جرادة: الدولة تلجأ للقمع لإنهاء الاحتجاج على تماطلها
هددت وزارة الداخلية المغربية في بيان يوم الثلاثاء 13 مارس 2018 بقمع أي احتجاج لسكان مدينة جرادة، بمبرر أن الدولة استجابت للمطالب بعد سلسلة مشاورات بحضور وفد وزاري برئاسة الوزير الأول، متهمة “محرضين” بتسفيه جهودها ودفع المواطنين للتظاهر غير القانوني. ويوم الأربعاء نفدت وعيدها بتدخلها لمنع اعتصام لعمال بآبار منجمية. جندت كما هائلا من قوات قمعها لتفريق المتضامين بعنف، واستفزازهم لجرهم لردود فعل تبرر قمعا أشرس مبررا لنضالات جرادة.
جرادة ضد التهميش
انطلق نضال جرادة ضد غلاء فواتير الماء والكهرباء يوم 21 دجنبر 2017 وأججه وفاة شقيقين يعملان في أبار لاستخراج الفحم. لقد خرج السكان للتعبير عن الغضب ضد القهر المفروض عليهم والذي زاده استفحالا إغلاق مناجم جرادة نهاية سنوات 1990، وهي المشغل الرئيسي ومحرك اقتصاد المنطقة بكاملها، ما خلف بطالة متضخمة، وبؤس اقتصادي وأجساد نخرها المرض وبيئة منكوبة. طيلة ثلاثة أشهر من النضال الشعبي بأشكال متنوعة، وبإبداع تنظيمي ومشاركة شعبية، وتعاطف شمل الإقليم كله، لم يسجل أي تخريب أو عنف ضد الأفراد أو الممتلكات، بل انتشر التضامن والتآزر والإبداع منتشلا المدينة من الركود. كانت فمواكب الاحتجاج منصة لتفجر مواهب الشعر والغناء والعروض التعبيرية، وكانت فرصة لشعب الكادحين ليمارس سياسة اكتشاف مصالحه والتعرف على أعدائه.
بجانب الاحتجاج انكب السكان على تدقيق لائحة مطالب تشمل مجالات عدة منها ما يتطلب تنفيذا عاجلا ومنها ما يستلزم متابعة انجازه لاحقا، وهو ما من شأنه تحسين أوضاع الساكنة وتخفيف وطأة التهميش المسلط عليها، لكن الدولة كان لها رأي آخر كأداة قنع طبقي.
الدولة: من التجاهل والوعود الكاذبة إلى القمع.
خلال تسعة أيام الأولى شهدت المدينة إضرابين عامين محليين، ومسيرات شبه يومية، وكان سلوك الدولة المراقبة والرهان على خمود نار الغضب الشعبي. وبعد التأكد من أن النضال يتوسع ويراكم تنظيميا ومطلبيا بادرت السلطة المحلية (العمالة) لتنظيم يوم تواصلي للتعرف على المطالب والسعي للبحث عن الحلول الممكنة بتغطية إعلامية رسمية كثيفة. رد السكان بمواصلة الاحتجاج وانتداب ممثلين للأحياء السكنية، وخرط المناطق المجاورة في النضال. هدا هو سياق تنقل وفد وزاري برئاسة وزير الطاقة والمعادن وإطلاق سلسلة وعود لا تلبي جوهر المطالب، فقررت السكان رفض مقترحات الحكومة وواصلوا معركتهم الجماهيرية.
وبعد أسابيع عديدة فهمت الدولة أن ما يجرى بجرادة عدوى ستنتشر رقعتها بالمنطقة الشرقية التي تضررت بشدة جراء تشديد الرقابة الحدودية وأزمة أوروبا وجهة استقبال أبناء المنطقة المهاجرين، فالتململ بمدينة وجدة ضد غلاء الماء والكهرباء والمحروقات واحتجاجات “تاندرارة” ضد ضعف الخدمات الصحية وتحرك “بوعرفة” و”فكيك” ضد التهميش والفقر… كلها ناقوس إنذار لدولة كل همها بقاء ضحاياها خاضعين.
