الوضع الراهن على ضوء نضالات الريف والآفاق
بقلم: طارق الريفي بعد حراك 2011: البرجوازية تأخذ باليد اليمنى ضعفي ما أعطت باليسرى
مع تراجع الحركة الجماهيرية العارمة التي شهدها المغرب سنة 2011، شرع النظام القائم بالمغرب في الاجهاز على المكاسب الطفيفة التي حققتها هذه الحركة وذلك : – بإعادة ضبط المؤسسات التي تشكل واجهة لتصريف القرارات المعادية لمصالح الطبقة العاملة وعموم الكادحين، من حكومة وبرلمان وجماعات ترابية بما يجعلها تتناغم بشكل تام مع ما تسعى البرجوازية إلى تحقيقه – محاصرة كل أشكال المعارضة السياسية، وتضييق الخناق على الهيئات والمنظمات الحقوقية والجمعوية المناضلة، – التجاهل التام لمطالب النقابات على علاتها رغم الحالة “المثيرة للشفقة” التي بلغتها قياداتها في توسل الحوارات – تسريع وتيرة تنفيذ البرامج الطبقية التي كان لحركة 20 فبراير الفضل في وقفها ولو مؤقتا، وعلى رأسها تحرير الأسعار وضرب صندوق المقاصة بخفض ميزانيته من 56.43 مليار في سنة 2012 إلى15.5 مليار برسم سنة 2016 ، وإخراج مشروع تخريب أنظمة التقاعد إلى حيز الوجود بزيادة الاقتطاعات وتخفيض المعاشات والرفع من سن التقاعد، وإدخال المرونة والهشاشة على قطاع الوظيفة العمومية بتفعيل مراسيم التشغيل بالعقدة وحركية الموظفين، وتقليص منح الأساتذة المتدربين ووضع عراقيل جديدة أمام ولوجهم مهن التدريس بعد التكوين – استهداف الحريات النقابية والحق في الإضراب عبر الاقتطاع من أجور المضربين ووضع مشروع قانون الاضراب ومشروع قانون النقابات على قائمة القوانين المقرر إخراجها إلى حيز الوجود – تكريس تدني الخدمات العمومية بخفض الميزانيات المخصصة للصحة والتعليم وفتح المجال لأصحاب رؤوس الأموال للاستثمار فيها وفي غيرها من القطاعات العمومية ذات الطابع الاجتماعي. لقد شكلت هذه السياسات جوهر ما يمليه صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية، ومعهم حكومات البلدان الامبريالية، على النظام القائم بالمغرب، حيث ظلت هذه المؤسسات تشيد بما تسميه “الاصلاحات” التي يباشرها حكام المغرب، وتحفزه على السير بها إلى أقصى الحدود لخدمة مصالح الشركات متعددة الجنسيات والرأسمال الكبير على حساب العمال والكادحين والمهمشين، وأيضا لضمان تسديد سريع للديون التي تنهب أزيد من 84 % من الناتج الداخلي الخام. وكان من نتائج هذه السياسات تكريس المزيد من الفوارق الطبقية، وتحويل حياة الكادحين إلى جحيم لا يطاق، ودفع فئات اجتماعية جديدة إلى مستنقع البؤس والمعاناة المريرة، الأمر الذي مهد الطريق لبروز نضالات اجتماعية ذات نفس طويل في السنوات الأربع المنصرمة رغم طابعها الفئوي أو الجغرافي المحدود. وكان على رأسها نضالات الجماهير بطنجة ضد النهب المكشوف الذي تمارسه شركة أمانديس المسيرة لقطاع الكهرباء بهذه المدينة، ومعارك كل من طلبة كليات الطب،والأساتذة المتدربين التي أعادت طرح قضية التعليم إلى واجهة النقاش في وسائل الاعلام ومواقع التواصل، والاضرابات العامة التي دعت إليها المركزيات النقابية رغم محاولات إفراغها من محتواها النضالي من طرف القيادات البيروقراطية، وغيرها من النضالات التي سعى النظام إلى تطويقها بالقمع والحصار، واستنزاف ديناميتها بالتماطل في تحقيق مطالبها او الالتفاف عليها.
