المغرب على صفيح ساخن: الانتفاضة الريفية تفضح سياسات القمع والتقشف
نشر في:الاربعاء, حزيران 7, 2017 ، في المنشور المنتدى الاشتراكي لبنان، من موقع عربي اكسبرس الالكتروني (أيار/مايو 2017)
الكاتب/ة: رفيق مهدي، وليد ضو.
فيما يلي مقابلة طويلة أجراها وليد ضو مع المناضل في صفوف تيار المناضل-ة (المغرب، مهدي رفيق، تمحورت حول آخر مستجدات الهبة الشعبية في ريف المغرب وواقعه الاجتماعي والاقتصادي، واستعرض فيها الرفيق موقف أبرز القوى اليسارية والإسلامية، فضلا عن دور النقابات من هذا الحراك الشعبي، وتطرق إلى مسألة اللاجئين/ات السوريين العالقين على الحدود المغربية- الجزائرية مقدما لمحة عامة عن مواقف سائر القوى السياسية من ذلك. ختاما، قدم الرفيق لمحة عامة عن الدور المتصور لليسار الثوري في خضم الهبة الشعبية الحاصلة في بلاده.
وليد ضو: ما هي الدوافع الكامنة وراء انتشار المظاهرات الشعبية في منطقة الريف، وما هو الواقع الاجتماعي والاقتصادي فيها؟
رفيق مهدي: يشهد الريف (•) منذ أزيد من سبعة أشهر حراكا شعبيا فريدا من نوعه في تاريخ نضال كادحي المغرب. فباستثناء دينامية العام 2011 (حراك 20 فبراير السياسي، وموجة النضال الاجتماعي الموازية)، لم تشهد منطقة بالمغرب حالة نضالية شبيهة، لاسيما بسعة انتشاره الجغرافي، وبداية أشكال تنظيم وتعبئة شعبية، وطول النفس.
وكانت المنطقة قد شهدت سنة 2004 احتجاجات حاشدة للسكان ضد مخلفات زلزال الحسيمة العنيف في فبراير 2004، خسائر بشرية ومادية وعمرانية كبيرة لا تزال آثارها قائمة (زهاء 800 قتيل وجرحى بالمئات).
ويجد هذا الحراك أسسه الموضوعية في طبيعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية المطبقة في المغرب منذ عقود، حيث أدى ما يزيد عن 30 سنة من تطبيق السياسات النيوليبرالية إلى وصول مستوى عيش الغالبية الساحقة من المغاربة إلى الحضيض، خدمات صحية ضعيفة وتعليم مفكك، وسكن تتحكم فيه المافيات العقارية، وخدمات عمومية (النقل، والماء والكهرباء) تحت سطوة الشركات الأجنبية الباحثة عن تحقيق أقصى قدر من الأرباح على حساب إضعاف القدرة الشرائية للجماهير الشعبية، وفي قلب هذه السياسات تتعرض الطبقة العاملة، بلا حقوق ولا قوانين اجتماعية وتعميم المرونة والهشاشة ، لفرط استغلال محاطة بجماهير شعبية ترزح تحت نير فقر مدقع غير مسبوق، من جراء تنصل الدولة من مسؤوليتها في تمويل عديد الخدمات العمومية، وتضخم جيش العاطلين عن العمل. وكل هذا البؤس تبرره الطبقة الحاكمة بضرورات تكييف الاقتصاد المغربي مع شروط التنافسية التي يفرضها نظام العولمة الرأسمالية وتأهيل المقاولة الوطنية وضمان تنافسيتها.
وما زاد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعمال والشباب وعامة الكادحين هو مواصلة الحاكمين لنفس السياسات «برامج التكييف الهيكلي»، التي أدت إلى هذا الوضع الكارثي، فبعد خصخصة الشركات التي تديرها الدولة تحت ذريعة ضعف كفاءة مؤسسات الدولة وأن تدخلها يؤذي الأرباح، ها هي ذي الدولة تتجه نحو بتخفيض إنفاق الرعاية الاجتماعية على الصحة والتعليم ومعاشات التقاعد، وطالب وتجميد الأجور وإلغاء الوظائف العمومية والاستعاضة عنها بتعميم الهشاشة لتشمل القطاع العام أيضا “بفرض عقود عمل محددة المدة” أو بتفويت بعض الوظائف لشركات المناولة من الباطن مع تقليص الدعم العمومي للمواد ذات الاستهلاك الجماهيري الواسع إلى أبعد حد. والتهييئ لتحرير أسعار الخبز والسكر وغاز البيتان.
