محاربة البطالة: ذريعةٌ للتقشف المعركة ضدّ البطالة مسألة صراع طبقي كفاحي
يظل شابان، من أصل ثلاثة معطلين لأكثر من سنة في المغرب (الشباب أكثر من ثلث عدد السكان)، ويبلغ اثنان من أصل ثلاثة من طالبي عمل بالمغرب بين 15 و29 سنة، وهم من الوافدين الجدد على سوق الشغل. وتتركز البطالة بالمدن خاصة التي تضم أربعة من أصل خمسة عاطلين، وهذا فقط لأن القرى تشهد أشكال بطالة لا تأخذ بالاعتبار العمل الموسمي (لثلاثة حتى ستة أشهر في السنة) أو ما يسمى المساعدين العائليين، ثم الاستخدام الناقص.
بطالة جماهيرية بنيوية تتعاظم سنويا بالتحاق أفواج شباب آخرين لا يجدون لهم مكانا بسوق شغل تلفظ جزء من العاملين أكثر مما توفر شغلا لائقا لاستيعاب العاطلين.
الأرقام أبعد ما تكون عن الحقيقة، أولا لأنه لا وجود في المغرب لتعويض عن البطالة، ما يجعل مسألة إحصاء المعنيين غير ضرورية بالنسبة للحاكمين، وثانيا، بالنظر لاستفحال البطالة المقنعة ومختلف أنواع العمل الهش سواء التي يوفرها الاقتصاد المهيكل أو غير المهيكل، وثالثا، لأن الأرقام الرسمية تدمج ضمن العاملين أشكال اعملب لاستدرار الدخل من قبيل ماسحي الأحذية أو البائعين بالتجوال… ولأن من ينجح في الحصول على شغل يجده بالقطاع اغير المهيكلب حيث فرص الشغل هشة وأجور هزيلة وحماية اجتماعية منعدمة.
لا يحدث اقتصاد البلد فرص شغل للشباب الخريجين ولا لغيرهم، فتتفشى البطالة، وتنتشر المهن الهامشية لاستدرار الدخل. وترى الدولة الحل في اإصلاح التعليمب (جار منذ ثلاثة عقود تقريبا) لإخضاعه لمتطلبات المقاولات، وهذه الأخيرة نفسها لا توفر ما يكفي من مناصب الشغل ومعظمها لا يحتاج كفاءات عالية يهاجر أغلبها إلى الدول الأوروبية وكندا، زد على ذلك أن مساهمة الرأسمال الأجنبي نفسه بالتشغيل جد محدودة. وهو من كانت، ولا تزال، سياسة جلبه مبررة بتوفير مناصب شغل وافرة تمتص البطالة.
في الاتجاه المعاكس لهذه النوايا، تعول الدولة بحرص شديد على المزيد من المنافسة وتقليص كلفة اليد العاملة ومرونتها، وتسهيل التسريحات وخفض كلفتها، ومزيد من تفكيك التعليم العمومي ووضعه بقبضة الرأسمال الخاص…
يقضي وجود بطالة جماهيرية إلى جانب تهشيش الشغل على آمال ملايين البشر، وتنهار ظروف عيش المسرحين من العمل وتضغط البطالة على وعيهم وكفاحهم، وهي أسباب عدة، جعلت مسألة النضال ضد البطالة في صلب المعارك الاجتماعية.
باسم محاربة البطالة، وحرية المبادرة والمقاولة وضرورات اشتغالها الجيد، جرى منذ عقود هجوم ضد الحقوق والمكاسب الاجتماعية، وقضاء بالقمع على حركات النضال ضد البطالة. وتظل مشكلة البطالة المزمنة شاهدة على الضرر البالغ للسياسات النيوليبرالية المتبعة وفقا لإملاءات المؤسسات المالية العالمية.
توجد مسألة البطالة في صلب الهيمنة الرأسمالية التابعة والمتخلفة، وهي كانت ولا تزال حقيقة جماهيرية صارخة. استخدمت لمنح مزايا سخية للباطرونا مبررة بالسياسات النيوليبرالية المنتهجة. مساعدات مالية مباشرة، وتزويد بالبنية التحتية والمناطق الصناعية، ومساعدات مالية غير مباشرة بالإعفاء من التحملات الاجتماعية والضرائب…
ويظل خطاب الدولة واقتصادييها وخبرائها وحكوماتها هو نفسه منذ عقود. ببساطة تقدم الإنجازات دليلا على نجاعة االإصلاحاتب وبالتالي استمرارها، وتقدم نتائجها الكارثية كأعراض جانبية حتمية من أجل التقدم، وعندما لا تكون النتائج مرضية للرأسماليين ودولتهم، فذلك راجع إلى عدم تنفيذ االإصلاحاتب بما يكفي من طاقة… وفي كل الأحوال تواصل الدولة نفس االإصلاحاتب بجرعات قاتلة للحقوق والمكاسب الاجتماعية.
