أزمة العمل النقابي والتحديات المطروحة على الحركة النقابية اليوم
I. تشخيص حالة الحركة النقابية بالمغرب:
من عنوان المحور يتبين بان الجميع واع بالوضع الراهن للحركة النقابية بالمغرب المتسم باهتراء وترد بالغين.
ان الحالة النقابية غير مرضية، وتعاني من ضعف كمي ونوعي في جميع القطاعات، ولاسيما في القطاع الخاص. إننا في مرحلة عسيرة، عنوانها العريض “العجز عن صيانة مكاسب طفيفة يعود معظمها الى عهد الاستعمار وسنوات الاستقلال الشكلي الأولى”. وأزمة الحركة النقابية هذه تساءلنا جميعا، نحن مناضلات الطبقة العاملة ومناضليها، عن الأسباب التي أوصلتنا الى هكذا وضع، وتضعنا أمام مسؤولية استجلاء سبل استعادة النقابة لدورها وعلة وجودها الذي هو: الدفاع عن أفضل شروط العمل والنضال من اجل بديل مجتمعي شامل خال من الاستغلال وكل صنوف الاضطهاد.
• السياق التاريخي والاقتصادي للوضع النقابي الراهن:
يتأثر الوضع النقابي بالوضع السياسي منذ ظهوره بالمغرب إبان أزمة نظام الحماية وصعود حركة التحرير الوطني محليا. وعالميا، يتأثر بإعادة الهيكلة النيوليبرالية لعالم الشغل. فحين تمتد نضالات الطبقات الشعبية وتهدد مصالح النظام، يسارع هذا الأخير الى تقديم تنازلات ووعود بتسوية مشاكل قطاعية. ويسعى للاعتماد على قمم الأجهزة النقابية لتفادي انخراط الحركة النقابية في الديناميات النضالية المهددة بإطاحة برؤوس الانظمة (السيرورات الثورية بالمنطقة المغاربية والعربية نموذجا). وعند تدهور ميزان القوى لغير صالح الطبقات الشعبية، تزحف الدولة البرجوازية على كل ما حققت الشعوب من مكاسب إبان صعودها الثوري.
ان هذا الهجوم البرجوازي المحلي (تفكيك قوانين الشغل، الخوصصة، لبرلة أنظمة الحماية الاجتماعية، تقليص الحريات النقابية) اذن، ليس بمعزل عن مسلسل عالمي يروم إعادة هيكلة الرأسمالية الجديدة، والذي تفرضه المؤسسات المالية الدولية عبر جملة من “اتفاقيات الشراكة” التي تبرمها الامبرياليات مع البرجوازيات التابعة لها في دول الجنوب.
• عوامل ضعف الحركة النقابية المغربية
1- نتج هذا الوضع عن سياسة تهشيش مقصودة تنهجها الدولة في القطاع العام، بعد أن قطعت أشواطا متقدمة في القطاع الخاص. تروم هذه السياسة إضعاف العمل النقابي، ونسف الأساس الذي يقوم عليه التنظيم النقابي، لأنها تعي جيدا القوة الكامنة التي يشكلها الأجراء كجماعة. قامت من اجل ذلك بإغلاق منشئات وتشريد ألاف العمال والعاملات …الخ في بعض القطاعات. وشرعت في قطاع التعليم في التشغيل بعقود عمل محددة المدة مع جيش الاحتياط من المعطلين، وإسناد خدمات الحراسة والتنظيف بالإدارات والمرافق العمومية لشركات خاصة، وتخفيض اعداد العاملين بالوظيفة العمومية من خلال ما سمي بالمغادرة الطوعية.
2- ومن جهة اخرى، يؤدي القمع المستمر، سواء بتفعيل الفصل 288 من القانون الجنائي خاصة في القطاع الخاص او بفض الاعتصامات بقوات القمع في مقرات العمل او أمام الإدارات المسؤولة، او بالاقتطاع من اجور المضربين بسند غير “قانوني”، (يؤدي) الى تحطيم اي تنظيم نقابي، خاصة بعد ان فقدت الحركة النقابية كثيرا من مصداقيتها بنظر الشغيلة بفعل تراجعات نوعية [التقاعد مثلا…].
