دور انتخابات الرئاسة الأول: النظام السياسي الفرنسي في مهب العاصفة
بارتيل لوموال و اوغو باليتا Patrick Le Moal et Ugo Palheta
نعم ! نحن نحلم بعالم آخر، لأن قيمة حياتنا أولى من أرباحهم. وأحلامنا من تلك التي تدفعنا للفعل إذ ندرك أن ما من أحد سيحققها عوضا عنا، ليس ثمة منقذ أعلى !نحن ، دون سوانا، من سيحققها بتعبئتنا وتنظيمنا الذاتي وعزيمتنا وقوة أحلامنا”. (كريستين بوبان Christine Poupin).
تدخل الجمهورية الخامسة حالة أزمة مفتوحة. كانت هذه الدولة القوية، التي أرسيت في عز حرب الجزائر من قبل ديغول، قد أنهت عجز النظام البرلماني على فرض الإصلاحات الاقتصادية التي لم يكن لتوسع الرأسمال الفرنسي غنى عنها. وكان في صلب جهاز هذه الجمهورية الانتخابات الرئاسية، بالاقتراع العام منذ العام 1962، بقصد تعيين بونابارت ماسك بوسائل القيادة من فوق الأحزاب. وقد شهدت تطورا أولا في العام 1974، مع إزاحة الديغولية التاريخية من السلطة، ثم تسارع مع انتصار ميتران في العام 1981. ومنذ الانتقال من ولاية سبع سنوات إلى ولاية خمس سنوات في العام 2000، يتنظم النظام حول حزبين كبيرين، مع استفادة الحزب الفائر بالرئاسة من الدينامية المكتسبة للحصول على أغلبية بالجمعية الوطنية، و من ثمة القدرة على الحكم في ظل نوع من الاستقرار المؤسسي.
هذا النظام السياسي، الذي شهد بعض الأزمات، اهتز بعنف بفعل العملية الانتخابية التي بدأت بالدور الأول لانتخابات الرئاسة: سيكون الحزبان اللذان يهيمنان على الحقل السياسي وينظمانه منذ 40 سنة غائبين عن الدور الثاني. كان الحزب الاشتراكي قد تعرض لمثل هذا التقلب في العام 2002، لكن اليمين لم يسبق له ذلك قط. هذا الانتصار لــ”لا يمين و لا يسار”، سواء تبناه أقصى اليمين لو ما يسميه طارق علي “أقصى الوسط”، يطوي صفحة ويقوي بشدة اللااستقرار السياسي.
فالانتخابات التشريعية –التي ستكون بمثابة دور ثالث- مفعمة بأوجه اللايقين.النظام الانتخابي مبني ليعطي منحة للأقوى من بين الحزبين المهيمنين وبالتالي أغلبية برلمانية متينة. والحال انه يترك كل الممكنات مفتوحة عندما تتواجه أربع قوى انتخابية من نفس المستوى كما سيكون الحال بعد بضعة أسابيع. إن الفرضية الأكثر احتمالا هي إذن تكاثر انتخاب مثلثي، وحتى مربعي، في الدور الثاني للانتخابات التشريعية، وبالتالي نتائج غير قابلة للتوقع. ليس مستحيلا على هذا النحو ألا تكون ثمة أغلبية سياسية واضحة في الجمعية الوطنية في يونيو المقبل. هذا كله مع شرعية ضعيفة لدى ماكرون، الذي ستكون نتيجته مترتبة إلى حد بعيد، في حال انتخابه، عن منطق “أي كان ما عدا لوبين”، والتي لن تحميه من اللاشعبية التي ستنتج حتما، وبسرعة، عن سياسته. إن النظام يدخل فعلا مهب عاصفة.
كانت الحملة الانتخابية مطبوعة بتطايرية كبيرة جدا للأصوات: كانت الحملة خاضعة لمفاعيل الظروف أكثر مما لنقاشات البرامج، وبالتالي قلما كانت مواجهة بين مشاريع سياسية. لقد أعطت الميول الملكية دوما للانتخابات الرئاسية مكانة مركزية للأفراد، لـ”أهميتهم الشخصية” و”كازيماهم” المفترضة. النتيجة أن الأسباب التي تحدو بالناس إلى التصويت لصالح هذا المرشح أو ذاك لم يكن لها في الغالب غير علاقة نسبية جدا – وبعيدة أحيانا- مع البرامج. وقد فهم ماكرون جيدا هذا البعد لأنه تبنى مرارا غياب أي برنامج لديه، مستعيضا عنه بـ”رؤية” شخصية جدا، لكنها تتيح بوجه خاص التكتم عن العلاج النيوليبرالي الذي يسعى إلى فرضه على المجتمع الفرنسي. هذه الظاهرة تفاقمت بغياب مواجهة مع مشاريع بديلة للرأسمالية.
