قراءة في الأنظمة الأساسية الخاصة بأطر الأكاديميات الجهوية (النظام الأساسي لأكاديمية الرباط- سلا- القنيطرة نموذجا)
نسخة للقراءة على الحاسوب إضغط هنا
نسخة معدة للطبع الورقي إضغط هنا
الفهرس:
أولا: الإطار العام لفرض مخطط “التوظيف بالتعاقد.
غاية الدولة: تدمير الوظيفة العمومية.
- التوظيف بعقود لتكريس الهشاشة.
- فصل التكوين عن التوظيف..
- نظام تعاقد مزدوج… تفاوت في الأجور.
- سلطات مدير الأكاديمية المطلقة: مزيد تحكم في شغيلة التعليم.
أ. حصر سلطة التأديب بيد مدير الأكاديمية.
أ. الفصل من العمل بعد ثبوت العجز.
النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد.
خاتمة: من أجل نضال وحدوي ضد مخطط التعاقد وضد الهجوم على الوظيفة العمومية.
[divider]صادقت الأكاديميات الجهوية للتربوية والتكوين على “الأنظمة الأساسية الخاصة بأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين”. جاء هذا الإجراء بعد سنة من نضال “الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد” ومطالبتهم بالإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية. تعد هذه المصادقة حلقة حاسمة في أكبر عملية للتخلص من التوظيف العمومي وتتويجا لمسلسل طويل من الإعداد السياسي والقانوني والإداري لإدخال تغييرات جذرية في أشكال توظيف العاملين بقطاع التعليم تطبيقا لأوامر المؤسسات المالية الدولية؛ القاضية بـ”تنويع الأوضاع القانونية للموظفين”، “ربط الأجور والترقية بالأداء والمردودية”، “تخفيض كتلة الأجور” بالتخلص من الموظفين، وتدمير المقاومة الجماعية لشغيلة الوظيفة العمومية بإضفاء الهشاشة على أوضاع عملها.
أولا: الإطار العام لفرض مخطط “التوظيف بالتعاقد
لا يمكن فهم مضمون وشكل الأنظمة الأساسية الخاصة بأطر الأكاديميات، دون ربطها بما سبقها. ففرض التعاقد ليس إلا خطوة أخرى من سلسلة من الهجمات استهدفت الوظيفة العمومية في التعليم منذ المصادقة على الوثيقة المرجعية الأساس التي تكثف الهجوم النيوليبرالي على التعليم العمومي وأوضاع شغيلته: “الميثاق الوطني للتربية والتكوين”، وهي الوثيقة السياسية التي أطرت وتؤطر ما تلاها من قوانين وظهائر ومراسيم وبرامج ليست إلا تعميقا وأجرأة لما ورد فيه من بنود ومبادئ.
يعتبر مبدأ التفريع (Principe de subsidiarité ) أس كل السياسات الليبرالية المستهدفة لانسحاب الدولة من القيام بوظائف اجتماعية واقتصادية. يقوم هذا المبدأ النيوليبرالي على فكرة جوهرية قوامها أن المسائل التي يمكن حلها على مستويات تراتبية دنيا ينبغي أن لا تتحملها المستويات العليا. بهذا المعنى لا ينتظر من المؤسسات التي تقوم بـ”الوظائف السيادية fonctions régaliennes” أن تتصدى لمسائل أخرى لا تنتمي لهذه الوظائف إلا حينما يهدد عدم التصدي لها السيطرة السياسية للمالكين.
ويمثل تدبير ما يسمونه “موارد بشرية” إحدى المسائل التي ينبغي التخلص منها على المستويات العليا، ورميها على عاتق مؤسسات أدنى (الأكاديميات الجهوية). ومن هنا يعتبر مفهوم “تنويع الأوضاع القانونية” لشغيلة التعليم مرحلة انتقالية ضرورية لتدبير واقع وجود موظفين عموميين وظفوا وفق صيغ سابقة، جنبا إلى جنب مع عاملين جدد يتم تشغيلهم وفق أشكال التوظيف الجديدة، وهي المرحلة الانتقالية التي ستنتهي بعد أن يتم التخلص بشكل كلي من النوع الأول من الموظفين. وهو ما نصت عليه كل برامج الإصلاح/ التخريب التي لحقت منظمة التربية والتكوين منذ 1999:
تقول المادة 135 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين: “يتم تنويع أوضاع المدرسين الجدد من الآن فصاعدا، بما في ذلك اللجوء للتعاقد على مدة زمنية تدريجية قابلة للتجديد على صعيد المؤسسات والأقاليم والجهات”.
نصت المادة (10) من القانون 07.00 المحدث للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، على أن هيئة المستخدمين تتكون من:
– أعوان يتم توظيفهم من لدن الأكاديمية طبقا لنظام أساسي خاص يحدد بمرسوم؛
– موظفين وأعوان في وضعية إلحاق.
وفي سنة 2009 أقر “المخطط الاستعجالي” أن أشكال التوظيف ستجري مراجعتها إذ “ستجري على مستوى كل أكاديمية على حدة، وفق نظام تعاقدي على صعيد الجهة”.
بعد أن أدى الميثاق وظيفته السياسية المتمثلة بخلق إجماع سياسي ليبرالي على قضية التعليم، وفي ظل تباطؤ مقصود في تطبيق مقتضياته الأكثر شراسة من قبيل ضرب المجانية واللجوء للتعاقد… لتفادي ردود فعل الشبيبة والأسر، وبعد عملية مفضوحة لإحداث خصاص في المدرسين وفي التجهيزات والبنيات، وبعد أن اكتمل البناء التنظيمي المفكك لوظائف وزارة التربية الوطنية عبر عملية نقل الصلاحيات للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، أعلن المجلس الأعلى للتعليم برنامجا جديدا، تحت مسمى “الخطة الاستراتيجية 2015- 2030″، والتي بموجبها سيتم تصريف منظور الدولة الليبرالي في التعليم، بما في ذلك في مجال “التوظيف”. واقترحت نقل صلاحيات التعاقد مع الأساتذة ومتابعة مسارهم المهني وتقييمه إلى الأكاديميات. وهو ما أكد عليه القانون الإطار رقم 51.71 (صادق عليه المجلس الحكومي يناير 2018)، حيث تقول المادة (35): “تنويع طرف التوظيف والتشغيل لولوج مختلف الفئات المهنية، بما فيها آلية التعاقد”.