بالإضافة إلى هذه الأوضاع الاجتماعية المزرية التي يتخبط فيها عمال المغرب وكادحيه ، تمتاز منطقة الريف بواقع خاص، ناتج عن التهميش والحصار الاقتصادي (عدم توجيه استثمارات منتجة نحو المنطقة، عدم تشييد بنيات تحتية، اعتماد المنطقة في مواردها اقتصادية على التحويلات المالية للعمال المهاجرين المنحدرين من الريف..) وذلك راجع لأسباب تاريخية كون ان المنطقة احتضنت أول جمهورية في تاريخ النظام الملكي بالمغرب (تأسست في سنة 1926 بعد انتصار المقاومة الشعبية في الريف على جيوش الاستعمار الإسباني)، كما رفض أبناء المنطقة الاستقلال الشكلي الذي تفاوضت لأجله الحركة البرجوازية المغربية، معبرين عن ذلك بانتفاضتهم الباسلة في سنة 1958 والتي رد عليها النظام باستعمال الرصاص الحي ضد المنتفضين، او عبر انتفاضتهم الشعبية ضد السياسات النيوليبرالية التي دشنها النظام المغربي عبر برنامج التقويم الهيكلي المفروض من قبل صندوق النقد الدولي في سنة 1984 (الزيادة في أسعار عديد المواد الأساسية، تقليص ميزانيات القطاعات الاجتماعية، تقليص التشغيل العمومي..). هذا ناهيك عن انتشار البطالة في وساط الشباب وخاصة المتعلمين بنسبة تفوق 60 في المائة، وانتشار مظاهر الفساد في المؤسسات الرسمية للدولة (زبونية، رشوة…)
وفي ظل هكذا ظروف اقتصادية واجتماعية اندلعت في 28 اكتوبر 2016، أي بعد 3 أسابيع من إجراء الانتخابات النيابية في المغرب، احتجاجات شعبية عارمة في منطقة الريف وفي عديد المدن المغربية، على خلفية مقتل بائع السمك الشاب محسن فكري، وهي احتجاجات لم تشهدها البلاد منذ تراجع نضال حركة 20 فبراير قبل 5 سنوات، لا سيما في منطقة الحسيمة التي تعرضت لحصار بوليسي رهيب في مرحلة صعود نضالات حركة 20 فبراير مطلع عام 2011، حيث تم حرق 5 مناضلين، في 20 فبراير، في عملية مدبرة، لإثارة الخوق والرعب في صفوف المحتجين، وإلى يومنا هذا لا زالت أجهزة الدولة مستمرة في التستر على الحيثيات والجرائم المرتبطة باقتراف تلك الجريمة النكراء في حق شباب آمن بالنضال لأجل الحرية والعدالة الاجتماعية في وجه الطغيان والتقشف، كما تلقى اليسار الثوري والمتعاطفين مع مشروعه، في الريف إبان تلك المرحلة، ضربات موجعة وقاسية (اغتيال الرفيق الثوري كمال الحساني، اعتقال أزيد من 30 مناضل منهم من حكم عليه ب 12 سنة سجنا نافذا، بالإضافة إلى قمع الجمعيات المناضلة للمعطلين وحركة حقوق الإنسان وحظر الاحتجاج في الشارع لأزيد من ثلاث سنوات)، مما كان له أثر بالغ على وضع اليسار في هذه المنطقة.
وقد شكل مقتل محسن فكري الشرارة التي احرقت سهل السياسات النيوليبرالية، وكان بمثابة صك اتهام صريح ضد سياسات التقشف وانعدام البنيات التحية اللازمة لحياة لائقة، وتدني الخدمات الاجتماعية وانعدامها في بعض الاحيان، وكذا احتكار الثروات البحرية والغابوية وتفشي البطالة في صفوف الشباب، غير أن تطور الحركة، لم يمضي في اتجاه تجذرها ومدها ببرنامج نضال ضد سياسة التقشف والقمع التي راح ضحيتها محسن بتلك الطريقة البشعة، والتي يكتوي بنارها الملايين من عمال المغرب وشبابه وكادحيه.
إن الأسباب والعوامل ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي المذكورة أعلاه هي التي رجحت كفة المطالب الاقتصادية والاجتماعية وحتى الديمقراطية (محاسبة مسؤولين الضالعين في جريمة مقتل الشاب محسن فكري، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، رفع العسكرة عن الريف…) مقابل تواري المطالب الهوياتية والثقافية واللغوية، بحيث يلعب الشباب ولاسيما المعطلين منهم، خريجي الجامعات والمعاهد العليا، دورا بارزا في حفز الحركة الاحتجاجية والمطلبية المندلعة في الريف، وذلك على الرغم من خصوصية المنطقة حيث أن غالبية سكان المنطقة أمازيغ ووجود حركة امازيغية قوية تسعى لحصر المشكل الجوهري في المغرب بين العرب والأمازيغ طامحة لتشييد “دولة تمازغا الكبرى” في مختلف ربوع شمال إفريقيا.
وطبعا هناك دافع آخر في غاية الأهمية وراء استمرار المظاهرات الشعبية في الريف، هو استناد الحركة على أشكال تنظيم ذاتي تتمثل في اللجان الشعبية التي أسسها المتظاهرون في معظم بلدات وقرى الريف، ولجة شعبية تحظى بتأييد هائل في منطقة الحسيمة (مركز الاحتجاجات، وقدرة الناشطات والناشطين على استعمال وسائل التواصل الاجتماعي في تعبئة السكان والرد على دعاية النظام واجهزته الإعلامية والسياسية والأمنية والدينية، دون أن نغفل إعادة تشكل حركة التضامن ما يجري في الريف في عديد مناطق المغرب، ما يشكل حافزا معنويا وسياسيا للمنتفضين سيساعد مما لاشك فيه الحركة في الريف على الصمود بوجه القمع والمناورات المتنوعة التي يلجأ إليها النظام بقصد ثني المتظاهرين على التراجع.
