الجزائر: قمم السلطة تحت الضغط
لا يزال الاحتجاج في الجزائر يزعزع استقرار السلطة، كما كان واضحا من تصريح الجنرال أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني الجزائري، الذي أعلن عجز بوتفليقة عن أداء مهامه. حسين غرنان، مناضل حزب العمال الاشتراكي، يصف كيف يمارس الاحتجاج تأثيرا على نقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريين والحكومة الجزائرية.
بدأ ذلك باحتجاج نقابيين من الاتحاد العام للعمال الجزائريين، في ولاية أدرار جنوب الجزائر، إذ رفضوا حضور الاحتفال الرسمي بالذكرى السنوية للمنظمة النقابية في يوم 24 شباط/فبراير بوجود الأمين العام للمركزية النقابية، ووزير الداخلية والرئيس السابق للحكومة عبد المالك سلال. وفي اليوم نفسه، غادر نقابيون من قطاعات الصناعات المعدنية، والصحة، وشركتي نفطال وفريال قاعة اجتماع الاتحاد الجهوي لعنابة، رافضين ومنددين باقتراح دعم العهدة الخامسة لبوتفلقة، الذي سعى بيروقراطيو النقابة إلى حفزهم على الموافقة عليه.
ومنذ ذلك الحين، رفضت هياكل من أسفل عديدة موقف دعم العهدة الخامسة الذي أقره الأمين العام للمركزية النقابية، عبد المجيد سيدي السعيد. ضمن هذه الهياكل، عبر البعض عن سحب ثقتهه من سيدي السعيد. من بين هذه الهياكل، توجد المعاقل العمالية الرئيسية، عمال مركب الحجار للحديد والصلب (عنابة)، الذي تم تأميمه مؤخرًا، إضافة إلى عمال منطقة الرويبة الصناعية (الجزائر العاصمة) حيث يوجد مركب للسيارات الصناعية (الشركة الوطنية للعربات الصناعية) الذي يستفيد من دعم الاتحاد المحلي.
الاحتجاج على سيدي السعيد
نظم هؤلاء العمال يوم 12 آذار/مارس، مسيرة ضد العهدة الخامسة وضد رئيس المركزية النقابية، مسيرة سرعان ما قمعتها عناصر الدرك. كما نفذ عمال المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار وقفة احتجاجية أمام مقر الإدارة (الجزائر العاصمة) مطالبين برحيل سيدي السعيد والنظام على حد سواء. دعا سكرتير وطني عضو في قيادة نقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريين إلى تشكيل لجنة وطنية لطرد الأمين العام. كان رد فعل هذا الأخير طرده من منصب مسؤوليته.
في 11 آذار/مارس، جمع سيدي السعيد القيادة الوطنية لنقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريين (يعني مجموع فيدراليات واتحادات الولاية). صادق هذا الاجتماع على بيان أشاد بالرئيس بوتفليقة والحركة الشعبية والذي ينتهي بالأسطر التالية: «من الواضح أن الاتحاد العام للعمال الجزائريين يعتبر أن الحاجة إلى التغيير أصبحت ضرورية. وكذا يجب أن يبنى من خلال حوار يتميز بالحكمة وكذا إيجاد حل توافقي يسمح ببناء جمهورية جديدة تتوافق مع تطلعات شعبنا وتسمح ببناء المستقبل بهدوء والحفاظ على بلدنا الجزائر»
في 16 آذار/مارس، تجمع عشرات النقابيين من مختلف القطاعات أمام مقر المركزية النقابية للمطالبة برحيل سيدي السعيد، لكن أنصار سيدي السعيد، بسترات صفراء، كانوا أكثر عددًا، ما سمح لهذا الأخير بمهاجمة خصومه. وفي الوقت الحالي وعلى حد علمي، لم يتخلى عن سيدي السعيد سوى اتحاد ولاية وحيد وحسب، اتحاد تيزي وزو. بقية الهياكل العمودية (الفيدراليات) والأفقية (الاتحادات الجهوية) على حد سواء، تقودها غريزتها المحافظة. وعلى غرار السلطة التي تسعى إلى تنظيم مرحلتها الانتقالية، من المرجح جدا أن تعمل قيادة نقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريين، التي تظل مرتبطة بنهج السلطة، ومخترقة حركة الاحتجاج، في محاولة لاستعادة التحكم بصفوفها، على اتخاذ بعض المبادرات مثل امتصاص غضب من هم في أسفل وتفادي تطور العداء ضد سيدي السعيد إلى تمرد ضد المنظمة برمتها. وفي الوقت الحالي، لا يهدد الاحتجاج حقًا قيادة نقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريين، لكنه يحرز تدريجيا تقدما. ليس مستبعدا تسارع الأمور في المستقبل القريب.
حكومة تحت الضغط
كان رئيس الوزراء الذي عينه بوتفليقة لتشكيل حكومة انتقالية بالفعل وزير الداخلية في الحكومة السابقة. وسجله حافل بقمع حركة اضراب واحتجاج الأطباء والجنود المتقاعدين وعمليات عديدة من حظر وقمع أنشطة عمومية للمجتمع المدني. فشلت جميع محاولاته لتشكيل الحكومة. رفضت الأحزاب والنقابات والجمعيات والشخصيات الدعوة.
ليس رفض المرحلة الانتقالية هو ما يفسر إلى حد كبير رفضها استجابة دعوة الوزير الأول: إنها تتبنى هذا الاجراء باستبعاد رجال السلطة وتسعى إلى اقراره اعتمادا على الشارع.
ما يفسر رفضها هو خوف مماثلتها بزبناء السلطة وفضحها من قبل الحركة الشعبية. من وجهة النظر هذه، تمكنت الحركة من التأثير على الجميع. وسرعان ما حددت معالم طريقها للحوار (الشارع) وفرضت شروطها المسبقة على هذا الحوار (اسقاط النظام). «لم يتبقى للوزير الأول سوى مطالبة الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب بمده ببعض الملفات لتشكيل حكومته»، على حد مزحة رائجة في الشارع.
يبدو أن الوزير الأول لا يملك أي خيار سوى الاقتصار على مجموعة القوى السياسية التقليدية لتشكيل حكومته الجديدة أو الإبقاء على حكومة سلفه الذي ما زال وزراءه في مناصبهم، الأمر الذي سيزيد من تأجيج الاحتجاج.
وفي مجال آخر، بدأ نائب الوزير الأول، الدبلوماسي رمطان لعمامرة، مهمته الصعبة وذهب للدفاع عن بوتفليقة أمام القوى الأجنبية. ما الذي قد يستجديه لعمامرة، إن لم يكن دعم القوى الإمبريالية لما يريد بوتفليقة أن يقوم به من التفاف حول القانون الدستوري؟ يريد بوتفليقة تمديد فترة حكمه إلى ما بعد مرحلة عهدته التي تنتهي في 28 نيسان/أبريل القادم. إذا جرى تأكيد هذا الخيار، سيضع البلد تحت مخالب وابتزاز القوى الإمبريالية. لكن الشارع الذي بات يستشعر خطر هذا الخيار الذي تفوح منه رائحة الثورة المضادة يشجب أشكال التدخل الأجنبي أيا كان مصدرها.
العنوان والعناوين الفرعية وأسئلة النص من اعداد أنطوان لاراش
الثلاثاء 26 آذار/مارس 2019.
اقرأ أيضا