صادق مجلس الحكومة يوم 24 يونيو 2016 على مرسوم تطبيقي لتعديل الفصل 05 مكرر في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، يحدد بموجبه شروط وكيفيات التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية. سبق أن ورد هذا في مشروع قانون 50.05 حيث ينص فصله 6 مكرر على أن التشغيل بعقود لا ينتج عنه “في أي حال من الأحوال حق الترسيم”، وهو ما يعني إدخال عنصر المرونة في النظام بشكل “قانوني” في الوظيفة العمومية. هذا التعديل ستستفيد منه فئات من أبناء البورجوازيين الذين تابعوا تكوينات في فروع لا تتوفر بالبلد أو لها تجربة في ميادين معينة، وجاء التعديل ليتيح لها الاستفادة من أجور كبيرة جدا.
وفي 24 أكتوبر 2016 صدر المقرر المشترك رقم 7259 بين وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ووزارة الاقتصاد والمالية بشأن توظيف الأساتذة بموجب عقود مع الأكاديميات الجهوية، باعتبارها مؤسسات عمومية ذات شخصية معنوية واستقلال المالي، مع خضوعها لوصاية الدولة، ومن المعلوم أن العامل مع المؤسسات العمومية لا تسري عليه أحكام النظام العام للوظيفة العمومية والأنظمة الخاصة بإدارات الدولة، بل يخضع لأنظمة خاصة بتلك المؤسسة.
كل هذه الترسانة القانونية عبارة عن مدفعية ثقيلة توجهها الدولة لقصف ودك أسوار الوظيفة العمومية وحقوق شغيلة الدولة المكتسبة بنضال الأجيال السابقة وتضحياتها.
قامت الدولة بإدخال أشكال مرنة للتشغيل بالتعليم، في انتظار إنضاج الإطار القانوني والتنظيمي الساعي لتدمير الأساس النظامي الضامن للشغل القار، حيث فرضت أشكال تشغيل “لا تضمن للأستاذ- ة، أية علاقة بالجهة المشغلة”، سواء كانت نيابة إقليمية أو أكاديمية جهوية أو وزارة. ومن هذه الأشكال:
المنشور الثلاثي القاضي بتشغيل العرضيين خلال النصف الأخير من التسعينيات، وقرار تشغيل أساتذة بالعقدة بتاريخ 3 غشت 2009 وقرار فصل التكوين عن التوظيف الموسم الفارط 2015/2016. دون أن ننسى مأساة “أساتذة التربية غير النظامية وسد الخصاص”، الذين قال عنهم وزير التربية الوطنية آنذاك (الوفا): “أساتذة سد الخصاص” لا تربطهم أية علاقة إدارية بوزارة التربية الوطنية، على اعتبار أنهم “متعاقدون مع جمعيات من المجتمع المدني والتي تعمل في مجال ما يسمى بالتربية غير النظامية”.
قامت الدولة بتمهيد أرضية تدمير الشغل القار في الوظيفة العمومية، بفرض أمور في الواقع من خلال هجوم تدريجي وبجرعات لا تثير مقاومة شاملة من طرف جسم الشغيلة، الذي أوهمته بأن الأمر محض إجراءات ظرفية لمعالجة أوضاع استثنائية. لكن ما إن استطاعت فرض “تنويع الأوضاع القانونية” للشغيلة من الناحية المبدئية حتى بدأت إجراءات تعميم ما كان يفترض أن يكون “محض إجراءات ظرفية”. إنها تكتيكات حرب، والحرب خدعة.
غاية الدولة: تدمير الوظيفة العمومية
تسعى الدولة إلى إضفاء الهشاشة على تشغيل أجرائها قصد تشديد استغلالهم وإضعاف قدرتهم على الدفاع عن حقوقهم. تروم بذلك إعادة هيكلة شاملة لنظام الوظيفة العمومية برمته، بدء بالتكوين والتوظيف والتأجير والترقية ونظام التسيير والرقابة انتهاء بالتقاعد.
يتيح فرض التعاقد على الأجيال الجديدة من شغيلة التعليم، تطبيق هذه الحزمة من الإصلاحات/ الهجومات. تزيد الهشاشة شدة الاستغلال، وتحرم فئات عريضة من الشغيلة من التنظيم النقابي، فكيف ينضم إلى نقابة من يعلم أن استمراره في العمل غير مضمون؟
ولا يغير من هذا الواقع تأكيد النظام الأساسي لأكاديمية الرباط… في المادة (10) على: “الحق في ممارسة العمل النقابي وفقا للتشريع الجاري به العمل. ولا يترتب انتماء أو عدم الانتماء إلى نقابة أي أثر على وضعية الإطار المتعاقد الخاضع لمقتضيات هذا النظام الأساسي”.
إن البطالة والخوف من عدم تجديد العقد هما أكبر مهدد لممارسة الحق النقابي، كما أن “القوانين الجاري بها العمل” تعاقب المضرب عن العمل بالاقتطاع. ويتضافر كل هذا لإرهاب المفروض عليهم التعاقد ومنعهم من العمل النقابي. لكن النزول بشروط العمل إلى درك الجحيم سيدفع المفروض عليهم- وقد دفعهم فعلا- إلى النضال ضد مخطط التعاقد وشروطه المجحفة.
منذ تسعينيات القرن الماضي والبنك الدولي يدفع الدولة لتبني سياسات تراجعية عن مكاسب نضالات ما بعد الاستقلال، وفرض أشكال عمل تخفف “عبء الأجور” على ميزانية عمومية توجهه ماليتها لأداء الديون الخارجية وحفز القطاع الخاص. يعني هذا، التخلي عن كل التحملات الاجتماعية التي تدعي الدولة وهذه المؤسسات الدولية أنها تثقل ميزانية الدولية: أجور، مكملات أجور، أجور غير مباشرة (معاشات تقاعد). وليس هذا إلا أحد أوجه تقليص حصة الشغيلة من الثروة القومية مقابل تضخيم حصة رأس المال.