هل لك أن تحدد لنا موقف التنظيمات اليسارية والإسلامية من هذه الهبة الشعبية؟
بصفة عامة هناك دعم وتأييد من قبل معظم القوى المحسوبة على اليسار المناضل للاحتجاجات المندلعة في الريف، فمناضالات ومناضلي اليسار متواجدات ومتواجدون في قلب الحركة ويحاولون تطويرها وتوسيع دائرتها وتنظيمها من خلال فرز لجان محلية تتولى مهمة التواصل مع الجماهير والاعداد للاحتجاجات، ويضطلع المناضلون اليساريون بأدوار قيادية في الاحتجاجات الجارية ببعض المناطق ويدافعون عن ضرورة بلورة آلية تنظيمية للتنسيق بين مختلف اللجان التي أفرزها الحراك الشعبي في الريف.
وفي هذا الصدد ينبغي التمييز فيما يتعلق بالخطاب السياسي للداعمين لهذه الموجة الاحتجاجية بين توجهين: توجه يرى بان على الدولة ان تستجيب لمطالب المحتجين درءا للاحتقان والتوتر الاجتماعي والسياسي الحاصل جراء عدم الاستجابة لمطالب المتظاهرين، دون أن يدفع باتجاه أي خطوات نضالية أو سياسية ترنو إلى تطوير الحركة وتقويتها، من قبيل الدفع باتجاه تنظيم إضرابات عمالية تضامنية وهذا شأن القوى الليبرالية المعارضة التي تهيمن على ثان أكبر نقابة عمالية في المغرب (الكونفدرالية الديمقراطية للشغل)، في حين يسعى اليسار الجذري إلى دعم هذه الحركة بكل ما أوتي من قوة مراهنا على صمودها داخل منطقة الريف وامتدادها على صعيد وطني، ومدافعا في نفس الوقت على منظور نضالي يهدف إلى توسيع قاعدة الحراك الشعبي جماهيريا وجغرافيا، وحفز الجماهير على إنشاء وتأسيس لجانهم وهيئاتهم لتنظيم النضال من أسفل على قاعدة ديمقراطية، وهو الشرط الرئيسي لحماية الحركة من الاجتثاث بواسطة القمع، أي توسيع حاضنته الاجتماعية.
وبالنسبة لموقف الحركة الإسلامية المعارضة، فهي مبدئيا مع الحراك، وخاصة جماعة العدل والإحسان، باعتبارها أكبر قوة سياسية معارضة لنظام الحكم في المغرب، وهذا ما تعكسه بياناتها ومشاركة مناضلاتها ومناضليها في فعاليات التضامن المنظمة على مستوى عديد المدن المغربية، لكن ما يلاحظ لحدود الآن هو استنكاف الحركة على تنظيم تدخل سياسي قوي لدعم الحراك وتحويله إلى نضال وطني ضد الاستبداد والفساد، وهذا راجع لطبيعة تدخل الحركة السياسي في الصراع السياسي بالمغرب؛ الاكتفاء بالتنديد بالاستبداد السياسي والفساد، مع مشاركة مضبوطة ومتحكم فيها في أية نضالات سياسية أو اجتماعية كبرى، مع الحرص على عدم الاصطدام بالنظام بشكل مباشر؛ وأكبر دليل على هذا هو انسحابهم السياسي رسميا من حركة 20 فبراير بعد المناورات السياسية التي أقبل عليها النظام المغرب في سنة 2011 (تنظيم انتخابات نيابية سابقة لأوانها، ووضع دستور جديد تضمن بعض التنازلات الشكلية…)، وهذا راجع في نظري لعاملين:
العامل الأول: طبيعة الخط السياسي المعارض للحركة الذي لا يتعارض مع الرأسمالية التابعة في المغرب، بقدر ما يسعى إلى مقاومة احتكار المؤسسة الملكية للشأن الاقتصادي، في أفق بناء “اقتصاد رأسمالي تنافسي” وقد أعاد المرشد العام للجماعة تلخيص هذا المنظور، في استجواب تلفزيوني حديث نشره الموقع الرسمي للجماعة، قائلا إنه”على المستوى السياسي هناك ظلم واستبداد باد على جميع المستويات، فعلى المستوى الاقتصادي؛ استحوذ النظام على الثروة، وهناك ثروات مهربة، والمشاريع الاقتصادية يحتكرها ولا يريد أن ينافسه أحد فيها، الشيء الذي نتج عنه الفقر المدقع والبطالة التي تمتد في كل أرجاء المغرب ونتجت عنه الفوارق الاجتماعية؛ فهناك من يفترش الثرى ويلتحف السماء وهناك من يمتلك أكثر من 90 في المائة من ثروات المغرب”. ولا يراهن بطبيعة الحال على تنظيم القوى الاجتماعية ذات المصلحة في التغيير الجذري، ويكتفي بنقد جذري لنظام الحكم السياسي كحكم فردي يستند إلى شرعية دينية (الملك هو أمير المؤمنين في الدستور)، مع دفاعه على بناء “نظام ديمقراطي” قوامه دستور ديمقراطي تضعه هيئة تأسيسية كخطوة تاكتيكية تفرضها السياقات التي تعرفها المنطقة، مع التراجع مؤقتا على مطلب الخلافة على منهاج النبوة كما هو مؤسس له في أدبيات الجماعة.
