طنجة: الطّبقة العاملة في قطاع النّسيج: استغلالٌ وقمعٌ ومحاربةٌ للتّنظيم النّقابي
العمل النقابي بقطاع النسيج حاليا بالمدينة، حسب العامل المستجوب، شبه معدوم نظرا للحرب الممنهجة من طرف أرباب العمل بمباركة السلطة، بمجرد تأسيس مكتب نقابي يتم طرد أفراده وجل المنتمين للنقابة، يتضامن أرباب العمل فيما بينهم عند خوضهم لهذه الحرب ضد الطبقة العاملة، من خلال تنفيذ الطلبيات لفائدة أصحاب المعامل المتوقفة بسبب الاضراب، مما يضعف احتجاج العمال ويسهم في هزم معركتهم. التضامن العمالي واجب لمواجهة تضامن أرباب العمل ودولتهم.
معمل صوفيا للخياطة الواقع بالمنطقة الصناعية المجد بطنجة، الذي يشغل حوالي 250 عامل وعاملة، ثلثهم رجال وأكثر من الثلثين شباب، يشكل نموذج للوحدات الصناعية التي تعتصر العاملات والعمال مقابل الفتات في خرق لأبسط قوانين الشغل.
الوضع في هذا المعمل يكشف قسوة الاستغلال، والجحيم اليومي الذي يصلاه العاملات والعمال يوميا. يمكن أن نلاحظ ذلك من خلال تفحص ظروف العمل ومستوى اللأجور والحماية الاجتماعية وكذا مدى احترام الكرامة الانسانية.
1- على مستوى ظروف العمل:
- تسبب المواد الكيميائية التي تكون عالقة بالأثواب (غبار) تسبب حساسية الجلد والجهاز التنفسي، لا وجود لكمامات التنفس، وتنعدم التهوية التي من شأنها العمل على سحب الهواء الملوث. كما يتكدس العمال في مساحة ضيقة، حيث أن آلات الخياطة متقاربة بشكل لا يحترم معايير السلامة، فمحركها يكون قريب من ظهر العامل الذي يوجد في الأمام مما يسبب له سخونة مضرة في الظهر. والكراسي غير مناسبة، إذ لا يمكن ضبطها حسب مقاسات العمال والعاملات وهي مهترئة مما يسبب مشكل وآلام في الظهر. في حالة حوادث من قبيل الحريق هناك صعوبة لإخلاء المكان (كارثة روزامور)، وهذا أمر وارد فتثبيت آلات الخياطة في أماكنها لا يخضع للمعايير المعمول بها، فأسلاك التوصيل الكهربائي لا ثبت بالشكل الذي يصونها من التلف والسخونة، مما قد يؤدي لحرائق. لا وجود لمصالح طبية كما تنص على ذلك المادة 304 من مدونة الشغل.
- المراحيض، عددها قليل (أربعة) للنساء والرجال، وهي ضيقة ولا يصلها الماء في معظم الأوقات لوجودها في الطبق العلوي، وتوجد بالقرب من العمال والعاملات مما يجعل روائحها تزكم الأنوف. علاوة على أنها لا تفتح أبوابها إلا ساعة في الصباح وساعة في المساء. (هذا الحرمان له تداعيات سلبية بسبب تراكم السائل البولي الغني بالأملاح الصلبة في المثانة إلى ترسبها بسبب حبس البول الإجباري، الأمر الذي يؤدي إلى تشكل الحصوات الصغيرة المشابهة للبلورات الصلبة في الكلى وفي المثانة، بالإضافة إلى الإصابة بانسداد الحالب) لا رحمة للنساء ولو حوامل. من معاناة العمال والعاملات تتقاطر أرباح البورجوازي.
- حوادث الاصابة بضربات الابر في الأصابع. لا توجد أدوات الاسعافات الأولية. آلات الخياطة تسخن بشدة وأحيانا ينشب بها حريق، هذا الامر يعرض حياة العاملات والعمال للخطر، مع وجود أثواب من مواد سريعة الاشتعال. كما تحدث إغماءات كثيرة للعاملات، لا وجود لحمالة لنقل العمالات لمكان آخر مناسب حتى تحضر سيارة الاسعاف، ولا سرير توضع عليه المصابة بالاغماء. لا يتم استدعاء الاسعاف وتترك المعنية بالأمر إلى أن تستفيق بعد إلقاءها في مكان غير مناسب. فقدان الوعي يأتي نتيجة سوء التغذية والضغط النفسي )السب والاهانة) والبدني ((طلب إنتاجية تفوق قدرات العاملة).
