مأساة المرأة الجزائرية خلال العشرية السوداء
بعد أزيد من عشر سنوات من الرعب والخوف وسفك الدماء التي عاشها الشعب الجزائري في الفترة الممتدة من 1991، عقب إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية التي حققت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ فوزا ساحقا بسبب الإرهاب الذي استعمله الحزب ضد الشعب حتى يفوز بالانتخابات الى غاية يناير 2002، عندما وافقت الجبهة الإسلامية للإنقاذ على نزع سلاحها بالكامل مقابل العفو الشامل والمصالحة
كانت عشرية سوداء بامتياز، ارتكبت فيها أبشع المجازر والمذابح التي استهدفت العديد من القرى والأرياف دون تمييز بين ذكر أو أنثى أو بين طفل رضيع أو شيخ طاعن في السن، ليصل بذلك عدد ضحايا الإرهاب الى أكثر من 200 ألف قتيل قدرت نسبة النساء فيها ب 30 بالمائة، وفي هذا الشهر أي شهر فبراير تمر ذكريين أليمتين؛ الأولى ذكرى اغتيال شهيدة حزب العمال الاشتراكي والحركة النسوية في الجزائر الرفيقة نبيلة جحنين التي اغتالتها أيادي الغدر الإسلامية يوم 15 فيفري 1995، والذكرى الثانية للطالبة كاتيا بن قانا في 28 فيفري 1994 اغتيلت امام مدرستها بمنطقة تسمى مفتاح لتكون بذلك كاتيا أول شابة جزائرية اغتيلت بسبب رفضها ارتداء الحجاب.
انتهت إذن العشرية السوداء رسميا ولكن لم تنتهي المأساة بالنسبة للكثير من النساء اللواتي عايشن هذه الفترة العصيبة التي مرت بها البلاد. فقد اغتصبت أزيد من 18 ألف امرأة من طرف الجماعات الإرهابية. هذا العدد للنساء المغتصبات اللاتي يحزن على محاضر الشرطة بعد أن قمن بإيداع شكاوى على مستوى الشرطة، أما العدد الحقيقي للنساء المغتصبات فهو أكثر بكثير لو لا تكتم العديد من العائلات المحافظة ورفضها الخوض في الأمور المتعلقة بالشرف والسمعة. وما زاد الأمور تعقيدا هو اغتصاب الدولة لهذه الشريحة من ضحايا الإرهاب في تأخرها بالتكفل بالنساء المتضررات نفسيا واجتماعيا وتعويضهن كما وعدتهن الحكومة في سنة 1999. ليطول بهن الانتظار لأكثر من عشر سنوات وبالتالي عشرية سوداء أخرى عانت فيها النساء الأمرين في مجتمع طغت عليه الذهنيات الإقطاعية البطريركية الأبوية الذكورية. سنين جمر أخرى تعرضن فيها للطرد من طرف أوليائهن حتى أن بعضهن أصبن بالجنون وأقمن في مستشفيات الأمراض العقلية، ومئات المشردات في الشوارع وهناك من زوجوهن قصرا لمن هم أكبر منهن سنا، وكأنهن من قمن بالجريمة حتى يلقين هذا العقاب.
كما يذكر أن قضية الأطفال المولودين في الجبال خلال المأساة الوطنية، والذي وصل عددهم الى أكثر من 400 طفل مازالت عالقة. وهذا ما يؤكد تأخر الحكومة مرة أخرى وربما عدم اهتمامها لإيجاد حل لهذه المسألة الإنسانية، واقترح بعض القانونيين في الجزائر حمل الأطفال الذين ولدوا في الجبال اسم الأم كحل لهذه المسألة لكن رفض الإسلاميين لهذا الحل حال دون ذلك، لتظل ملفات أطفال ضحايا الإرهاب قابعة في أدراج مكاتب الوزارة، وتظل معها معاناة الأمهات العازبات عشرية أخرى.
