حرية مناضلي الريف ومناضلاته رهين بكفاحنا، بامتداد الحراك إلى ربوع المغرب
كفاح كادحي الريف وكادحاته من أجل الحقوق الإجتماعية التي فتكت بها سياسة النظام الموجه من البنك العالمي وصندوق النقد الدولي هو أكبر رد شعبي منذ دينامية العام 2011 النضالية.
وقد أفشل هذا الكفاح كل خطط النظام التي سبق أن واجه بها حركات مطلبية محلية، مثل ايفي- ايت باعمران (2005-2008)، وطاطا (2005) وبوعرفة (2007)… كان النظام يناور ويقدم بعض التنازلات، وكثرة الوعود الطنانة، ويكمل بتحريك آلة بالقمع. يعتقل الطلائع لترهيب القاعدة النشيطة وإبعاد المترددين. وقد اعتمد النظام في العديد من التجارب تكتيك تحويل الإحتجاج السلمي إلى مواجهات مع قوات القمع، مواجهات تكون مبررا لإستعمال القمع، ومن ثمة إخماد الحركة المطلبية السلمية. ولعل من أبرز أمثلة هذا التكتيك ما جرى لحركة مناهضة غلاء فاتورات الكهرباء بمراكش في العام 2012.
لقد انتهى زمن فش الغضب بإحراق الحافلات والسيارات، وكسر زجاج الواجهات، لقد تعلم الشعب الكادح النضال المنظم. وهذه معضلة النظام الكبرى.
طيلة الأشهر التي تلت قتل محسن فكري، راهنت الدولة على فتور الحركة النضالية بفعل الوقت، لا سيما أن الهبة التضامنية العفوية على صعيد وطني التي تلت تلك الجريمة النكراء خمدت في مدة وجيزة.
أمام صمود كادحي الريف وكادحاته، تأكدت الدولة من لا جدوى تكتيكات المناورة والخداع، فحركت آلة القمع بذرائع متنوعة (واقعة المسجد…) وتحت دخان كثيف من التضليل الإعلامي (الانفصالية، الاجندات الأجنبية، الدعم من خارج، وكل ما يخطر على بال بوليسي). بدأت حملة الاعتقالات، ولا تزال مستمرة. وطبعا يتوقف صمود الحركة النضالية الشعبية على متانة أشكال التنظيم التي انبثقت في الأشهر السابقة، ومدى قدرة المناضلين والمناضلات على ترسيخها وتطويرها وتعميق انغراسها في ظروف القمع المستجدة. ويتوقف ذلك الصمود ثانيا على مناصرة باقي كادحي البلد للريف.
وقد تعالت أصوات جمهرة كبيرة ممن أخافهم النضال الشعبي الريفي، من أنصاف معارضين، وخدام للنظام مقنعين بالدفاع عن حقوق الإنسان، تعالت تلك الأصوات للمناداة بإطلاق سراح المعتقلين كخطوة أساسية لتهدئة الوضع. ما يهم هذا الصنف من أصدقاء الريف الزائفين هو أن يهدأ الوضع. لو توقف الحراك لما تحرك العديد من الصارخين اليوم بوجوب إطلاق سراح المعتقلين.
إن انتقال الخوف الى معسكر أعداء الشعب المقهور حرك جحافل من المستفدين من نظام الاستغلال والاستبداد، وراحت تسدي النصح للنظام لمساعدته على إطفاء حريق الريف قبل أن يمتد إلى ملايين أطنان المواد المتفجرة المتمثلة في حرمان ملايين البشر من أدنى مقومات حياة لائقة: لا تعليم لا صحة ولا عمل و لا كرامة.
