من أجل تسيير ديمقراطي لنضالات الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد
رأي للنقاش في الورقة التنظيمية للتنسيقية الوطنية
انطلق نضال الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد باحتجاج محلي على طرد أستاذ بمدينة زاكورة. وكان لمناضلي النقابة الوطنية للتعليم (كدش) دور كبير في حفز هذا النضال، ومنذئذ تناسلت التنسيقيات الإقليمية والجهوية، وتوجت العملية بتأسيس التنسيقية الوطنية يوم 4 مارس 2018.
يجب ألا يستخف أي مناضل بهذه المكاسب التنظيمية المحققة بهيكلة نضال الأساتذة/ ات إقليميا (المديريات الإقليمية) وجهويا (الأكاديميات الجهوية) ووطنيا، لكن هذا التأكيد على المكاسب الإيجابية، يستدعي من وجهة الواجب النضالي تجاه هذا النضال التنبيه إلى أوجه قصور قد تؤثر سلبيا على مستقبل نضالات الأساتذة المفروض عليهم التعاقد.
يتطلب نجاح أي نضال أوسع اتحاد للمشاركين فيه حول أداة نضالاتهم. ولا يمكن لأي تنظيم مهما بلغ حجمه أن يهزم مخططات الدولة إلا إذا استند على قاعدة جماهيرية مالكة لزمام تقرير الخطوات النضالية وتوجيهها.
ويمثل التضامن الشعبي مع الفئة المناضلة الشرط الثاني الذي لا غنى عنه للانتصار وتحقيق المطالب، فبدونه تستطيع الدولة خنق النضالات بعزلها وهزمها بالمناورات والقمع. كما أن ثمة مطالب لا يمكن تحقيقها بنضال المعنيين بها مباشرة وحدهم.
من أجل مناعة ديمقراطية لحركة الأساتذة المفروض عليهم التعاقد
لم يجر تأسيس التنسيقيات في فراغ، بل في سياق نقابي وسياسي يتميز بسمات خاصة، هي نتاج تقاليد جرى ترسيخها في العمل النقابي لعقود، بعضها إيجابي وآخر سلبي مدمر. وأسوأ هذه السمات تضخم الأجهزة وسعة صلاحيتها مقابل تقليص كبير لحقوق القاعدة الجماهيرية المشكلة لهذه التنظيمات.
من أجل صيانة التجربة الكفاحية للأساتذة المفروض عليهم التعاقد من عيوب ظهرت في تجارب حركات سابقة، ندلي ببعض الملاحظات والتنبيهات، من خلال قراءة في وثيقة مشروع الورقة التنظيمية للتنسيقية الوطنية
الديمقراطية في التسيير والتقرير
نص مشروع الورقة التنظيمية للتنسيقية الوطنية للأساتذة المفروض عليهم التعاقد أن الجمع العام الإقليمي هيئة تقريرية وتوجيهية، لها وحدها صلاحية انتخاب المكتب الإقليمي، كما أن لمجلس التنسيق الوطني صلاحية تقرير البرامج النضالية.
إنها الأسس الأولية لقيام ديمقراطية داخل كل منظمة نضال، هذا بشرط ضمان حق مشاركة كافة الأعضاء في اتخاذ القرارات المتعلقة بنضالاتهم: تحديد نوع الخطوات وتسيير تنفيذها. هذا مبدأ عام، لكن ضمان ديمقراطية قاعدية حقيقية يتوقف على طريقة تجسيده في بنود القوانين الداخلية لحركات النضال.
المجالس والجموعات العامة: وجوب رفع اللبس عن الصلاحيات
ينص مشروع الورقة التنظيمية على تمتع “كل عضو في التنسيقية بحقه الكامل في إبداء الرأي والتعبير عنه بكل حرية في اللقاءات التشاورية المباشرة”. إن وصف اللقاءات بالتشاورية قد يُـفسر بأنه نزع لسلطة القرار منها. ومن الأمثلة التي تعزز هذا التفسير حصر صلاحية الدعوة إلى الجمع العام الإقليمي في يد ثلثي المكتب، دون التنصيص صراحة على حق المعنيين المباشرين، في الدعوة إليه.