بدأت الدولة هذا التقليص بأكبر عملية تسريح جماعي تحت عنوان “مغادرة طوعية” ما بين فاتح يناير إلى 30 يونيو 2005، حيث غادر حوالي 39 ألف موظف من ضمنهم زهاء 27 ألف لديهم 25 إلى 35 سنة خبرة. وقد وصل مبلغ تعويضات العملية 11 مليار و160 مليون درهم. وأدت إلى تحقيق ربح إجمالي قدرته وزارة الاقتصاد والمالية في ذلك الوقت ب 15 مليار درهم، وتقلصت، على إثر ذلك، أعداد الموظفين المدنيين بنسبة 7,59%، وانخفضت كتلة الأجور بنسبة 8,5 %، إذ أصبحت في سنة 2006 لا تمثل سوى 12 % من الناتج الداخلي الخام، بعد أن كانت في حدود 13,6 % في سنة 2005.
ولتعويض هذا الجسم من الموظفين القارين، التجأت الدولة إلى ما أطلقت عليه تقارير البنك الدولي “تنويع الأوضاع القانونية” لشغيلة الدولة، ودشنت هذا الهجوم بقطاع التعليم بفرض التعاقد.
إن عبارة “تنويع أوضاع المدرسين القانونية” لذات دلالة واضحة. إنها تفيد تفكيك وحدة شغيلة التعليم وتفييء المدرسين ووضع حد لمعادلة “مجموع طبقة الشغيلة في مواجهة الدولة”، مقابل المعادلة الجديدة: “الفرد في مواجهة المؤسسة المتعاقد معها”.
تقدم الدولة مبررات عديدة لتمرير مخطط التعاقد، على رأسها توفير مناصب الشغل ومحاربة الاكتظاظ وتحقيق جودة التعليم ومردوديته. مبررات اعتادت الدولة استعمالها لإقناع الكادحين بجدوى “الإصلاحات”/ التخريبات: الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الخوصصة، الهجوم على الصحة العمومية، بل حتى التجنيد الإجباري جرى تقديمه حلا للبطالة.
وكأن الطريقة الوحيدة لمواجهة البطالة هو التوظيف بطريقة تدمر الشغل القار. ألا يُقلص التشغيل القار (الترسيم) البطالة؟ إنها آلية قديمة قدم المجتمع الرأسمالي: استغلال مآسي البطالة لفرض شروط استغلال لا تقبلها الشغيلة في حالات التشغيل القار. إنه ابتزاز مفضوح من الدولة في حق آلاف طالبي الشغل: إما التوظيف بالتعاقد أو البقاء في جحيم البطالة.
المبرر الثاني، مستمد من خطابات رئيس الدولة تتضمن انتقادات للإدارة والقطاع العام، تهاجم عدم فعاليته مقارنة بالقطاع الخاص. يجري وضع شغيلة التعليم العمومي في موقع مسؤولية الحضيض الذي آلت إليه أوضاع التعليم، مع كيل المديح لفعالية القطاع الخاص ومردوديته.
حسب هذا المبرر فإن الأستاذ المتعاقد، سيكون أكثر فعالية ومردودية لأنه سيكون خاضعا بشكل دائم لمعايير تقييم كفاءته المهنية، ما يجعله مهددا بفسخ العقدة في حالة عدم إثبات كفاءته. هل هناك دليل أكبر من هذا، على أن الدولة تريد نقل علاقات الاستغلال القائمة في القطاع الخاص، إلى القطاع العمومي (التعليم)؟
يعاكس هذا كل منطق. من هو الأستاذ الذي سيكون أكثر فعالية: هل الأستاذ المطمئن إلى مستقبله الذي يضمنه الشغل القار، أم أستاذ مسلط عليه سيف فسخ العقدة بشكل دائم؟
يدعي أنصار التوظيف بالتعاقد أن هذه الصيغة ستحارب الاكتظاظ، ويلقون في وجه رافضيه حجة: “هل تريدون أن يضيع مستقبل التلاميذ؟”. وهذا فرض للأمر الواقع وابتزاز شغيلة التعليم. فالدولة هي المسؤولة عن الاكتظاظ، بتقليص الميزانية المخصصة للتعليم مما أدى إلى ضعف البنية التحتية، أما نقص الأطر، فتتحمل الدولة مسؤوليته بفتح باب المغادرة الطوعية وتقليص التوظيف في القطاع. ويعد هذا استمرارا لنهج السياسات المفروضة من البنك العالمي: وضع تكاليف الأزمة على كاهل ضحاياها.
المسؤول الأول عن ما بلغه التعليم من تردي هو سياسة الدولة الليبرالية القائمة على التقشف وتسليع التعليم والهجوم على حقوق الشغيلة التعليمية. ولا يمكن للتوظيف بالتعاقد، الذي يعد استكمالا لهذا الهجوم، أن يرفع مستوى التعليم، بل بالعكس سيزيده ترديا.
ثانيا: ملاحظات حول النظام الأساسي الخاص بأطر الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين الرباط- سلا- القنيطرة
لم يقتصر هجوم الدولة على الوظيفة العمومية، على تدبير المسار المهني، بل تعداه إلى المنبع، أي تعميم الهشاشة والمرونة منذ بداية الالتحاق بسلك التعليم. وذلك بفرض شروط تحرم الملتحق من حق الترسيم والعمل القار: إنه فرض أمر واقع على الأجيال الجديدة من شغيلة التعليم.
تنص المادة (1) من هذا النظام على أن الأكاديمية الجهوية “توظف بموجب عقود، مختلف الأطر حسب احتياجاتها”. وتنص المادة (3) على “إبرام العقود لمدة سنة قابلة للتجديد بصفة تلقائية”، وأن “فسخ العقد، لا يعطي الحق في أي تعويض كيفما كان نوعه”.
يقوم روح هذه النظام الأساسي على ترسيخ منطق العمل بعقود واستبعاد أي شكل من أشكال الترسيم، ويجتهد بإضفاء معنى جديد لمطلب “الإدماج”، ويعني به “الإدماج ضمن النظام الأساسي للأكاديميات بموجب عقود”. تقول المادة (6): “يخضع المتدربون خلال هذه السنة التكوينية الأولى لمقتضيات عقد التدريب المفضي إلى التوظيف بموجب عقود مع الأكاديمية”.
