انجلز: مقالات حول نظام العمل المأجور
انجلس
نظام العمل المأجور
مقالات من جريدة
«The Labour Standard»
(1881)
دار التقدم
موسكو
ترجمة إلياس شاهين
للتحميل:
نظام العمل المأجور، انجلز
———————————————————————————-
أجرة عادلة لقاء يوم عمل عادل(1)
هذا هو الشعار الذي رفعته الحركة العمالية الانجليزية خلال الخمسين سنة الأخيرة. وقد أدى خدمة طيبة في زمن نهوض التريديونيونات (النقابات العمالية) بعد إلغاء القوانين الخسيسة بشأن الجمعيات عام 1824 (2)وخدم بصورة افضل في زمن حركة الشارتيين(3) المجيدة، عندما سار العمال الانجليز على رأس الطبقة العاملة الأوروبية. ولكن الزمن يتغيير. وهناك الكثير من الأشياء التي كانت مرغوبة وضرورية قبل خمسين أو حتى ثلاثين عاما. قد شاخ الآن وأصبح في غير محله أبدا. فهل هذا الشعار القديم الذي كرم زمنا طويلا هو أيضا من هذه الأشياء؟
أجرة عادلة لقاء يوم عمل عادل؟ ولكن ما هي الأجرة العادلة، وما هو يوم اليوم العادل؟ وكيف تحددهما القوانين التي يقوم ويتطور على أساسها المجتمع الحديث؟ للإجابة عن ذلك، علينا أن لا نعود إلى علم الأخلاق أو علم الحقوق، ولا إلى أي شعور بالإنسانية أو العدالة أو حتى بالرحمة. إن ما هو عدل أخلاقيا، وما هو عدل حتى حقوقيا، قد يكون بعيدا عن أن يكون عادلا اجتماعيا. إن العدالة الاجتماعية أو الظلم الاجتماعي يحددهما علم واحد وحسب، العلم الذي يعالج الحقائق المادية في الانتاج والتبادل، علم الاقتصاد السياسي.
والآن، ما الذي يعتبره الاقتصاد السياسي أجرة عادلة ويوم عادل؟ إنه مجرد معدل الأجور، ومدة وشدة يوم العمل اللذان تحددهما المنافسة بين رب العمل والعمال في السوق الحرة. فما عساهما أن يكونا انطلاقا من هذا التعريف؟
إن الأجرة العادلة، في الظروف العادية، هي المبلغ المطلوب لكي يحصل به العمال على وسائل البقاء التي هي ضرورية، وفقا لمستوى الحياة في وضعه وفي بلاده، لكي يبقى قادرا على العمل وعلى مواصلة جنسه. ومقادير الأجر الفعلية، في ظل تقلبات الانتاج، يمكن أن تكون أحيانا أعلى أحيانا وأحيانا أدنى من ذلك المبلغ ولكنه ينبغي، في الظروف العادية، أن يكون هذا المبلغ، متوسط جميع التذبذبات.
أما يوم العمل العادل فهو مدة يوم العمل وشدة العمل المبذول اللتان تستهلكان قوة عمل الشغيل في يوم واحد استهلاكا تاما ولكن دون الحاق ضرر بقدرته على القيام بنفس كمية العمل في اليوم التالي والأيام التي تليه.
وعلى ذلك يمكن وصف هذه الصفقة على النحو التالي: العامل يقدم للرأسمالي كامل قوة عمله اليومية، أي أكثر ما يمكن من هذه القوة بحيث لا يغدو تكرار هذه الصفقة باستمرار مستحيلا. ومقابل ذلك يتلقى العامل من ضروريات الحياة، بقدر ما يمكّنه، وليس أكثر، من مواصلة تكرار نفس الصفقة كل يوم. العامل يقدم أقصى ما يستطيع والرأسمالي يقدم أقل ما يمكن بقدر ما تتيح طبيعة الصفقة. إن هذا نوع فريد جدا من أنواع العدالة.
