرك في الانتقال من التوظيف ضمن الوظيفة العمومية نحو نظام التعاقد مع الأكاديميات لا تحركه كما تدعي الوزارة أهداف الجهوية المتقدمة وغيرها من الشعارات الزائفة والكاذبة، بقدر ما تحركه الرغبة في تقويض أسس الخدمة والوظيفة العمومية وتفويت المدرسة العمومية للخواص وفتح المدرسة العمومية أمام المستثمرين الرأسماليين في قادم السنوات. وهو ما يؤكده الإصرار على فرض هذا النظام والحديث عن تنويع وسائل التمويل ومساهمة الأسر في تمدرس أبنائها والتي تنص عليها جميع المخططات الارتجالية والتجريبية لما يسمى إصلاح التعليم والذي سيكون بطبيعة الحال القانون الإطار رقم:17-51 وكذلك النظام الأساسي لموظفي الأكاديميات آخر مسمارين في نعش المدرسة العمومية ومجانية التعليم ما لم نتحرك جميعا لمواجهتهما والتصدي لتنزيلهما.
اقرأ أيضا