بعْدَ إبادة الجمهُوريين، قمعُ دُعاة إصلاح الملكّية
ثار عجاج إعلامي كبير في يوليوز 2018، بعد كلام للبرلماني حامي الدين، أحد قادة حزب العدالة والتنمية الاسلامي في نقاش داخلي بصدد الملكية. أدى نشر ذلك الكلام إلى قيام حملة ضد صاحبه اضطرته إلى الإدلاء بتوضيحات، حيث وُضع في موقع دفاع وتبرير. وأكد أن مدرسة العدالة والتنمية ”كانت ولازالت تؤمن بالإصلاح في نطاق الثوابت الوطنية وعلى رأسها النظام الملكي وتسعى لتطوير النظام السياسي عن طريق الحوار والتوافق وليس عن طريق الغلبة والقوة”
مجمل ما جر عليه نيران الإرهاب الفكري:
اعتبر شكل الملكية الراهن وأسلوب عملها غير مفيد لها و لا للبلد. وصفه بأنه معيق للتقدم وللتطور وللتنمية. واعتبر كل إصلاح للنظام السياسي لن يكون إلا إصلاحا للنظام الملكي، بالطرق السلمية،عن طريق المفاوضات. وارتأى أن لحزبه تفويض شعبي يتيح له التفاوض مع مركز السلطة، أي الملكية، مستشهدا بالنموذج الاسباني. واستنتج ضرورة المساهمة في تغيير الملكية في ضوء مرجعية مكتوبة [ورقة حزبه لعام 2011]
هذا النوع من ردود الفعل القمعية على كلام غير معتاد بشأن الملكية متواتر في الحياة السياسية، ومعبر عن درجة الاستبداد المستمرة في البلد.
فقد جرى سعي إلى تدمير نادية ياسين، من جماعة العدل والإحسان، بضغوط مست حياتها الشخصية، بعد تعدد حالات تجرئها على إثارة طبيعة النظام السياسي. قالت في حوار في 2005 بجريدة “الأسبوعية الجديدة” المتوقفة عن الصدور، أنها ضد الملكية واعترفت أنها جمهورية. قالت: «إن النظام الملكي غير صالح للمجتمع المغربي»، ودعت إلى قيام «نظام جمهوري»، متسائلة: «هل من الضروري أن نبقى متشبثين بالملكية إلى يوم القيامة؟»، وقالت إن النظام الجمهوري «أقرب لما نتصوره نحن في الجماعة. وتوبعت قضائيا، بتهمة «إهانة المقدسات والإخلال بالنظام العام»
كذلك في مقابلة خصت بها قناة فرانس 24 قالت إن النظام الملكي في المغرب، نظام فاشل “لا بد من استبداله بنظام جمهوري، أي “نظام إسلامي يقوم على الشورى”.
أكبر محرمات الحياة السياسية بالمغرب هو طبيعة النظام السياسي. فمن ثوابت الدساتير الممنوحة منذ أكثر من نصف قرن، منع أن تتناول مراجعة الدستور الأحكام المتعلقة بالنظام الملكي للدولة، بدءا بالفصل 108 من دستور 1962 ووصولا إلى الفصل 175 من دستور 2011.
فرط حساسية الموضوع لدى الدوائر الحاكمة حدا بالحسن الثاني إلى تنبيه أبي بكر الجامعي لما كان يشرف على لوجورنال، وذلك برسالة حملها إدريس البصري إلى خالد الجامعي بمنزل الاستقلالي محمد الخليفة، مفادها «ما كاين لاش داك الشيء ديال الجمهورية»، بمعنى منع أي ذكر للموضوع. (مجلة زمان عدد 57- يوليوز 2018). وقد سبق أن دفع الأموي ضريبة السجن لما أثار سؤال من يحكم؟ في مطلع التسعينات، ومن قبل منع حزبه من نشر بيان مطالبة بتحويل الملكية من مخزنية إلى برلمانية في 1978.
صعوبة متزايدة في خنق حرية التعبير
اليوم، ومع ما تتيح وسائل التواصل الحديثة، بات موضوع الملكية مطروقا على نطاق واسع جدا قياسا بأيام الحسن الثاني. وقد مرت من هناك أيضا حركة 20 فبراير التي حطمت بعض أسوار التحريم وأسقطت القداسة عن الملك بضغط فرض تغيير بند الدستور الناص عليها. أصبح قسم من المعارضة الشعبية التي لا تجد منبرا سوى في انترنت متقدما على المعارضة الحزبية في مجال وضع الملكية موضع سؤال. وبات الجيل الشاب متحررا من القيود العقلية للأجيال السابقة، وتقلص تفاوت الوعي بين القرى والحواضر. ورأى أنصار الاستبداد شبح الجمهورية في حراك الريف الرافع أعلام عبد الكريم الخطابي.
إنه مناخ سياسي جديد يفتح إمكانات طرح سؤال طبيعة النظام السياسي الذي يريده شعب المغرب. ولا شك أن المطلب الاجتماعي غير الملبى، بل تصعيد العدوان متعدد الجبهات على الكادحين، يدفع أقساما متزايدة من ضحايا النظام إلى تحميل الملكية مسؤولية الوضع المزري. فقد استنفذت الوسائط الواقية للملكية من غضب الشعب الكثير من فعاليتها. ويلم الأرق بأنصار الملكية الذين لا يريدونها أن تكون متواجهة مباشرة مع غضب الشعب، فتراهم يسعون إلى حكومة واجهة أكبر قدرة على وقاية الملكية. مثال ذلك حامي الدين المدافع عن خروج حزب الأحرار (باعتباره حزب رأسماليين يرومون الربح السريع) من الحكومة الحالية، لبلوغ حكومة ذات سند شعبي حقيقي قادرة على تحمل الغضب الشعبي مكان الملكية.
الرفض الشعبي المتنامي للاستبداد السياسي ولسياسته الاقتصادية-الاجتماعية، المفقرة والمدمرة لطفيف المكاسب، بحاجة إلى تنوير سياسي، وجرعات قوية من الفكر الديمقراطي، وفكر المساواة الاجتماعية ونبذ الطبقية المستفحلة. إن القوة النضالية الكامنة في الكادحين، عمالا ومفقري القرى وشباب عاطلين، ستكنس دفعة واحدة الحواجز القمعية لمّا يتصلب عودها تنظيميا وبرنامجيا.
هذا التصليب مهمة المناضلين/ات أنصار الحرية والعدالة الاجتماعية، وبمقدمتهم مناضلي الطبقة العاملة، لما لهذه الطبقة (محرك اقتصاد البلد) من قدرة على شل العدو، وبصفتها الحامل للبديل الحقيقي الوحيد عن نظام الرأسمالية الذي يغرق اليوم معظم المغاربة في أهوال البؤس وشتى صنوف المعاناة.
يجب وضع مسألة السلطة الفعلية موضع نقاش، وبحث عن البدائل، بتبديد دخان الآلة السياسية الرسمية الساعية إلى تركيز الأنظار على حكومة الواجهة المحكومة، وعلى المؤسسات الزائفة. إنها إحدى اشد مهامنا استعجالا في ظل تنامي الحراكات الشعبية، وتفجر بؤرها المتزايد.
بقلم: أزلماض فبرايري
اقرأ أيضا