قضيّة الصّحراء الغربيّة: مُفاوضات تمضَية الوقت
دعت الأمم المتحدة طرفي النزاع (الدولة المغربية وجبهة البوليساريو) وبلدي الجوار (الجزائر وموريتانيا) إلي عقد لقاء بجنيف أيام 04 و05 ديسمبر 2018. عبر الجميع عن استجابته للدعوة انسجاما مع قرارات مجلس الأمن، الذي حث كل الأطراف على الدخول في المفاوضات «بحسن نية» غايتها التوصل إلى «حل سياسي توافقي عادل ودائم».
تعددت لقاءات التفاوض (السرية والعلنية، المباشرة وغير المباشرة)، بين الطرفين بإشراف الأمم المتحدة وبدونها. ولم يتحقق أي تقدم يخرج النزاع من نقطة مراوحة المكان الدي دخلها مند إقرار الأمم المتحدة بتعذر تنظيم عملية الاستفتاء الذي كان يفترض تنظيمه في أقل من نصف سنة.
نظمت آخر المفاوضات غير المباشرة في «مانهاست» أيام 11 و13 مارس 2012، تحت إشراف المبعوث ألأممي كريستوفر روس، اقتصرت على نقاش أمور فرعية: تبادل الزيارات، فتح خط بريدي وهاتفي، إجراءات بناء الثقة حول القضايا الحقوقية واستغلال الثروات… لكن الأمور الجوهرية لم تتزحزح وما سمي بالمقاربة الجديدة والحلول المبتكرة انتهت إلى الباب المسدود.
الدولة المغربية: ليبقى الوضع على حاله
تأمل الدولة المغربية في أن يبقي الوضع كما هو بلا تغيير:
-سياسيا: تعليق المفاوضات لقتل الأمل الذي تبثه قيادة البوليساريو في صفوف ساكنة المخيمات؛
-عسكريا: استمرار وقف إطلاق النار الذي أفقد البوليساريو المبادرة وسجنها في انتظارية قاتلة؛
-اقتصاديا: مواصلة تنفيذ التحولات العميقة بهدف خلق قاعدة اجتماعية صلبة بالمدن الصحراوية، خصوصا مع تنزيل مخطط «البرنامج التنموي للأقاليم الصحراوية»، ودخول الجهوية الموسعة حيز التطبيق، تشدها روابط مصلحة أقوى بالمغرب ويتكرس لديها وعي بمصالحها الجديدة تكون دافعا لتنافس خصومها المحتملين بالمخيمات.
قبلت الدولة المغربية الدخول في المفاوضات الحالية على مضض. دفعت الولايات المتحدة الأمريكية في أبريل 2018 بتوصية لمجلس الأمن قلصت بموجبها مدة ولاية بعثة المينورسو إلي ست أشهر فقط، بهدف جلب الطرفين إلى طاولة المفاوضات. وطبعا فالمقصود، بذلك الضغط، ليس جبهة البوليساريو التي طالبت في رسائل عديدة باستئناف عملية التفاوض.
يمكن تلخيص رؤية الدولة المغربية للمفاوضات وفق النقاط التالية:
-لا مفاوضات دون انخراط كامل للجزائر يتناسب ودورها في دعم البوليساريو؛
-بقاء الصحراء الغربية تحت السيادة المغربية؛
-حصر ملف الصحراء الغربية بيد الأمم المتحدة فقط، ولا دخل للاتحاد الإفريقي في الأمر؛
-رفض أي توسيع لمهمة بعثة «المينورسو»، وحصر مهامها في الإشراف على وقف إطلاق النار بعد فشل عملية إجراء الاستفتاء.
-منع تام لأي نقل لمؤسسات عسكرية أو مدنية أو إحداث أي تغيير في المناطق شرق الجدار التي تقع خارج مخيمات تندوف سواء في تفاريتي، بئر الحلو والمحبس واعتبارها مناطق عازلة.
تستفيد الدولة المغربية من سياق عالمي ومحلي ملائم لفرض منظورها المعروض أعلاها. الدول الامبريالية غير مستعدة لزعزعة استقرار نظام حليف وحامي ظهرها من هجرة شعبية تتربص على الشواطئ وخطر الإرهاب. أما إقليميا فالمغرب استثناء في منطقة ملتهبة بنار الحروب الأهلية والتدخلات الخارجية. أما الدولة الجزائر الداعم الرئيسي للبوليساريو فتنزلق نحو أزمات غير معروفة العواقب يذكيها الصراع على ما بعد الرئيس «بوتفليقة».
ستضطر إذن الدولة المغربية للحضور شكلا في مفاوضات لكن لا تنتظر منها أي شيء جوهرا.
جبهة البوليساريو الحاجة لقشة المفاوضات لإعادة إنعاش أمال قاعدة يائسة.