أحزاب البرجوازية تتنافس على خدمة الملكية والمؤسسات الرأسمالية
في هذا السياق العام، شرع النظام في إجراء انتخاباته الجماعية في 04 شتنبر 2015 وبعدها الانتخابات البرلمانية في 07 أكتوبر 2016 لتجديد شرعية مؤسساته الجماعية والحكومية بعد أن استنفذ حزب “العدالة والتنمية” الذي كان يترأس الحكومة جزءا كبيرا من مهمته في تنفيذ أبشع القرارات وأكثرها استهدافا للحياة اليومية للكادحين. وكانت غاية الملكية إبعاد هذا الحزب من دائرة تنفيذ السياسات العمومية أو على الأقل إضعاف وجوده في الحكومة رغم كل الخدمات التي قدمها للبرجوازية المحلية والأجنبية، وفي مقابل ذلك كانت رغبة الملكية تتجه بشكل واضح ومكشوف نحو فسح المجال للأحزاب المولودة من رحمها لتسيير الحكومة، وكانت الستة أشهر التي تلت الانتخابات البرلمانية كافية لتكشف مرة أخرى على أن قواعد اللعبة داخل المؤسسات المنتخبة متحكم فيها إلى أبعد الحدود من طرف القصر وقمم البرجوازية المحيطة به، وأن دور أغلب الأحزاب يقتصر على تقاسم الامتيازات والفتات الذي تمنحه الدولة مقابل تنفيذ برامج البرجوازية المحلية والأجنبية وخدمة مصالحها. إن غاية التذكير بهذا السياق السياسي هي الوقوف على شعارات ومواقف رفعت في حراك الريف واستفزت الكثير من المناضلين اليساريين، هذه الشعارات والمواقف التي تجسدت في هجوم بعض شباب الحركة على كل الأحزاب واعتبارها “دكاكين سياسية” لا دور لها، وتوجيه الخطاب بشكل مباشر للمؤسسة الملكية ومطالبتها بالاستجابة لما يعبر عنه هذا الحراك. فالجماهير التي واكبت الحالة السياسية المذكورة أعلاه،أدركت بوضوح أن الحكومة ومعارضتها ليستا سوى أدوات لتنفيذ “التعليمات”، وأن المطلوب هو اختصار المسافة ورفض أي شكل من أشكال تدخل هذه الأحزاب في الحركة سواء بالانخراط في قيادتها أو بالوساطة حول مطالبها ما دامت المتواجدة منها في الحكومة لا تملك سلطة القرار، والمتواجدة في المعارضة الشكلية لا تستطيع السير بالمعركة حتى نهايتها، وهذه المسألة تكشف بوضوح على أهمية وضرورة بناء قوة سياسية عمالية مؤثرة ومستقلة عن البرجوازية، ومستمدة شرعيتها من الرصيد الكفاحي للجماهير الشعبية، ومنسجمة مع تطلعاتها وانتظاراتها.
حراك الريف يمهد طريق عودة قوية للجماهير إلى الشارع
لم تكن جماهير إقليم الحسيمة والريف، على غرار العديد من مناطق المغرب، هادئة وراضية على الوضع قبل حادث استشهاد محسن فكري طحنا في شاحنة نفايات.فحجم انخراط كادحي هذه المنطقة في كل المحطات النضالية الخالدة في تاريخ كفاح الشعب المغربي كان بارزا وقويا، بدءا بمرحلة المقاومة ضد الاستعمار الاسباني والفرنسي، مرورا برفض تسليم السلاح بعد مؤامرة اكس ليبان الخيانية، وما رافق ذلك من جرائم بشعة ارتكبها النظام في حق جماهير المنطقة سنتي 1958/59. وكذا في انتفاضتي 81 و84 حيث سقط مئات الشهداء والمختطفين، وصولا إلى الحركة الجماهيرية القوية التي شهدها المغرب سنة 2011،والتي اتخذت منحى تصعيديا واضحا بأقاليم الريف إن على مستوى موازاة المسيرات بأشكال نضالية مؤثرة كالاضرابات العامة والاعتصامات المفتوحة أمام مؤسسات الدولة ومقاطعة أداء فواتير الكهرباء، أو على مستوى إبداع آليات تنظيمية متقدمة تفسح المجال لأوسع قاعدة في التقرير والتسيير وعلى رأسها اللجان المؤقتة