بدأت الحملة الانتخابية مع الانتخابات التمهيدية لدى اليمين، التي أدت إلى تجذر رجعي كاره للأجانب و للمسلمين أو للمفترض أنهم كذلك، و خاصة الموظفين، ثم انقلبت إلى رفض للفساد و للأعمال و الاوليغارشية الحاكمة، مفضية إلى إزاحة فيون في الدور الأول فيما كان انتخابه يبدو له مضمونا قبل بضعة شهور.
تفاقمت هذه التطايرية بفعل سيادة استطلاعات الرأي. في غياب نقاش واضح حول الآفاق المقترحة من مختلف الأطراف، كان المحرك الرئيس للعديد من الناخبين هو البحث عن التصويت الأكثر “فائدة” ، لا سيما الذي يتيح هزم الجبهة الوطنية، أيا كان برنامج المرشح وحتى لو كان عدوا. في هذا الإطار المطبوع بالسعي إلى ” أهون الشرور”، احتلت استطلاعات الرأي حتما مكانة مركزية. عندما كانت تشير إلى أن ماكرون دون سواه قادر على تحقيق تلك الوحدة المناهضة للجبهة الوطنية، انتقل وزير الاقتصاد السابق لدى هولاند من 15% إلى 25% من نوايا التصويت. وعندما بدأت تشير إلى أن بوسع ميلانشون أيضا أن يأتي في الدور الثاني ويهزم الجبهة الوطنية، شهدت الحركة لصالحه دينامية جديدة.
اندفاعة المشروع الوطني والعنصري والتسلطي للجبهة الوطنية
في فرنسا، يضم اليمين المتطرف – الممثل أساسا بالجبهة الوطنية- تاريخيا ذوي الحنين إلى الفاشية التاريخية (منها فاشية فيشي)، لكن أيضا تيارات كاثوليكية أوصولية، وهوياتيين مدافعين عن خط كاره للمسلمين عنيف جدا، وكذا سياديين كارهين للأجانب منهم من مر من حركة شوفنمان ( مثل فيليبو Philippot). ويجب الا نبخس قدر هذه النواة التي وضعت جانبا رموزها المربكة وخلافاتها القديمة وأبانت في السنوات الأخيرة عن مهارة كبيرة في الظفر بشكل من الهيمنة الإيديولوجية دافعة الجميع في الحقل السياسي إلى تحديد نفسه قياسا بمواقف الجبهة الوطنية.
ما يلحم هذه الوحدة المتنافرة، التي تصورتها في البدء زمرة أوردر نوفو Ordre nouveau كجبهة تمكن الفاشيين الجدد من نتف ريش الوطنيين، هو النزعة الوطنية والعنصرية. حول هذا القاعدة، طور الحزب خطابا اجتماعيا زائفا، وأحيانا مناهضا للرأسمالية زائفا، أتاح له على مر السنين الحصول على تأييد، جزئي أو كلي، من قسم من السكان – من البرجوازية الصغيرة الآفلة أولا (حرفيون، تجار) منذ سنوات 1980، ثم لدى بعض أقسام الطبقات الشعبية – المتضررة بالسياسات النيوليبرالية التقشفية، التي نهجها اليمين و الاشتراكية الديمقراطية على السواء.
كما انغرست الجبهة الوطنية بصلابة شديدة في أجهزة قمع الدولة، سواء الشرطة أو الدرك (لاسيما في الفرق الخاصة ، CRS و BAC ، الخ). وفي وضع تطايرية ناخبي المنظمات الأخرى، تظل الجبهة الوطنية الحزب الوحيد الذي لديه جسم ناخبين قار.
بما أن مؤسسات الجمهورية الخامسة تتيح إرساء نظام متسلط في بضعة أسابيع، وبما أن حالة الطوارئ تتيح منعا قانونيا لردود الفعل الاجتماعية والسياسية، قد تنتج بسرعة عن انتخاب الجبهة الوطنية عواقب جسيمة على كل من هم / هن في أسفل، لاسيما المهاجرين والمسلمين والغجر سكان الأحياء الفقيرة و كذا مناضلي اليسار والحركة العمالية.
استقطب اقصى اليمين كل الحقل السياسي في أثناء هذه الانتخابات، حيث كان ثلاثة مرشحين – Dupont-Aignan, Asselineau et Cheminade- يدافعون عن مواقف وطنية إضافة إلى الجبهة الوطنية، فضلا عن الانزلاق الرجعي لحملة فيون. بعد سنوات من جهود الشيطنة، لم تكف الموضوعات العزيزة على الأب عن احتلال مقدمة المشهد، من قبيل ” فرنسا للفرنسيين” (أعيد بصيغة “الفرنسيون أولا”) و”الأفضلية الوطنية” (أعيد بصيغة “الأولوية الوطنية”) و ” نحن في بلدنا” .