2- على مستوى الأجور والضمان الاجتماعي:
- هناك احترام للحد الأدنى القانوني المتمثل في 13,85 درهم للساعة، لكن تتم سرقة حوالي 5 في المئة من عدد ساعات العمل التي يتم اشتغالها من خلال عدم تسجيل أحد أيام العمل أو الساعات الاضافية في حساب العاملة أو العامل. الاحتجاج قد يؤدي للطرد وفي أحيان قليلة إلى إرجاع ما سرق. الساعات الاضافية، لا تحترم مدونة الشغل عند التعويض عنها (المادة 201). زد على ذلك فلا وجود للحوافز والعلاوات (تمنح بناء على القرابة العائلية وأمور أخرى، فلا معايير تنظمها). يضاف لذلك حرمان الأجراء من منح الأعياد والدخول المدرسي. بل الأدهى أن الادارة لا تمنح الأجر المستحق للعاملة أو العامل إذا شكت أنه قد لا يعود للعمل بعد العطلة لترغمه على الرجوع إذا كانت في حاجة إليه. إضافة إلى ذلك لا وجود لعقود عمل مكتوبة. حوالي 5 في المئة العاملات لا يحصلن على الحد الأدنى للأجور، بمبرر أنهن متدربات، رغم أنهن يقمن في الواقع بعمل كامل. لا يحترم أداء التعويض عن الأقدمية الذي يقره قانون الشغل (المادة 350 من المدونة(
- فيما يتعلق بالضمان الاجتماعي، هناك من العاملات والعمال من يتم الاقتطاع من أجورهن/اجورهم ولا يتم التصريح بهن/بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وفئة ثانية لا يقتطع من أجورها ولا يصرح بها، وفئة ثالثة يقتطع من اجورها ولا يصرح بكامل أيام عملها. جلي أنه لا تحترم القوانين المعمول بها. عدم تصريح أو تصريح أقل من نصف الشهر لا يخول الاستفادة من التغطية الصحية. عمليا أصحاب الأطفال من يتم التصريح بهم حتى لا تنكشف لعبة الادارة. أغلبية عدم المصرح بهم من الشباب. بعض النساء يفاجئن بأنه غير مصرح بهن عند اقتراب أوان الولادة. لأبناء البورجوازيين حياة مرفهة ولأبناء العمال حياة البؤس والجهل.
3- على مستوى النقل والتغذية والعطل
- يتم اقتطاع ثمن التنقل من الحد الأدنى للأجور، على خلاف ما هو معمول به في المعامل الأخرى عموما، في حالة بطالة تقنية مفاجئة أو عدم حضور وسيلة النقل في الوقت المناسب يضطر العامل لدفع ثمن التنقل على حسابه. الاكتظاظ بوسائل النقل أن يصل إلى 30 أو 35 عامل وعاملة مكدسين في سيارة مفترض أن تقل 20 فرد، هذا ما يرفع مخاطر حوادث السير وارتفاع الضحايا، ولا يحصل العمال على تعويضات التأمين في حالة حادثة، نظرا لعدم احترام أصحاب وسائل النقل للقوانين. عند الخروج من المعمل قد ينتظر العمال والعاملات ساعة وأكثر وسيلة نقلهم علما أنهم منهكون. نقط التجمع لركوب وسائل النقل بعيدة عن محلات السكنى وهذا ما قد يعرض سلامة العاملات والعمال للخطر في الصباح الباكر (السرقة والتحرش والاغتصاب(.
- تخصص مدة ربع ساعة للفطور ومدة نصف ساعة للغذاء وهي مدة غير مؤدى عنها. وجود مطعم لا تتوفر فيه شروط الصحة والنظافة، وضيق المساحة، أثمنة خدماته مرتفعة عما هو في الخارج. هذا يدفع عدد غير قليل لأكل ما يحملونه معهم على ارصفة الشوارع المحاذية مما يعرضهم لكافة المخاطر الصحية، غبار وحوادث سير وتحرش المتسكعين.. شمس أو مطر.
- بالنسبة للراحة الأسبوعية، لا تمنح التعويضات المادية في حالة العمل خلالها. أما فيما يخص العطلة السنوية فلا تحترم مقتضيات المدونة في منحها. العمال الذين يشتغلون اقل من سنة ويتم طردهم لا يستفيدون من التعويض عن العطلة السنوية (المادتان 252 و254 من مدونة الشغل). في حين، العطل الدينية والوطنية لا تحترم المدونة في تدبيرها، حيث يفرض على العمال والعاملات اشتغالها ضد منطوق المادة 217 من المدونة، ولا يحترم في التعويض عليها المادة 226 من نفس المدونة.
4- على مستوى البطالة التقنية وإنهاء عقود العمل ومعاملة العمال والعاملات.