التي كان للجموع العامة التي تنعقد في الشارع كامل الصلاحية في تجديدها وتغييرها. الأمر الذي جعل النظام يعتمد على كل وسائله القمعية لوأد حركة الجماهير بهذه المنطقة بعد تراجع زخمها في أغلب المدن المغربية، عبر تعزيز ترسانته القمعية بالاقليم، وممارستها لأبشع أنواع القمع والتقتيل والاختطاف ، حيث تم يوم 27 اكتوبر 2011 اغتيال الشهيد كمال الحساني الذي كان يعتبر من أنشط المناضلين بمدينة بني بوعياش، واعتقال عشرات المناضلين اليساريين الذين كان لهم دور بارز في قيادة الحركة، وزعت عليهم أحكام بالسجن تراوحت بين 3 سنوات و12 سنة نافذة، إضافة إلى فرض حالة طوارئ غير معلنة ومنع أي شكل من أشكال التجمهر أو الاحتجاج منذ أواسط سنة 2012 إلى غاية استشهاد محسن فكري في 28 أكتوبر 2016. وقد وجدت جماهير المنطقة في بشاعة حادث استشهاد محسن ما يبرر العودة للشارع بشكل أشد قوة،وعدم الاقتصار على المطالبة بمعاقبة المتورطين المباشرين وغير المباشرين في مقتل الشهيد، بل المطالبة أيضا بالكرامة والعدالة وتوفير شروط العيش اللائق، الأمر الذي أعاد الحركة الاحتجاجية من جديد إلى الشارع بمنطقة الريف وجعلها تتمدد بشكل سريع نحو مختلف مداشر وأقاليم هذه المنطقة لتشمل أزيد من 50 بلدة ومدينة أسست كلها لجانا للحراك الجماهيري وأعادت إحياء اللجان التي كانت قائمة في فترة 2011-2012. وشرعت في تنظيم مسيرات محلية وأخرى ممركزة بالحسيمة بشكل متواصل لأزيد من سبعة أشهر. كما واكبتها دينامية نضالية غير مسبوقة من طرف عمال الريف المتواجدين بأوربا، حيث أصبحت المسيرات التي يخوضونها في بلجيكا وهولاندا وفرنسا واسبانيا تستقطب أعدادا متزايدة من العمال، وتشكل قاعدة إسناد مهمة لحراك الريف، خاصة وأن هذه الاحتجاجات رافقتها عملية تشكيل لجان دعم الحراك بأهم الدول الأوربية، وهي لجان توفر فضاء مهما للنقاش الديمقراطي والتدبير الجماعي للبرامج النضالية، وتساهم بشكل متزايد في كسب دعم الرأي العام الأوروبي والقوى العمالية واليسارية بهذه البلدان. حراك يعري الأجهزة الايديولوجية والسياسية للبرجوازية إن الحراك الذي تشهده منطقة الريف لم يكشف فقط على حقيقة ما تدعيه الأحزاب الملتفة حول الملكية “أغلبية ومعارضة” من تمثيلها لجماهير المنطقة، بل جعلت كل الأدوات التي أنفقت عليها ملايير الدراهم لتبعد “الشبهات” عن رأس النظام وتضمن هيمنته السياسية على قسم واسع من الجماهير الشعبية،جعلتها تنهار أمام هدير صوت الكادحين الذي صدح في شوارع وقرى الريف. فجمعيات “التنمية البشرية” عجزت بشكل تام على أن تقنع حتى أعضائها بالوقوف ضد الحراك رغم الدعوات الموجهة لها في لقاءات رسمية من طرف وزير الداخلية ووزراء آخرين لحملها على الحيلولة دون تمدد الحراك. ووجدت مجالس الجماعات نفسها منزوعة الشرعية أمام لجان يتزعمها شباب تتجاوز طموحاتهم وآمالهم ما تضعه هذه المجالس في “برامج عملها ومخططاتها المحلية”. وبدا والإعلام الرسمي كتلك الببغاء التي تغرد خارج السرب في ظل اعتماد الجماهير على وسائل إعلام بديلة تسهل التواصل وتنقل المعلومة والحدث بشكل مباشر إلى أوسع قاعدة شعبية، بل حتى خطب فقهاء المساجد التي يعتمد عليها النظام في التأثير على الجماهير أصبحت موضع شك وتمت مقاطعتها أكثر من مرة نتيجة نعتها للمحتجين بدعاة الفتنة.