العامل الثاني: يتمثل، في رأيي، في الوضع العام لحركة الإخوان المسلمين في المنطقة العربية والمغاربية بعد انتصار الثورات المضادة، لاسيما في مصر وسوريا، وبالتالي فإن جماعة العدل والإحسان ترى بأن الوضع غير مساعد بتاتا على التمادي في معارضة جذرية للنظام بالأفعال أو بالسعي لتنظيم حركة شعبية تطرح مطالب سياسية مباشرة، ما قد يجلب عليها الويلات… مكتفية في نفس الوقت بالتضامن مع الحركات الاجتماعية التي تلعب فيها دورا بارزا (نضالات طلبة كليات الطب، والأساتذة المتدربين…).
ويبقى الحل السياسي الذي تقترحه جماعة العدل والإحسان لما يجري في الريف من مظاهرات ونضالات شعبية قوية هو دعوة الحاكمين، واصفا إياهم بالعقلاء إلى الإسراع في الاستجابة لمطالب المحتجين حتى لا تتسع رقعة الاحتجاجات وتفادي المقاربة الأمنية، وهذا ما أكده المرشد العام للجماعة محمد عبادي في حوار تلفزيوني منشور على الموقع الرسمي للجماعة، لما صرح على أنه “لا يمكن معالجة، الوضع في الريف، بالطريقة الأمنية، فالطريقة الأمنية لا تزيد النار إلا اشتعالا، ولا تزيد الحراك إلا اتساعا، فلا بد أن تنزل الدولة إلى الشعب وتلبي رغباته ومتطلباته البسيطة وهي ليست مطالب تعجيزية، ليس لأبناء الريف وحدهم ولكن أبناء المغرب كلهم يعيشون أوضاعا مزرية، فلا بد لأن ينالوا حقهم من الثروة وأن نالوا حقهم من الحرية وأن يعيشوا بعزة وبكرامة”، مضيفا أن “كل المناطق تعاني، وهناك غضب واحتقان داخلي ينتظر من يأخذ المبادرة ومن يشعل عود الثقاب، فالشرارة ستمتد إلى مناطق المغرب إذا لم يتدارك العقلاء هذا الوضع وينزلوا إلى الشعب ويلبوا رغباته ومتطلباته ويشاركوه آماله وآلامه، فدائرة الاحتجاج ستتوسع، نسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون عاقبتها خيرا، ونسأل الله تعلى أن تبقى سلمية وإن كان الذي يخالف هذه السلمية هي الدولة، ولو تُرك الحراك لشأنه لكان الشباب هم الذين يحمون ممتلكات الدولة والممتلكات العامة في المناطق كلها وليس في الريف وحده”، كما دعت الدائرة السياسية للجماعة، في 03 حزيران/يونيو، عبر بيان صادر عن فرعها بمدينة تازة “كافة الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية إلى توحيد الجهود لدعم المحتجين في مطالبهم المشروعة، والنضال في جبهة واحدة على أرضية واضحة من أجل تحقيق تطلعات الساكنة، وعدم الانجرار إلى الحسابات السياسوية الضيقة التي تؤدي حتما إلى سياسة “فرق تسد” المخزنية”.
ما هو دور النقابات في المغرب ومواقفها العملية تجاه تسارع الأحداث؟
لحدود الساعة ليس هناك أي موقف عملي داعم للحركة المنتفضة في الريف المغربي من قبل النقابات العمالية، وهذا راجع للطبيعة البرجوازية لقيادات النقابية التي لا تعمل على حفز نضالات عمالية حقيقية لفرض الاستجابة للمطال العمالية الاجتماعية والديمقراطية، وتفضل بدل ذلك نهج استراتيجية تعاون طبقي مع البرجوازية بذريعة دعم تنافسية المقاولة الوطنية في سياق اقتصادي معولم شديد التنافسية وتعبئة كل الإمكانات الوطنية لخلق فرص الشغل وغيرها من المبررات والأوهام الزائفة، فحتى بالنسبة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل التي تهيمن على قيادتها أحزاب ليبرالية ديمقراطية معارضة، اكتفت بإصدار بيانين لحدود الساعة تعلن، من خلالهما، تضامنهما مع الحراك ودعوة نقابييها إلى الانخراط فيه، لكن دون المبادرة إلى تنظيم إضرابات عمالية تضامنية سواء على صعيد منطقة الريف أو على صعيد وطني، واكتفائها بدعوة رئيس الحكومة إلى مباشرة الحوار الاجتماعي الثلاثي الأطراف بين الحكومة والنقابات العمالية ومنظمة أرباب العمل لإيجاد تسوية للمطالب العمالية، ودعوتها أيضا للتظاهر ليلة 20 يونيو المقبل تخليدا لذكرى انتفاضة 20 يونيو بمدينة الدار البيضاء والتي واجهها النظام وقتئذ بالرصاص الحي وباعتقالات واسعة.