- البطالة التقنية تعني تقليص ساعات العمل، ومعها الأجور، لكن لا يتم احترام قانون الشغل رغم محاباته لأرباب العمل.
- لا تتم احترام الاجراءات المنظمة لعملية إنهاء عقد العمل التي نصت عليها المدونة المادة 51 من مدونة الشغل.
- التعسف، السب والقذف عملة رائجة، لدفع العمال للاشتغال بوتيرة جهنمية، لإنتاج أكثر من طاقتهم. الأجير مطالب بالوصول لنفش المردود حتى وإن توقفت الآلة عن الاشتغال بسبب عطب تقني، مما يضطر العاملة أو العامل للعمل وقت راحته في الغذاء، مما يعني التشغيل المجاني. الانذارات والتوقيف العشوائي عن العمل والقمع والتحرش الجنسي لا رادع لها.
5- هذه أسباب أكثر من كافية ليفكر العمال والعاملات في النقابة:
البؤس والحرمان والقهر لا يشفعان للعمال أمام جشع الباطرون، فلا حل سوى العمل لبناء فعل جماعي عمالي للدفاع عن النفس والمكاسب وانتزاع أخرى،. هكذا جاء تأسيس مكتب نقابي بعد أكثر من ثلاث سنوات من المعاناة أواخر شهر شتنبر 2018، في إطار الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، كما جاء هذا التأسيس بعد تفاقم المشاكل وعدم جدوى الاحتجاج الفردي. أضف لذلك عدم اكتراث المسؤولين في المديرية الجهوية للتشغيل والشؤون الاجتماعية بطنجة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وكذا السلطات الصحية بحياة العمال وظروف عملهم، وانحيازها العملي لصالح أرباب العمل.
لكن العمل النقابي الذي يصون كرامة العمال والعاملات ويوحدهم للدفاع عن أنفسهم في وجه الجشع البورجوازي لا يحتمله أرباب العمل ودولتهم. فبمجرد تأسيس المكتب النقابي تم طرد أعضائه ومنخرطين آخرين، عقب اجتماع الباطرون بالمكتب النقابي يوم 8 أكتوبر 2018، وبدل احترام حرية العمل النقابي والانضباط للقوانين الجاري بها العمل على علتها وانحيازها لأرباب العمل، قام المشغل بتهديد أعضاء المكتب النقابي، وخيرهم بين الاستمرار في العمل أو الانسحاب من النقابة. وقال لهم أنه سيرسلهم للسجن وأن القانون في يده، وأن له المال لفعل لذلك، كما هددهم باستعمال البلطجية لمنعهم من الدخول لمكان العمل.
وسيرا منه على هدي السلطات التي عملت غير ما مرة على استعمال البلطجية ضد الحركة الاحتجاجية بطنجة، قام المشغل وزبانيته صباح 9 أكتوبر بمنع النقابيين من الالتحاق بالعمل . صباح يوم 10 من أكتوبر في الصباح هدد بلطجي بباب المعمل النقابيين بسلاح أبيض، بالإضافة للسب والقذف (يوجد تسجيل بذلك)، وقدمت شكاية لوكيل الملك بذلك لم يتلها ما يجب من اعتقال للجناة. يوم 13 أكتوبر تم استعمال سيارة تابعة للشركة في محاولة لدهس المكتب النقابي المعتصم فوق الرصيف، لإرغامهم على ترك حقوقهم وباب الشركة.
في الختام… لامنقذ للطبقة العاملة من التفسخ والانحطاط سوى النضال ضد المجتمع البورجوازي.. ونظام الاستغلال والقهر
في بلاد حيث تنفق البورجوازية بسخاء على بذخها، موانئ ترفيهية و فنادق خمسة نجوم وفلات وقصور ويخوت وطائرات خاصة، وملاعب غولف على قمم الجبال، هناك عمال وعاملات يكون بلا توقف، لكنهم /هن لا يجدون ما يسدون به حاجياتهم الأساسية ويسكنون في مساكن بئيسة ويرتدون مستشفيات متهالكة ويدرس أبنائهم في مدارس كئيبة. إن رفاهية البورجوازية وسعادتها مصدرها بؤس ملايين العمال والعاملات.
وحده التنظيم العمالي النقابي والحزبي الذي يضم أفضل قوى الطبقة العاملة قادر على الدفاع عن مصالح العمال والعاملات، فالقوانين التي في صالح الشغيلة هي نتيجة النضال والكفاح والحفض على المكاسب يبقى رهين ميزان القوى بين الطبقة العاملة والطبقة البورجوازية. عداوة البورجوازية للعمل النقابي الكفاحي يثبت أهمية النقابة بالنسبة للشغيلة.
بقلم، أ.د
طنجة في 14 أكتوبر 2018
اقرأ أيضا