التُشغيل بالتّعاقد بين شعار الجودة وواقع تفكيك المدرسة العموميّة
بقلم، التنسيقية الإقليمية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد- إقليم الناظور
مداخلة في الندوة التي نظمتها التنسيقية الإقليمية حول «التشغيل بالعقدة: بين شعار الجودة وواقع تفكيك المدرسة العمومية»، يوم 16 ديسمبر 2018.
نحن واعون كل الوعي بأن التعاقد مفروض علينا لأن أغلب المشاركين في مباريات التعليم، هم أبناء عمال وفلاحين صغار وموظفين بسطاء وعاطلين ومهمشين ومنتجين صغار، يعيشون تحت نير الاستبداد في بحر من البؤس والتجهيل والمآسي الاجتماعية، الناتجة عن البطالة، وضعف الدخل، وتدهور الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة، وانعدام الشروط الدنيا لحياة لائقة.
وضع ليس اختياريا، بل لأن المجتمع المغربي مجتمع طبقي تنعم فيه أقلية ضئيلة من ملاكي المقاولات والبنوك والمزارع العصرية الضخمة وكبار ملاكي المدارس الخصوصية وكبار خدام الدولة باحتكار الثروة والسلطة.هذه الطبقة البرجوازية لا تأخذ بالحسبان سوى تحقيق المزيد من الأرباح ولو على حساب أبناء الشعب المفقر، لذلك قلنا بأن التعاقد لم يفرض علينا عسكريا أو بواسطة عنف مادي مورس علينا لنوقع العقد بل فرض علينا اقتصاديا وسياسيا و إيديولوجيا.
1.السياق التاريخي للتراجعات في قطاع التعليم:
لا يمكن استيعاب أبعاد ومرامي التشغيل بالتعاقد دون فهم مضمون ما سبقه من مخططات، إذ لا يخفى على أحد أن قطاع التعليم شكل منذ مستهل عقد الثمانينات هدفا لهجوم الرأسمال العالمي حيث تميزت هذه المرحلة بـ:
– تقنين تسجيل الموظفين في الجامعة (1982)
– إحداث رسوم التسجيل في الجامعة (1983)
– تضخم عدد المطرودين ابتداء من (1984)
– إصلاح 1985 القائم على انتقائية شديدة في التعليم العالي، وتشجيع التعليم الخاص والتكوين المهني، والسماح بتكرار سنة واحدة فقط في الثانوي.
– خفض عدد منح الدراسة بالخارج، وتحميل الشغيلة التعليمية ساعات عمل مجانية منذ 1985.
– تشجيع التعليم العالي الخاص.
– قرار الحد من منح الدراسة بالتعليم العالي (1993)…
2- المرتكزات المرجعية للتشغيل بالتعاقد:
كثيرا ما يصيح أغلب المسؤولين على القطاع بأعلى صوتهم بأن التعاقد جاء لسد الخصاص، لكن حقيقة الأمر أن مخطط التعاقد سياسة معلنة من قبل لأنه جاء ليثمن المادة 135 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين التي جاء فيها: «… ويتم تنويع أوضاع المدرسين الجدد من الآن فصاعدا، بما في ذلك اللجوء إلى التعاقد على مدد زمنية تدريجية قابلة للتجديد»، وبعده جاء المخطط الاستعجالي ليوضح التوجه أكثر، حيث نجد في المشروع 15: «وسوف تتم مراجعة أشكال التوظيف، إذ ستجرى على مستوى كل أكاديمية على حدة، وفق نظام تعاقدي على صعيد الجهة».
واسترسل المشروع 17، تحت عنوان التحقيق الفعلي للامركزية: «يتمثل التدبير الأولي الذي سيتم اعتماده في إتاحة استقلال للأكاديميات في تدبير الموارد البشرية على أساس تحديد الاعتماد الإجمالي من المناصب المالية المخصصة للجهة. وهكذا، فإن توظيف الأطر التربوية سيتم على الصعيد الجهوي، على أساس التعاقد بناء على أنظمة وقوانين خاصة بالأكاديميات».