أما بخصوص أكبر نقابة عمالية وهي الاتحاد المغربي للشغل فلم يصدر عن أجهزتها القيادية لحدود الآن أي موقف رسمي داعم للحراك، بالنظر لحرص قيادتها على ما تسميه بالاستقرار السياسي والأمني المحفز للاستثمار..
ولعل استنكاف النقابات العمالية على الدعوة إلى إضرابات عمالية تضامنية مع الريف، أو إلى تنظيم حملة عمالية لفرض سحب مشروع القانون التنظيمي للإضراب من البرلمان والذي من شأن تمريره أن يضع قيودا حقيقية على ممارسة حق الإضراب، وكذا إلى فرض بقية المطالب العمالية، يعود إلى حرصها على إبقاء الطبقة العاملة خارج الصراع الجارين حيث من شأن تدخلها أن يفرض تعديلا نوعيا في موازين القوى لصالح الحركة المنتفضة، بل ويؤدي أيضا إلى انفلات الأمور من قبضة هذه القيادات نفسها، ما يطرح على المناضلات والمناضلين اليساريين في النقابات العمالية اتخاذ مبادرات عملية ولو على صعيد محلي أو فئوي لدعم الحركة النضالية الجارية، للضغط على القيادات وحملها على التحرك لصالح الحركة النضالية الجارية، التي لا زالت صامدة ومستمرة بحيث خرجت الجماهير المغربية مرة أخرى في أزيد من 10 مدينة ومنطقة ليلة 6 يونيو، ضد الاعتقالات السياسية والاختطافات القسرية والمحاكمات الصورية وتدني شروط العيش اللائق.
في ظل هكذا أوضاع نقابية في غاية التعقيد والصعوبة تبقى “قوى اليسار المناضل أمام مسؤولية تاريخية، النقابية منها بوجه خاص. فالقيادات النقابية ممتنعة عن الإسهام الفعلي في الحراك الجاري، كما فعلت أيام حراك 20 فبراير. “الانخراط في النضالات الاحتجاجية الاجتماعية” الذي دعت إليه قيادة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل [بلاغ المكتب التنفيذي 24 مايو 2017] لن يكون فعليا إلا ببرنامج نضالي فوري، وليس بعد شهر، وبتشكيل لجان تضامن الحركة النقابية مع الريف في كل مدن المغرب. أما موقف قيادة الاتحاد المغربي للشغل فيندرج في تقاليدها العريقة في ترك النضالات تختنق، وهذا ما تفعل حتى مع قطاع شغلية الطرق السيارة، المناضلين في عزلة قاتلة، فما بالك بالريف” (رفيق الرامي؛ الخوف من امتداد الحراك الاجتماعي يستبد بالنظام… فيلجأ إلى قمعه بالريف؛ جريدة المناضل-ة، 27 مايو 2017).
على صعيد آخر، علمنا بوجود لاجئين/ات سوريين/ات عالقين/ات على الحدود بين الجزائر والمغرب، ما هي آخر التطورات في هذه القضية؟
كما هو معلوم فقد أدى انتصار الثورة المضادة في سوريا المدعومة، بشكل عسكري وسياسي مباشر، من قبل الإمبريالية الروسية ومليشيات حزب الله الطائفي، إلى تشرد الشعب السوري وتشتته عبر مختلف أرجاء المعمور، ففي المغرب ليس هناك إحصائيات رسمية حول عدد اللاجئين السوريين وهناك من يقدرهم بما يناهز الستة آلاف، أغلبهم معرضين للتسول في مدارات الطرق والأسواق الشعبية أو امام أبواب المساجد. ولم يتخذ النظام المغربي أية إجراءات لفائدة اللاجئين السوريين تاركا إياهم عرضة للتشرد والضياع، وتوظيفه لهذه المأساة الإنسانية في تصوير مآلات الثورات العربية لترهيب الشعب المغربي ودفعه إلى قبول الأمر الواقع. وما يزيد من مأساة اللاجئين السوريين هو اصطفاف معظم القوى السياسية والنقابية والحقوقية لصالح نظام بشار الأسد بدعوى صون وحدة الأراضي السورية ودعم نظام بشار “الممانع”، باستثناء الاشتراكيين الثوريين المغاربة، وفصائل الحركة الاسلامية المعارضة ولاسيما جماعة العدل والإحسان الذين ما فتئوا يعبرون عن موقف داعم ومناصر للشعب السوري، مع عجزهم عن تنظيم أية فعاليات للتضامن مع شعب سوريا ومع لاجئيه في المغرب.