ويجري تقليص احتمال الإدماج حتى في نظام التعاقد هذا بالنسبة لهيئة التدريس، فالمادة (9) تقول: “غير أنه بالنسبة لأطر التدريس لا يجوز تجديد عقد التوظيف إلا بعد النجاح في امتحان التأهيل المهني المنصوص عليه في المادة 6”.
يؤكد النظام الأساسي لأكاديمية الرباط بشكل جازم على منح المشغل/ الأكاديمية سلطات واسعة لإنهاء علاقة الشغل بينها وبين المتعاقد- ة. تنص المادة (9) أن المتعاقد- ة المعين- ة في الرتبة الأولى من درجته “يخضع لفترة تدريب مدتها سنة كاملة والتي يتم على إثرها: إما تجديد العقد بصفة تلقائية؛ أو فسخه دون أي تعويض”.
وتنص المادة (22) من الفصل السادس الخاص بأوقات العمل والرخص، على أن “الإطار المتعاقد، الذي استفاد خلال 12 شهرا متتالية، من رخص مرضية بالتناوب وصل مجموعها ستة أشهر، وعجز في نهاية آخر رخصة استئناف عمله”، يجري “فصله بدون أي إشعار أو تعويض”.
ينطبق نفس الأمر على الموظفين العموميين الذين لا يتوفرون على الأقدمية التي تمكنهم من نيل التقاعد النسبي. وحتى المستوفون لشرط الأقدمية فقد تم إدخال تعديل على عهد بنكيران يربط الاستفادة من معاش التقاعد ببلوغ السن القانونية له.
ينضبط التوظيف لضوابط تقليص الميزانية الموجهة للتعليم الموصى به من طرف البنك الدولي، وليس لحاجيات التلاميذ وتقليص الاكتظاظ. تقول المادة (4): “يتم توظيف الأطر المتعاقدة، في حدود المناصب المالية المقيدة في ميزانية الأكاديمية”.
كما أن التوظيف مشروط بـ”النجاح في مباريات التوظيف التي تعلن عنها الأكاديمية” [المادة 4]، وهذا عودة لروح المرسوم الخاص بفصل التكوين عن التوظيف (2015/2016) الذي ناضل الأساتذة المتدربون لإسقاطه.
ولهذا الغرض يتم إحداث “مسالك جامعية في التربية”، لا تخول الشهادات المسلمة منها التوظيف بل فقط لتجعل الطالب يلبي أحد الشروط التي تمكنه من اجتياز مباريات التوظيف بعقود، حيث يشترط اجتياز مباراة التوظيف التوفر على:
– شهادة الإجازة في التربية أو ما يعادلها؛
– شهادة الإجازة في التربية.
ويخضع المتبارون لشروط الانتقاء الأولي الذي سيجري تنظيمه بموجب قرار السلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية [المادة 4].
سيجري إذن تكوين أفواج ضخمة من المؤهلين لاجتياز مباريات التوظيف، وسيتنافس الآلاف من الخريجين على مناصب “في حدود المقيد في ميزانية الأكاديمية”. ويعد هذا إحدى آليات سير النظام الرأسمالي، حيث يجري تضخيم صفوف طالبي العمل، المتنافسين على معروض مناصب الشغل المقلصة، وهو ما يتيح ابتزازهم للقبول بشروط فرط الاستغلال بالضغط على أجورهم وحقوقهم الاجتماعية.
تنص المادة (2) من النظام الأساسي لأكاديمية الرابط على أن الأكاديمية الجهوية توظف أطرا متعاقدة للقيام بالمهام التالية: مهام التدريس، مهام التسيير والدعم، مهام إدارية وتقنية، مهام الخبرة.
وتعني مهام الخبرة إمكانية تشغيل عاملين بموجب عقود (في حدود 03 مناصب) وفق نفس شروط الواردة في المرسوم رقم 2.15.770 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية، الصادر بتاريخ 15 غشت 2016. تضمن هذا المرسوم مقتضيات تتحدث عن “التعاقد مع الخبراء” بدعوى استقطاب الكفاءات العليا والخبرات التي تحتاجها الإدارات العمومية، والتي تهجر إدارات الدولة بسبب شح الأجور وضعف التحفيزات والتعويضات مقارنة مع ما يمنحه القطاع الخاص.
وبعد سنة صدر يوم الاثنين 21 أغسطس 2017 قرار لرئيس الحكومة رقم 3.95.17 (04 أغسطس2017) بتحديد مقادير الأجور الجزافية الشهرية ومقادير التعويضات عن التنقل المخولة للخبراء والأعوان الذين يتم تشغيلهم بموجب عقود بالإدارات العمومية، وقد حدد القرار أجور “الخبراء” كما يلي:
– بين 30 ألف درهم شهريا (ما بين 5 وأقل من 10 سنوات من التجربة المهنية)؛
– 35 ألف درهم شهريا (ما بين 10 وأقل من 15 سنوات من التجربة المهنية)؛
– 40 ألف درهم شهريا (ما بين 15 وأقل من 20 سنوات من التجربة المهنية)؛
– 45 ألف درهم شهريا (ما بين 20 وأقل من 25 سنوات من التجربة المهنية)؛
– 50 ألف درهم بالنسبة لمن يتوفر على 25 سنة من التجربة المهنية.
لنقارن الأجور السمينة الممنوحة لهؤلاء الخبراء، بأجور البؤس الخاصة بـ”الأطر المتعاقدة”، والتي يجري تقليصها بالهجوم على حق التقاعد والترقية.
منذ عقود وتقارير البنك الدولي تشير إلى ضيق صلاحيات مؤسسات التربية والتكوين، وتصر على توسيعها، في إطار ما تطلق عليه “حكامة”. يقول أحد تقارير البنك الدولي بهذا الخصوص: “لا يوجد صلاحيات لا مركزية لمدراء المدارس في تقييم المدرسين والمناهج، ويتم الاعتماد بدلا من ذلك على صلاحيات مركزية”.