وهذا مناقض لما ورد في الورقة التنظيمية حول كون الجمع العام “هيئة تقريرية وتوجيهية”. فإبداء الرأي والتشاور مقدمة فقط للمشاركة في القرار.
ما تقتضيه ديمقراطية فعلية هو أن تكون المجالس والجموع العامة كاملة السيادة، حيث يقرر فيها المعنيون المباشرون بكل ديمقراطية ويراقبون بواسطتها الأجهزة التنفيذية التي يفترض انهم انتخبوها.
إذا كان وصف اللقاءات بالتشاورية مجرد عدم دقة في الصياغة، فيجب إصلاحه، حتى يغلق باب تأويلات قد تضر بالديمقراطية الداخلية ومن ثمة بمستقبل التنسيقية.
- صلاحيات واسعة للأجهزة
جرى منح صلاحيات واسعة للمكاتب (التنفيذي، والجهوي والإقليمي) والمنسقين الجهويين والإقليميين. خصت الورقة التنظيمية هذه الهيئات بصلاحيات اقتراح البرامج النضالية. ليس هذا مشكلا في حد ذاته بل مطلوبا، لكن منطوق باقي البنود تظهر أن الصفة التقريرية للمجلس الوطني والجمع العام الإقليمي لا تتعدى المصادقة على ما تقترحه المكاتب التنفيذية.
جرى تضخيم صلاحيات المكتب التنفيذي بشكل يفرغ المجلس الوطني من صبغته التقريرية والرقابية؛ فالمكتب التنفيذي يشرف على اللجان الدائمة التي يتكون منسقوها من أعضاء المكتب التنفيذي الذين يناط بهم تنسيقها. ولا تناط بأعضاء المجلس الوطني مهمات اللجان إلا في حالات معينة “كلما دعت الضرورة، تنتهي بانتهاء الحالة التي فرضت تشكيلها”. ما الذي يمنع أن تكون كل هذه اللجان- دائمة وغير دائمة- منتخبة من طرف المجالس كاملة السيادة محليا وجهويا ووطنيا، وأن تتمتع بصلاحيات حقيقية بإشراف المكاتب التنفيذية ورقابة المجالس التقريرية، بينما تخص الورقة التنظيمية المجلس الوطني بصلاحية تطعيم هذه اللجان فحسب.
- خطر تغييب حق القاعدة في انتخاب ممثليها
تستبعد طريقة التمثيلية في مجلس التنسيق الوطني وتشكيل المكتب التنفيذي الآلية الديمقراطية حتى النهاية: آلية الانتخاب، التي جرى حصرها في انتخاب المكتب الإقليمي، وفي تحديد العضو الثالث عشر للمكتب التنفيذي، بينما يجري “تعيين” ممثلي الجهات أو منسقيها في المكتب التنفيذي.
يتكون مجلس التنسيق الوطني من المنسقين الإقليميين والمنسقين الجهويين، كما حصرت تمثيلية المكتب التنفيذي بدوره في ممثل عن كل جهة أو منسق جهوي. وهذه آلية غير مباشرة تحد من إمكانية التناوب على مهام التمثيلية الوطنية وفتحها أمام كل أعضاء التنسيقية. وهي الطريقة الوحيدة التي تتيح تراكم ومشاركة التجارب التنظيمية والنضالية، بدل تركيزها في يد أقلية ستصبح مع مرور الزمن أرضية خصبة لظهور أصل كل الشرور داخل أي إطار جماهيري: التدبير غير الديمقراطي.