وبخصوص إخواننا اللاجئين السوريين العالقين على الحدود المغربية-الجزائرية، في ظروف صعبة ومنها التعرض للثعابين والعقارب، فإن هذه القضية تعود إلى 17 أبريل/نيسان الماضي، بعد أن رفضت السلطات المغربية دخول 41 لاجئا إلى داخل الأراضي المغربية، متهمة الجزائر بإجبار اللاجئين على العبور إلى أراضيه، وذلك في سياق التصعيد الديبلوماسي والسياسي القائم بين النظامين الجزائري والمغربي، وذلك قبل أن تعلن وزارة الخارجية الجزائرية في بيان لها صدر في بداية شهر يونيو/حزيران الحالي، أنها قررت استقبال اللاجئين السوريين العالقين على حدودها مع جارتها المغرب، لكن لحدود 06 يونيو لم يتم تسليم هؤلاء اللاجئين من قبل السلطات المغربية للوفد الجزائري الذي انتقل بصحبة ممثلي البعثات الدولية غلى النقطة الحدودية المتواجدين فيها.
هذا وقد استقبلت مدينة فكيك في الجنوب الشرقي قافلة وطنية طالب من خلال المتضامنين السماح للاجئين السوريين بالدخول للمغرب وتسوية وضعيتهم بشكل عاجل، وهي مبادرة في غاية الأهمية على اليسار المناضل وكل القوى المناصرة لحق الشعب السوري في تقرير مصيره أن يسعى إلى تطويرها باتخاذ مبادرات تضامنية أخرى مع اللاجئين السوريين.
أي دور لليسار الثوري في نظرك في ظل هذه الظروف؟
لقد دلت التجارب النضالية السابقة أن استفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية لنظام الرأسمالية التابعة بالمغرب، بقدر ما يشكل عامل انفجار للحركات الاحتجاجية فإنه غير كاف في حد ذاته لضمان استمراريتها وتجذرها، حيث لا يؤدي تجذر الأزمة الاقتصادية بالضرورة إلى تجذر في الفعل الجماهيري بشكل آلي، فهذا يحتاج إلى عامل الوعي الطبقي والتنظيم ووجود منظمات جماهيرية ديمقراطية ومكافحة، وهذا هو الشرط المفتقد في الحالة المغربية، والذي بدونه يستحيل على الحركات الاحتجاجية القائمة التقدم في اتجاه انتزاع مكاسب نوعية، من شأنها المساهمة في تطور ونمو الحركة الجماهيرية وتقدمها نحو امتلاك وعي سياسي شمولي يضع الرأسمالية التابعة والطفيلية القائمة بالمغرب، ونظام حكمها الدكتاتوري موضع اتهام.
اليوم مطروح أمام اليسار المعادي للرأسمالية تحديات جسيمة، إن هو أراد ضمان استمرار مفتوح على آفاق التطور في ظل الشروط الحالية بالغة التعقيد، وفي مقدمة هذه التحديات هو إعادة ربط علاقاته السياسية والتنظيمية والبرنامجية بالحركة الجماهيرية المتفجرة ضد البطالة والتقشف بما يضمن وحدتها وانصهارها في بوتقة نضال اجتماعي وسياسي موحد، بدل الاكتفاء بالتضامن ودعم النضالات الجارية، وفي الوقت، الذي لا يليق بيسار عمالي وفي للمبادرة الذاتية للجماهير أن يبخس أي شكل من أشكال تنظيمها الذاتي (تنسيقيات ضد تدمير التقاعد، تنسيقيات ضد الغلاء، تنسيقية طلبة الطب، تنسيقيات الشباب المناضل لأجل الحق في العمل القار والدائم، تنسيقيات الأساتذة المتدربين…)، فإن هذا لا ينبغي أن يحول دون انتقاد بعض الأفكار الخاطئة والممارسات الضارة التي تطبع هذه الحركات الناشئة، من قبيل نزعة العداء للمنظمات النقابية، بالدعوة لهجرها (مع كامل الأسف فإن هذه النزعة متفشية في صفوف المناضلين الشباب) بدون تمييز بين النقابة كأداة نضال بيد العمال، وبين سلوك ومواقف القيادات النقابية المتخاذلة بل وحتى الخائنة لعديد من المعارك العمالية، وكذا تفشي نزعة العداء للسياسة بدعوى أن مطالبنا اجتماعية، وهو ما يتجلى في تخلف عديد الحركات الاحتجاجية عن المساهمة في أي فعل سياسي جذري متجه نحو المطالبة بتغيير الدستور أو الاحتجاج على استبداد السلطة السياسية وفسادها.
إن الوضع الحالي للحركة الجماهيرية المتسم بانحصار نضالاتها في طابع دفاعي محض ومشتت وعدم ارتباطه بمطالب سياسية تمنحه أفقه المنشود، هو وليد ضعف الحركة العمالية وتدهور منظماتها النقابية وغياب منظماتها السياسية المستقلة عن البرجوازية ودولتها، واستمرار أزمة التنظيمات الشبابية للمعطلين والطلاب وعجز الحركة المناهضة للعولمة الرأسمالية من توسيع قاعدة المؤيدين لمشروعها.