كان على الأرجح للفضائح المالية التي تورطت فيها الجبهة الوطنية، و التنديد بلجوء مرشحة تدعي مناوئة النظام إلى المناعة البرلمانية – لاسيما من قبل مرشح حزب مناهضة الرأسمالية الجديد، فيليب بوتو، في النقاش الوحيد الذي جمع المرشحين الإحدى عشر- دور في تفتيت نوايا التصويت لصالح الجبهة الوطنية، بالأقل في افق الدور الأول. لكن إن كانت نسبة الأصوات النهائية أدنى من توقعات بعض استطلاعات الرأي قبل أشهر ( حيث وضعتها في مستوى 30% ) فإن عدد المصوتين لصالح الجبهة الوطنية يواصل ارتفاعه من انتخابات إلى أخرى.
1995 جان ماري لوبين 000 571 4 صوت
2002 جان ماري لوبين 000 804 4 صوت
2007 جان ماري لوبين 000 834 3 صوت
2012 مارين لوبين 000 421 6 صوت
2017 مارين لوبين 000 641 7 صوت
على هذا النحو تمثل الجبهة الوطنية أول حزب في أكثر من 40 محافظة بالشمال والشرق والجنوب الشرقي ، محققة أحيانا نسبة 35% ! رغم أن الدور الثاني يبدو سيكون لصالح ماكرون ضد لوبين، لا يمكن اليوم في ظل وضع سياسي غير مستقر جوهريا و استقطاب أقصى اليمين للحقل السياسي، استبعاد الفرضية الأخرى – ما يجعل ضروريا القيام بحملة (صعبة) لهزمها في الشارع وكذا أوسع ما يمكن في صناديق الاقتراع.
التجذر التاتشيري والرجعي لليمين
تمثل اول فصول الازمة في تنحية نيكولا ساركوزي في انتخابات اليمين التمهيدية، لصالح فيون، السيد النظيف للتقشف الجذري، ضد النفقات العامة و الموظفين، ومن اجل الصيغة الاعنف من نزع التقنين، استنادا على القطاعات الأشد رجعية (لاسيما تيار « Sens commun » الذي يضم شبكات مناضلين متحدرة من « Manif pour tous » المناهضة لزواج المثليين) وتحت ضغط دائم من الجبهة الوطنية (الفائزة بالنسبة المائوية في انتخابات الجهات و البلديات في العام 2015).
وأقلعت الازمة مع الكشف عن اختلاس المال العام من قبل فرانسوا فيون، الذي تمسك بموقعه ، لاسيما ضد جهاز حزبه الذي بدا عاجزا عن اقتراح مرشح آخر. وباستعمال تفسخ جهاز الجمهوريين هذا، فرض فيون نفسه اعتمادا على الجناح الاشد محافظة من مسانديه، اي حركة « Sens commun » التي تدعو اليوم الى معارضة ماكرون باعتباره “مرشحا معاديا صراحة للاسرة”.
ويفتح غيابه في الدور الثاني المعركة داخل اليمين، الواقع بين كماشة الجبهة الوطنية و مشروع “اقصى الوسط” لماكرون. لكن هذه التنحية تعبر ايضا عن تفاقم الطابع الأوليغارشي للنظام السياسي، وما يستثير من تعارضات. فاختلاط الملاك السياسي مع أرباب العمل وأوساط الاعمال بلغ درجة ان المجموع يشكل أوليغارشية بات فيها التسويات الصغيرة والخدمات المتبادلة عملة رائجة- ليست البزات الممنوحة لفيون غير قطرة في محيط فساد هيكلي. فور ظخور نتف صغيرة من هذا الواقع امام الملأ، يُقاس الهوة الفاصلة بين من هم في اسفل، الذين تفرض عليهم تضحيات متزايدة الايلام، ومن هم في فوق, فيون سقط في هذه الهوة.,
المؤسسات البرلمانية مهمشة (اكثر من ذي قبل) و هوامش المناورة لدى الملاك السياسي متقلصة، لكن القطاعات المركزيةو للراسمالية بحاجة مع ذلك الى دولة، أي الى مؤسسات تخلق اطارا شرعيا مناسبا للراسمال يفرض منطق السوق حيث لا يزال غائبا. من ثمة نوع من المأزق: البرجوازية تتطلب قادة سياسيين يكونون خالضعين بشكل وثيق لأوامرها، وبالتالي قادرين على فرض سياسات مدمرة للمكاسب الاجتماعية دون أي مقابل فعلي للاجراء، لكن هذا الخضوع المتنامي له ثمن متمثل في لااستقرار اكبر للنظام السياسي، لإذ يفقد المنتخبون بسرعة متزيادة الشرعية التي حصلوا عليها بالانتخابات.