يستجدي كثيرون الدولة كي تطلق سراح المعتقلين قبل فوات الأوان، أوان إمكان امتصاص النقمة وإيقاف حركة نضالية تهدد كل المستفيدين من نظام الفساد والقهر الطبقي والديكتاتورية. فثمة من يناشد الملك مباشرة، وهناك رهط آخر يلتمس من نجوم سياسية، كلها من خدام النظام، منها وزراء سابقين مسؤولين على السياسات النيوليبرالية التي أوصلتنا إلى الكارثة الاجتماعية القائمة، ومثقفين من فصيلة وعاظ السلاطين، على رأسهم عبد الله العروي، كي يتدخلوا لدى الملك، وغير هذا كثير مما تتفتق به مخيلة من استبد بهم الخوف من دخول الجماهير ساحة الكفاح من اجل حقوقها.
إن المعتقلين والمعتقلات أسرى حرب، يسعى النظام إلى أن يساوم بهم الحركة النضالية، كما يروم الضغط بسجنهم لإلهاء كادحي الريف عن مطالبهم الاجتماعية. ومن يساند فعلا نضال الجماهير الشعبية بالريف لن يستجدي إطلاق سراح الأسرى من أي جهة كانت. واجب مناصري الريف الحقيقيين هو العمل على تعزيز ميزان القوى الذي صنعه ريافة بتضحياتهم كي يبلغ مستوى إجبار المستبدين على إطلاق سراح الأسرى وتلبية المطالب. تعزيز ميزان القوى ذاك، معناه العمل ليل نهار كي تمتد موجة النضال الإجتماعي إلى باقي ربوع المغرب. والموجة سائرة فعلا في الإنتشار أمام أنظار النظام المرعوبة. أمس خرج مئات كادحي ايمنتانوت بين جبال الأطلس الكبير ليستأنفوا نضالهم. كانوا احتشدوا من قبل في مظاهرات عارمة من أجل المستشفى، وهاهم اليوم يعودون إلى الشارع احتجاجا على مشاكل الماء والصرف الصحي. وكذلك تدفق المقهورون والمقهورات في تنغير إلى الشارع سخطا على تدري الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. هذان مثالان من تدفق كبير من المسيرات والوقفات الاحتجاجية وأخرى تضامنية مع الريف.
هنا يجب أن تتجه أنظار من يزعم مناصرة أبطال الريف وبطلاته المعتقلين، وليس إلى فوق، الى سدة الطبقات السائدة المسؤولة عن معاناة ملايين المغاربة، بقصد التوسل إليها لإطلاق الأسرى.
واجب مناصري النضال الريفي الحقيقيين هو تطوير تنسيقيات النضال الاجتماعي- بمختلف اسمائها- وإحداثها حيث لا توجد بعد، وجمع القوى الشعبية حول المطالب، والسير نحو تنسيق النضالات جهويا ثم وطنيا. واجبنا أن نحرر أسرانا بكفاحنا.
وبهذا الصدد يتمثل واجب المناضلين العماليين في النهوض لمناصرة الريف بتوحيد الجهود لانقاد المنظمات النقابية من الهاوية التي تجرها اليها قياداتها التي تتفرج على النضال الشعبي بالريف، ملتزمة الصمت المطبق، كما تفعل قيادة الاتحاد المغربي للشغل، او تقتصر على صيغ تضامن لا ترقى الى مستوى الظرف ، كما تفعل قيادة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
واجب مناضلي الطبقة العاملة الكفاحيين الاضطلاع بدور الريادة في تنسيقيات النضال الشعبي، و العمل من اجل التقاء النضال العمالي بالنضال الشعبي. فتفعيل قدرة الأجراء على شل الإنتاج و النقل و الإدارة والخدمات رسيمد النضال الشعبي بقوة اكبر أضعافا مضاعفة. إن اضرابا عاما وطنيا تضامنا مع مطالب الريف ومعتقليه سيقوى دفعة واحدة ميزان القوى لصالح الكادحين، ويسرع بتحقيق النصر.
هذا ما ينتظره منا أسرى الكفاح الشعبي بالريف، هم وكافة من يضحي في الريف من اجل مطالب العدالة الاجتماعية و الكرامة.
عاش الريف المناضل، ولا عاش من خانه
عاش الشعب مكافحا من أجل الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية
بقلم: محمود جديد
اقرأ أيضا