القصف الإمبريالي لسوريا، سيقوي نظام بشار الدموي
نفذت الدول الامبريالية الثلاث (الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا والمملكة المتحدة) وعيدها برد عسكري على نظام الأسد بجريرة استعماله السلاح الكيماوي لقصف دوما بمنطقة الغوطة الشرقية المجاورة للعاصمة دمشق.
مهدت الامبرياليات لضرباتها العسكرية تلك بحملة تضليل إعلامي لأهداف السياسة الداخلية الخاصة بكل بلد بالدرجة الأولى، ولتذكير نظام روسيا المسيطر فعليا بما تدعي من حقوق غير قابلة للتفريط في سوريا بدرجة ثانية.
أكدت تلك الدول أن لا تغيير في سياستها إزاء القضية السورية وأنها لا تسعى لأي تغيير للنظام وأن هدفها هو إفهام النظام السوري بالكف عن استعمال السلاح الكيماوي.
أجمعت قوى الثورة المضادة بفصائلها المتنوعة، رغم خلافاتها وتناقضاتها، على هزم الثورة السورية وحرمان الشعب السوري من حقه في تقرير مصيره بالتحرر من نظام القتل الأسدي وطرد كل جيوش وميليشيا القتل التي استباحت دمائه وأرضه.
إن مسؤولية المجزرة الرهيبة التي أزهقت أرواح مئات آلاف الأبرياء وهجرت الملايين من بيوتهم وتعذيب آلاف المعتقلين داخل السجون وتخريب حيث مدن بكاملها، يتحملها نظام الأسد الإجرامي وكل قوى الثورة المضادة من فصائل رجعية دينية وحلفاء المعسكرين روسيا وإيران وباقي الفرق الطائفية من جهة، ودول ضخت أموالها الوسخة لتقوي الوحوش الدينية ووفرت لها الممرات والغطاء لتخريب صف الثورة.
شاركت الدول الامبريالية الثلاث في جرائم الابادة المرتكبة في حق الشعب السوري بتصديها المبكر لامتلاك الجيش الحر سلاح ردع طيران النظام، وصل الأمر بالولايات المتحدة في عهد الإدارة الديمقراطية لأوباما، منع حلفائها الإقليميين (السعودية وتركيا) تزويد “الجيش السوري الحر” بسلاح مضاد للطيران، بمبرر الخوف من وقوعه في يدي المتطرفين. وفرت الولايات المتحدة بذلك الفرصة لنظام بشار ليقصف المدن والأحياء الآهلة بالسكان بالبراميل المتفجرة، ولم تحرك ساكنا إلا عند استعمال السلاح الكيماوي، كأن البراميل المتفجرة وسائل أكثر أخلاقية لقتل المزيد.
عكس دعاية نظام بشار، التي يرددها ببغاوات اليسار القومي والستاليني، لا تستهدف ضربات الولايات المتحدة وحلفائها إسقاط النظام. فالولايات المتحدة مدركة لأخطار انعدام الاستقرار في حالة تفكك النظام البعثي، وتستحضر ما وقع في العراق بعد سقوط صدام ونظامه الديكتاتوري.
تدافع الولايات المتحدة منذ انطلاق الثورة السورية عن صفقة سياسية (الحل اليمني)، أي مساومة تبقي أعمدة النظام الأمنية، وتحافظ على استقرار المنطقة وأمن وكيلها المحلي: إسرائيل، التي لا زالت تحتل هضبة الجولان، دون أن يكلف نظام بشار الممانع نفسه إطلاق رصاصة واحدة أو برميل متفجر واحد على الجيش الإسرائيلي هناك.
الأمر الذي يمنع نجاح هذه المساومة حاليا، ليست صمود “الجيش العربي السوري” كما تكرر أبواق نظام بشار الأيديولوجية، ولكن تحول الساحة السورية إلى ميدان للتنافس بين الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين من جهة، وروسيا وحلفائها الإقليميين من جهة أخرى. ويوم تصل هذه القوى إلى صفقة سينهار نظام بشار كورقة خريف، تماما كما وقع لعلي عبد الله صالح في اليمن.
إن استمرار الأسد في السلطة لحدود الآن، لا يعود لممانعة نظامه ولا لصمود جيشه الطائفي، ولكن بسبب الدعم الإيراني في البداية، ثم الروسي بعد ذلك. حين يصرح ممثلو سوريا في هيئة الأمم المتحدة قائلين: “سوريا لن تسمح”، فإنهم يقصدون “روسيا لن تسمح”… ولكن حتى الدور الروسي له حدود. فبعد الضربات المحدودة والكاريكاتورية الأخيرة، صرح بوتين أن الضربات لم تمس قواعد روسيا العسكرية في طرطوس والبحر المتوسط، مشيرا إلى عدم معارضته إياها، ما دامت لن تضعف نظام بشار.