ماكرون او سطو أقصى الوسط النيوليبرالي
المفارقة أن نتاجا خالصا لهذه الاوليغارشية هو من تمكن من الظهور، بفعل الطابع اليميني لحملة الجمهوريين مع فيون (وطبعا بسبب فضائح اختلاس المال العام التي ناخت بثقلها على حملة هذا الأخير)، كـ”مرشح خارج النظام” الكفيل أكثر من سواه بهزم لوبين. أن يتمكن خريج من المدرسة الوطنية للإدارة، العابر من الدوائر المالية و دواوين الوزراء، من الظهور في نظر البعض كحل أو قطيعة مع “النظام” أمر معبر جدا عن حالة الأزمة الأيديولوجية المتقدمة التي يوجد فيها المجتمع الفرنسي.
الشريك السابق في بنك روتشيلد، ورجل المال المحنك، والسكرتير العام السابق للإيلزيه، ووزير هولاند، والمسؤول عن قوانين ماكرون وقانون العمل ، هيأ بمنهجية ارتقاءه إلى مداره. فبفضل فقاعة إعلامية معدة بمهارة، تمكن من تصنع قطيعة مع الأحزاب السائدة، فيما كان ملهم ومنفذ سياسة الخمس سنوات المنتهية، كما حظي بدعم كل متساقطي الأجهزة الحزبية (من Madelin الى Hue، مرورا ب Cohn-Benditو Ségolène Royal.
تعلن الحركة التي أسس قبل عام أن بها 200 إلف إلى 240 ألف شخص، على رأسها (وحتى جزئيا بقاعدتها و لاشك) العديد من القادمين من أحزاب أخرى من اليمين و اليسار. ولم يعد ممكنا إحصاء مسؤولي الحزب الاشتراكي الداعين إلى التصويت لصالحها ضد المرشح الرسمي للحزب، بونوا هامون، المعين مع ذلك في انتخابات تمهيدية. وبقصد إدامة وهم التجديد، الذي سيتبدد تدريجيا بقدر مواجهة ماكرون لعواقب سياسته المدمرة وتحالفه مع قوى سياسية أخرى للحصول على أغلبية، يبدي ماكرون إرادة التقدم للانتخابات التشريعية بنصف المرشحين المتحدرين من “المجتمع المدني”، أي بلا سوابق سياسية.
الهدف الصريح لماكرون، مرشح أرباب العمل هذا، الذي سيمثل انتصاره المحتمل “انقلابا حقيقيا” لمؤشر البورصة CAC40)، تكثيف الهجمات على قوة العمل وعلى نظام التأمين ضد البطالة، وضد نظام التقاعد القائم على التوزيع، سعيا إلى مزيد من تخفيف ” اكراهات” المقاولات، و تمديد الامتيازات الجبائية للمقاولات، وخفض الضريبة على أرباح الشركات، وقد أعلن انه سيحكم بالمراسيم، مسجلا تهميش الأشكال البرلمانية للسيطرة السياسية البرجوازية. سيقوم إذن بتعميق وتوسيع السياسات النيوليبرالية المتسلطة التي ميزت حكم هولاند، مفضيا حتما إلى عواقب كارثية شوهدت في السنوات الأخيرة، ومنها صعود جديد للجبهة الوطنية (إذا لم ينبجس في غضون ذلك بديل سياسي على اليسار).
بداية تفجر الحزب الاشتراكي
اعتبارا لانهيار الحزب الاشتراكي انتخابيا مع ترشح هامون، يرجح أن تظهر في هذا الحزب أولى عواقب الزلزال الجاري.
كان ناخبو الانتخابات التمهيدية –لاسيما من لا ينتمون للحزب الاشتراكي- قد كنسوا فالس وسياسته الحكومية، التي يكفي سرد بسط لإبراز حصيلتها الكارثية: مزيد من العاطلين و من الأشخاص بلا سكن لائق، وتدهور ظروف العمل، وحقوق اقل للإجراء ومزيد من الوسائل لصالح أرباب العمل للتسريح وفرض التراجعات الاجتماعية ، وغياب أي قرار في مستوى الاستعجال المناخي، والحفاظ على النووي مهما كلف، واستعادة الخطاب الإيديولوجي لليمين و لأرباب العمل حول التنافسية، واستعارة خطاب اليمين المتطرف حول إسقاط الجنسية ، وخطاب فالس الكاره للمسلمين وللغجر ، الخ.
كما كان المشاركون في الانتخابات التمهيدية رفضوا بأغلبية المنعطف المحافظ الجديد، والمس بالحريات الديمقراطية، بخاصة إرساء حالة طوارئ دائمة منذ نوفمبر 215، و الاستعمال المتكرر لـلبند 39-4 لفرض قانون العمل . نشير إلى أن دينامية الانتخابات التمهيدية المفتوحة هي التي أتاحت هذه النتيجة، و ليس مؤكدا أن تكون النتيجة ذاتها لدى من بقوا من أعضاء الحزب الاشتراكي، لشدة ما تقلصت القاعدة المناضلة لهذا الأخير في السنوات الأخيرة لتنحصر في منتخَـبيه ومعاونيهم: مداومون وأجراء البلديات و الجهات و المساعدين البرلمانيين، الخ.