3- بالإضافة إلى ما سبق، تعيش الحركة النقابية ازمة منظورات. فمنذ انهيار الاتحاد السوفياتي والأحزاب التابعة له عالميا، وإفلاس الحركة الوطنية الشعبوية محليا، تخلت الحركة النقابية المغربية عن سعيها الى اي مشروع تحرر اجتماعي شامل. وانعطف اليسار التاريخي الى النيوليبرالية بعد ان كانت منظمات نقابية عند نشوئها تبدي ميولا اشتراكية وان اصلاحية (ك د ش و ا م ش). بل واصبحت كلمة “اشتراكية” من الطابوهات التي يتفادى اليساريون النقابيون او غيرهم النطق بها، فبالأحرى التداول فيها واقناع القواعد الشعبية بحتميتها كبديل مجتمعي. ومما زاد من ابتعاد الحركة النقابية عن اي مشروع تحرر إجمالي هو كثرة الانشقاقات وسط المنظمات النقابية منذ انقسام “البديل التاريخي” النقابي الى اتحادات نقابية متعددة، وبروز اشكال تنظيم فئوية وقطاعية بسبب عدم قدرة الحركة النقابية على الدفاع عن المصالح الانية للطبقة العاملة.
الى جانب وقوف الحركة على طرف نقيض من مشروع التحرر من الاستغلال الرأسمالي، نجدها كذلك بعيدة كل البعد عن مستلزمات ذلك التحرر على صعيد أهداف النضال وأدواته وسبل تسييرهما الديمقراطي.
4- ينبني الخط السائد في النقابات على التخلي عن مصالح العمال والعاملات، وذلك بإشاعة جملة سلوكيات غير ديمقراطية من قبيل: اتخاذ قرارات بشكل فوقي دون اعتبار رأي القاعدة النقابية، قمع وإسكات اي صوت معارض او ناقد، واستبعاد اي شكل تنظيمي معبر عن إرادة الشغيلة الواعية مثل لجان الإضراب والجموع العامة التقريرية، وفي المقابل فرض أشكال تحكم من قبيل لجنة الترشيحات التي يكون فيها اللا منتمون سياسيا هم الضحية. تؤدي هذه السيطرة البيروقراطية الى إفقاد الثقة في العمل النقابي، وتجزيئ المطالب والنضالات، وابقاء قضايا اساسية في ابراج الحوارات الزائفة، والاقتصار على التحسين الظرفي الطفيف جدا لأوضاع الاستغلال، وتكريس تفويض الصلاحيات الذي يجعل من النقابة مقدم خدمات (النقابة المحامية) مقابل اقتناء بطاقة العضوية، ويجعل من المناضلين النقابيين موظفين يحترفون العمل النقابي بامتيازات مادية وامتيازات سلطة.
5- عملت الدولة على استقطاب الجهاز النقابي للاستعانة به في تمرير مخططاتها ضد الشغيلة بتمثيله في عدد من المؤسسات. فتحولت النقابات من أدوات للنضال والاحتجاج والمقاومة الى أداة لتأطير العمال وتدبير السياسات الاجتماعية لصالح الدولة البرجوازية. وحل الحوار بين المستغل والمستغل بديلا عن التفاوض، وذلك بواسطة اجهزة عديدة (مجلس الحوار الاجتماعي سابقا، مجلس المستشارين ومجلس حقوق الانسان، اللجنة الوطنية لإصلاح التقاعد، الميثاق الوطني للتربية والتكوين، …الخ). ليس ما سمي ب “الحوار الاجتماعي” او “السلم الاجتماعي” من مهام النقابة المكافحة، لأنه وبكل بساطة لن تتجاوز دور “الوسيط ” الذي يساير الهجوم البرجوازي وسياسات التقشف، وبذلك اجبار الشغيلة على التخلي عن مكاسبهم الاجتماعية تحت مبرر حماية الاقتصاد الوطني من الازمة.