بعد وقف الحرب وفشل مسلسل تنفيذ استفتاء تقرير المصير مند2002 (انظر قرار رقم 1493 بتاريخ 30 يوليوز 2002 وكذا التوصية 37 من تقرير الأمين العام بتاريخ 23 يوليوز 2004) وتغيير الوجهة نحو حل سياسي عبر مفاوضات تنتهي بـ»حل سياسي يرضي الطرفين»، وما تلاه من فشل المبعوثين الأممين، بدءا بـ»جيمس بيكر» 2004 ومرورا المبعوث الهولندي «بيتر فال والسوم» وانتهاء بالأمريكي «كريستوفر روس»، لم تتزحزح القضية قيد أنملة.
استطاع النظام التكيف مع ضغوط ملفات انتهاكات حقوق الإنسان واستغلال الثروات، ما جعل جبهة البوليساريو تعيش لحظة تيه سياسي وفقدان البدائل وبدت أزمتها تتعاظم: تراجع الدينامية الاحتجاجية بالمدن الصحرواية، انقسام حاد في صفوف طلائعها، أزمة بالمخيمات بسبب صعود أجيال شابة جديدة تتطلع لما وراء الحدود بحثا عن بدائل لواقع قسوة العيش بالمخيمات وعن إحباطها من مأساوية وضعها (التجارة مع بلدان الجوار، التهريب الدولي، الالتحاق بالجماعات المسلحة أو الهجرة إلى أوربا لمن استطاع إليه سبيلا). جيل يريد معرفة مبرر بقائهم مكتوفي الأيدي في صحراء قاحلة لا هم قاتلوا ولا هم فاوضوا ولا هم عادوا إلى أرضهم، فلا تجد قيادة البوليساريو جوبا مقنعا لحيرتهم.
تمنح عودة المفاوضات للبوليساريو مبررا للرد على منتقديها ومتنفسا للضغوط التي تتعرض لها من قاعدتها بالمخيمات. لكن هل تعتقد قيادة البوليساريو أن المفاوضات وحدها ستجبر الدولة المغربية يوما على القبول بحل يخرج الصحراء الغربية عن سيطرتها؟ هل تظن البوليساريو أنها ستنال ما تريده بمجرد قرار هنا أو تصويت هناك؟ طبعا قيادة البوليساريو على علم تام بكل الظروف السياسية والاقتصادية والعسكرية ذات الصلة بقضية الصحراء الغربية، فما الرهانات إذن التي تبني عليها القيادة خياراتها؟
لا شك أنها في مأزق عسير فخيار الحرب ليس بيدها ولا في مصلحتها ونتائج المفاوضات بلا قوة ضغط لا تخدم إلا الطرف الأقوى (الدولة المغربية في هذه الحالة)، ومراوحة المكان لا تصب في صالحها والقبول بحلول الدولة المغربية ليس ممكنا باعتباره استسلاما بعد تضحيات جسام. إنه المأزق بعينه يجرى الالتفاف حوله بمفاوضات لن تجدي نفعا.
الإمبريالية: اختلافات لا تنسيها ابتزاز المصالح.
تستعمل الإمبرياليات جميعها الصراع بين النظامين المغربي والجزائري لابتزازهما، وتمثل قضية الصحراء الغربية محور الصراع. فالدولة الجزائرية حاضنة البوليساريو، تعتبر قضية الصحراء الغربية مركز سياستها الخارجية مع الدولة المغربية، التي ترى أن لا وجود لنزاع لو كفت الدولة الجزائرية عن دعم البوليساريو.
تستغل الإمبرياليات الصراع بين النظامين في عملية ابتزاز مشينة، فمنح الصفقات يقابله دعم موقف الدولة المانحة أو تخفيف معارضتها ويجرى استعمال أدوات تشريعية (البرلمانات، الائتلافات الحزبية) أو القضائية (المحاكم المحلية والأوربية) أو الإعلامية لإجبار الدولتين على منح الإمبرياليات ما تريد. وقد بلغ الأمر ذروته في حكم المحكمة العليا الأوربية حول اتفاقية الصيد البحري المبرمة سمة 2006 والصادر 27 فبراير 2018 وحول الاتفاق الفلاحي الصادر في 21 ديسمبر2016، حيث حكما ببطلان المنتوجات الفلاحية والبحرية مصدرها من «إقليم الصحراء الغربية»، لكونه خارج السيادة المغربية. لكن سرعان ما انقلبت الوضعية رأسا على عقب بحيث صادق مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوربي في بروكسيل 16 يوليوز 2018 على قرار يقضي بملائمة الاتفاق مع قرار المحكمة مع دعوة البرلمان الأوربي للموافقة على بنود الاتفاقية الجديدة والتي تشمل كل التراب تحت إدارة الدولة المغربية بما فيه الصحراء الغربية.
طالما أن المغرب والجزائر بلدين تابعين ستستعمل قضية الصحراء ورقة ثمينة لنهب البلدين مع الحيلولة دون انزلاقهما لمواجهة تجعل خاصرة أوربا ملتهبة، مما يبقى ثروات شعوب المنطقة عرضة لنهب الإمبرياليين ووكلائهم المستبدين مقابل تفقير شعوب المنطقة وتمزيق وحدتها.
بقلم: حسن أبناي
اقرأ أيضا