الأممية الرابعة: كوكبنا وحيواتنا والحياة أغلى من أرباحهم !
المناخ- تقرير مجموعة الخبراء الحكوميين حول تغير المناخ بصدد 1.5 درجة مئوية:
كوكبنا وحيواتنا والحياة أغلى من أرباحهم !
الأممية الرابعة (اللجنة البيئية)
بنحو غير مفاجئ، أكد تقرير مجموعة الخبراء الحكوميين حول تطور المناخ [م.خ.ح. ت. م]، الخاص بتزايد الاحترار بـ1.5 درجة مئوية كحد أقصى، أن آثار تغير المناخ بفعل الإنسان مرعبة وجرى بخس قدرها، على الصعيد الاجتماعي والبيئي على السواء.
ويكفي ما نتعرّض له من احترار بـ1 درجة مئوية للتسبّب في مآس هامة: موجة حرارة لا سابق لها وأعاصير فائقة العنف وفيضانات وذوبان كتل الجليد وتفكك قنن الجليد. وتتيح هذه الظواهر قياس ما نحن مُقبلون عليه ما لم يوقف الاحترار الناتج عن فعل الإنسان بأسرع ما يمكن. لم يعد ممكنا تفادي الكارثة، لكن يظل الحد منها بأقصى ما يمكن متاحا وضروريا.
يبدّد التقرير كل شك ممكن: سيكون للاحترار بزيادة 2 درجات مئوية عواقب أخطر من الاحترار بزيادة 1.5 درجة مئوية المتضمنة في اتفاق باريس (بضغط من الدول الصغيرة التي هي جزر، والبلدان الأقل تقدما، والعلماء والحركة من أجل المناخ). ويمكن، حسب تقارير حديثة، بلوغ عتبة الترجح نحو “كوكب مجفف” عند زيادة بـ2 درجة مئوية. يجب بذل كل مستطاع من أجل احترام 1.5 درجة مئوية كحد أقصى.
يرى تقرير م.خ.ح.ت.م أن ذلك بالغُ الصعوبة، وحتى مستحيلٌ، حتى باللجوء الكثيف إلى “تكنولوجيات نفث سلبي للكربون” وإلى هندسة التحكم على نطاق كبير في مناخ الأرض وبيئتها géo-ingénierie [1]. يثير التقرير إذن سيناريو “تجاوز مؤقت”، معدل ببرود في النصف الثاني من القرن بفضل تلك التكنولوجيات.
هذا السيناريو خطير جدا. فالوضع من الخطورة لدرجة أن التجاوز المؤقت قد يكفي للتسبب في ترجحات كبيرة المدى، غير خطية ولا رجعة فيها، مثل تفكك مباغت لأقسام هامة من قُـنن الجليد في چرينلاند والقطب الجنوبي، مؤدية إلى ارتفاع مستوى المحيطات بأمتار عدة. وقد تطلق هذه الترجحات عواقب متسلسلة تدفع منظومة الأرض نحو احترار يغذي نفسه. وفضلا عن ذلك، تظل تلك التكنولوجيا قائمة على الافتراض وذات عواقب قابلة للانفلات وقد تكون سلبية جدا.
يقول العلماء:”كل طن من ثاني أكسيد الكربون لم يُنفث له أهمية”. فعلا لكل طن أهمية. يستلزم إنقاذ المناخ أن يوقف بأسرع وقت وكليا كل استعمال للوقود الاحفوري. لماذا لا يُدخل الخبراء في الحساب ثاني أكسيد الكربون الناتج عن إنتاج واستهلاك أشياء غير نافعة أو ضارة – مثل الأسلحة- وعن تقادم المنتجات التقني المبرمج وعن نقل السلع العبثي الذي لا نفع فيه غير تضخيم أرباح الشركات متعددة الجنسية إلى أقصى حد؟
يتمثّـل إجراء فوري للحد من نفث النقل الدولي الجوي والبحري لثاني أكسيد الكربون في ضريبة متصاعدة على الوقود الأحفوري المستعمل. ويجب إعادة توزيع عائدات هذه الضريبة على بلدان الجنوب عبر الصندوق الأخضر من أجل المناخ.