إن توسيع صلاحيات مدراء المؤسسات، وضمنها مدراء الأكاديميات، تأتي في سياق الرغبة في التحكم في شغيلة التعليم لمنعها من مقاومة الهجوم الكاسح الذي يفتتحه التشغيل بالتعاقد. لذلك تضمن النظام الأساسي الخاص بأطر أكاديمية الرباط… موادا تعطي لمدير الأكاديمية مطلق الصلاحية في تدبير ما يطلق عليه القاموس الليبرالي: “الموارد البشرية”.
ولفرض ذلك تنص المادة (11) على أن الإطار المتعاقد يلتزم بـ”الانضباط واحترام الرؤساء”، وهي صيغة غير واردة بهذه الفجاجة في النظام الأساسي للوظيفة العمومية الذي نص الفصل 13 منه على: “يجب على الموظف أن يحترم سلطة الدولة ويعمل على احترامها”، فإذا كانت السلطة الرئاسية في الوظيفة العمومية تجد سندها في اختصاصات قانونية محددة تحت مسمى سلطة الدولة، فإن ورودها بتلك الصيغة في نظام الأكاديميات تجعل تلك السلطة حقا شخصيا مطلقا للرئيس. لماذا لا ينص النظام الأساسي على ضرورة “الاحترام المتبادل بين كل فئات منظومة التربية والتكوين بالأكاديمية”؟ إن الأمر يجد خلفيته في محاولات نقل لعلاقات الخضوع القائمة في القطاع الخاص: الخوف من المراقب والرهبة من رب العمل.
أ. حصر سلطة التأديب بيد مدير الأكاديمية
يسري على المتعاقدين مع الأكاديميات الجهوية في هذا الباب نفس ما يسري على موظفي الدولة الرسميين.
تقول المادة (36): “يمارس مدير الأكاديمية السلطة التأديبية، وتقوم لجنة الأطر بدور المجلس التأديبي”. لكن المواد اللاحقة تؤكد على حصر سلطة التأديب والعقاب في يد المدير، بينما لا تتمتع لجنة الأطر إلا بصلاحية استشارية، أي إبداء الرأي غير الملزم.
وتعتبر لجنة الأطر المنصوص عليها في النظام الأساسي بمثابة لجنة إدارية متساوية الأعضاء جهوية، ويقتصر دورها في تقديم المشورة والرأي لإدارة الأكاديمية في أمور تتعلق بـ”تجديد العقد على إثر انتهاء فترة التدريب، المسائل الفردية المتعلقة بالترقية والتأديب” [المادة 34]. وتجتمع باستدعاء من المدير الذي يحدد جدول أعمالها، وتشير المادة (33) إلى دورها الاستشاري بصريح العبارة: “تبدي آراءها بأغلبية الأعضاء الحاضرين”، وإبداء الرأي شيء وسلطة التقرير والاعتراض شيء آخر. وحتى إبداء الرأي يجري تضييقه بترجيح صوت الرئيس في حالة تعادل الأصوات.
تحصر المادة (38) صلاحية إصدار العقوبات من الدرجة الأولى (الإنذار والتوبيخ) بيد مدير الأكاديمية دون استشارة لجنة الأطر، بينما تشترط إصدار المدير للعقوبات من الدرجة الثانية (تأجيل الترقية في الرتبة لمدة لا تتجاوز سنة، الانحدار من الرتبة، القهقرة من الدرجة، العزل) باستشارة هذه اللجنة (المجلس التأديبي).
إن هذه السلطات الواسعة المحصورة بيد مدير الأكاديمية (بمثابة وزير تعليم جهوي)، والتنصيص في النظام الأساسي على ضرورة “الالتزام باحترام الرؤساء”، ستجعل السلطة التقديرية والفعلية لمدير الأكاديمية سيفا مسلطا على الأطر المفروض عليها التعاقد.
يسري على المتعاقدين مع الأكاديميات الجهوية في هذا الباب نفس ما يسري على موظفي الدولة الرسميين.
تصرح المادة (19) في ما يخص إصدار الرخص: “يبقى لمدير الأكاديمية أو المسؤولين المفوض لهم ذلك، وبعد إدلاء المعنيين بالأمر بالوثائق التبريرية صلاحية الاستجابة لطلبات هذه الرخص أو رفضها”. ويعتبر هذا تضييقا للحصول على الرخص التي يقرها بها هذا النظام الأساسي الجهوي ذاته. لماذا تعطى للمدير صلاحية رفض طلبات الرخص التي نصت عليها المادة (10): الرخص الإدارية، الرخص الاستثنائية لأسباب عائلية أو خطيرة، رخصة أداء مناسك الحج، رخصة الولادة، الرخص المرضية.
لا مبرر إذن، إلا التأكيد على سلطة المدير التعسفية لتي لا تحد منها أي جهة أخرى، سواء تعلق الأمر بالمجلس الإداري أو بلجنة الأطر. إن الأطر المفروض عليها التعاقد تقف هنا بمواجهة سلطة مطلقة، شبيهة تماما بسلطة رب العمل داخل مقاولته.
يبقى فسخ العقد بدون تعويض من أخطر الصلاحيات بيد مدراء الأكاديميات، وترهن مصير الأطر المتعاقدة بمشيئتهم. تنص المادة (3) على هذه الصلاحية صراحة:
“يتم إبرام العقود المشار إليها أعلاه لمدة سنة قابلة للتجديد بصفة تلقائية.
إلا أنه يمكن فسخ هذه العقود من أحد الطرفين، كتابة، بعد استشارة لجنة الأطر المختصة المنصوص عليها في المادة 31 بعده، وذلك مع احترام مهلة إشعار مدته :
- ثمانية أيام خلال ستة أشهر من العمل
- شهر بعد ستة أشهر من العمل
مع مراعاة آجال الإخطار المنصوص عليها أعلاه. فإن فسخ العقد، لا يعطي الحق في أي تعويض كيفما كان نوعه.
