موكب السيارات النقابي الى الرباط يوم 10 دجنبر 2017: وسيلة غير فعالة بتاتا، لا بديل عن الإضراب العام العمالي والشعبي
بينما تواصل الدولة تصعيد حربها على طبقة الأجراء، وتوسع جبهة الهجوم على فئة الموظفين بفرض نظام التعاقد في التشغيل، بعد ضرب مكاسب التقاعد، وتعد العدة لتمرير قانون منع الإضراب، تقف الحركة النقابية متكلسة مكتوفة الأيدي والأرجل.
منذ مكاسب الموجة النضالية لحراك 20 فبراير، كان التصدي النقابي لعدوان أرباب العمل ودولتهم مقتصرا على خطوات محدودة لم تؤت أكلا. فلا إضرابات قطاعية، ولا إضرابات عامة من يوم واحد لا غد له، متحكم بها فوقيا، ولا مسيرات وطنية بالعاصمة أو بالدار البيضاء، أفلحت في وقف ضربات العدو، وبالأحرى انتزاع مكاسب جديدة.
وقد شهدت هذه الفترة تفكك الحالة اليسارية الناشئة في الاتحاد المغربي للشغل، باسم “التوجه النقابي الديمقراطي”، وكرس مؤتمر ك.د.ش الخامس (نوفمبر2013) تكلس هذا الاتحاد النقابي برنامجيا وسياسيا وتنظيميا. وأغلق مؤتمر الاتحاد المغربي للشغل الحادي عشر القوس الانتقالي الذي فتحه سابقه، بإحكام القبضة البيروقراطية على الجهاز، ومن ثمة التخلص النهائي من عبء عقود من المحجوبية. وكان ذلك درسا بليغا حول مآزق التكتيكات ضيقة الأفق والانتهازية.
أدمنت القيادات النقابية استجداء “الحوار”، وشاركت في جولات عادت منها خاوية الوفاض إلى ترديد لازمة “مأسسة الحوار”، فيما ضحايا الهجمات من أجراء القطاع الخاص ومستخدمي الدولة يردون مشتتين كل فئة على حدة، بمطالب جزئية، سواء باحتجاجات مؤطرة نقابيا أو عبر تنسيقيات أو تنظيمات مهنية.
قيادات تلتمس مجالسة الحكومة، وقواعد تستنزف قواها في مناوشات فئوية، في أجواء من غياب التضامن بل حتى الانتباه لتحركات الآخرين. وقد شهدت هذه الفترة معارك كبيرة بالقطاع الخاص، منيت بهزيمة منها إضراب ما يفوق 1000 عاملة بمصبرات ضحى بنواحي اكادير (ايت ملول) المفضي الى طرد المئات وتفكيك التنظيم النقابي، ومعركة مغرب ستيل التي خلفت مطرودين يُجرجرون في المحاكم. ولا شك أن نضال شغيلة الطرق السيارة من اجل استقرار العمل، المستمرة بانقطاعات منذ عام 2012، نموذج للمعارك الكبرى والمصيرية المتروكة لحالها.
إنها نتائج سياسة نقابية دأبت عليها القيادات، قوامها مسايرة هجمات أرباب العمل ودولتهم بتلطيف ظرفي بين فينة وأخرى، وبابتزاز الشغيلة بفزاعة الوضع السوري وما شابه من أهوال الثورة المضادة بمنطقتنا.
سياسة ستجر على الطبقة العاملة مصائب إضافية بمقدمتها مشروع قانون منع الإضراب الملوح به منذ سنوات، والمصادق عليه في مجلس وزراء (برئاسة الملك) في شهر غشت 2016. كما يمثل تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول الصندوق المغربي للتقاعد (يناير 2017)، وتقريره عن الوظيفة العمومية (أكتوبر 2017) إيذانا بغارات أشد ضراوة على أجراء الدولة. ويمثل إلحاح منظمة أرباب العمل [الاتحاد العام لمقاولات المغرب] على تفكيك ما تبقى من حقوق بقانون الشغل بديناميت الهشاشة إنذارا آخر بما ينتظر بروليتاريا المغرب المنكوبة.
في هذا السياق، وبلا أدنى نظر في حصيلة الخطوات السابقة التي أقدمت عليها ك.د.ش منفردة، أو تلك المشتركة مع اتحادات نقابية أخرى، دعا المجلس الوطني الكونفدرالي المجتمع يوم 4 نوفمبر 2017 الى شكل احتجاجي مستجد سينفذ لثاني مرة. بعد أن كانت الأولى نحو أكادير تضامنا مع كاتب الاتحاد المحلي في ديسمبر 2016.
مسيرة بالسيارات إلى العاصمة احتجاجا على غياب “الحوار” وعدم الوفاء بجزء من اتفاق 26 ابريل 2011.