ولتفادي أي رد جماهيري كما حدث سنة 1965 لجأت الدولة إلى عملية مفضوحة لإحداث خصاص المدرسين حيث تركت المدارس تعيش حالة اكتظاظ لا يطاق وحرمان من أطر التدريس لإيهام الشعب المغربي أن القرار فرضته ظرفية الخصاص المهول ومصلحة التلاميذ والاكتظاظ في الأقسام وارتفاع عدد المتقاعدين.
بعد كل هذه الإجراءات أصدر المجلس الأعلى للتربية والتكوين برنامجا جديدا تحت شعار إشهاري خادع و براق «من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والإرتقاء» سماه رؤية إستراتيجية للإصلاح 2015-2030، والتي بموجبها سيتم تصريف منظور البورجوازية في التعليم خلال 15 سنة جرعة- جرعة. وفي هذا الصدد ورد في الصفحة 31 من الرؤية الإستراتيجية «يتم، على المدى المتوسط، بالتدريج، اعتماد تدبير جهوي للكفاءات البشرية في انسجام مع النهج اللامتمركز لمنظومة التربية والتكوين، ومع توجهات الجهوية المتقدمة، مع تنويع أشكال توظيف مدرسي التعليم المدرسي و مكوني التكوين المهني، وذلك طبقا للمادة «135» من الميثاق السالفة الذكر.
فرض التعاقد إقتصاديا:
نظرا لتخلي الدولة عن تشغيل الشباب أصبحت البطالة العنوان البارز للعصر الراهن، إذ ضربت في المقام الأول شريحة مهمة من الشباب حاملي الشواهد بمختلف تخصصاتها (خريجي كليات الأداب، والحقوق، والعلوم ، والعلوم والتقنيات، و مدارس المهندسين، ومهن التمريض…).
استغلت الدولة الوضع وأعلنت عن مبارة التوظيف بالتعاقد كان أخر أجل للمشاركة في فيها هو 19 نونبر 2016، تحت ذريعة الجواب على مشكل البطالة المستشري، وتحقيق جودة التعليم ومردوديته، كأن الطريقة الوحيدة لمواجهة البطالة هي تكريس هشاشة التشغيل عبر القضاء على الشغل القار.
ليس الأمر غريبا أو جديدا ، فاستغلال مآسي البطالة لفرض شروط استغلال لا تقبلها الشغيلة في حالات التشغيل القار ظاهرة قديمة قدم المجتمع الرأسمالي، إنه ابتزاز مفضوح من الدولة في حق الآلاف من طالبي الشغل: إما القبول بشروط التعاقد أو البقاء في جحيم البطالة.
فرض التعاقد سياسيا:
سهل ميزان القوى المائل لصالح البورجوازية خصوصا بعد تفشي البطالة هجوم الدولة على الوظيفة العمومية وفرض سياسة تقشفية قضت على المكتسبات التاريخية للطبقة العاملة وكافة الكادحين والمقهورين (الحماية الاجتماعية، الحق في الإضراب، الزيادة في سن التقاعد، الزيادة في نسبة الاقتطاع، تقليص رصيد المعاش…)، و في المقابل وجد جيش المعطلين نفسه منزوع السلاح ودون قوة لازمة لردع هذا المخطط الطبقي.
فرض التعاقد إيديولوجيا:
بغية إفشال خطوة مقاطعة شبابيك التسجيل للمشاركة في مباريات التشغيل بالتعاقد بكل من (تطوان، القنيطرة، وجدة…) سخرت الدولة البورجوازية أبواقها للتطبيل بتمتع المتعاقد و الغير المتعاقد بنفس الحقوق والامتيازات، وأن التعاقد حل للاكتظاظ لإنقاذ التلميذ: وهل تريدون ضياع مستقبل التلاميذ؟… ناهيك عن مهاجمة الدولة للقطاع العام وشن حملة إديولوجية لإيهام الشعب المغربي بأن التشغيل بالتعاقد سيجعل الأستاذ أكثر فعالية ومردودية لأنه سيخضع بشكل دائم لمعايير تقييم كفائته المهنية. لذلك تمكنت الدولة في فرض هذا المخطط إيديولوجيا.
