تالسينت، حراكٌ شعبيٌّ من أجل الحق في الماء
عرف بلدنا المغرب حراكا شعبيا جماهيريا حقيقيا، ومن ابرز دوافعه كانت دائما هي المطالب الاجتماعية الأساسية البسيطة، ومؤخرا نزلت إلى شوارع مدينة تالسينت جماهير غفيرة من جل شرائح الفئات الشعبية على نفس المطالب، رافعين القوارير والقناني الفارغة والأواني المنزلية، مرددين شعارات اتطلب من الدولة توفير ماء الشرب..ب هذه المادة الضرورية للحياة والحاجة الماسة إليها، كانت سبب تظاهراتهم/ن، ووراء وحدة صفوفهم/ن، وبدءوا ينظمون ذواتهم ويجتمعون معا، ويتبادلون الأخبار والمستجدات حول مشاكل الحرمان من الماء، ومدد انقطاعه عن المنازل، وما هي السبل الممكنة لإيجاد حلا جذريا له، وتوفير الماء للسكان ؟ وأثناء الاجتماعات الواسعة يتم تسطير البرامج والأشكال النضالية والاتفاق عليها،حيث أصبحت شوارع تالسينت تشهد حركة نضالية شبه مستمرة.
إنها آليات جوهرية للديمقراطية الشعبية المنبثقة من الأسفل، تناضل على مطالب اجتماعية، هذه اللجان والتنسيقيات الشعبية المحلية كانت حاجة ضرورية دفعت بالمتضررين المباشرين إلى تنظيم أنفسهم وتحقيق مطالبهم/ن، وهو ما قام به سكان تالسينت حيث أصبحت المدينة تعرف إضرابات شعبية واسعة، تشمل أصحاب المحلات وتجار التقسيط الصغار، والمطاعم والمقاهي والحرفيين والمهنيين الذين يغلقون محلاتهم وأصحاب سيارات النقل يوقفون سياراتهم والأسواق الشعبية يتوقف نشاطها… استجابة لنداء غضب وسخط السكان على سياسة الدولة المغربية الخاضعة للمؤسسات المالية العالمية والمراكز الامبريالية، سياسة تابعة لم توفر الماء وباقي متطلبات الحياة للمحتجين.
سكان تالسينت ناضلوا بجد وكفاحية وصمود، لكنهم واجهوا مثل كل المغاربة في جميع المناطق التي تحرك فيها الكادحين من اجل مطالب اجتماعية، أجهزة دولة طبقة الرأسماليين المستحوذين والمسيطرين على كل شيء، الثروات والسلطة السياسية، ورغم قمعها الشديد فقد بداء ينتشر بين عدد من الطبقات الشعبية حس بان المجالس الجماعية القروية والحضرية والمجلس التشريعي (البرلمان) لا يملكون أي حل فعلي وجذري لمشاكل الكادحين والكادحات،وان الأحزاب السياسية البرجوازية اليمينية الرجعية والليبرالية الموجودة والمتنافسة أثناء الانتخابات على أصواتهم/ن خلقت ودعمت بالمال الوفير لخدمة الأغنياء وحدهم ضد مطالب الكادحين.
ومن واجب اليسار الجذري النضال بين صفوف الكادحين على قضية الصراع الطبقي وتوضيحه اكثر وتجذيره ضد سياسة التعاون الطبقي، المبنية على المزيد من الاستغلال المفرط للعمال، وتجويع وتعطيش باقي الفئات الكادحة، وترسيخ الحكم الفردي، ومن الواجب عليه كذلك تعزيز التنظيم الذاتي المبني من التحت للضحايا المباشرين وحماية الديمقراطية الشعبية من سطوة الليبراليين والرجعيين.