كان البعض في البداية علق أملا على مرشح الحزب الاشتراكي. وانهارت بسرعة، ما مثل علامة ضمن أخريات على الرفض الكثيف لكل ما يمثله الحزب الاشتراكي بعد خمس سنوات من ممارسة السلطة. وبسرعة تمايز هامون في الانتخابات التمهيدية بما هو ” متمرد” يتضارب مع الليبرالي المفرط ماكرون وفالس المتسلط. لكنه لم يفلح في الدفع إلى نسيان الدور الذي قام به بصفته وزيرا طيلة أكثر من سنتين، في سياسات حكومات ايرو و فالس. التزم الصمت إزاء وفاة ريمي فريس، وقبل الانتقال الى 43 سنة مدة اشتراك للحصول على تقاعد كامل وتنازل للأوساط الرجعية بسحب برنامج « ABCD de l’égalité » [برنامج مدرسي ض الميز الجنسي]، الخ.
أعلن، بعد إزاحته في نوفمبر 2014، أنه لن “ينتقل إلى المعارضة ويحارب الحكومة” ، ويمكن الاعتراف له أن “المتمردين” لم يتمردوا إلا عرضا ووهميا وبلا نتيجة ذات شأن على الحكومة. إن كان هامون قال على هذا النحو إنه اعترض على قانون الخمري، فلم يُر في المظاهرات المضادة له. وعاجزا عن اختيار موقع واضح، استقرت حملته في المساومة مع جهاز الحزب الاشتراكي. ولم يكن ذلك مجرد حساب تكتيكي: لقد قبل هامون في نهاية المطاف التحول الذي آجراه الحزب الاشتراكي في سنوات 1980، أي عبادة المقاولة و السوق و الاتحاد الأوربي النيوليبرالي. وخسر على هذا النحو على جميع المستويات لأن ذلك لم يحل دون نزيف عدد من مسؤولي الحزب الاشتراكي نحو ماكرون – ومنهم أعضاء بالحكومة، وكذا فالس الذي كان مع ذلك التزم باحترام نتيجة الانتخابات التمهيدية
ميول الحزب الاشتراكي الراهن إلى التفجر جارية، بين المشروع الاشتراكي الديمقراطي لايت light لهامون، العاجز عن الاعتراض على الأغلال النيوليبلرالية، و المشروع البليري (نسبة الى توني بلير) لماكرون و المدعوم من فالس. بعد الدور الأول مباشرة، ابتهج فالس لنتيجة ماكرون “التي تمثل تغيرا و أملا” وقال إن انقسامات الحزب الاشتراكي لها أسبابها وإنها ” نهاية دورة، ونهاية تاريخ” و إن الزمن زمن إعادة بناء و توضيح لأن هامون قام بحملة على “يسار اليسار”.
اختراق حققته حركة جان لوك ميلانشون “فرنسا الأبية”
الأمر الأهم يسارا هو المكانة التي تبوأها ترشح جان لوك ميلانشون في الأسابيع الأولى للحملة، مهمشا الحزب الاشتراكي، والتمكن من بلوغ موقع مهيمن في اليسار المناهض للنيوليبرالية، مع أنه يرفض منذ سنوات اعتبار نفسه من اليسار. نجح ملانشون الذي يتهيأ لهذه الانتخاب منذ العام 2012 في تكوين رصيد بانتقاداته الحادة لحكومة هولاند-فالس- منظمة ارباب العمل Medef (فيما كان الحزب الشيوعي، حليفه منذ العام 2012، المهمش كليا منذئذ، يبدي موقفا توفيقيا أكثر بكثير).
كانت التعبئة الانتخابية حول حركة فرنسا الأبية بالغة الأهمية، مع تجمعات بالهواء الطلق ضمت عشرات آلاف الأشخاص، وحملة مجددة على الشبكات الاجتماعية (تطبيق يتيح حساب ما يؤدي المواطن من ضريبة بعد تطبيق الإصلاح الضريبي الذي وعد به ميلانشون)، وقناة يوتوب ذات إقبال عريض (300 ألف مشترك)، وتجديدات فولكلورية إلى حد ما (الصور ثلاثية الأبعاد)، دعم من عدد مهم من المناضلين الملتزمين في التعبئات الاجتماعية للأشهر الأخيرة ضد قانون عمل الخمري، وتجميع زهاء 450 ألف من أنصار حركة فرنسا الأبية المنظمين في “مجموعات دعم”. والنتائج الانتخابية مهمة بعدد من المدن و الأحياء الشعبية، معبرة على هذا النحو على رغبة قطاعات مناضلة في طي بواسطة الانتخابات لصفحة سياسات تدمير المكاسب الاجتماعية.