إن كل إستراتيجية تروم عدم تجاوز الـ 1.5 درجة مئوية من الاحترار تتطلب أساسا أن تُلغى بالأولوية المنتجات غير النافعة أو الضارة، والتخلي عن الزراعة الصناعية لصالح زراعة محلية مراعية للبيئة (بوسعها أن تُثبت في التربة كميات كبيرة جدا من الكربون مع إتاحة تغذية صحية للجميع). بيد أن هذا يعني القطع مع قانون الربح الرأسمالي. والحال أن هذا القانون يقع في صلب سيناريوهات تطور المجتمع المستعملة قاعدةً في حساب احتمالات تطور المناخ. يقول ذلك تقرير م.خ.ح.ت.م الخامس بجلاء تام: “تفترض النماذج المناخية أسواقا كاملة الاشتغال وسلوك سوق قائم على التنافس”.
لا محيد عن خبرة م.خ.ح.ت.م عندما يتعلق الأمر بتقييم تغير المناخ بما هو ظاهرة فيزيائية. وبالعكس، تظل استراتيجياتها للتثبيت معْـيوبة بإخضاع البحث لمتطلبات النمو والربح الرأسماليين . إن سيناريو تجاوز مؤقت لـ1.5 درجة مئوية-مع إبقاء استعمال الطاقة النووية ونشر تكنولوجيا نفث سلبي وكذا هندسة التحكم في المناخ -نابع خصوصا من تلك المتطلبات.
سيكون تقرير م.خ.ح.ت.م بصدد 1.5 درجة مئوية قاعدة للمفاوضات في قمة المناخ 24. ويُبتغى من هذه المفاوضات أن تسدّ الهوة بين 1.5 درجة مئوية كحد أقصى المقررة في باريس و2.7 إلى 3.7 درجة مئوية المرتقبة بناء على التزامات الحكومات حاليا (“مساهمات محددة وطنيا”). لكن الرأسماليين وحكوماتهم يضغطون على المكبح: لا يرتؤون بتاتا ترك الوقود الاحفوري في باطن الأرض، ولا أن يقطعوا مع النيوليبرالية، ولا أن يكترثوا بالسيادة الغذائية، ولا بتشريك قطاع الطاقة من أجل تخطيط أسرع سير نحو نظام طاقة متجددة بنسبة 100%، ولا بانتقال عادل فعلا ولا بعدالة مناخية. على العكس: ثمة خطر كبير في استعمال “تكنولوجيا النفث السلبي” ذريعةً لمزيد من إضعاف أهداف تقليص عمليات النفث.
” إن لكل طن من ثاني أكسيد الكربون أهمية”. لكن من يحدد تلك الأهمية، وبناء على أي أولويات اجتماعية، وفي خدمة أي مصالح، وكيف يجري ذلك التحديد؟ منذ ربع قرن وتقدير الأهمية يجري من قبل الرأسماليين وحكوماتهم دون مراعاة الديمقراطية الحقيقية. النتيجة معروفة: مزيد من التفاوت والاضطهاد والاستغلال، وتدمير البيئة، والاستحواذ على الأراضي، وتملك الأغنياء للموارد الطبيعية…وتهديد للمناخ بدرجة أكبر من أي وقت مضى. لقد حل أوان تغيير قواعد اللعب.
إن تعبئة عالمية قوية للحركات البيئية والنقابية والفلاحية والنسائية والخاصة بالسكان الأهالي ضرورية وعاجلة. لم يعد الاستياء كافيا، ولا الضغط على صناع القرار. لابد من الانتفاض وبناء تضافر النضالات، والنزول إلى الشارع بالملايين وعشرات الملايين، ووقف الاستثمارات الأحفورية والاستيلاء على الأراضي والنزعة العسكرية، والانخراط بقوة في مساندة الفلاحين/ات، ووضع الأسس الاجتماعية المتجاوزة للإطار الرأسمالي…
إن مسألة المناخ مسألة اجتماعية كبيرة. وضحايا الاستغلال والاضطهاد وحدهم قادرون على إتيان إجابات مطابقة لمصالحهم. الاشتراكية البيئية أو الهمجية: هذا هو الخيار المرتسم بجلاء متزايد.
كوكبنا وحيواتنا والحياة أغلى من أرباحهم !
اللجنة البيئية للأممية الرابعة
8 أكتوبر 2018
ترجمة جريدة المناضل-ة
اقرأ أيضا