6- الاقصاء الذكوري للنساء: برغم العدد الكبير والمتزايد للنساء العاملات في سوق الشغل سواء في التعليم او غيره من القطاعات، لا يوازيه حضور قوي في الهياكل النقابية، ولا تعكسه ايضا المطالب النقابية التي تغيب عنها معاناتهن. فنسبة انخراط النساء بالنقابة هزيلة جدا، ونجدها أكثر انخفاضا على صعيد تمثيليتهن في مراكز القرار بالرغم من القتالية الاستثنائية التي ابانت عنها النساء في نضالات عديدة. صحيح ان النساء النقابيات أصبحن يتمثلن بعدد أكبر من السابق في المؤتمرات والملتقيات، الا ان حضورهن يقتصر اجمالا على تمثيل رمزي وصوري، وان تقلدن مسؤولية قيادية في لجنة او هيئة ما فانه يقتصر على موضوعات ذات صبغة نسائية او اجتماعية تعيد تراتبية المجتمع الذكوري. فجلي اذن ان الذكورية ايضا تفعل فعلها في الحركة النقابية ويعكس ذلك ضعف مهول في الاشتغال على قضايا المرأة العاملة.
إجمالا، يمكن القول بان الحركة النقابية اليوم لا تعبر سوى عن أقلية ضئيلة من الطبقة العاملة، اذ ان القسم الاعظم من الطبقة العاملة بلا تنظيم نقابي، وأقسام أخرى لا تهتم بهم المنظمات النقابية، من معطلين ومسرحين ومتقاعدين وعمال المقاولات الصغيرة وضحايا شتى انواع التهشيش التي أصبح يعيشها سوق الشغل بفعل الهجوم النيوليبرالي على جبهة تنظيم العمل من قبيل المتعاقدين، وعمال التنظيف والحراسة…الخ.
II. تذمر كبير ومعارضة ضعيفة
استغلت الدولة ضعف الحركة النقابية وألحقت بها ضربات متتالية وكبدتها هزائم ذات وقع عميق، فمررت مدونة الشغل، والتغطية الصحية، وميثاق التعليم واصلاح انظمة التقاعد، وها هي تهيئ مشروع الاضراب الكارثي ومشروع قانون النقابات…الخ، وهذا طبعا أثر سلبا على استعداد العمال والعاملات لتوجيههم وتنظيمهم في النقابات، ونال كذلك من مصداقية الحركة النقابية بنظر الشغيلة.
امام عدم قدرة النقابات على التصدي للهجوم الكاسح للدولة على حقوق الشغيلة، وبقائها دون مستوى التحديات والمخاطر التي تهدد مكتسبات كلفت عقودا من النضال (استقرار الشغل، حق الاضراب…)، نمت حالة قلق واستياء عبر عنه العديد من النقابيين بأشكال عديدة من الانكفاء، او الاستقالة، او الانطواء في منظور فئوي، الى استبدال المنظمة النقابية او الانشقاق. الا ان هذا لا يعني خلو الساحة من اصوات داعية الى تعزيز الحركة النقابية برفع كفاحيتها وطابعها الديمقراطي والمستقل واستعادة وحدتها.
ادى تشتت النقابيين اليساريين وانعدام التواصل المستمر في مختلف مواقع تواجدهم الى العجز عن بلورة خط نقابي يميزهم، مما ادى الى ابقاء الرؤية النقابية اليسارية حبيسة نقد لفظي للوضع النقابي، دون المرور الى تقديم بدائل والشروع في تجسيدها.
ثمة اذن توجهان رئيسيان في الحركة النقابية: أحدهما يساير سياسة الدولة وارباب العمل باسم وحدة مصالح المستغلين وضحايا الاستغلال. والاخر معارض يدافع عن الهوية الطبقية للنقابة العمالية. الاول مهيمن ويستقوي بمواقعه في الجهاز، والثاني ضعيف ومشتت، وبعضه تائه.
III- افاق تغيير الوضع النقابي- اي نقابة نريد؟
يستدعي الوضع الكارثي والمنفر لنقاباتنا التنبيه الى ان التنظيم النقابي لا غنى عنه، ويظل أداة دفاع أولية وإحدى المنطلقات الاساسية للانغراس في الطبقة العاملة. فمهما بلغت من ضعف وتبقرط، في غياب ما هو أفضل، لا يصح غض الطرف عن الموجود. فحالة الاستياء اذن تستدعي منا تعبيرا واعيا، واضح الاهداف والوسائل، اي فعلا خلاقا بدل ردود فعل المجاراة او الاستقالة او تكاثر الدكاكين النقابية. وهذه المهمة ملقاة بالأساس على عاتق المتمسكين بخط النضال الطبقي.