إن الأوضاع الأمنية الخطيرة ومرحلة اللا استقرار التي عاشتها البلاد طيلة تلك السنوات عطلت عجلة التنمية وارتفعت نسبة الفقر والأمية، خاصة في أوساط النساء والفتيات في المناطق الريفية بسبب التهديدات الإرهابية التي كانت تطالهن، حيث بلغت نسبة الأمية حسب إحصاء قام به الديوان الوطني للإحصاء عام 2008 الى 22,3 بالمائة من عدد النساء الأميات في الجزائر والتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة. وحسب ترتيب المناطق الأكثر انتشارا للامية فان المناطق التي تركزت فيها النشاطات الإرهابية كانت الأكثر أمية. كما أن الأوضاع الاقتصادية السيئة التي عاشتها الجزائر خلال تلك الفترة كانت في قائمة ارتفاع ظاهرة أخرى، وهي ظاهرة التأخر في الزواج أو ما يطلق عليها تعسفا “العنوسة”. خمسة ملايين فتاة دون زواج تجاوزن سن الخامسة والثلاثين، وبمعدل زيادة يقدر بمائتي فتاة سنويا حسب اخر إحصائيات للديوان الوطني للإحصاء، بالإضافة الى ارتفاع نسبة النساء الأرامل اللواتي اغتيل أزواجهن من طرف الجماعات الإرهابية التكفيرية أو الأرامل اللواتي اغتيل أزواجهن في صفوف الجماعات الإرهابية، والمطلقات غيابيا بعد هجر الزوج البيت لمدة 5 سنوات. وتشير الإحصائيات الرسمية لوكالة التنمية الاجتماعية، التي تنشط تحت وصاية وزارة التضامن الوطني والأسرة إلى وجود 27440 ربة عائلة بدون دخل يعشن التهميش والفقر والاستغلال الجسدي والاضطهاد الاجتماعي، يعشن على إعانات الدولة وشفقة المواطنين.
بعد العشرية السوداء تراجعت الحريات النسوية في الجزائر بالنسبة لفترة الثمانينات والسبعينات مثلا، وخاصة فيما يتعلق بهندام المرأة ومظهرها الخارجي، انتشار رهيب للحجاب الأفغاني السعودي، وغياب شبه كلي للأصالة الجزائرية المغاربية المتوسطية، لأن الإرهاب في الجزائر لم ينهزم ثقافيا، بل انهزم عسكريا وبدرجة أقل سياسيا، بحيث تم انجاز كل ما كان يهدف إليه برنامج الإرهاب، أين نرى الحياة الثقافية والتربوية تأسلمت بشكل رهيب، وأصبح من الصعب جدا على المرأة أن تنزع الخمار والحجاب في كل المدن المتوسطة والإدارات والمؤسسات. إنها ثقافة قائمة بذاتها وعليه التراجع في الحريات واضحا جدا. ولا أدل على ذلك ما قامت به إدارة كلية الحقوق في جامعة الجزائر 1 مؤخرا حيث وضعت الإدارة تعليمة تمنع فيها منعا باتا لبس الفساتين القصيرة أو السراويل الضيقة باعتبارها ملابس مخالفة للآداب العامة. وحسب التعليمة الصادرة فإن كل طالبة تخالف قراراتها تعتبر محرومة من إكمال دراستها مستثنية “التعليمة” الذكور من نظام الحرم الجامعي، حيث علق أحد الأصدقاء على صفحته في الفيس بوك ساخطا على ما آلت إليه الحريات الفردية في الجزائر بعد هذه التعليمة: نحن في زماننا في الجامعة كانت لنا حرية مطلقة، أتذكر الطالبة المحجبة الأولى في كلية الحقوق في بن عكنون سنة 1976 وكانت الطالبة الوحيدة بالحجاب، وكانت جميلة جدا، إلى أن أحد أصدقائي كان يسميها “بنت الله”، كان معظم الطلبة “غير متدينين”، ويتعانقون علانية ذكورا وإناثا، ولا أحد يتدخل في شؤونك الخاصة، أما الآن، بدون تعليق .
لم تمر العشرية السوداء على المرأة الجزائرية مرور كرام تتذكره لماما بل كانت عشرية كل شيء فيها مضاعفا، الموت والاغتصاب والحزن… الخ. لم يكن أنين المرأة الجزائرية أقل من أنين المرأة الإيرانية التي أجبرت على لباس الخمار الإسلامي، والتي تم عقابها بضربات من السوط لعدم امتثالها للطاعة، والتي سيتم رجمها بالحجارة حفاظا على الشريعة، ولا اقل من أنين النساء الأفغانيات الخاضعات الى عنف الصراع من أجل السلطة بين طالبان من جهة والمحتلين وعملائهم من جهة ثانية، ولا يمكن إسكات هذا الأنين المتصاعد الا بتطور وعي النساء وادارك أن العنف بمختلف صوره أداة يستعملها النظام البطريركي ليعزز قهرها وادارك أن هذا العنف لا يمكن السيطرة عليه إلا إذا جرت الإطاحة بموقع المرأة التابع للرجل.
بقلم، نجمة دزيري
اقرأ أيضا