ضربات التحالف الثلاثي لن تؤدي إلا إلى تقوية نظام بشار سياسيا، بإظهار نفسه نظاما ممانعا مستهدفا من طرف الإمبريالية، وهذا تكرار للسيناريو العراقي في عهد صدام، وللعقوبات الاقتصادية وحصار إيران، حيث يظهر نظام الملالي الرجعي نظاما مناهضا لسيطرة الولايات المتحدة، مستغلا ذلك لقمع أية معارضة داخلية.
الاشتراكيون أعداء الامبريالية وأنظمة القهر الطبقي لا يحق لهم تقديم التغطية لجرائم نظام الأسد وداعميه الروس والإيرانيين وميليشيات الطائفية بدافع فكرة الممانعة المخبولة، لا شيء يبرر التواجد في خندق واحد مع أعداء ثورة الشعب السوري إلا خيانة الثورة.
تراجعت الثورة السورية بعد أن خنقتها قوى رجعية تكالبت عليها، وبدأت رؤوس كانت مطأطأة لمنظمات وأحزاب تنتصب من جديد لإعلان دعمها لحلف الممانعة باسم مناهضة الإمبريالية والصهيونية، والحال أن هزم الثورة السورية قاسم وحد الممانعة والصهيونية والامبريالية.
يهاجم أنصار بشار الثورة السورية، متسائلين عن المقصود بقوى الثورة، مشيرين إلى أن الأخيرة تقتصر على داعش وباقي الفصائل الرجعية. يسقط هؤلاء مآل الثورة بعد خنقها على بداياتها: إن القوى التقديمة التي نشأت في سورية مع بداية الانتفاضة سنة 2011 قد خنقتها دينامية حرب أهلية لم تكن مستعدة لها على الإطلاق. وما أن تستأنف الثورة السورية طورها الصاعد والتقدمي، حتى تعود هذه القوى إلى واجهة النضال والصراع.
اخترنا معسكرنا مع معسكر الثورة السورية ضد أعدائها الكثر، اختيار لا يخضع لتقلبات انتهازية لا مبدئية مذلة. مهما بلغ إيغال الرجعية في القتل لن يوقف انتصار ثورة اقتلاع جذور الديكتاتورية التبعية من منطقتنا وهي السبيل الأوحد للقضاء على السيطرة الإمبريالية وتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني.
سيأتي يوم يتحرر فيه الشعب السوري، ومعه كل شعوب المنطقة، من أغلال الديكتاتوريات، يوم تتوحد فيه ثورات الشعوب. آنذاك فقط سنتحدث عن مناهضة حقيقية للإمبريالية، حينها ستختفي الاختلافات والتناقضات، وستتحد الإمبرياليات بمختلف أطيافها [الأمريكية والروسية] والأنظمة العربية [العميلة صراحة والتي تدعي الممانعة] مع الصهيونية، لمواجهة الثورة.
يستدعي انتصار الثورة العربية والمغاربية، توحيدا لجهود النضال في المنطقة بأسرها، وليست الكارثة السورية سوى دليل إضافي على التكلفة الناجمة عن الافتقار إلى تنظيم فعال يمتلك رؤية استراتيجية سليمة للتغير السياسي الجذري. يعود بالدرجة الأولى إلى افتقاد الحركة العمالية السورية لاستقلاليتها وتبعيتها التنظيمية والسياسية للحزب الحاكم الأوحد “البعث العربي السوري”.
لو توفرت هناك حركة عمالية (نقابات كفاحية، ويسار ثوري)، لعمل على تسليح العمال لمواجهة العصابات الأسدية وجيشه الطائفي وميليشيات داعميه الإقليميين، ولكانت تكلفة الثورة البشرية أقل مما هي عليه الآن.
يطرح هذا مهمة طال تأجيلها، وفشلت بسبب موالاة الأحزاب الشيوعية واليسارية الجديدة لأنظمة بعثية قطرية أو اشتراكية قومية، بمبرر مواجهة الإمبريالية. ليست هذه المهمة إلا بناء حزب العمال الاشتراكي الثوري الموحد على صعيد المنطقة كلها. إنها مهمة شاقة، ولكن لا غنى عنها لهزم أعداء الشعوب والثورة.
بقلم، المناضل-ة
اقرأ أيضا