1- ما السبيل الى تحقيق عمل نقابي كفاحي وديمقراطي؟
اولا، طليعة نقابية ميدانية
يجب ان يكون أنصار النقابة الكفاحية والديمقراطية في مقدمة العمل اليومي في الدفاع عن المطالب الانية والمباشرة للأجراء. لا يكفي انتقاد الخط النقابي السائد داخل منظمات نقابية خاوية، اي غير جماهيرية. بل الحالة هاته تستدعي مهمة بناء النقابات عبر الاستقطاب وتنظيم القطاعات غير المنظمة وضخ دماء شابة في الجسم النقابي وغرس وتطوير تقاليد الديمقراطية والكفاحية وتطوير تأنيث النقابات. فمهما كانت المصاعب، على النقابيين الكفاحيين ان يتألقوا كأفضل المناضلين ويثبتوا جدارتهم اولا كنقابيين. عليهم ان يكونوا أفضل المدافعين عن العمال وعن النقابيين ضد البرجوازية، مهما كانت طينة اولئك النقابيين. عليهم ان يحضروا كل التجمعات او الاجتماعات ويتدخلوا فيها بشكل ملموس ليجيبوا على المشاكل الملموسة التي تعترض رفاقهم وان يعرف كيف يتحملوا مسؤولياتهم.
ثانيا، وضع جديد يعني نقابية جديدة
ان الوضع الجديد الذي يعرفه ميدان العمل يستدعي تجديدا في قوى الحركة النقابية. اذ لا يمكن للعمل النقابي في صيغته الهرمة ان يستوعبها. من جهة، نجد يد عاملة شابة ولجت عالم الشغل في ظل تفكيك قوانين الشغل، وتعمل في قطاعات جديدة (الخدمات، القطاع غير المؤهل…) او قطاعات تم او سيتم تفكيكها (المناجم، القطاع العام) لم تعد لها صلة بالنقابية التقليدية، طاقة شابة في حاجة الى طريق جديد للنضال. ومن جهة اخرى، يعيش المغرب نضالات اجتماعية جراء التبدل في الوضع الاقتصادي (تراجع في الخدمات العمومية، احتجاجات حول الماء والكهرباء وضد فرض تسعيرة الاستشفاء…الخ)، وهذا يستوجب منا العمل على الانخراط في هذه الحركات الاجتماعية الجديدة، والعمل على تنظيم العاطلين والمسرحين والنضال ضد خوصصة الخدمات العمومية. فمن المعروف ان ارتفاع البطالة يوفر للبرجوازية جيش احتياطي يضغط به على شروط العمل، وبان الخوصصة تؤدي الى تدهور شروط اعادة انتاج قوة العمل.
هكذا عمل تجديدي يحتاج الى رؤية برنامجية اجمالية، تستحضر التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تطرحها الرأسمالية التابعة عبر الشركات العابرة للأوطان واتفاقيات الشراكة، وتربط المطالب الآنية والمباشرة للشغيلة بالاختيارات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى. وهذا يستدعي طرح بديل عمالي اجمالي مرتبط بما هو عالمي أساسه التضامن الأممي من اجل عولمة بديلة.
ثالثا، الصراع الطبقي وليس التعاون الطبقي
إذا كانت النقابة هي الأداة التي يدافع بها الأجراء والأجيرات عن مصالحهم الآنية ضد الاستغلال الرأسمالي، فهل الطريقة لبلوغ ذلك تستدعي سياسة الصراع الطبقي أم التعاون الطبقي؟ الجواب طبعا واضح إذا ما استحضرنا عدم التطابق الحاصل بين مصالح المستغلين ومصالح المستغلين: ليس بين سياسة الهيمنة البرجوازية وسياسة انعتاق الطبقة العاملة أي تعاون ممكن. وهذا لا يعني طبعا رفض التفاوض من أجل تحسين شروط العمل. لأن ذلك يختلف مع سياسة التعاون الطبقي التي تعني التفاوض الممنهج من أجل تسوية المشاكل بطريقة “ودية” في صالح رب العمل كما هو الشأن بالنسبة لما سمي “السلم الاجتماعي” و “الحوار الاجتماعي”. فمن أجل الحفاظ على النظام الرأسمالي، تقوم الدولة بمساعدته على تدبير أزمته من خلال اضفاء المرونة والهشاشة على عالم الشغل. ومن أجل ذلك يتم الاستعانة بالمنظمات النقابية والسياسية للطبقة الكادحة، خاصة عندما يتجاوز النضال الطبقي الحدود التي تهدد أسس النظام الذي تتغذى منه البيروقراطية. لأنها وبكل بساطة اصلاحية ولأن وجودها وامتيازاتها رهينان بالحفاظ على هذا النظام. وفي سبيل ذلك، تقوم البيروقراطية بتلميع صورة الرأسمالية وجعلها تبدو أكثر انسانية من جهة، وطرد مناضلين أو تجميد فروع من المنظمات النقابية إذا اقتضى الأمر ذلك من جهة أخرى.