الجماهير مستعدة “لاقتحام السماء” رغم النواقص
إن قدرة حركة الجماهير بالريف على الاستمرار لمدة تزيد عن سبعة أشهر، وعدم تراجع قوتها طيلة هذه المدة رغم استعمال كل وسائل الدعاية الرسمية ضدها، ورغم حجم القمع الممارس في حق نضالاتها والاعتقالات الواسعة التي استهدفت أغلب نشطائها، إن هذه الحركة تشكل لا محالة تجربة متقدمة ضمن سيرورة كفاح كادحي المغرب من أجل الحرية والعدالة والكرامة. ومهما بدا أن المطالب التي ترفعها بسيطة وغير سياسية، أو لا ترقى إلى مستوى ما يجب طرحه، فإن الحركة التي استطاعت جذب فئات شعبية جديدة نحو النضال في الشارع،وكسرت “الطابوهات” وهواجس الخوف، وجعلت النقاشات مفتوحة على مصراعيها داخل المنازل وفي المقاهي ووسط الشوارع حول الأوضاع الاجتماعية والسياسية، واعتمدت على وسائلها الذاتية في خوض معارك ضخمة،إن هذه الحركة ستجعل كل الفئات المشاركة فيها تستخلص الدروس والعبر لا محالة من نجاحاتها وإخفاقاتها، وستنخرط في المعارك الطبقية القادمة بشكل أكثر جدية وحزما، وستبدي استعدادا أكبر للتضحية إن رأت ملامح واقع أفضل ترسم أمامها من قبل تنظيم سياسي يجمع أفضل عناصرها وأكثرهم قدرة على إعطاء إجابات ملموسة وعملية لما يعترض مسيرتها نحو بناء نظام بديل للنظام الرأسمالي الذي يعتبر أصل كل المآسي الاجتماعية. وإذا كان من نواقص لهذه الحركة الجماهيرية، فإنها تتلخص أساسا في انحصار زخمها في منطقة الريف وعدم انتشارها بنفس القوة والدينامية في باقي مناطق المغرب، ومحاولة حصر أفقها في تحقيق بعض المطالب الاجتماعية البسيطة، وضعف تجربة بعض شباب الحركة الأمازيغية في ميدان النضال الاجتماعي وتبنيهم لخطاب يميني ذو نبرة قومية ومحاولة فرضه على الحركة في بدايتها، وعدم الاعتماد في تدبير الصراع داخلها على نقد البرامج والمواقف بدل الهجوم على الأشخاص وتخوين كل المخالفين، وضعف الامكانات والوسائل التنظيمية والسياسية الذاتية للماركسيين بالمنطقة رغم كونهم يشكلون قوة أساسية في الحركة ويقدمون تضحيات كبيرة في سبيل تطويرها (أزيد من 20 معتقل يساري ضمن المعتقلين الموزعين بين سجن عكاشة بالدار البيضاء وسجني الحسيمة والناظور، وعشرات المتابعات في حق نشطاء يساريين آخرين). وقد شكلت هذه النواقص مبررا كافيا لبعض مدعي الماركسية كي يشنوا هجومهم على كل الحركة ويلقوا بمواعظهم على الجماهير، بدل أن يتعلموا منها ويسيروا إلى جانبها، مطلقين العنان -ومن بعيد- لدعواتهم المضمرة بعدم الانخراط فيها أو دعمها لأنها “حركة عفوية” و”أفقها محدود” ويوجد وسطها دعاة “خطاب شوفيني” متناسين بأن نقد هذا الخطاب أو ذاك يجب أن يتم من قلب حركة الجماهير لا من خارجها، وأن مهمة اليساريين تكمن أساسا في فتح آفاق أرحب لهذه الحركة ونقلها من طابعها العفوي إلى طابع واع ومنظم إن كانت فعلا حركة عفوية، مع العلم أن الوعي السياسي تكتسبه الجماهير في خضم معاركها الكبرى وليس في زوايا المقاهي والصالات المغلقة للنخب، وهذا ما تؤكده المعطيات التي توجد في الميدان بالريف،والتي تشير إلى كون مستوى وعي الكادحين بأهمية وضرورة النضال في تزايد مستمر، خصوصا في أوساط الشباب، وذلك بفعل انخراطهم في المعارك الاجتماعية وكسبهم لخبرات نضالية متزايدة، وهذا الوعي والرصيد النضالي المتراكم يتطلب مده بأدوات التأطير النظري والسياسي ليرقى إلى مستوى وعي سياسي ثوري.