3- التعاقد وأوهام الجودة و المردودية:
يريد إيديولوجيو الدولة إقناعنا بأن العصا السحرية التي اكتشفتها الدولة لضمان جودة التعليم هي التخلي عن الوظيفة العمومية وتعويضها بالتشغيل بالعقدة، لأن الإطار المتعاقد سيكون خاضعا بشكل دائم لمعايير تقييم كفاءته المهنية، ما يجعله مهددا بفسخ العقدة في حالة عدم إثبات كفاءته.
4- التعاقد: مزيد من تفكيك المدرسة العمومية:
يعد التعاقد من أوجه الهجوم البورجوازي على التعليم إذ يستمر هذا الأخير ببلدان عدة من بينها المغرب عبر تطبيق برامج ومخططات وإعداد مراسيم و قوانين الإجهاز على ما تبقى من الطابع العمومي لهذه الخدمة ويتخذ هذا الهجوم أوجه عدة يمكن إجمالها في:
– الملائمة مع المقاولات و حاجات الرأسمالية:
– انسحاب الدولة من التمويل:
– الخوصصة:
– اللامركزية: ويتجلى ذلك أساسا في انسحاب الدولة الواضح من ميدان التشغيل – وإعطاء الصلاحيات للأكاديميات.
– ربط التعليم بسوق الشغل:
– التعليم بالكفايات: تعطي الباطرونا المتحكمة في التعليم أهمية أقل للمعارف التي يفترض أن تنقلها المدرسة، في حين تهتم بتمكين المتعلمين من كفايات أساسية تحددها الضرورات الاقتصادية، وذلك على حساب المعارف الضرورية التي تساهم في ترسيخ الثقافة النقدية لفهم العالم.
– تقليص النفقات العمومية.
– دعم الدولة للقطاع الخاص.
5- مخاطر تطبيق مخطط التشغيل بالتعاقد على ضوء الممارسة المهنية:
– ضرب الاستقرار المهني والنفسي والاجتماعي لعموم أجراء التعليم:
– يسهل التشغيل الهش نقل الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد من مقرات عملهم إلى النفوذ الترابي للمديريات الإقليمية دون احترام المذكرات المنظمة لهذا الأمر وذلك باستعمال أسلوب التهديد بفسخ العقدة إن لم يلتحق الأستاذ الذي فرض عليه التعاقد بمقر العمل المفروض عليه.
– مكننة الأستاذ من خلال فرض تدريس مواد خارج تخصصه ما ينعكس سلبا على المتعلمين والأستاذ وهذا يتناقض مع شعار الجودة و المردودية.
– تكريس التمييز بين فئات الشغيلة التعليمية.
– ضرب وحدة شغيلة التعليم:
– العمل بنظامين متناقضين بقطاع التعليم، نظام التوظيف المعمول به منذ نهاية الخمسينيات، والنظام الأساسي لأطر الأكاديميات، سيهدد وحدة شغيلة التعليم، وسيزيد من تشثتهم وسيخلق مصاعب كبيرة في توحيد نضالاتهم. إذ ستختلف مطالب الفئتين، فئة مرسمة وأخرى غير مسموح لها بالترسيم، فئة تعمل في شروط قارة وأخرى معرضة للطرد في أية لحظة.
– ضرب الحق في التقاعد:
ورد في المادة 27 من النظام الأساسي الخاص بأطر الأكاديمية الجهوية لجهة الشرق: «تخضع الأطر المتعاقدة بالأكاديمية فيما يخص التقاعد للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد المحدث بالظهير الشريف رقم1.77.216 الصادر في 20 من شوال 1397(4 أكتوبر 1977) كما وقع تغييره و تتميمه».