رابعا، لا بديل عن الديمقراطية
يجب أن تشمل الديمقراطية كل أوجه الحياة الداخلية، وعدم اختزالها في مبدأ انتخاب المسؤولين بأجهزة النقابة والمندوبين الى مؤتمراتها. تقتضي الديمقراطية اذن:
1- حق تكوين الاتجاهات في النقابات: لا يمكن اشتراط وحدة ايديولوجية في النقابة ما دامت مجرد اداة نضال لتحسين شروط بيع قوة العمل، ولا يعني هذا كذلك جعل النقابة تابعة تنظيميا لأي حزب سياسي كيفما كان. يتعين اذن تعايش ديمقراطي بين التيارات التي تتشكل من داخل النقابة، وتمكينها من التعبير في الصحافة النقابية، والنشرات الداخلية للنقابة. اختلاف وجهات النظر قائم ولا مفر منه، المطلوب تنظيمه بآليات ديمقراطية عوض تركه يعبر عن نفسه بطرق التلاعب واستغفال القاعدة.
2- الاعلام والتكوين: يحتاج أعضاء النقابة الى رواج المعلومات. اذ لا يجب احتكارها من قبل الاقلية واستعمالها كأداة لتركيز سلطة القرار بيدها. يجب تعميم المعلومة ونشرها على اوسع نطاق خاصة إذا كان الامر يتعلق بالنضالات التي تخاض خارج المجال الجغرافي او المهني، وذلك بقصد خلق تعاون بين هذه القطاعات المهنية وتحفيز التضامن فيما بينها.
يفترض في الاعلام النقابي الكفاحي:
• الا يقتصر على الاخبارات، بل يتعداها الى دور التحسيس والتكوين. اية نقابة قامت مثلا بقراءة نقدية لقانون المالية لسنة 2018 لإبراز اثاره السلبية على الشغيلة ونشرته في صحافتها؟
• ان يكثف تواصله مع الشغيلة لتقوية مناعتها وتصليب اقتناعها وكذا تطوير وعيها الفكري. فالطبقة العاملة تتعرض لعملية غسل الدماغ بشكل يومي من طرف وسائل الاعلام التي تهيمن عليها البرجوازية، وتحاول من خلالها التأثير على وعي العمال وحتى الاطر النقابية وتنشر افكار مغلوطة من قبيل وجود مصالح مشتركة بين العمال وأرباب العمل وحياد الدولة…الخ.
• ان يفتح النقاش في وجه الأغلبية والاقلية على حد سواء ويضمن حرية التعبير للجميع.
ومن اجل ذلك يجب:
• العودة الى العمل بإصدار المناشير النقابية وتعميمها وجعلها ادوات للنقاش المباشر بدل الاكتفاء بمواقع التواصل الاجتماعي.
• اصدار الجرائد الورقية لان توزيعها في اماكن العمل يخلق صلات مباشرة بفئات عمالية جديدة لا تعرف شيئا عن النضال النقابي. فالإعلام الالكتروني مهما بلغ لا يغني عن الجريدة الورقية.
من اساليب ممارسة الديمقراطية ايضا، ضمان تكوين نقابي بمنظور طبقي، لا يقتصر فقط على الشأن النقابي او التقني المحض. اي تكوين اقتصادي واجتماعي وسياسي. فبهذه الرؤية العمالية الطبقية فقط، ستتمكن الأطر النقابية من استيعاب حقيقة العلاقات الاجتماعية في بلدنا، وكذلك طبيعة علاقات التبعية التي تربطه بمراكز السيطرة الامبريالية، وبالتالي فهمها للعدو الحقيقي للطبقة العاملة وعدم الاقتصار على ربط مسؤولية الهجوم على حقوقها ومكتسباتها بأشخاص. يجب تفادي التركيز على التكوين التقني بالرغم مما له من أهمية نسبية، لأن الضروري هو كيف نعبئ العمال في جميع القطاعات؟ كيف نخلق وحدة عمالية امام التشتت الناتج عن تعدد النقابات؟ كيف نعبئ الاسر العمالية؟ كيف نتعاون مع جمعية المعطلين ومنظمات النساء وحقوق الانسان؟ كيف ننظم دعم المضربين والمعتقلين على كافة المستويات؟ …الخ.