لكن، ماذا يعني أن تلتزم الحكومة وأرباب العمل قبل 6 سنوات ونصف السنة، ولا تفي بعد هذه المدة كلها؟ إن مكاسب العام 2011 ناتجة عن ميزان قوى عمالي وشعبي كان تحسن لصالح الكادحين في خضم الانتفاض العام بعد سقوط رؤوس أنظمة مستبدة بالمنطقة. ميزان القوى ذاك اختل، لا بل انهار لصالح الرأسماليين ودولتهم. ومن أسباب هذا الانهيار الرئيسة سياسة قيادتنا النقابية التي راحت تعزف اسطوانة “السلم الاجتماعي” و “الحوار” والشراكة الاجتماعية”، عازفة عن كل نضال فعلي، مستعيضة عنه بخطوات جزئية قصيرة النفس خارج أي خطة نضالية إجمالية.
وليست خطوة انفرادية بركوب السيارات إلى العاصمة-بكلفة مادية باهظة-هي ما سيجبر الدولة على مفاوضة النقابات وتنفيذ التزامات 2011. لن تجلب خطوة اصطفاف السيارات نحو الرباط غير ُمرّ الثمار كسابقاتها من الخطوات الرامية في الحقيقة التظاهر بالنضال بديلا عن النضال. لا يمكن أن تظل القيادات النقابية ساكنة جامدة والشغيلة يكتوون بنار الدولة والرأسماليين. لذا تقدم على هذا النمط من “التحركات النضالية” لرفع الحرج ودفع أي مؤاخذة بالتفرج على الأهوال الاجتماعية تنهال على رؤوس العمال والعاملات.
منظمات العمال بحاجة إلى خطة نضالية حقيقية، أولها التضامن مع النضالات الجارية وفك عزلتها، وإنمائها لتتسع قطاعيا ووطنيا، وتطوير التعاون بين مختلف النقابات من تحت إلى فوق، عوض التنسيقات الفوقية الخاوية. خطة النضال لابد لها من مطالب جوهرية تحسن الوضع العمالي فعلا، وتضمن حرية نقابية حقيقية. ويستدعي تحقيق مطالب جوهرية من هذا القبيل تعبئة قوى الطبقة العاملة بإنجاح معارك القطاعات الأكثر قدرة على الكفاح، لتكون حافزا للقطاعات الهشة وضئيلة القدرة النضالية.
منذ فجر تاريخها النضالي، اعتمدت طبقة عبيد الأجرة الإضراب عن العمل وسيلة نضال لإجبار أرباب العمل ودولتهم على تلبية المطالب العمالية. الإضراب يوقف تدفق الأرباح، ويهدد الرأسمال بالموت، إذ هو في تنافس ضار مع وحوش أخرى من طبقة مصاصي الدماء، فيضطر للتنازل عن القليل حفاظا على استمرار ضخ فائض القيمة.
لن يُجبر الدولةَ والبرجوازيين على التفاوض والتنازل غير الإضراب العام العمالي والشعبي، الممكن عبر خطة نضالية ممتدة متصاعدة. إن كانت الإضرابات العامة السابقة لم تجد نفعا، فلأنها محدودة جدا زمنيا، بدل إضراب عام قابل للتمديد، يقرر تمديه الشغيلة أنفسهم في جموعهم العامة. وثانيا لأنها مفرغة من محتواها بما يسمى تقنية الإضراب، وهي ليست غير تحكم فوقي مستبد في كفاحية الإجراء، وبدعوة العمال إلى تعويض ساعات الإضراب لأرباب العمل. باختصار لم تنجح الإضرابات العامة السابقة في إجبار العدو الطبقي لأنها كانت تلاعبا بيروقراطيا بالإضراب العام ليس إلا.
ستدخل مسيرة السيارات إلى العاصمة تاريخ النضال العمالي من باب المهازل التي باتت بيروقرطيات النقابات تبرع في إبداعها بعد مهزلة “مقاطعة فاتح مايو” في العام 2015.
نحن لا نطالب البيروقراطيات ان تكون كفاحية، ولا أن تمتلك رؤية نقابية مناضلة، ولا مشروعا مجتمعيا بديلا، فهي ملحقة بالدولة تشدها أواصر الامتيازات والمصالح المادية. وسنرى كيف ستهرول إلى تبني الخطاب الرسمي الجديد حول “النموذج الاقتصادي” والنموذج التنموي” و”بربط المسؤولية بالمحاسبة”… إلى آخر المعزوفة.
نحن نخاطب أبناء طبقتنا وبناتها الأوفياء لعلة وجود النقابة العمالية: تحسين وضع الطبقة العاملة وحرياتها على طريق التحرر من همجية الرأسمالية.
إننا مطالبون/ ات بعمل صبور طويل النفس، معزز بدروس كفاح طبقتنا، محليا وعالميا، للتمكن من انتشال منظمات نضال العمال من الدرك الذي أوصلتها اليه سياسة “الشراكة الاجتماعية” بين العمل والرأسمال ودولته.
وأول خطوات هذا السبيل هي محاربة السلبية والاتكالية والانتظارية، التي تربي عليها الأجهزة النقابية القواعد الملتحقة بالنقابة، هذه التربية الفاسدة التي لم ينج منها عديد من مناضلي اليسار أنفسهم. إننا بحاجة إلى منظمات شغلية حية، نشيطة داخليا، قواعدها مبادرة، نقدية، ذات تكوين فكري طبقي.
مصطفى البحري
2 ديسمبر 2017
اقرأ أيضا