وهذا نظام يطبق على المستخدمين المؤقتين والمياومين والعرضيين العاملين مع الدولة والجماعات المحلية، والمستخدمين المتعاقدين الجاري عليهم الحق العام. ويأتي هذا الإجراء لتسهيل تمرير الهجوم على الحق في التقاعد وذلك بعد استهداف الدولة للصندوق المغربي للتقاعد عن طريق «الزيادة في نسبة الاقتطاع، تقليص رصيد المعاش، الزيادة في سن التقاعد».
– ممارسة التعسف والشطط في استعمال السلطة من طرف مجموعة من المتسلطين.
– تأخر صرف أجور مجموعة من الأساتذة على مستوى مجموعة من الأكاديميات لأنها تخضع لإمكانيات الأكاديميات.
– تحريك الأستاذ من التأهيلي إلى الإعدادي أو العكس نظرا لوضعيته الهشة، وكذا عدم تحديد الإطار فيما ما يسمى بالنظام الأساسي لأطر الأكاديميات مما يجعله عرضة للتحريك المتتالي.
– قس على ذلك الشروط غير اللائقة التي مرت منها التكوينات وعدم التزام الدولة ومؤسساتها بالتعويض عنها، ناهيك عن حرمان الأساتذة من بطائق التغطية الصحية ومؤسسة الأعمال الاجتماعية.
6- وظائف المدرسة:
تؤدي المدرسة في ظل نمط الإنتاج الرأسمالي وظيفة مزدوجة، فهي مسؤولة من جهة عن ضمان استمرارية تزويد الاقتصاد والدولة البرجوازية بالعمال المؤهلين والأطر الضرورية لتسيير دواليبها (وكذلك بالمعلمين والأساتذة لإعادة إنتاج هذه العملية)، إن المهمة هنا هي تزويد المنشآت الرأسمالية بيد عاملة مؤهلة و ليس خلق فرص شغل، ومن جهة أخرى «فالمدرسة» قناة لتمرير الإيديولوجيا السائدة التي تقنع الكادحين بضرورة انقسام المجتمع إلى أسياد وعبيد، وذلك للحفاظ على نفس العلاقات السائدة، مع العمل دائما على خوض حرب ضد المعارف الضرورية لترسيخ الثقافة النقدية التي تجعل الشباب يفهم العالم الذي يحيط به.
7- ما السبيل لإسقاط مخطط التعاقد:
إن واقع الممارسة المهنية أثبت مخاطر التعاقد و انعكاساته السلبية سواء على المدرسة العمومية أو على الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد منذ الشروع في تطبيقه.
إن مستقبل التعليم العمومي في البلد كما في كافة البلدان الرأسمالية الأخرى مهدد بالتفكيك بسبب السياسات الطبقية، وفي المقابل تشجع الدولة التعليم الخصوصي على حساب التعليم العمومي.
ليس قرار التشغيل بالعقدة سوى استمرارا في تمرير مخططات الدولة لإضفاء المزيد من المرونة والهشاشة وفرط الاستغلال، بما يعني المزيد من تملص الدولة من التمويل العمومي للمدرسة، مما سيعمق أزمة التعليم بالمغرب، ويعمق احتداد الصراع الطبقي بين البورجوازية وعموم المهمشين والمضطهدين وأجراء القطاع من جهة أخرى.
لهذا وجب ربط النضال من أجل حقوق الشغيلة التعليمية وعلى رأسها إسقاط التعاقد، بالنضال من أجل إنقاذ المدرسة العمومية وضمان حق المتعلمين في تعليم مجاني وجيد، وهذه المهمة ملقاة بشكل رئيسي على عاتق النقابات العمالية.
اقرأ أيضا