لا شك أن ليس برنامج حركة فرنسا الأبية ما أثار هذا النجاح بل شخصية ميلانشون التي تبدو “عناية الهية”، و التي خلقها عبر سنوات، وكذا أداءه الجيد في النقاشات التلفزيونية بوجه باقي المرشحين، إضافة على توقعات استطلاعات الرأي الجيدة لصالحه في الأسابيع الأخيرة و التي أظهرته بما هو أفضل تصويت “مفيد”: يسارا، القادر وحده على تفادي مواجهة بين اليمين و اليمين المتطرف في الدور الثاني.
خلف المواقف والجمل الصغيرة، تقدم ميلانشون ببرنامج إصلاحي يساري، كينزي، برنامج قطع جزئي مع النيوليبرالية (لكن ليس مع الرأسمالية، مع غياب أي إشارة الى الاشتراكية أو أي تجاوز للرأسمالية)، استنادا على إنعاش استهلاك الأسر و الاستثمار المنتج. ومنح ميلانشون وحركة “فرنسا الأبية”مكانة أساسية لإرساء مؤسسات –الجمهورية السادسة- تجعل النظام رئاسيا أقل و ديمقراطيا أكثر ( مع دعوة جمعية تأسيسية و قابلية عزل النواب، الخ).
نشير إلى أن الشروط السياسية لتطبيق هكذا سياسة اقتصادية و اجتماعية قلما كانت موضوع تساؤل. باسم مركزية فرنسا المزعومة في أوربا و في العالم (يكرر ميلانشون “فرنسا ليست اليونان” ، أي استحالة فرض سياسة عليها)، وغالبا ما بخس قدر العداء الذي سيبديه حتما الرأسمال و المؤسسات الأوربية، و كذا حدة المواجهات الاجتماعية والسياسية التي يفترضها تطبيق هكذا برنامج مع كل طابعه الإصلاحي. هكذا لم يكف ميلانشون في الأيام العشر الأخيرة من الحملة، بوجه هجمات هامون وماكرون حول هذا الموضوع، عن تدقيق مواقفه حول أوربا لدرجة ظهوره مجرد مصلح للاتحاد الأوربي.
ساعيا إلى القطع مع لغة اليسار ورموزه، دافع ميلانشون عن توجه وطني جمهوري جامع، بصبغة شوفينية في الغالب، مع التخلي عن “نشيد الأممية” لصالح نشيد “لامارسييز”، وتوزيع أعلام فرنسا في كل مبادراته (لا سيما مسيرة 18 مارس) و بوجه خاص إحالاته المتواترة إلى قدر فرنسا وعظمتها. وعشية الدور الأول، أنهى تصريحه بنداء مؤثر إلى “وطنه الحبيب”.
ليس هذا المنطق مجرد كلام او تكتيك وحسب، فقد أفضى به إلى مواقف سياسية بالغة الطابع الإشكالي: اختزال الاتحاد الأوربي في “أوربا ألمانية” ( وبالتالي تقليل مسؤولية القادة السياسيين و الرأسماليين الفرنسيين)، وهجمات ضد العمال المبعوثين (من بلدان أخرى بالاتحاد الأوربي) المتهمين بـ”سرقة خبز العمال الفرنسيين”، و الدفاع عن فرنسا كـ”امة عالمية” (حاجبا بذلك السيطرة الاستعمارية الجديدة التي تمارسها فرنسا بمستعمراتها السابقة)، رفض حتى الاعتراف بوجود كره المسلمين (عندما لا ينطق ميلانشون نفسه بتصريحات كارهة للمسلمين)، ورفض إدانة المذابح التي يقترفها نظام الأسد في سوريا بدعم من روسيا، ودبلوماسية محكومة حصرا بـمنطق”مصلحة فرنسا”، الخ. ثمة إذن حاجة ماسة إلى عدم ترك ميلانشون يجر اليسار والحركة العمالية نحو أغوار نزعة وطنية متخلصة من عقدها ليس من شأنها إلا أن تعزز إيديولوجيا أعداءنا.
تتمثل خاصية أخرى هامة في الشكل الذي اكتسته حركة “فرنسا الأبية”، حركة أطلقت في فبراير 2016 عبر القفز على كل الشركاء السابقين في جبهة اليسار، وحتى على حزب ميلانشون ذاته، حزب اليسار. المرجعيات السياسية لهذا الحزب الجديد شعبوية يسارية ( مستوحاة من نظريات لاكلو Laclau وموف Mouffe ) تميل إلى محو كل مرجعية طبقية ببناء نفسها على تعارض شعب/ نخبة، وفق نموذج مستنسخ عن قيادة بوديموس(Iglesias/Errejon),، بإضافة مرجعية بيئية. لا يترك هذا التوجه أي مساحة تعاون بين أحزاب، ويتيح ضمان تحكم وثيق بالحركة حول فريق صغير بدون أي ديمقراطية داخلية.