ليست البطالة حتمية، بل هي خيار اقتصادي وسياسي. إنها ملازمة للرأسمالية حيث يكون أكثر ربحية استغلال العمال حتى الموت وإجبار الآخرين على البقاء عاطلين عن العمل، وحيث يؤدي السعي لتحقيق الربح إلى ترك الملايين من العمال بلا عمل، في حين أن هناك الكثير مما يلزم القيام به لتلبية احتياجات الجميع، في مجالات الإسكان والنقل والتعليم والصحة ومد شبكات الماء والكهرباء…
إن الاستغلال والأجور المنخفضة والبطالة نتيجة للمصالح الطبقية للبرجوازية. المصالح التي تكرس الدولة كل جهدها لضمانها. تسرح المقاولات العمال بلا حسيب ولا رقيب والدولة تحميها. ليس الأمر مجرد عجز للدولة عن محاربة البطالة، بل هي أيضًا مسؤولة عنها. حتى في القطاع العام، حيث يعتمد كل شيء على الدولة وخياراتها، لا تعطى الأولوية لخلق فرص شغل بل لتخفيضات الميزانية وسداد المديونية، ودعم الرأسماليين…
أما فيما يتعلق بمكافحة البطالة، فهذه ليست سوى ذريعة إضافية لخفض مساهمات الرأسماليين والحد من الضرائب المفروضة عليهم، وحتى إعفائهم منها، وفرض مزيد من المرونة.
يجب توفير آلاف مناصب الشغل في التعليم والصحة والخدمات العمومية لتلبية الاحتياجات الاجتماعية، وحظر التسريح من العمل، وتقليص جدري لساعات العمل دون مساس بالأجر ولا زيادة لوثائر العمل، والتعويض عن البطالة… كما يقتضي الحق في الشغل إجراء أوليا يتمثل في إنهاء العمل الهش غير الصالح سوى للاستغلال المفرط للعمال. عقدة العمل لمدة غير محدودة هي ما يتوجب أن تكون معيار التشغيل. أكثر من 80 في المائة من العاملين لا يتوفرون على عقدة عمل.
تطبق نفس السياسات على من عانوا ويلاتها أصلا، لذلك لا يمكن البقاء بموقف دفاعي، إذ تستدعي الحالة الاستعجالية لملايين البشر الرازحين تحت وطأ الأزمة، الاندفاع للنضال من أجل مطالب حقيقية تسمح بتحسين شروط الحياة والعمل في أفق التحرر من عبودية العمل المأجور.
كعادتها، ستبرر الدولة تخليها عن النهوض بمسؤولياتها الاجتماعية بالكلفة الباهظة لامتصاص فعلي لبطالة جماهيرية ودائمة، لكن أليست المديونية مكلفة جدا، والخوصصة أيضا، وأجور كبار الموظفين وتعويضاتهم، ونهب القطاع العام، والدعم المالي السخي للمقاولات وإعفائها الضريبي ومن التحملات الاجتماعية… الخ.
تستفيد الدولة وهي تواصل تعدياتها، من أزمة أدوات النضال، فحركة المعطلين لم تعد بنفس قوة مطلع التسعينات حتى أوائل سنوات 2000. بعض مكونات الحركة في حكم المنقرض، وتبقى أهمها، الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، محصورة جغرافيا وعدديا، وبالأخص متراجعة نضاليا بشكل كبير، أما الأطر العليا المعطلة فلم يتبق من حركتهم سوى القليل دون فعل نضالي معتبر. أضف لذلك، الأزمة المزمنة للنضال الجامعي الطلابي، ونجاح الدولة في جر النقابات لتبني سياستها القاضية بإعادة هيكلة عالم الشغل، وتفكيك الوظيفة العمومية…
ليس القدرة على المقاومة هو ما ينقص، لقد نجحت معارك عمالية في فرض الحفاظ على قدر مهم من مناصب الشغل ومن الحقوق. الناقص هو منظمات نضال حقيقية، فالبطالة باعتبارها تجليا صارخا لأزمة رأسمالية تابعة ومتخلفة عاجزة على ضمان الشغل القار واللائق للجميع، ومنطقها المتناقض مع تلبية الحاجات الأساسية لأغلبية المجتمع الساحقة، تشكل أيضا عنصرا مركزيا في النضال والمقاومة.
لا حل للبطالة، عبودية المجتمع الرأسمالي، ووحشه الضخم للضغط من أجل استخراج أقصى فائض للقيمة والاستحواذ عليه، دون القضاء على أصلها، نمط الإنتاج الرأسمالي. ويرتبط القضاء المبرم عليها ارتباطا وثيقا بقوة الحركة العمالية وبمصداقية بدائلها.
المعركة ضد البطالة هي مسألة كفاح، مسألة صراع طبقي. الطبقة العاملة فقط، سواء قسمها العاطل عن العمل أو قسمها العامل، هي من لديها مصلحة خوض هذه المعركة. وإن لم تقاتل لأجل مصالحها الحيوية، فلن ينوب عنها أحد لأجل ذلك.
بقلم،الرفيق سين
اقرأ أيضا