الأوضاع سيئة، مزيدا من السياسة النيوليبرالية..
بقلم: ح. ابناي
يصدر سيل هائل من التقارير عن مؤسسات رسمية محلية وعن هيئات امبريالية تهم مختلف أوجه أوضاع المغرب، بل إن غزارة المعطيات وتخمة الأرقام تصيب الرأس بالدوار. تتوحد مجمل هذه التقارير، باختلاف مصدرها في الإقرار بتدني الأوضاع الاجتماعية وارتفاع نسب الفقر والهشاشة بشتى أوجههما، مع الإشادة في الآن نفسه بالسياسية النيوليبرالية التي يطبقها المغرب ودعوته إلى تسريعها وتوسيعها كحل لكل المآسي الاجتماعية التي يرزح تحث نيرها الكادحون.
الملك ينتقد نتائج سياسته الاقتصادية والاجتماعية:
انبرى الملك بدوره بنقد متواتر لنتائج سياسته في خطابات مباشرة بل بلغ ذروة النقد بإقراره «فشل النموذج التنموي المغربي». لقد انقلب خطاب الدولة المسنود بدعاية أحزابها الرسمية رأسا على عقب، فانتقلت من التساؤل المحير عن سبب عدم تصنيف المغرب في مصاف الدول الصاعدة، فراحت تعد الثروة اللامادية لعلها تسعفها في زيادة الثقل وتعطيها المكانة المأمولة، لكن عندما أعياها المسعى أقرت بحقائق الواقع: سياستنا فاشلة واقتصادنا معاق.
القطاع العام والإدارة العمومية سبب النكبات.
وجدت الدولة مكمن فشل سياستها «النيرة» في القطاع العام بما هو عقبة حالت دون بلوغ النتائج المرجوة وفي موظفي الإدارة العمومية الكسالى غير الطموحين الذين «لا يقضون سوى أوقات معدودة، داخل مقر العمل، ويفضلون الاكتفاء براتب شهري مضمون، على قلته، بدل الجد والاجتهاد والارتقاء الاجتماعي.» بل إن» العديد منهم لا يتوفرون على ما يكفي من الكفاءة، ولا على الطموح اللازم، ولا تحركهم دائما روح المسؤولية.» وأصبحت الإدارة العمومية عائقا في وجه التطور الاقتصادي ببطء اشتغالها وتعقيداتها المسطرية. لكن أليست الإدارة جزء من جهاز الدولة؟ أليست جهاز تنفيذ؟ أليس فشلها (بصحة الادعاء ذاك) فشلا للدولة ولسياستها؟
تريد الدولة إقناعنا أن القطاع العام الفاسد، والذي خربته لتسهيل بيعه للرأسمال، لا فائدة منه وكل دفاع عنه دفاع عن الفشل وتردي الخدمات. جوابنا هو: نريد قطاعا عموميا مجانيا وجيدا وخاضعا للرقابة والتدقيق ويطبق كل آليات التسيير الناجحة.
الأحزاب السياسية عاجزة وفاسدة.
الأحزاب السياسية الرسمية أضحت مذمومة من صانعها(الدولة) فهي، بلا فائدة في تأطير الشعب وتعبئته خلف الدولة، بل إن مصالح أجهزتها الفاسدة تدخلها في مناكفات ومشاحنات ينتج عنها اضطراب في تنفيذ ما يعهد اليها به، تدفع بأشخاص بلا مؤهلات وفاسدين لتولى المسؤوليات وهي سبب هجرة الشباب (غالبية المجتمع) العمل السياسي الرسمي ونفوره منه.
الدولة تريد مشجبا، صنعت أحزابا وورطت أخرى ورسمت للجميع حدودا لا يجب تخطيها، تتدخل في حياتها الداخلية وتشرف على انتقاء من يتولى القيادة ولو بإذكاء الصراعات بين الكثل الحزبية المتنافسة وتقسيمها إن لزم الأمر. حرصت على إضعاف كل الأحزاب السياسية وإظهارها باستمرار على أنها لا شيء إلا في ظل عطف الدولة، لا استنادا على قاعدتها الشعبية، ومرغتها في التراب عمدا. الدولة تقتل أحزابها وتدينها على موتها، وما للأولى إلا السمع والطاعة فهي تموت وتحيا بقضاء وقدر خالقها.
القطاع الخاص مثال للاقتداء.
تهيم تقارير المؤسسات النيوليبرالية وكذا خطابات الملك عشقا بالقطاع الخاص وبأساليبه في العمل وبما يحققه من نتائج وما يتوفر عليه من كفاءات عالية لأطره، ويقدم كمثال للنجاح والتألق ولما يجب أن يكون عليه القطاع العمومي.
وراء الدعاية الخادعة تنتصب الحقيقة ناصعة، ليس صعود الرأسمال الخاص نتيجة خصائصه بالذات بل جاء حصيلة سنين عديدة من سرقة المال العام سواء بطريقة صريحة أو ملتوية، ولاحقا ابتلاعه لمؤسسات عمومية بأثمان بخسة وبطرق احتيالية وأخيرا بحلبه الدائم للمالية العمومية عبر مختلف التسهيلات والإجراءات الدائمة التي تسنها الدولة لتعزيز قوته وطنيا وعالميا. ان فقر القطاع العام هو الوجه المستقبلي لتسمين الرأسمال الكبير الاجنبي والمحلى.