وأمام هذا الوضع ليس ثمة وصفة سحرية لدفع الحركة إلى الامام، يجب استلهام نقدي لأشكال وتقاليد الحركات الاحتجاجية في طورها الحالي، ومدها بأدوات فهم وتحليل النموذج النيوليبرالي السائد المسؤول عن الويلات والكوارث الاجتماعية التي تعاني منها أوسع الطبقات الشعبية، لكن يجب أيضا الابتكار للرد على أشكال الظاهرة المستجدة. يجب إتقان تركيب المبادرات المحلية مع حركات اجتماعية- سياسية وحدوية منظمة ومبنية بصلابة على الصعيد الوطني، كما يقع على عاتق اليسار الثوري القيام بحملة فكرية وسياسية واسعة النطاق تستهدف تنوير سياسي للعمال ولمجمل ضحايا النظام انطلاقا من قضاياهم المباشرة (الحق في الإضراب والعمل القار والدائم والضمان الاجتماعي، والبطالة وغلاء المعيشة…)، ليتضح للعمال وكافة الجماهير الشعبية حقيقة النموذج النيوليبرالي ونظام الحكم المطلق المستند إليه، وطبيعة الأحزاب الدائرة في فلكه، وذلك باستعمال حقائق الحياة السياسية اليومية، مع مواصلة معركة الدفاع داخل منظمات العمال النقابية عن خط نضال طبقي على طرف نقيض من سياسة القيادات النقابية المتعاونة مع البرجوازية ودولتها، والحرص على إعادة تقوية تنظيمات الشباب والنساء ومدها بمنظور اشتراكي، وإبراز حاجة العمال إلى حزب سياسي خاص بهم.
وفي قلب هذه المعركة على الاشتراكيين الثوريين أن يولوا أهمية قصوى للقضايا الفكرية، حيث أبانت تجربة الثورات العربية والمغاربية الطابع المزدوج للمشكلة: اختلال فادح لميزان القوى لصالح أنظمة الثورات المضادة، وسيادة المنظورات الفكرية البرجوازية وتأثيرها في قطاعات واسعة من اليسار، الذي أضحى يهلل لبقاء الأنظمة الدكتاتورية بدعوى “ممانعتها” و”علمانيتها” و”مناهضتها” للكيان الصهيوني، ما يعني أن المعركة الأيديولوجية والدفاع عن الفكر العمالي الثوري، دون هوادة، في جميع المسائل المتعلقة بالنضال لأجل تحرر الشعوب، لا تقل أهمية عن معركة بناء موازين قوى لصالح نضال الطبقة العامة وكافة الجماهير الشعبية، وفي هذا الصدد يجدر بالثوريين الدفاع باستماتة عن منظوراتهم للتغيير الثوري في جميع القضايا، بما في ذلك تلك المرتبطة بالحقوق الثقافية واللغوية للقوميات المضطهدة (العلاقة المتوترة بين الحركة الأمازيغية واليسار كانت أحد أسباب الرئيسية وراء ضعف الحراك الذي شهدته مناطق الشمال المغرب منذ نهاية أكتوبر الماضي).
لكن هذا الدفاع المستقل عن أفكار الثوريين والسعي إلى تمييزها عن كل أشكال المناهضة التي تبديها، إلى هذا الحد او ذاك، القوى السياسية والاجتماعية للوضع القائم. لا ينبغي أن يشكل عائقا أمام متطلبات وضرورات العمل المشترك والتحالفات الميدانية التي يستدعيها تقدم الحركة الجماهيرية ولو لأجل مطالب محدودة، في حين أن حركة جماهيرية وسياسية منظمة لن تكون ذات فعالية ومصداقية إلا بدافع قوى خارج الإجماع النيوليبرالي المهيمن، وخارج معسكر دعم الأنظمة الدكتاتورية القائمة بوجه الحركات الإسلامية بذريعة أهون الشرين.
إن ما يجعل الحركة الجماهيرية المنتفضة في المغرب في مفترق الطرق، هو كون أن شعب المغرب اليوم يناضل منزوع السلاح، منظماته السياسية والنقابية والجمعوية التاريخية معطوبة، وهذا ما يلقي على عاتق المناضلين، الشباب خصوصا، مسؤوليات جسام. أهمها الانتظام في حزب سياسي يعبر فعلا عن تطلعات من هم في قاع مجتمع الاستغلال والاضطهاد القائم، وفي أشكال تنظيم متنوعة للمقاومة العمالية والشعبية: نقابات وجمعيات وتنسيقيات ووداديات…
وعلى الثوريين حقا أن يسعوا جاهدين ودون كلل لبعث تقاليد النضال الطبقي الضرورية: حفز كل أشكال التنظيم الذاتي للجماهير والتضامن الطبقي وتعزيز وحدة المستغلين والمضطهدين، بما هي شروط حاسمة في معركة التحرر طويلة النفس، ضد كل أشكال الاستغلال والاضطهاد.
فلتجعل كل القوى المنتسبة للنضال الشعبي من مطلب محاسبة المسؤولين عن مقتل محسن وفكري وقمع المحتجين في الحسيمة وإطلاق سراح المعتقلين والمختطفين، والمطالبة برفع العسكرة عنها، والمطالبة بتوزيع عادل للثروات البحرية وغيرها من الخيرات المادية وتشغيل الشباب، نقطة ارتكاز لتقوية الحركة الجارية حتى تتم المحاسبة الشعبية للقتلة وحتى يكون الشعب العامل سيد نفسه ومصدر السلطة وممارسها لأنه هو مصدر الثروة ومنتجها.