على هذا النحو وضع ميلانشون الأحزاب خارج اللعبة لصالح علاقة انصهار بينه وبين أعضاء الحركة، على شاكلة الجمهورية الخامسة، التي يقتدي بها بالتمام… مع الدفاع عن منظور جمهورية سادسة. تلك احد الأسباب التي تمنع نقاشا جديا مع هامون حول اتفاق على بعض النقاط الرمزية، مثل إلغاء قانون العمل و ووقف بناء مطار Notre-Dame des Landes و المشاريع الكبرى غير المفيدة والضارة بالبيئة، وإنهاء حالة الطوارئ، التي كان من شأنها أن تتيح حضورا لميلانشون في الدور الثاني. لكنه لم يقدم في أي لحظة على خيار هذا النوع من النقاشات ولم يترك الباب مفتوحا لاتفاق من هذا النوع، المناقض لمشروعه ذاته.
حملة فيلب بوتو: صدى وتعاطف حقيقيان لكنهما محدودان
في هذا السياق، حافظ ترشيح بوتو (حزب مناهضة الرأسمالية الجديد) عن هوية سياسية طبقية بوجه تذويبها او إضفاء نسبية عليها باسم شعب فرنسا. ووضع بالمقدمة مقترحات لم تكن لتعرض لولا حضوره في الدور الأول، لاسيما نزع سلاح الشرطة ، وإلغاء القوانين الكارهة للمسلمين، وتشريك النظام البنكي، و نزع الطابع المهني عن ممارسة السياسة. كما أتاحت هجمات بوتو ضد فيون ولوبين، بصدد اختلاسات المال العام، الجهر بما يفكر فيه ملايين الناس، وكان لها على الأرجح تأثير على نظرة الناس إلى هؤلاء المرشحين بما هم مرشحي النظام، في تعارض مع عالم الذين في أسفل بلا “حصانة عمالية” .
كان هذا الترشيح متناغما مع ما جرى التعبير عنه في الحركة ضد قانون العمل، و ما برز فيها من تجذر، لاسيما فكرة إمساك الكادحين الذاتي بزمام أمرهم، وديمقراطية فعلية، لكنها لم تصبح وسيلة تعبير عن ملايين الناس. ضغط “التصويت المفيد” لصالح ميلانشون، ومقتل شرطي قبل ثلاثة أيام من الانتخاب، كانا بلا شك لغير صالح مرشح الحزب الجديد المناهض للرأسمالية، لكن تُطرح أيضا بجلاء مسألة حدود مقاربة سياسية تأخذ بما يكفي من جدية الانتخابات لاستعمالها منبرا، لكن ليس بما يكفي لترى فيها إحدى اللحظات الحاسمة حيث تتأسس موازين القوى السياسية و الإيديولوجية للأشهر و السنوات القادمة، وحيث ينبغي إظهار ما كان دانيال بنسعيد يسميه”عقلية سياسية أكثروية”:
” لأسباب تاريخية مفهومة جيدا، نحن بالأحرى مطبوعون بحذر محتد إزاء السلطة. نعيش غالبا كمنظمة نضال مناوئة للبيروقراطية وقائيا، أكثر مما كمنظمة نضال من أجل السلطة. ومع ذلك هذا هو المشكل الأول . و النهوض به جديا يستوجب عقلية سياسية أكثروية (ليس بالمعنى الانتخابي): عقلية تجميع، وليس فقط تمايز. ثمة طبيعة ثانية “أقلوية” لها فضائلها، لكنها قد تصبح عقبة […] على النطاق الخاص بنا، وبالنظر للاستحقاقات، ق يبدو طرح مسألة السلطة مضحكا شيئا ما، وحتى محملا بمخاطر وهذيانات جنون عظمة. لكن الأمر هو أيضا مسألة حالة ذهنية: أن نأخذ أنفسنا بجدية كي نُـؤخذ بجدية، إن نشعر بالمسؤولية مع بقائنا متواضعين” (الاستراتيجة و الحزب).
ترشيح بوتو والحزب الجديد المناهض للرأسمالية يبدو أكثر، على نطاق جماهيري، كوعي شقي – عمالي، أممي، ومعاد للعنصرية- لليسار المؤسسي (لاسيما حركة ميلانشون)، و ليس كحامل مشروع مجتمعي بديل و إستراتيجية سياسية كفيلة لتخطي إخفاقات الحركات الاجتماعية، لاسيما الحركة النقابية، في السنوات العشر الأخيرة.