فالعمال اذن هم بحاجة الى فهم جذور وادوات الاستغلال الذي يتعرضون له وسبل النضال ضده.
ومن اجل ذلك يجب:
• تنظيم عروض وندوات
• تعميم الادب العمالي الكفاحي عموما
• انشاء مكتبات نقابية الكترونية او في المقرات.
• …الخ.
3- التسيير الذاتي للتنظيم وللنضالات: يتعين استعادة العمال الامساك بزمام الأمور واشراكهم بشكل واسع في التنظيم واتخاذ القرارات عبر الجموعات العامة \ات السيادة، اي سلطة القرار وانتخاب المسؤولين وعزلهم عند الاقتضاء، وتقديم كشوف الحساب والرقابة التحتية ولجان الإضراب …الخ. لا يجب اعتبار النقابة كمقدمة خدمات المساعدة للأعضاء مقابل واجب الانخراط، ومن ثمة تفويض الادوار والنيابة عن الاجراء والوصاية عليهم. لن القاعدة هي التي يفترض ان تسطر برنامجها النضالي وتنفذه وليس العكس: اجهزة وطنية تقرر وقاعدة ملزمة بالتنفيذ.
خامسا، الاستقلالية:
تضم النقابة باعة قوة العمل غايتهم تحسين شروط بيعها بعيدا عن أي أساس سياسي دقيق. وهي بذلك قد تضم مختلف المشارب من إصلاحيين وثوريين وما بينهما. وبالتالي فالمقصود هنا هو الاستقلالية عن العدو الطبقي. والمقصود بها ايضا، الاستقلال التنظيمي عن اي حزب سياسي كيفما كان، وهذا طبعا لا يمنع وجود تيارات سياسية في النقابات والواجب على النقابيين الكفاحيين تنظيم هذا التعدد والبرهنة على احترامهم الفعلي للديمقراطية ولاستقلال المنظمات الجماهيرية. ان استقلالية النقابة عن اعدائها يشترط امتلاك منظور بديل عن مشروع الدولة المدمر للمكاسب، وخطة لفرضه عوض المناوشة في جزئيات لا تمس عمق الخطر. لكن لبلورته والتعريف به لا بد من جهد إعلامي وتثقيفي مستمرين.
سادسا، نسونة العمل النقابي:
ان انخراط النساء في العمل النقابي رهين حاليا بتجاوز ازمة الثقة التي تطبع علاقات العاملات والعمال عموما بالنقابات من جهة، ورهين كذلك باعتماد مجموعة من التدابير الانية والمبنية على مبدا “الميز الايجابي”. فلكي تكون النقابة منظمة عمالية فعالة ووفية لعلة وجودها، يجب:
1- رفع مطالب فئوية خاصة بالنساء وتناول القضية بما هي قضية طبقية، لان الحصول على هذه المطالب يمر بالضرورة عبر اشكال نضالية جماهيرية. وهذا ما يرعب البيروقراطية النقابية وتعمل ما بوسعها لتفاديه. لا يعقل اذن، ان تغيب معاناة ومطالب النساء في الملفات النقابية في حين انهن ا كثر عرضة للاستغلال والتحرش الجنسي حتى من المسؤولين النقابيين، خاصة في القطاعات الهشة والقطاع الخاص. هل تساءلنا اليوم عن حجم الاستغلال الذي ستتعرض له المتعاقدات في قطاع التعليم مثلا لتجديد العقدة؟
2- تحرير منظماتنا العمالية من طابعها الذكوري والذي يستمد جذوره من الثقافة الرجعية السائدة في المجتمع (تقسيم الادوار، النظرة الدونية للمرأة، الصورة النمطية للمرأة…الخ)، والتي يزكيها النظام الرأسمالي الذي يثقل كاهل النساء بازدواجية الادوار داخل وخارج البيت لصالح ارباب العمل. يجب اذن الانتباه لفخ البرجوازية الذي يستند على الانقسام الى جنسين بهدف اضعاف الطبقة العاملة. يجب توحيد قوانا، نساء ورجالا، لكي نكون في مستوى الحرب التي تشنها الدولة وارباب العمل. ولن يتأتى ذلك الا بجسد معافى وبوجود كل اعضائه.