ولكن دعونا ننظر نظرة أعمق قليلا في المسألة. فطالما تحدد الأجور ومدة العمل بالمنافسة، وفقا للاقتصاد السياسي، فإن العدالة تبدو وكأن كلا الطرفين يجب أن تتوفر له شروط متكافئة منذ البداية بالذات. ولكن الحال ليس هكذا. فالرأسمالي، إذا لم يستطع الاتفاق مع العامل، يمكنه أن ينتظر وأن يعيش على رأسماله. أما العامل فلا يستطيع هذا. فليس لديه ما يعيش عليه سوى أجره، وعلى ذلك، فهم مضطر إلى قبول العمل عندما وحيثما وبأية شروط يستطيع قبوله. إن العامل لا تتوفر له منذ البداية شروط ملائمة للنضال، فالجوع يضعه في حالة عير مؤاتية إلى أبعد حد. ومع ذلك، ووفقا للاقتصاد السياسي للطبقة الرأسمالية، يدعى هذا ذروة العدالة.
ولكن هذا مجرد شيء تافه. فاستخدام القوة الميكانيكية والآلات في الفروع الصناعية الجديدة وتحسين الآلات وتوسيع استخدامها في الفروع التاي دخلتها من قبل، تحرم المزيد والمزيد من «الأيدي»* من العمل وتفعل ذلك بسرعة تفوق كثيرا امكانية امتصاص هذه «الأيدي» العاطلة وايجاد العمل لها في مصانع البلاد. إن هذه «الأيدي» التي تعطلت تشكل جيشا صناعيا احتياطيا حقيقيا لفائدة الرأسمال. فإذا كانت الصناعة راكدة، تعرض هؤلاء للمجاعة وأصبحوا شحاذين أو لصوصا، أو ذهبوا إلى دور تشغيل الفقراء. أما إذا كانت الصناعة ناجحة فإنهم يكونون تحت الطلب لتوسيع الانتاج. وحتى يجد آخر رجل أو امرأة أو طفل من هذا الجيش الاحتياطي عملا –الأمر الذي لا يحدث إلا في أيام تضخم الانتاج بصورة محمومة- حتى هذا الوقت، فإن المنافسة التي يخلقها وجود هذا الجيش تبقى الأجور في هبوط كما يعزز هذا الجيش، بمجرد وجوده، قوة الرأسمال في صراعه ضد العمل، وفي صراعه مع الرأسمال، لا يجد العمل نفسه في وضع غير ملائم وحسب، بل عليه كذلك أن يجر الكلة الحديدية المربوطة بقدمه. ومع ذلك، يدعى هذه عدلا في الاقتصاد السياسي الرأسمالي.
ولكن دعونا نستقصي الصندوق الذي يدفع الرأسمالي منه هذه الأجور العادلة جدا. إنه يدفعها من الرأسمال بالطبع. ولكن الرأسمال لا ينتج أية قيمة. إن العمل، إلى جانب الأرض، هو المصدر الوحيد للثروة، والرأسمال نفسه ليس إلا المنتوج المتراكم للعمل. وهكذا، إن أجور العمل يدفعها العمل، ويدفع للعامل من منتوجه هو نفسه. ووفقا لما يمكن أن ندعوه عدالة عادية يجب أن تناسب أجرة العامل منتوج عمله. ولكن هذا ليس عدلا طبقا للاقتصاد السياسي، بل على العكس، فإن عمل العامل يذهب للرأسمالي، ولا يحصل العامل منه على أكثر من مجرد ضروريات الحياة. وهكذا، إن نتيجة هذا السباق «العادل» للغاية في المنافسة هي أن منتوج عمل أولئك الذين يعملون، يتجمع بصورة لا يمكن تجنبها في أيدي أولئك الذين لا يعملون، ويصبح في أيديهم أكثر الوسائل جبروتا لاستبعاد الناس الذين أنتجوه بالذات.
أجرة عادلة لقاء يوم عمل عادل! ويمكن أن يقال الكثير عن يوم العمل العادل أيضا الذي تعتبر عدالته على موازاة تامة مع عدالة الأجور. ولكننا سنترك ذلك لمناسبة أخرى، ويتضح تماما، مما قلناه آنفا، أن الشعار القديم قد مضى زمنه ومن المشكوك فيه أن يصلح في هذه الأيام. إن عدالة الاقتصاد السياسي، طالما يصوغ بصدق القوانين التي تسير المجتمع الراهن، هذه العدالة هي كلها إلى جانب واحد –إلى جانب الرأسمال. فلندفن إذن الشعار القديم إلى الأبد ولنستعض عنه بشعار آخر هو:
لتكن وسائل العمل –المواد الخام والمصانع والماكنات- ملك العمال أنفسهم!
«ذي ليبور ستاندارد» 8 أيار/مايو 1881.
*في الاصل «hands» (والمقصود هنا «الأيدي العاملة»، «العمال»). الناشر.
اقرأ أيضا