و الآن ؟ الازمة السياسية وضرورة هجوم مضاد
تبدو اليوم حركة ” و لا صوت للجبهة الوطنية” قوية بما يكفي لمنع انتخاب لوبين، رغم ان لاشيء محسوم: فصورة ماكرون – الذي يصعب تجاهل ارتباطه الوثيق بالبرجوازية و استعداده لفرض سياسة تدمير اجتماعي على أغلبية السكان – ومحاولة لوبين الحاذقة للظهور كممثل للطبقات الشعبية في وجهه، لا تنبئ بشيء جيد فيما يخص النتيجة النهائية، التي قد تكون مشدودة أكثر من المتوقع.
الأزمة السياسية مفتوحة، مستتبعة أكثر “أزمة هيمنة مستديمة” توقعها ستاتيس كوفيلاكيس Stathis Kouvélakis قبل عشر سنوات : تستمر الطبقات السائدة بفعل غياب بديل، وبفعل سلبية معسكر المستغَلين، أكثر مما بفعل قبول أغلبية السكان إراديا لسياستها. و الحال أن ليست الأحداث الأخيرة هي التي تغير الوضع القائم الموهن والسياسات النيوليبرالية المرتبطة به. يكفي ملاحظة رد فعل البورصات الأوربية عند إعلان وصول ماكرون في المرتبة الأولى بالدور الأول: في باريس في الساعة 09، كانت سندات القطاع البنكي قد قفزت بنسبة 08%. لكن توسيع التدابير النيوليبرالية، أي الهجمات ضد حقوق الأجراء قد يخلق شروط انتصارمقبل لوبين، او مرشح أخر لأقصى اليمين بعد بضع سنوات.
في هذا السياق، تثير التطلعات إلى تغيير جذري للمجتمع تحسسات و ترددات. الوضع على هذه الحال طالما ليس ثمة تعبير سياسي عن الذين في أسفل، موحد حول منظور تحرري، مساواتي، اشتراكي بيئي، يحارب في الأوساط الشعبية الانطواء الوطني، العنصري، التسلطي، ويعيد المصداقية لنهج سياسي آخر، بتنظيم ملموس للنضالات اليومية، بتجميع القوى القائمة واقتراح إستراتيجية ذات مصداقية عليها – بما فيه الاستحقاقات الانتخابية، إذ بدون بلوغ حجم حاسم على هذا الصعيد، لا يمكن إلا أن نظل خاضعين للخطة الشخصية لأول “منقذ اعلي” قادم، ولن نفلح في إضفاء شعبية على بديل سياسي مناهض للرأسمالية أكثروي.
الأمل في إعادة تركيب تقدمية صاعدة من دينامية في أسفل، تعددية وديمقراطية فعلا، على يسار الحزب الاشتراكي الفاقد للاعتبار و المفتت، لا يمكن ان يمر اليوم عبر حركة “فرنسا الأبية” لميلانشون ، خاصة بسبب انتهازيته الإيديولوجية (التي تجعله قابلا للاختراق من قبل النزعة الوطنية وكره المسلمين) ونزعته الانتخابية التي تبيح كل طريقة طالما هي تقرب من السلطة السياسية. النجاح الانتخابي أمر، و إستراتيجية التجميع من أجل بديل تحرري أمر مغاير. هذا لاسيما انه إن كان ميلانشون أبان قدرة فائقة على خوض حملات انتخابية دينامية، فإنه دل أيضا في السنوات الخمس الأخيرة عن عجزه عن بناء مديد لقوة سياسية منغرسة اجتماعيا وديمقراطية.
تتمثل أولويتنا المباشرة في بناء جبهة مقاومة اجتماعية وديمقراطية، بالعمل على تنظيم تضافر النضالات الجارية وقبول كل أشكال المقاومة ذات الهدف التحرري. جلي أن قاعدة هكذا جبهة توجد في في الحركات الاجتماعية، لكن لابد أن ندمج فيها بروح وحدوية كل مناضلي نسيج الجمعيات و السياسيين و النقابيين بقصد تطوير مبادرات تعبئة و الصمود طيلة ولاية خمس سنوات تبدو مقلقة جدا بالنظر إلى ميزان القوى الراهن، وبوجه سلطة سياسية تبدي العزم على القضاء على ما تبقى من مكاسب اجتماعية الطبقة العاملة للقرن 20.
يجب إدراك اللحظة التاريخية بالغة الخطر التي نعيشها المطبوعة بوجه خاص بصعود خطر الفاشية. لا يحق لنا أن نعيد ما أدى بنا إلى هذا الوضع، ولا يمكن أن نواصل ممارسة السياسة كما سبق. آن أوان نقاش جماعي حول ما يجب على كل واحد منا أن يعيد به النظر، بلا قرارات مفروضة و لا أوامر، كي يظهر تدريجيا مشروع تحرري، في قطع مع الرأسمالية، و الإنتاجوية، وكل شكل اضطهاد، استنادا على تعبئات من هم في أسفل، رجالا ونساء، ودمجا لأفضل ما نفعل.
27 ابريل 2017
تعريب المناضل-ة
اقرأ أيضا