الاحتجاجات الشّعبية في المناطق المُهمّشة: أيّة سُبل لتَوحيد نضالات الكَادحين
خرج سكان دوار تولوالت ودواوير أخرى في مسيرة احتجاجية على الأقدام وبالسيارات، في تنغير للمطالبة بإصلاح الطريق المؤدية إلى مركز الجماعة بعد أن دمرته الأمطار. كان المحتجون في طريقهم إلى المركز في زاكورة. حضرت جحافل القمع على الفور لمنع المحتجين من الوصول للمركز، مستعينة ببعض الوجوه الانتخابية خادمة الاستبداد.
تأتي احتجاجات سكان مغرب الجنوب الشرقي في سياق دينامية نضالية انطلقت منذ سنة 2017 مع النضالات الشعبية في جرادة ونواحيها للمطالبة ببديل اقتصادي يتيح حياة كريمة للغالبية من الكادحين. هذا وقد شهدت المنطقة سنة 2000 نضالات اجتماعية للمطالبة بالخدمات الاستشفائية.
النضالات الشعبية دينامية كفاحية مشتتة
لاتزال جذوة نضال الكادحين مشتعلة في المغرب، لكنها تخبو بين حين وأخر، لتنطلق مجددا بحماس وزخم عارمين، رافعة نفس المطالب الاجتماعية والاقتصادية: مستشفيات تقدم خدمات صحية جيدة، أو اصلاح طرق وبنيات تحتية دمرتها الفيضانات أو نضالات شعبية من أجل رفع التهميش عن قرية أو منطقة نائية…الخ. في الغالب الأعم كانت هذه المطالب المباشرة والبسيطة المحرك الذي يدفع آلاف المقهورين إلى ساحة النضال الجماهيري بعد عقود من الهجوم الليبرالي المعمم.
كلما بزغ نضال اجتماعي أولي كما هو الشأن بالنسبة لاحتجاجات زاكورة الأخيرة، إلا وسارعت الدولة وخدامها إلى محاولات الالتفاف عليه تجنبا لتطورها درئا لتعبئة مقهورين أخرين لهم ذات المطالب. تجري مناورات الالتفاف على مطالب المحتجين إما بالوعود طويلة الأمد، التي لا تعرف سبيلا للأجرأة أو باستعمال القمع البوليسي، وغالبا ما يتم اللجوء إلى الوصفتين معا.
كان تعامل الدولة القمعي مع نضالات جرادة في المدة الأخيرة، الحل الذي تفضله البرجوازية الحاكمة في البلد لمطالب المقهورين. سجنت طلائع النضال ونكلت بمن يطالب بالبديل عن حُفر الموت (الساندريات). كان هذا أيضا ما أقدمت عليه مع نضالات الكادحين في العقد الأخير، لا بديل إذا عن السياسات الليبرالية التي تسير عليها الدولة منذ التقويم الهيكلي لاقتصاد البلد سنة1983.
تعمل الدولة البرجوازية جاهدة على تفكيك التعبئات الشعبية، مستغلة ضعف الحركة التنظيمي واقتصارها على مناطق محلية بعينها. كانت نضالات الريف كفاحية وشعبية استطاعت تعبئة قاعدة شبابية واسعة في الريف، لكنها ظلت محلية ولم تتسع لتشمل مناطق أخرى وتأخذ بعدا وطنيا. شكل هذا العامل أحد أوجه القصور الكبرى في النضالات الشعبية في المغرب خلال العقود المنصرمة، إلى أن تجاوزته حركة 20 فبراير 2011سنة حين تمكنت من اضفاء طابع وطني وجماهيري على مطالبها لتكتسي الحركة أفقا ديمقراطيا انخرط فيه الألاف. تمكنت الدولة من خنق الحركة الفتية بفعل تدخل محكم جاوز ما بين القمع وتقديم تنازلات مهمة، كما ساهمت أخطاء الحركة في خفوتها مبكرا.
البعد المحلي للنضالات الشعبية وامكانية تجاوزه في القادم من جولات النضال
تتسارع وتيرة الهجوم الليبرالي على قوت الكادحين، ما يدفع بأقسام من الفئات المتضررة إلى ساحات النضال مجبرين للذود عن طفيف ما تبقى من مكاسب عيشهم. تتميز هذه النضالات بكون أغلبها نضالات دفاع لا هجوم. يطرح هذا المأزق على مناضلي طبقتنا مسؤولية تشبيك النضالات المحلية القريبة ميدانيا، وتوحيد ملفاتها لتأخذ بعدا وطنيا.
محاولة حشد التضامن مع النضالات الشعبية يستدعي منا استغلال كل الامكانات المتاحة ومنها على وجه خاص التعبئة الميدانية بالمناشير الورقية والملصقات، وتنسيق العمل الميداني بين منظمات النضال. إن الدعوة إلى اختيار وتصنيف قوى النضال الميداني إلى تقدمية وأخرى رجعية هو أحد أسباب وهن نضال شعبنا تنظيما وتعبئة وتشبيكا. تستفيد البرجوازية من خط الفلق هذا بين قوى تناضل ميدانيا على ملفات محددة لدق اسفين بين مكونات النضال، أخرها تنسيقيات التضامن مع انتفاضة الريف.
كثيرا ما تكتفي المنظمات والتنسيقيات بالتضامن مع الحراكات ببيانات وتدوينات قصيرة على منصات التواصل الاجتماعي، في حين أن على منظمات النضال ومناضلي طبقتنا السير على نهج النضالات المتفجرة في البلد، أي بتسطير ملفات مطلبية محلية وراهنية ونقاشها مع المعنيين بها والتعبئة على أرضيتها. علينا في كل منطقة تتوفر على قوى مناضلة أن نعمل قدر المستطاع على تطويرها وتجذيرها نحو الأسفل.
ستتجدد النضالات الشعبية في زاكورة ونواحيها، جراء تراكم جرائم البرجوازيين في هذه المنطقة، بفعل ندرة مياه الشرب وعدم تلبية المطالب الأخرى. كذلك هو الشأن بالنسبة لعدد من المدن والبلدات في باقي المغرب. لنعمل جاهدين على تشبيك النضال الاجتماعي للمقهورين واعطاءه بعدا وطنيا موحدا وكفاحيا.
لنستعد للقادم من جولات النضال الشعبي ولنستفيد من دروس الهزيمة قبل النصر.
بقلم، فودة إمام
اقرأ أيضا