تطوير حركة الجماهير وتنسيق جهود قوى اليسار الماركسي مهمتان آنيتان
إن المناضلين الثوريين لا يراودهم أدنى شك بكون حركة الجماهير بالريف هي نتاج طبيعي لتراكم خبرات النضال، ولعجز النظام على توفير شروط استقرار حقيقي وعيش كريم للعمال والفلاحين وعموم الكادحين، جراء تطبيقه الحرفي لسياسة إغناء الأغنياء وإفقار الفقراء المملاة من المراكز المالية والسياسية للرأسمال العالمي. وهذه الحركة بقدر ما تؤسس لشوط آخر من كفاح الشعب المغربي في سبيل غد أفضل، وتحفز جماهير باقي المدن على النضال،تلقي أيضا بمسؤوليات ومهام عظيمة وآنية على التيارات العمالية والمناضلين الماركسيين وعموم الثوريين. وهذه المسؤوليات والمهام لا يمكن إلا أن تتجسد الآن في تطوير حركة الجماهير وطنيا عبر الاستفادة من كل التجارب النضالية السابقة، والاستعانة بالتجربة الريفية في هذا المجال وتعميمها،ووضع مطلب إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين للحراك على رأس الأولويات. هذا مع العمل على مد الحركة بالأشكال النضالية الأكثر قدرة على قلب ميزان القوى لصالح العمال وعموم الكادحين وعلى رأسها الاضرابات العمالية. وفي نفس الوقت لا يمكن أن تتحقق هذه المهمة بالشكل الذي يمهد الطريق للتغيير الثوري إلا بتطوير أساليب التحريض السياسي والدعاية الفكرية للمشروع الاشتراكي للطبقة العاملة وإعلاء رايتها المستقلة في مواجهة مختلف التعبيرات اليمينية للبرجوازية، سواء تلبست بلباس الدين أو القومية أو غيرهما، وسيكون من الغباء والجبن وحتى الخيانة لمشروع الطبقة العاملة الاستمرار في طرح مهمة بناء حزبها الثوري نظريا،مع تجنب ونبذ وصد كل ما من شأنه أن يحول هذه المهمة إلى فعل ملموس مرتكز على خطوات عملية. وفي هذا الصدد،يمكن اعتبار أولى مداخل إنجاز هذه المهمة في الظرف الراهن وفي الشروط الذاتية الحالية لليسار الماركسي بالمغرب هي تنسيق جهود وقوى كل الطاقات الثورية المتفقة على الأقل في تشخيصها لأعطاب الوضع الراهن ومخارجه الآنية، مع التأكيد على أن تنوع مشارب التيارات والمجموعات الماركسية بالمغرب واختلافها في تقييم التجارب السياسية للطبقة العمالية لا يجب أن يشكل شماعة لتعليق الفشل في التقدم بخطوات جادة نحو مواكبة النهوض المتواصل للكادحين بعمل نظري وسياسي وتنظيمي يستحضر هذا التنوع ويضع في قلب اهتماماته تقريب المسافات بين هذه التيارات والمجموعات في أفق وضع برنامج سياسي مشترك قادر على جذب أوسع قاعدة عمالية وجماهيرية نحو النضال في سبيل تحقيقه. قد تتراجع حركة الجماهير بالريف مؤقتا، مع أن العديد من المؤشرات تؤكد على أنها ستستمر بشكل أقوى رغم القمع والاعتقالات ما دامت كل أسباب وجودها واستمراريتها قائمة، وقد تتخذ منحى مغايرا للمنحى الذي يسعى إليه الكادحون وشبابهم الثوري ما لم تتم مواكبتها بعمل سياسي وتنظيمي يرقى إلى مستوى القدرة على التأثير في مسارها، وهذا الأمر بالذات هو الذي يلقي على الماركسيين وكل الثوريين مسؤولية الانخراط الفاعل فيها، وتعميق ارتباطهم بالطبقة العاملة والفئات الاجتماعية الأكثر تضررا من سياسات النظام بالمغرب، وتجاوزهم لكل العقبات التي تحول دون التقدم بخطوات جدية نحو بناء حزب العمال الثوري القادر وحده على تحويل حالة الغضب الجماهيري إلى ثورة اجتماعية وسياسية حقيقية، “فلا اضطهاد الطبقات الدنيا ولا الأزمة في أوساط الطبقات العليا يمكنهما أن تسببا الثورة، يمكنهما فقط أن تسببا تعفن/انحلال البلاد ما لم يكن لدى هذا البلد طبقة ثورية جديرة وقادرة على تحويل حالة الاضطهاد السلبي إلى حالة إيجابية دافعة للتمرد والانتفاض.”
* 20 يونيو 2017
• لينين “مقالات حول الوضع الثوري” منشور بموقع الحوار المتمدن.
اقرأ أيضا