نفس الشيء فيما يخص تشكيل المكتب الجهوي، حيث تنص الورقة التنظيمية على تكوينه من أعضاء المكاتب الإقليمية، وفي نفس الفقرة تقول بأنه يتكون من منسقي المديريات الإقليمية ونوابهم والمنسق الجهوي. فلماذا انتخاب المنسق الجهوي لوحده؟ وما المانع لانتخاب أعضاء وعضوات المديريات الإقليمية لمكتبهم الجهوي؟
قد يكون التقدير سليما والقصد محمودا: فاعتبار أغلب أعضاء التنسيقيات يدخلون معترك النضال لأول مرة، بدون تقاليد تنظيمية، قد يحدو بالحريص على التجربة النضالية إلى حصر المسؤوليات التنظيمية بداية في يد الأكثر خبرة وتمرسا. لكن المعضلة الرئيسية هي أن لا معالجة لانعدام التجربة لدى القاعدة إلا بفتح باب هذه التجربة أمامها. والثقة في مقدرات الشباب النضالية، وحفز تطورها، هو سبيل تكوين أطر النضال. وكمثال عن الزيغ عن هذا السبيل نشير إلى أن الورقة التنظيمية تغلق باب اكتساب هذه الخبرة النضالية الميدانية بحصر إلقاء الكلمات الخطابية لدى المنسق الإقليمي: “يتولى توجيه كلمة للجماهير الأستاذية وإلى المؤسسات المعنية في الأشكال النضالية أو يختار من ينوب عنه”.
لغم “التوجه العام”: حذار
ورد في مشروع الورقة التنظيمية: “يعتبر عضوا في التنسيقية كل الأساتذة والأستاذات الذين فرض عليهم التعاقد الملتزمين بالتوجه العام”.
إذا كان المقصود ب “التوجه العام” أهداف التنسيقية الوطنية، فالأفضل الاستعاضة عن تعبير “التوجه العام” بـ “أهداف التنسيقية”.
فمعنى “ّالتوجه العام” الذي تكرس في تجارب نضالية سابقة، بالأخص في الجامعة وحركة المعطلين، سلبي جدا ولا ديمقراطي بتاتا. وقد سبب إفشال معارك كبيرة وجموع عامة، وخلق توترات لا طائل منها في مؤتمرات عديدة. فباسم “التوجه العام” يجري فرض السير في اتجاه لا يعبر عن رأي الأغلبية. فالآلية الديمقراطية لاتخاذ القرار، بعد النقاش الجماعي الحر، هي التصويت، ولا شيء غير التصويت.
تصليب التنسيقية: لا بديل عن أوسع مشاركة ديمقراطية
يستهدف النظام كل إطار مناضل بالقمع، وإحدى آليات هذا القمع الاختراق. وساد اعتقاد في حركات النضال بأن تحصين الإطار من الاختراق البوليسي يجري عبر تضييق الحقوق الديمقراطية مخافة تسلل عناصر البوليس إلى الأجهزة التنفيذية. لكن هذا اعتقاد خاطئ، فلا يمكن لمحض إجراءات تنظيمية وتقنية أن تحد من هذا التسلل، بل بالعكس تسهله.
إن حماية الإطارات من كل أوجه قمع الدولة البوليسية لا يمكن إلا بتمتين التحام القواعد بإطارها. ويستحيل هذا الالتحام دون ترسيخ فكرة ولحمة الانتماء إلى هذا الإطار. وهذا الترسيخ يمر عبر تسييد أوسع ديمقراطية تجعل القواعد تعتبر التنظيم تنظيمها الخاص. وهنا وجب الانتباه، فقد بينت التجربة أن القاعدة التي يقوم عليها تغييب الديمقراطية هو عادة الاتكالية والسلبية لدى القاعدة. فمن يريدون السيطرة من فوق يريدون قاعدة لا تشارك، بل تفوض أمرها إلى “ممثليها”، ولذلك تراهم يكرسون سلبية الأعضاء وميلهم إلى أدنى مشاركة.
مطلوب منا تشجيع مشاركة الجميع، في النقاش وفي اتخاذ القرار، وفي تنفيذه، وفي تقييم هذا التنفيذ. بهذا النحو يكون للديمقراطية مضمون فعلي، ولنضال التنسيقية قوة لا تقهر، طبعا في تعاون مع كل الذين يشتركون أهداف النضال ضد هشاشة التشغيل وهضم الحق في عمل وحياة لائقين.
شادية الشريف
اقرأ أيضا