أخطاء لم يسلم منها مناضلون بحراك الريف: تعامل مع زيان ومع وسطاء الدولة
ليس القمع وسيلة الدولة البرجوازية الوحيدة للقضاء على تحركات الكادحين النضالية. فالمناورة السياسية قد تؤتي أكلا أشد فعالية إن هي أفلحت في إدخال التردد والارتباك في صفوف حركة النضال.
وقد شهدنا نظيرا لهذا في حراك الريف الممتد منذ أكثر من عام.
حراك الريف أعظم تحد واجهه النظام منذ إفلاته من موجة 20 فبراير. وقد أثار الرعب لدى الحاكمين ومجمل الطبقة السائدة. رعب شبيه الى حد ما بالمخاوف التي استبدت بهم في العام 2011. لأنهم يدركون حجم القنبلة الاجتماعية وخطر أن يكون الريف فتيلها. لم يمكن والحالة تلك أن يتدخل في أمور التعامل مع هذا الحراك من أنصار الدولة سوى من أوعزت إليهم او حصلوا منها على ضوء اخضر. تلك حالة المسمى محمد زيان.
محمد زيان من خدام الاستبداد الأوفياء، قام بأدوار طمس جرائم الدولة السياسية أيام الحسن الثاني، في ما سمي المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سيء الذكر، وبصفته وزيرا لحقوق الإنسان، فضلا عن وقوفه محاميا عن الدولة ضد النقابي نوبير الأموي يوم تجرأ على طرح مسألة الحكم الفردي [محاكمة تحت غطاء تهمة قذف الحكومة بشتيمة اللصوصية]. وزيان هذا يرأس حزبا ليبراليا، والليبرالية بالذات هي التي دمرت الريف، ومجمل المغرب، اجتماعيا.
وها هو زيان ينصب نفسه مدافعا عن معتقلي حراك الريف، وقد يكون ضمن المحامين آخرون من طينته دستهم الدولة لأغراض إضعاف المعتقلين ومجمل الحراك.
الحراك معارض للدولة وسياستها، فيما زيان من أنصار نظام الاستبداد والاستغلال، مساره كله يشهد انه من رجال النظام الأوفياء أعداء تطلعات الكادحين. وقوفه الكاذب إلى جانب معتقلي الحراك ليس بريئا. انه أولا وقبل كل شيء يسعى إلى خلط الأوراق، بث البلبلة بمحو الخط الفاصل بين الدولة ومناضلي الحراك. أي نسف واحدة من مكاسب الحراك الذي رسخ في وعي الكادحين رفض دولة الاستبداد برمتها وبدكاكينها السياسية.
ما حاجة معتقلي الحراك إلى “مساندة” مسمومة من زيان؟ ثمة كثرة من المحامين القادرين على النهوض بالمهمة القانونية، فضلا عن كون الذي سيحسم قرار المحكمة ليس هو القانون او القاضي بل ميزان القوى الميداني، فالقضية سياسية وليست قانونية.
غاية زيان وأمثاله هو الإضعاف السياسي للمعتقلين، باستدراج بعضهم إلى التوسل والاستجداء، ما يمثل هزيمة لمن تحدوا الدولة. أكثر زيان التصريح بان الزفزافي ملكي ليبتز منه هذا الموقف السياسي، لا سيما أن الاتهام موجه إلى حراك الريف بمعاداة الملكية، استنادا إلى عدم رفع علم المملكة، بل رفع علم جمهورية الريف، وعدم رفع شعار عاش الملك وتعويضه بشعار عاش الشعب.
وقد شهدنا كيف كان جوهر الرسالة المنسوبة الى الزفزافي هو تبرئة الملك واتهام المسؤولين، هو موقف جديد بالنسبة لناصر وللحراك. فإن بدا الزفزافي متحديا للدولة، وضمنيا لرئيسها، فيجب تركيعه بأي ثمن. يجب تحطيم شعبية ناصر: فتى يسفه كل مؤسسات الدولة وأحزابها، ويتحدى الدولة باسم الجماهير المنتفضة، رافعة أعلام جمهورية الريف، فيما اعتادت الدولة ان ترفع في بعض الاحتجاجات الأعلام الرسمية. أن يبرز مثل هذا القائد منذر بأكثر منه، لذا ليس من مصلحة الدولة إلا أن تهينه وتمرغه في وحل الانبطاح والاستجداء، وتبرئة الملك من مسؤولية ما جرى لكادحي البلد من تنكيل اجتماعي وسياسي.
إن كل ألاعيب زيان، وإشهاره الرسالة من الزفزافي، وكل البلبلة التي أحدثها الأمر، حققت هدف النيل من الحراك وتحديه للدولة. وأقل ما في الأمر من ضرر شغل الرأي العام المهتم بالحراك الشعبي لصرف نظره عن دعم الحراك ما دام قادة منه “يتحاورون” مع الدولة من سجنهم، لا سيما الترويج الإعلامي لانتظارات واهية كلما اقتربت مناسبة دينية او رسمية. كل هذا يحبط التعبئة الشعبية ويبذر البلبلة السياسية، وهو هدف النظام.
كل ما قيل عن مناورات زيان ينطبق أكثر على مناورات العديد من المبادرات الجماعية والفردية التي ادعت التوسط في الصراع بين الحراك الشعبي والدولة. فقد تحركت العديد من الأسماء التي اشتهرت بولائها التام للنظام وامتدادها في “المجتمع المدني”، من قبيل كمال الحبيب وصلاح الوديع ونور الدين عيوش. لا يمكن لمناورات هؤلاء ان تنطلق إلا بقناع تأييد لمطالب الحراك والحرص على مصلحة الكادحين المنتفضين. لكن هدفها إطفاء الحريق المنطلق من الريف، المهدد لمصالح الطغمة المغتنية بعرق الكادحين ودمائهم.
غاية الوسطاء المزعومين نسف الحراك، وذلك بجر قادة منه إلى مستنقع الاستجداء والتوبة السياسية، أي في آخر المطاف إلى خيانة مبادئ الحراك الشعبي وأهدافه. وستكون طعنة من هذا القبيل أشد تدميرا من حملات القمع والعسكرة.
لا شك ان قبول ترافع زيان عن بعض المعتقلين، والتعامل مع وسطاء النظام، خدامه المقنعين، خطأ سياسي يجب تدراكه. الاعتماد على الجماهير الشعبية هو الأساس، والسجن ضريبة النضال.
فحذار من مناورات دولة الاستبداد.
عاش الريف وحراكه العظيم
النصر لكادحيه
بوغافري
اقرأ أيضا