ومن ناحية أخرى، تقف في وجه الماركسيين المغاربة مهام جسيمة، في مقدمتها مضاعفة الجهود الدراسية والدعاوية للتشهير بواقع البطالة وبفرط الاستغلال والطرد الجماعي الذي يتعرض له العمال وبكل سياسات التقشف والخوصصة ورهن مصير البلاد عبر الديون واتفاقات التبادل الحر الاستعمارية، مع ربط هذا الجحيم بمصدره الحقيقي بما هو نتاج رأسمالية تابعة ومتخلفة مستندة لنظام مستبد، وكذا دعم نضالات العمال الجارية بجميع الوسائل والإمكانات الممكنة، سواء تلك المنظمة في النقابات القائمة أو المنظمة خارجها، وكذا دعم النضالات الشبيبية الجارية في صفوف حركة الطلاب والمعطلين وتوحيدها على برنامج نضال مشترك كلما أمكن ذلك، وتشجيع روح العمل الوحدوي وتحفيزها بين جميع ضحايا السياسات الرأسمالية، والتقدم في إعادة بناء منظمات النضال العمالي (نقابات واتحادات مهنية…) والشعبي والشبابي على أسس طبقية وبروح ديمقراطية كفاحية، على طريق مراكمة الشروط الذاتية لبناء حزب العمال الاشتراكي أولى الأولويات بالنسبة للماركسيين الثوريين بالمغرب، كشروط لا غنى عنها للقضاء على نظام الاستغلال وإسقاط الاستبداد والفساد المستند إليه والداعم له.
يجب ان تحدونا هذه اللوحة الاجتماعية، المرسومة أعلاه، إلى أن نأخذ بالحسبان التوترات والتناقضات التي يعاني منها، اكثر من ذي قبل، النظام بمجمله في سياق استمرار الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية وتداعيتها السلبية على الاقتصاد المغربي، هذه التناقضات التي يستحيل ان تفضي إلى طور مديد من الاستقرار الاجتماعي-الاقتصادي على غرار حقب سابقة. وما قد يترتب عنها من انفجارات كبرى في سياقات سياسية واقتصادية جديدة مثل ما عرفته سنة 2011.
وفي رأيي، فإن تقدم اليسار المعادي للرأسمالية في إنجاز أهدافه الاستراتيجية، متوقف، من جهة، على استيعاب المصاعب التي تعترض تشكل وعي مناهض للرأسمالية وفي بناء بديل سياسي بسبب الاختلال الفادح لميزان القوى لصالح البرجوازية ودولتها، وتشكل أزمة غير مسبوقة في الوعي الطبقي وفي تنظيم الحركة العمالية ( أنظر مقرر المؤتمر العالمي 15 للأممية الرابعة حول الوضع العالمي الجديد” – فبراير 2003)، هذه الأزمة الناتجة عن انهيار تيارين عالميين سيطرا على الحركة العمالية ومنظماتها السياسية والنقابية (الاشتراكية الديمقراطية، والستالينية) في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وتحول قطاعات رئيسية منهما نحو الليبرالية، ومن جهة أخرى، على مدى نجاحه في الدفع بنضالات موحدة بين الأجراء وشرائح اجتماعية وحركات اجتماعية أخرى وفي مقدمتها النضالات الشبيبية، تفرضها شروط موضوعية (تفكيك قوانين الشغل، وضر مكاسب اجتماعية أساسية مثل الحق في الشغل)، وما يتطلبه ذلك من تقدم في إعادة بناء منظمات الحركة العمالية والاجتماعية والشبيبية، وفي إعداد الشروط السياسية والتنظيمية والتقدم في طرح البرنامج الملائم الكفيل بتأطير وتعبئة الانفجار الاجتماعي المقبل وتوجيهه نحو تحقيق أهدافه، بالاستناد إلى النشاط الواعي والمنظم «للذين في اسفل».
* الريف هي منطقة في أقصى شمال المغرب. وتضم مدن الحسيمة والناظور والعروي وبلدات وقرى أخرى. وهي مناطق يتكلم سكانها، بالأساس، الأمازيغية. وهي معروفة، أيضا، بنضالها الوطني المسلح ضد الاستعمار الإسباني بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي قاد حرب عصابات ضد الجيوش الاسبانية، وهزمها في معركة أنوال الشهيرة، في يوليو1921، معلنا عن قيام جمهورية الريف في 18 سبتمبر من نفس السنة. وقد تعرضت المنطقة لقمع رهيب في سنة 1958 جراء انتفاضتها ضد قرار الاستقلال الشكلي والمفاوضات الخيانية التي قادتها الحركة الوطنية البرجوازية مع المستعمر الإسباني والتي ترتب عنها حصول المغرب على استقلال منقوص السيادة، ورفض جيش التحرير التنازل عن السلاح لصالح نظام الحسن الثاني. وبعد هذه الاحداث عرفت المنطقة هجرة كثيرة لأبنائها في بداية الستينيات إلى بلدان أوربا (فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، هولندا…) كما ووجهت انتفاضة أخرى خاضتها جماهير الريف في سنة 1984 بقمع رهيب. ويعد الريف من المناطق الأكثر تهميشا للأسباب التاريخية المذكورة أعلاه.
اقرأ أيضا