تأكدت الدولة أن التصريحات الوزارية المدعية الحرص على التعامل بتفهم مع مطالب السكان والوعود المنثورة بمنح الفرصة لتنفيذ المشاريع الموعودة لن تجدي نفعا، فأرسلت الوزير الأول لزيارة الإقليم ونثر الكلام وتذكرت أن هناك صندوق تنمية المناطق الحدودية، وكثفت من حملتها الإعلامية لإبراز الجهود المزعومة للدولة، وحركت أحزابها ومنظماتها النقابية والجمعوية لإصدار بيانات مباركة لجهودها والإشادة بمقاربة الحوار، واثنت على تلبية مطالب الساكنة، لكن الجميع يعلم أنها ليست إلا خادم مطيع خاضع لما تمليه الدولة، إنها شاهد زور. رد الساكنة كان واضحا، رفض سياسة التحايل والأكاذيب التي تقابل بها الدولة مطالبها والتي لن ترفع تهميشا ولن توقف تشييع جثامين من ستزهق أرواحهم من شباب المدينة.
لا الوعود أوقفت النضال ولا الزمن نال من عزيمة الساكنة، بل تأجج الغضب والحماس أكثر وازدادت الأشكال النضالية زخما، وكانت المسيرة الاحتجاجية التي وصلت إلى بني مظهر نقطة اقتناع الدولة أنها إزاء حركة عازمة على الاستمرار بما تمثله من خطر الانتشار في مناطق أوسع مادام الفقر والتهميش قاسم مشترك.
تعلم الدولة تماما أن سياستها لا يمكن أن تستجيب لمطالب الشعب في العيش الكريم وأن سياستها التقشفية إزاء الكادحين والسخية إزاء المالكين لن تنتج إلا فقر الشعب وبؤسه. ستلجأ الدولة حتما لقمع نضالات الشعب إدا لم تفلح أساليب الاحتواء، وهذا ما أكدته كل دروس النضالات الشعبية في السنين الأخيرة: طاطا، وسيدي افني، وبوعرفة والريف.
التضامن المطلوب.
على طلائع النضال بجرادة مواجهة تكتيك الدولة القمعي الهادف لعزل الأقلية النشطة وقمعها وبث الرعب في غالبية الساكنة وإحباط معنوياتها. لا بد من ميزان قوى طبقي على صعيد وطني من أجل إجبار الدولة على التنازل، والحال أن عزلة النضالات وضعف التضامن يترك الدولة طليقة اليدين مستفردة بكل قطاع أو مدينة على حدة إلى أن تخضع.
سيكون من شأن توسع النضالات التي بدأت بشائرها بالمنطقة الشرقية أن يشكل متنفسا لمعركة جرادة، وسيخفف الضغط على الريف الشامخ مما قد يخلق تعديلا نوعيا في ميزان القوى العمالي والشعبي في وجه قمع الدولة الشرس. وكل هذا لا يعفي قوى النضال من ممارسة تضامن نشط مع نضالات جرادة والتشهير بما تعده الدولة من خطط قمع النضال.
إن التضامن مع جرادة بمثابة نصرة لكل من ينتظرهم نفس المصير حين يهم بالدفاع عن حقوقه في عيش كريم. لا يمكن الرهان على أجهزة المنظمات النقابية وأحزاب البرجوازية، بل على المناضلين في قاعدة منظمات النضال الدفع بمبادرات تضامن نضالي تجبر الدولة على الخضوع.
من أجل الاستجابة الفورية لمطالب سكان جرادة
من أجل حرية التعبير والتنظيم، أطلقوا المعتقلين، واسحبوا أجهزة قمعكم
من أجلهم/هن وأجلنا جميعا، لننفض غبار الركود ولنطلق دينامية تضامن وطني
سئمنا نهبكم سئمنا بطشكم فلترحلوا جميعا
بقلم، أحمد أنور
اقرأ أيضا