ينسف هذا القسم الأول من المادة (3) ينسف كل المواد السابقة واللاحقة التي تتشابه فيها أحكام المتعاقدين مع أحكام الرسميين فيما يتعلق بالإجراءات والضمانات التأديبية، إنه القسم الذي يمثل حقيقة نظام التعاقد والغاية منه: جعل شغيلة التعليم المفروض عليهم التعاقد في وضعية خضوع دائمة، وإطلاق يد المشغل (الأكاديمية) لتباشر عمليات تقليص عدد “موظفيها” كلما دعتها ضروراتها المالية (نقص الميزانية) أو التدبيرية (تقلص الخريطة المدرسية لأسباب ديموغرافية) أو التعاقدية (مثلا كأن تشترط عليها مؤسسة مالية تقليص عدد العاملين لديها للحصول على قرض) لذلك، مع أن ربط ذلك باستشارة لجنة الأطر ما هو إلا ذر للرماد في العيون، فتركيبة لجنة الأطر تعطي الأفضلية للإدارة، وحدود صلاحياتها معروفة: محض استشارية.
ولا تؤخذ “القوة القاهرة” كمبرر “للإطار المتعاقد الذي انقطع عن العمل، ولم يلتحق به في الآجال المقررة في النظام الأساسي، كما وردت في المادة (46) مثلا: “إذا ترك الإطار المتعاقد وظيفته، وجب إنذاره بالعودة إلى مقر عمله خلال السبعة أيام الموالية لتبليغ الإنذار… وإذا انصرم الأجل المذكور ولم يلتحق المعني بالأمر بمقر عمله، جاز لمدير الأكاديمية أن يصدر في حقه مباشرة من غير استشارة المجلس التأديبي (!!) عقوبة العزل”.
وتوسع المادة (48) صلاحية فسخ العقد دون إشعار أو تعويض في حالة “انعدام الكفاءة المهنية، وذلك بعد استشارة لجنة الأطر المختصة”. فصلاحية تحديد معايير “انعدام الكفاءة المهنية” توجد بيد الرؤساء المباشرين لـ”الإطار المتعاقد”، ويتعلق الأمر هنا، صراحة، بمدير الأكاديمية.
نفس الشيء فيما يخص (22) و(25) التي تنص على فصل العاجز عن العمل بعد رخص قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد “دون أي إشعار أو تعويض”.
تعتبر أنظمة الحماية الاجتماعية من المكاسب الكبرى للحركة العمالية، انتزعتها بعقود من النضال والتضحيات. وهي عبارة عن أشكال أخرى للأجر غير الأجر المباشر: أجور غير مباشرة مؤجلة مثل معاشات التقاعد والزمانة، ومكملات أجور من تعويضات ودعم القدرة الشرائية خاصة فيما يخص التأمين على الأمراض المهنية وحوادث الشغل.
استهدفت مدفعية الهجوم النيوليبرالي أنظمة الحماية الاجتماعية، ساعية إلى تفكيكها، وبالتالي التخلص من هذه “التكاليف الاجتماعية”، التي تثقل حسب الأيديولوجية النيوليبرالية ميزانية الدولة وتحد من تنافسية الاقتصاد.
استجابت الدولة لهذه الأوامر وأطلقت هجومها مستهدفة صناديق الحماية الاجتماعية (بدء بالصندوق المغربي للتقاعد) وتسليع الصحة وضرب طابعها العمومي.
لم تحد الأنظمة الأساسية الخاصة بأطر الأكاديميات الجهوية عن هذا الهجوم، لذلك فصل النظام الأساسي الخاص بأكاديمية الرباط… بنودا تقلص كثيرا من ضمان تغطية صحية وحماية اجتماعية كان يتمتع بها شغيلة التعليم سابقا. خصص الفصل السابع من نظام أكاديمية الرباط… لهذا الأمر تحت عنوان “الاحتياط الاجتماعي”.
أ. الفصل من العمل بعد ثبوت العجز
تقول المادة (22): “بالنسبة للإطار المتعاقد الذي استفاد، خلال اثني عشر شهرا متتالية، من رخص مرضية بالتناوب وصل مجموعها ستة أشهر، وعجز في نهاية آخر رخصة عن استئناف عمله، فإنه يفصل بدون أي إشعار أو تعويض”. وهو نفس ما نصت عليه المادة (25) فيما يخص الرخص متوسطة أو طويلة الأمد. ويندرج هذا في مسلسل تراجعات شهدتها الوظيفة العمومية، التي كانت تنص أنظمتها على أن الموظف الذي عمل لمدة 21 سنة، وعجز عن استئناف عمله ضمن شروط معينة فإنه يحال على التقاعد ويستفيد فورا من معاشه التقاعدي، وتم التراجع على عهد حكومة بنكيران عن هذا الأمر حيث أضحى التمتع بالمعاش التقاعدي رهين ببلوغ السن القانوني للإحالة على المعاش، لنصل مع أنظمة الأكاديميات للفصل دون إشعار أوتعويض.
يجري التخلص من “الإطار المتعاقد” العاجز عن استئناف عمله لأسباب صحية، بكل سهولة وكأنه مجرد آلة انقضت مدة صلاحيتها. إنه ما آل إليه وضع الأجراء تحت هيمنة الأيديولوجية النيوليبرالية التي تعتبرهم مجرد “موارد بشرية”. ينعدم كل منظور إنساني تضامني ويعم المنظور التقني والاقتصادي المحض، الذي يأخذ بالاعتبار “مردودية الإطار المتعاقد”، هذه المردودية المتأتية من استغلاله حتى آخر قطرة دم، ويرمى إلى حاوية الأزبال تماما كما ترمى حبة ليمون معصورة.
المنطقي إذن أن يجري توسيع معاش الزمانة ليشمل كل حالات العجز عن العمل الناتجة عن الأمراض، وعدم حصرها في العجز الناتج عن مزاولة المهام. وهذا مطلب وجب رفعه في الوظيفة العمومية كذلك، والتي لا يمكن التمتع فيها بمعاش الزمانة الا بسبب حوادث مصلحة (حوادث شغل) نتج عنها عجز دائم.
بدأت الدولة هجومها على صناديق التقاعد باستهداف الصندوق المغربي للتقاعد. وقامت بهجومها الثلاثي المعروف على هذا الحق (الزيادة في نسبة الاقتطاع، تقليص رصيد المعاش، زيادة في عمر التقاعد). ولتسهيل تمرير هذا الهجوم، ألحقت الأنظمة الأساسية الجهوية “أطرها المتعاقدة” بـ”النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد” وليس بـ”الصندوق المغربي للتقاعد” حيث ينخرط مجمل شغيلة الدولة الرسميين.