تالسينت الصامدة في حاجة لتضامننا الواسع
لقد مر صيف هذه السنة على سكان مدينة تالسينت بمزيد من العطش ،وقد نظموا تظاهرات واحتجاجات شعبية ونجحوا في تنظيم اضرابا عاما يوم 7 شتنبر2018 شل جل الأنشطة في المدينة التي تمتد على مساحة تقدر بنحو 11000 كيلومتر مربع، وتضم نحو 16166نسمة، مما جعل الدولة الرأسمالية ونظامها الاستبدادي وأجهزتها ومؤسساتها محليا وبعمالة بوعرفة يتابعون نشطاء ومناضلي الاحتجاجات الشعبية من خلال مؤسسات دولة الاستبداد(شرطة ودرك ونيابة عامة وقضاء..) وهي سياسة تتهجها الدولة للتهديد والتخويف، ثم يتبعهما الاعتقال، وإصدار الأحكام الطويلة الظالمة مثل ما فعلت مع مناضلي حراك الريف، ومن اجل التصدي للاعتداءات التي تقوم بها الطبقة البرجوازية ضد الكادحين، مطلوب من الماركسيون الثوريون والمصطفين في خندق الكادحين بناء منظمات النضال على أسس ديمقراطية تضمن لجميع الآراء والأفكار التعبير والمساهمة في مناقشة القرارات ، وتنظيم وتفعيل القوافل التضامنية النضالية صوب المناطق التي تواجه وتكافح ضد السياسات الطبقية الرأسمالية الحاكمة،وذلك لنصرة الحركات الاجتماعية الشعبية والاحتجاجية، ودعمها ومساندتها لخلق ميزان قوى لصالح الطبقة الكادحة.(1)
الاستحواذ على مادة الماء من طرف الرأسماليين
الطبقة الرأسمالية المغربية تستهلك وتبدر من المياه الوطنية الكثير في جميع شريكاتها بكل القطاعات : الصناعية، والزراعية، والبحرية، والمنجمية، وعلى مركباتها السياحية وملاعبها الرياضية (الغولف والقصور ومسابح الفنادق الفخمة) أما منابع المياه المعدنية فهي محتكرة من طرف حفنة من الرأسماليين أرباب الشركات ذات العلامات التجارية المتنوعة التي تعلب ماء المغاربة الثروة الوطنية الأساسية وتسويقها وطنيا وعالميا وتحرم منها السكان الأصليين الفلاحين الفقراء المرتبطة حياتهم/ن بها، هذه السياسة الطبقية المتسببة في العطش دفعت بالكادحين لاحتجاج والتظاهر في المدن التالية : تالسينت وزاكورة ووزان وفكيك وتازة وتاونات وصفرو، وبدل الاستجابة وإطفاء ظمأ الناس المحرومين من الماء، تواجههم الدولة بالقمع والاعتقال والمتابعات.
عدو طبقي شرس، ومنظمات نضال مشلولة
النظام السياسي يعمل جاهدا لمصلحة الرأسمالية والامبريالية، والجماهير الشعبية الكادحة بدأت توجه له كل المسؤوليات التي تخرب وتدمر البلد مباشرة، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي على (الانترنت) ومجلس النواب الصوري الذي يخدم واجهة لتزيين نظام الاستبداد والحكم الفردي وديمومة الاستغلال جعل منه كثير من المغاربة موضوع سخرية، ساخطين على أعماله التي يقوم بها ضد الحراك الاجتماعي للكادحين. أما أحزاب الحركة الوطنية البورجوازية التي خدمة نظام الحكم والرأسماليين ضد مصالح الأغلبية الكادحة فقد تعرضت لتهشيم قوي في الرأس ثم جل المفاصل، خصوصا الاتحاد الاشتراكي، ولم يعد لديها أي مسند عمالي قوي وشعبي واسع تستند عليه مثل ما كان لها سابقا ، وقد جاء دور الحزب الذي يستمد مرجعيته لكسب ميل الجماهير نحوه من الدين وحركات الإسلام السياسي اليمينية الرجعية، حزب العدالة والتنمية الذي خدم النظام الاستبدادي والأقلية الحاكمة بالفعل بشكل قوي أثناء اندلاع الثورة بمنطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط، وبروز حركة 20 فبراير ذات المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية سنة2011.
والبيروقراطية النقابية ساهرة على تطبيق سياسة السلم الاجتماعي ومنظمات النضال مشلولة ويسار جذري وثوري ضعيف ومشتت، والطبقة البرجوازية الحاكمة مستمرة في البطش بنشطاء وقيادات ومتزعمي الحراك الشعبي، هذا ما كشفت عنه جل الحركات الاجتماعية والاحتجاجية مؤخرا.
بدون بناء حزب ثوري اشتراكي عمالي لجمع وصهر كفاح الكادحين ستظل الطبقة الرأسمالية قائمة على رقابنا وسحق الكاحين ودفن طلائع النضال في السجون، وإذا لم يتم إسقاطها وبناء على أنقاضها نظام المنتجين المتشاركين سيتوسع العطش والجوع والبطالة والقهر.
16 شتنبر 2018
(1)https://telquel.ma/2018/09/11/a-talsint-la-soif-cause-de-nouvelles-manifestations_1610176
بقلم، طه فاضل
اقرأ أيضا