3- الانفتاح على الحركة النسائية لتحفيزها على لعب ادوارها التي تتجلى في تطعيم النقابات العمالية، وتوعية قاعدتها النسوية بأهمية العمل النقابي، وتضامنها ومساندتها للنضالات العمالية النسائية (المساواة في الاجور، الحق في رخص الامومة باجرة كاملة، ردع التحرش الجنسي…الخ).
4- الاخذ بعين الاعتبار اكراهات النساء اثناء برمجة مكان وزمان الاجتماعات واللقاءات.
سابعا، الوحدة:
تعرف الساحة النقابية المغربية انقساما كبيرا عنوانه العريض” التنافس والصراع الحاد”. ينتج التعدد النقابي عن تغييب التدبير الديمقراطي للخلافات والمؤدي في النهاية الى الانشقاق. وبالطبع، ليست وحدة الاجهزة النقابية شرطا وجوديا للقيام بالعمل النقابي الوحدوي، لأنه يمكن ان يتحقق من خلال التنسيق بين المناضلين في فروع محلية او اقليمية او جهوية ينتمون لنقابات مختلفة.
ومن اجل تجسيد عملي لشعاري: طبقة واحدة نقابة واحدة، وعدو واحد صف واحد، يجب:
1- العمل على تسييد الديمقراطية الداخلية.
2- جعل توحيد الحركة النقابية شعارا للنضال
3- تجسيد الروح الوحدوية في الميدان وإبراز اضرار التشتت النقابي عند تقييم النضالات.
4- حفز التضامن بين مختلف مكونات الحركة النقابية في مختلف القطاعات والفئات داخل البلد وخارجه (يا عمال العالم اتحدوا). فقد أصبح التضامن مجرد نية غير متبوعة بالفعل ويتجسد عبر بيان او تدوينة فايسبوكية، وانعدم التضامن حتى داخل كل مركزية على حدة. فبالأحرى التضامن مع ضحايا النظام الرأسمالي عبر العالم.
5- تعزيز ما هو موحد حاليا بدل شقه والبحث عن سراب الديمقراطية في هياكل فارغة.
6- توسيع دائرة التنسيق النضالي بين النقابيين المعارضين للبيروقراطية بغض النظر عن انتمائهم النقابي والسياسي في محاولة لتقوية تواجدها بالنقابات المحلية.
7- فتح نقاش من داخل الفئات التي تعلن انتقادها للبيروقراطيات من اجل اقناعها بضرورة الوحدة والانخراط في النقابات لتقوية فروعها ودعم نضالها ضد البيروقراطية من داخل النقابات.
IV- خلاصة:
مهما بلغت أزمة الحركة النقابية، ومهما بلغت الهزائم، ليس للشغيلة الا النضال الجماعي دفاعا عن شروط عملهم وعيشهم وكرامتهم. ان من يعتقد ان اعداء الشغيلة سيقفون عند حدود ما في سعيهم إلى سلبنا كل مكاسبنا هو واهم. ان وجود التنظيمات النقابية مكسب هام يجب الحفاظ عليه ورفض جميع دعوات الانسحاب من النقابة وكل الخطابات التي تنال من جدوى النقابة، وهو ما تغديه الدولة باستمرار. علينا تنظيف الحركة النقابية من الامراض المتحكمة في مفاصيلها، وعلينا اعطاء المثال العملي في تجاربنا المحلية لجانا وفروعا وعلى الصعيد الاقليمي والجهوي، من خلال ممارسة ما نطالب به الاخرين من تجسيد للديمقراطية ومن تكريس لعمل نقابي كفاحي طبقي بوجه خط البيروقراطية المتعاون مع البرجوازيين ودولتهم.
مداخلة تيار المناضل-ة خلال اليوم الدراسي الذي نظمه المكتب الإقليمي للجامعة الوطنية للتعليم، فرع اشتوكة أيت باها حول “التعليم العمومي بين هجوم الدولة وتحديات بناء حركة نقابية ديموقراطية ومكافحة” يوم 25 فبراير 2018، بمركب سعيد أشتوك بيوڭرى.
اقرأ أيضا