تقارير غزيرة، وتقريع رسمي للأوضاع؟ ما خلفيات ذلك؟
من الأسلحة الفتاكة لشل ردة فعل ضحايا السياسة النيوليبرالية إفقادهم الحجة وتغليطهم الكثيف والدائم، تلك غاية قصف العقول من الإنتاج الواسع لتقارير مختلفة وتعميم بعض منها، وتبقي خلاصاتها موحدة مع تباينات طفيفة لإضفاء المصداقية وتصنع الحياد، لنعط مثلا بمختلف التقارير التي تناولت أنظمة التقاعد وتلك المتعلقة بالتعليم العمومي، الصحة والتشغيل …سواء التي حررتها مؤسسات امبريالية أو التي أصدرتها هيئات وطنية رسمية، سنجد أنها تنهال من نفس المنبع النيوليبرالي وتتقاسم نفس منظورات التشخيص ونفس خلاصات التنفيذ.
إن تلك التقارير ونقد الدولة لسياستها غايته تهيئ ضحايا تلك السياسية لقبول تنفيذ مزيد من التعديات باعتبارها الخيار الوحيد، وتغذية الأوهام بالخروج من المأساة في النهاية حين يثمر صبرهم تغيرا في أوضاعهم، والحال أن ما سيأتي به المستقبل ليس سوى مزيد من انحدار لأوضاعهم. ألم يبرر خطاب بيع القطاع العام للرأسمال الخاص بكونه سيثمر تقليصا لنسب البطالة والفقر؟ ألم يكن تطبيق الميثاق الليبرالي للتربية والتكوين بمبرر القضاء على معضلات التعليم العمومي؟ لكن النتيجة تفضحها تقارير الدولة ذاتها لقد فاقمت تلك القرارات أوضاع الكادحين وزادتها سوءا.
فالخطابات الأخيرة ترجمة مغربية أمينة لتوصيات صندوق النقد الدولي (آفاق الاقتصاد المغربي سنة 2040) التي تركز على ضرورة تطبيق جيل جديد من الإصلاحات العميقة والسريعة، من توفير مناخ ملائم لتطور الرأسمال الخاص، إصلاح التعليم بمزيد من تقليص دور الدولة وفتح المجال للخواص، إعادة نظر شاملة في قوانين الشغل بجعلها أكثر مرونة بما يخدم الرأسمال، تحرير صرف العملة الوطنية وجعلها خاضعة – مزيد من استقلالية البنك المركزي – مزيد من تحفيزات القطاع الخاص وتطبيق شراكة قطاع عام-قطاع خاص- خوصصة ما تبقي من القطاعات: طيران ومطارت – موانئ- سكك حديدية .إن الملك يريد إحداث الرجة النفسية باعتماده لنقد حاد لواقع يعرف الجميع انه بالغ التأزم، ولكن الخيار الوحيد الذي ستطبقه الدولة هو التعميق السريع والحاد لنفس السياسة النيوليبرالية.
ليس ازدياد الفقر ونسبة البطالة وخراب التعليم والصحة العموميين واستشراء الفساد والجريمة إلا نتيجة طبيعية لتركز الثروة في يد رأسماليين جشعين تضاعفت ثرواتهم في وقت قياسي، ونتيجة لنقل الثروة إلى المراكز الامبريالية عبر آلية الديون الجهنمية وأرباح الشركات الخاصة.
سياسة العدوان النيوليبرالية القادمة ومهام منظمات النضال.
ليس للكادحين من خيار إلا مقاومة ما تحضره الدولة وحلفاؤها الامبرياليون من سياسة ستنزل وبالا على رؤوسهم. فالدولة المغربية-حامية مصلحة الرأسمال-ستطبق جولة أخرى من سياستها الفاشلة التي سينتج عنها مفاقمة الأهوال الاجتماعية نتيجة تقوية ثروة الرأسماليين. إن الوظيفة العمومية في عين البركان النيوليبرالي، الذي بدأت مقذوفاته تنزل تباعا (التشغيل بالتعاقد-إصلاحات استعجالية لأنظمة التقاعد.) وسيجرى تفويت مزيد من القطاعات العمومية للرأسمال الخاص، وستتعرض قوانين الشغل لإعادة إخراج بتخليصها مما بقي عالقا بها من مكاسب الشغيلة، بما يطلق يد الرأسماليين بلا رادع للفتك وبشاعة الاستغلال.
إن ما سيتم تطبيقه، يكتسي من العمق والعنف ما سيثير ردا نضاليا عماليا وشعبيا، كما بدت تباشيره في النضالات الأخيرة (الطلبة الأطباء، الأساتذة المتدربون، وتململ ضد إجراءات إصلاح التقاعد ونضالات الريف…). لكن لتكون للنضالات تلك القدرة على وقف سياسة الدولة العدوانية وفرض سياسة بديلة تلبي طموحات شعبنا وتفرض إجراءات حازمة تتحدى الملكية الخاصة وتستجيب للحاجيات الجماعية، يستوجب الأمر بناء ميزان قوى طبقي قادر على إجبار أعدائنا على التراجع. ومما لا شك فيه أن أمراض منظمات النضال، وبالأخص النقابية منها، سائرة لتكون سببا للجم بناء ميزان القوي ذاك. إن بلورة البدائل المضادة وغرسها وتعميمها في قلب ضحايا النيوليبرالية، الذين سينزلون للنضال، من مهام اليسار المناضل العاجلة.
اقرأ أيضا