نصت المادة (28): “تخضع الأطر المتعاقدة بالأكاديمية فيما يخص التقاعد للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد”.
ليس هناك من داع لعدم انخراط “الأطر المتعاقدة مع الأكاديميات” داخل الصندوق المغربي للتقاعد، تماما كما ينعدم أي مبرر لفرض التعاقد بدل الترسيم. الغاية إذن هو التخلص من “التحملات الاجتماعية” التي يتميز بها الصندوق المغربي للتقاعد مقارنة بالنظام الجماعي، وتسهيل الهجوم على الحق في التقاعد الذي انخرطت فيه الدولة منذ مطلع سنوات 2000.
أحدث بتاريخ 30 مارس 1930، وبين 1931 و1950 جرى توسيع التغطية لفائدة المستخدمين المغاربة العاملين بإدارة الحماية، وكان يعمل بنظام الرسملة. وبين سنوات 1950 و1971 وحدت الأنظمة المنخرطة بداخله واعتمد نظام التوزيع، القائم على التضامن بين أجيال الشغيلة عكس نظام الرسملة القائم على الفوائد المتأتية من استثمار اقتطاعات كل أجير بمفرده.
تبلغ واجبات الانخراط في الصندوق %20 من مجموع الأجرة القارة يتحملها مناصفة المنخرط والمشغل (الدولة)، ويجري تصفية المعاش على أساس آخر أجرة، وهو ما يتيح رفع قيمة معاش التقاعد، وهذه مكاسب تسعى الدولة بشكل حثيث إلى التراجع عنها، ولكنها ميزات يتفوق بها نظام الصندوق المغربي للتقاعد عن النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد.
النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد
أحدث بظهير شريف مؤرخ بـ 4 أكتوبر 1977، ويشمل المستخدمين المؤقتين والمياومين والعرضيين العاملين مع الدولة والجماعات المحلية، ومستخدمي المؤسسات العمومية والمتعاقدين الجاري عليهم الحق العام.
تنقسم واجبات الانخراط إلى قسمين:
– مساهمة الأجير: %6 من مجموع الأجرة القارة
– مساهمات أرباب العمل: %12 من الأجرة المصرح بها، وتنقسم بدورها إلى:
+ قسط ثابت: %6
+ قسط قابل للتغيير: %6
في حين يعتمد الصندوق المغربي للتقاعد على نظام التوزيع (القائم على التضامن بين أجيال المنخرطين)، يعتمد النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد نظاما معقدا يقوم على التمويل المزدوج: ثلثين على الرسملة وثلث على التوزيع، حيث تسير واجبات انخراط ومساهمات المشغل القارة عن طريق الرسملة، أما مساهمات المشغل القابلة للتغيير فتسير عن طريق التوزيع. أي أن ثلثي اقتطاع واجبات انخراط التي تشكل احتياطي مستقبلي للأجير يجري المجازفة بها في استثمارات قد تنجح أو تفشل، بسبب تقلبات السوق المالية.
وفي الوقت الذي يعتمد فيه الصندوق المغربي للتقاعد قبل الهجوم الأخير عليه (الإصلاحات المقياسية) على آخر أجرة كأساس لاحتساب المعاش، وهو ما يرفع قيمته، يعتمد النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد على معدل أجور الحياة المهنية، وهو ما يخفض من قيمة المعاش. كما يعرف النظام الجماعي بعض المشاكل الناتجة عن السياسة النيوليبرالية للدولة، حيث تقلصت القاعدة الديمغرافية لهذا النظام بفعل خوصصة بعض المؤسسات العمومية.
يتيح النظام الأساسي الموحد على المستوى الوطني، معايير موحدة تجمع كل طبقة الشغيلة وتتيح لها قوة مفاوضة جماعية حول الأجور وتطور هذه الأجور (الترقية). تسعى الدولة من خلال تنويع الأوضاع القانونية للشغيلة (تعدد الأنظمة الأساسية القائمة على التعاقد)، إلى تفتيت وحدة هذه المعايير وبالتالي جعل الترقية مرتبطة بمعايير فردية تخص كل “إطار متعاقد” لوحده.
اعتمد النظام القديم على معايير موحدة تعتمد فيه الترقية في الرتبة والدرجة على الشروط النظامية التالية: ست سنوات كأقدمية لاجتياز مباراة الكفاءة المهنية وعشرة سنوات بالنسبة للترقية بالاختيار مع تحديد سقف للانتطار حدد في أربع سنوات يترقى فيها الموظف خارج الحصيص المحدد في نسبة %22 بالمائة من المقيدين في اللائحة السنوية للترقية.
جرى الهجوم على هذه الآليات النظامية بدء بإلغاء الترقية بالشهادة، وفي 2 ديسمبر 2005 أصدر مرسوم رقم 1367-05-2، الخاص بتحديد مسطرة تنقيط وتقييم موظفي الإدارات العمومية.
حصرت المادة (2) من هذا المرسوم عناصر تنقيط التقييم في خمس:
– إنجاز الأعمال المرتبطة بالوظيفة؛
– المردودية؛
– القدرة على التنظيم؛
– السلوك المهني؛
– البحث والابتكار.
وتنص المادة (10) من نفس المرسوم على أن الموظف المرشح للترسيم والترقي في الدرجة، يخضع “لتقييم يتم مرة واحدة على الأقل كل سنتين، يتضمن مقابلة مع الرئيس المباشر”، و”يعد الرئيس المباشر على إثر هذه المقابلة تقريرا يبرز مدى حاجة الموظف للاستفادة من إعادة التأهيل والحركية لممارسة مهام مناسبة لمؤهلاته، وكذا مدى استحقاقه للترسيم والترقي في الدرجة”.
أي أن معيار أحقية الترقي أو الترسيم في الدرجة تخضع هنا للسلطة التقديرية للرئيس المباشر للموظف المرشح.
يعد هذا خضوعا لتوصيات/ أوامر البنك الدولي الذي يصر على ربط الأجور وتطورها بالمردودية الفردية للأجير، وهي آلية لتكثيف الاستغلال وفي نفس الوقت لتفتيت وحدة الشغيلة وتقليص تكاليفها.
حافظت الأنظمة الأساسية الخاصة بأطر الأكاديميات الجهوية على هذا، فقد نصت المادة (14) من نظام أكاديمية الرباط على: “تسند سلطة التنقيط إلى مدير الأكاديمية الذي تبقى له صلاحية تفوضيها إلى المسؤولين المعنيين والذين يمنحون سنويا لكل إطار متعاقد يزاول نشاطه نقطة عددية مذيلة بتقييم عام لقيمته المهنية”.
وبما أن الترقية في الدرجة تشترط توفر منصب مالي شاغر (المناصب المالية المقيدة في ميزانية الأكاديمية)، وليس توفر شروط الترقية في الأجير، فسيجري تضييق حصولها.
يمنح التوظيف بواسطة نظام أساسي موحد لشغيلة التعليم، إمكانية الحركة الانتقالية وتغيير مكان التعيين. ومنذ مدة والدولة تسعى لتمرير قوانين تسمح لها بالتحكم في حركية الأساتذة وهو ما أطلقت عليه “إعادة الانتشار”.
تقضي أنظمة التعاقد الجهوية مع الأكاديميات نهائيا على حق الانتقال بين جهات البلد وتغيير مكان العمل بما يلائم الاستقرار الاجتماعي والنفسي للشغيل، وتجعل “الإطار المتعاقد” “قنا وعبدا” لدى الأكاديمية التي “تعاقد” معها.
تنص المادة (11) من نظام أكاديمية الرباط على التزام “الإطار المتعاقد” بـ”قبول مقر العمل وكذا التعيين بإحدى مؤسسات التربية والتعليم العمومي التي يتم تحديدها من قبل الإدارة”، دون تحديد معايير هذا التعيين والحرص على مراعاة حالات “الأطر المتعاقدة”: الجنس، حالات اجتماعية… الخ.
وتحصر المادة (53) حق الانتقال داخل الجهة، وهو إعدام نهائي لحق تغيير مكان العمل وطنيا، وتراجع على الأساس الذي بنيت عليه الدولة الحديثة، ورجوع إلى قواعد العصور الوسطى، حيث كان الفلاحون الأقنان ملزمون بالعمل داخل إقطاعية سيدهم، ويمنع عليهم تغيير مكان إقامتهم وعملهم، ويعتبر هذا في عرف الأسياد الإقطاعيين هروبا يستحق عقوبات جسدية (الجلد، وقد تصل حد الموت).
من أجل نضال وحدوي ضد مخطط التعاقد وضد الهجوم على الوظيفة العمومية
تريد الدولة استعباد عشرات الآلاف من شغيلة التعليم الجدد من خلال تشغيلهم بعقود، بدل اعتبارهم موظفين خاضعين للنظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية إسوة بزملائهم المرسمين.
أصبح شغيلة التعليم العمومي مقسّمين إلى موظفي الدولة ومتعاقدين مع الاكاديميات بفعل سعي الدولة إلى إضفاء الهشاشة على تشغيل أجرائها بقصد تشديد استغلالهم وإضعاف قدرتهم على الدفاع عن حقوقهم. وليس فرض التعاقد الوجه الوحيد لتعدي الدولة على أجرائها، فحتى المرسمون مستهدفون بإعادة نظر شاملة في علاقة الشغل الخاصة بهم من أجل أقصى مردود (= استغلال) كما الجاري في القطاع الخاص.
هذه “الأطر” التي فرض عليها التعاقد جزء من الطبقة الشغيلة التي تسعى الدولة إلى النزول بها إلى درك رهيب من سوء العيش، وانعدام مقدرة الدفاع عن الذات. وما يتعرض له جيل الأساتذة الجديد من ضربات لن تستثني مستقبلا أقرانهم الأقدم. فعندما يفتك الهجوم بالجدد سيلتفت ليدوس ما يحوزه الأقدمون بسهولة كبيرة حققها بانفراده بكل طرف على حدة.
يفرض هذا توحيد جهود النضال لرد مخطط التعاقد الجهنمي الذي يعتبر رأس حربة تفكيك النظام الأساسي للوظيفة العمومية، ولن يتأتى هذا إلا بتوحيد كل ضحايا هذا الهجوم الشامل والمعمم.
يعتبر مطلب “إلغاء مخطط التعاقد” و”الإدماج الفوري للمفروض عليهم التعاقد في أسلاك الوظيفة العمومية” مطلبا جوهريا وموحدا لكل ضحايا العمل بالعقدة وأيضا لكل المرسمين.
إلى جانب هذا المطلب العام تطرح مطالب جزئية للنضال من أجلها قصد تحسين شروط عمل “المفروض عليهم التعاقد”، وهو ما سيحسن شروط نضالهم أيضا:
– اعتبار العقود غير محددة المدة بعد النجاح في امتحان الكفاءة المهنية، وبالتالي لا ضرورة لتجديد العقد تلقائيا. ويجب أن يفضي هذا إلى الترسيم النهائي للإطار وتمتعه بكل الحقوق التي يمنحها الترسيم.
– إلغاء الشطر الأول من المادة (03) من نظام الأكاديميات، وعدم وضع سيف فسخ العقد على رقبة المتعاقدين.
– تمتيع لجنة الأطر بصلاحيات حقيقية وفعلية، أي صلاحيات التقرير والاعتراض على قرارات مدراء الأكاديميات، خاصة فيما يخص التأديب وفسخ العقود.
– نزع صلاحيات فسخ العقود (بدون إشعار أو تعويض) من يد مدراء الأكاديميات ووضعها في يد لجنة الأطر.
– تمتيع العاجزين عن العمل بعد انتهاء رخص المرض قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد من معاش نظير الخدمات التي قدموها، بدل فصلهم عن العمل.
– حق الحركة الانتقالية على المستوى الوطني.
– الانخراط في الصندوق المغربي للتقاعد إسوة بزملائهم المرسمين.
– التوظيف الفوري بمجرد التخرج من مراكز التكوين، وإلغاء شرط النجاح في امتحان التأهيل المهني.
– معايير موحدة وجماعية للترقية: الأقدمية والاختبار والشهادة، بدل المعايير الفردية (المردودية).
اقرأ أيضا