نساء العالم الثالث في ظل العولمة ، نتائج متناقضة
ثمة اوجه شبه بين عواقب العولمة الليبرالية على وضع النساء في الاقتصاديات الصناعية و عواقبها في اقتصاديات العالم الثالث، لكن توجد أيضا بهذه الأخيرة تحولات خاصة مرتبطة بخصائص البلدان المتخلفة.
اعادة هيكلة عالمية للرأسمال المنتج
ان للعولمة الليبرالية عواقب على وضع النساء بالعالم الثالث، سواء تعلق الأمر بمكانتهن في الأسرة او في بنية السكان النشيطين. وكل الأوجه الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية معنية بتلك الانقلابات. وتتمثل الآليات الفاعلة في كل من التدويل المتنامي لأنشطة الإنتاج، والانفتاح المتزايد للاقتصاديات من جهة، و استراتيجيات التكييف الهيكلي المفروضة من المؤسسات المالية الدولية من جهة ثانية.
اقتصاديات الجنوب في العولمة: إدماج متمايز أكثر فاكثر
يلاحظ ، منذ بداية سنوات 1990 ، ارتفاع للأرقام المطلقة للاستثمار المباشر الأجنبي في اتجاه اقتصاديات العالم الثالث، لكن مع انخفاض في النسب: تتركز الاستثمارات المباشرة الأجنبية على نحو متنام بالبلدان الصناعية. وُتستعاد هذه الخاصية داخل بلدان العالم الثالث نفسها حيث يتأكد التركز المتزايد للاستثمارات المباشرة الأجنبية في «البلدان الصناعية الجديدة»: كوريا الجنوبية وجنوب شرق آسيا وتركيا والمكسيك والبرازيل … وهي من البلدان المسماة «ذات دخل وسيط» ومتوفرة على حد أدنى من البنية التحتية. وفي الوقت ذاته يتزايد تهميش أفريقيا جنوب الصحراء بكاملها، وبعض البلدان ضمن الأكثر فقرا بقارات أخرى (لاسيما بوليفيا وهايتي). لكن الوضع ليس محسوما لهذه الدرجة، فثمة بلدان ذات دخل اقل بكثير وتشكل وجهة مفضلة لترحيل الصناعات في شكل مناطق حرة او مقاولات من باطن (الصين، أمريكا الوسطى، الكارايبي، جزيرة موريس، بنغلادش)، وبلدان أخرى مدمجة في بعض ما تتيحه العولمة من حيز (صناعة الأغذية والصناعة الزراعية)، دون ان تكون وجهة مفضلة مثل البلدان الآنفة ( البيرو، كولومبيا، الشيلي، المغرب، تونس). هكذا، ليست كل البلدان في نفس وضع الإدماج في الحركات العالمية (للاستثمارات وللرساميل المالية وللمبادلات التجارية)، ولا تشغل نفس الموقع في قسمة العمل الدولية، وحتى ان ان كانت كلها تشهد عمليات اعادة هيكلة لادواتها الإنتاجية ولأسواق العمل بها، فليست لها نفس الخصائص. ويجنح انعدام التجانس هذا الى التفاقم، ويتعين أخذه بالحسبان بقصد فحص مختلف خصائص عواقب العولمة الليبرالية على وضع نساء الجنوب. مع ذلك، ُيلاحظ ميل إجمالي الى تزايد العمل المأجور بين السكان النشيطين على نحو يوازن الميل المضاد(الفعلي أيضا) الى مغادرة العمل المأجور وولوج_«القطاع اللاشكلي»، مما يكذب من تحدثوا عن نهاية العمل وبوجه خاص نهاية العمل المأجور.
دور التقويم الهيكلي
ان العولمة، كما شهدنا، سيرورة متمايزة وغير متجانسة، لكن مختلف أوجهها متمفصلة وتشكل منظومة واحدة. ان استراتيجيات التقويم الهيكلي مفروضة على البلدان من قبل المؤسسات المالية الدولية بقصد مطابقة أفضل للاقتصاديات والمجتمعات مع متطلبات تدويل الإنتاج وقسمة العمل الدولية: نزع تقنين وخصخصة معممين وبتر النفقات العمومية، لا سيما التسريحات في الإدارة والصحة والتعليم، وإلغاء إعانات دعم مواد الاستهلاك الأساسية مع عواقب اجتماعية مأساوية معروفة. وتضم في جانبها طويل الأمد إجراءات لبرلة للتدفقات التجارية وحركات الرساميل على السواء، طبقتها كافة البلدان في فترات متباينة وبسرعات مختلفة. لذا يمكن اعتبارها من جملة الشروط التي أتاحت الموجة الحالية لتدفقات االرساميل. لكن العلاقة العكسية غير صحيحة: لم تشهد كل البلدان التي طبقت الليبرالية قدوما لتدفقات الرساميل بوفرة. فالممارسات الحكومية ليست المحدد الوحيد للاستثمارات المباشرة الأجنبية. فثمة محددات بنيوية أخرى تصنع الفرق: القرب الجغرافي، وجود بنية تحتية، وتأهيل اليد العاملة، وبوجه خاص الاستراتيجية الإجمالية للشركات العابرة للأمم. علاوة على انه لا يمكن عزو كل التحولات الى المفعول الآلي للعولمة: تقوم مختلف السياسات الحكومية بدورها أيضا رغم ان هامش استقلالها ضعيف نسبيا ببلدان الجنوب. يمكن رصد هذا البعد المزدوج في أحد الأمثلة الملموسة العديدة عن التحولات التي تمس مباشرة نشاط النساء: تدمير الزراعات المعاشية. هكذا يندرج تدمير زراعة الذرة بالمكسيك في هذه العوامل المختلفة: انفتاح البلد التجاري في اطار اتفاق التبادل الحر بدول أمريكا، ومنافسة الواردات الرخيصة من الولايات المتحدة الامريكية، لكن ايضا خصخصة الأراضي وتفكيك نظام ايخيدو ( زراعة جماعية) بالغاء الفصل 27 من الدستور، وهو إجراء طالبت به الولايات المتحدة كشرط لتوقيع اتفاق ألينا. بينما تميل الحكومات، شمالا وجنوبا، الى استعمال عذر العولمة بما هي سيرورة حتمية، لاجل إخفاء اختيارها لسياسات ليبرالية: جلي ان الأمر يتعلق بنفس السيرورة. العولمة ووضع النساء
أوضاع متناقضة
يلاحظ منذ عقدين ارتفاع إجمالي لمعدل نشاط النساء. لكن هذا الارتفاع يشكل معدلا ويغطي ميولات مختلفة – مرتبطة بتعريف المعدل ذاته. هكذا في أفقر البلدان (أفريقيا جنوب الصحراء ، هايتي) التي تتعرض بالنحو الأكثر مباشرة لعواقب الأزمة والتقويم الهيكلي، والتي تظل اليوم على هامش عولمة الإنتاج والتجارة، تترافق الأزمة بتراجع معدل نشاط النساء. انعكس التقويم الهيكلي في ضياع صاف لفرص العمل المأجور الشكلي في القطاع العام، وبوجه خاص في الإدارة. ومثل التوجه نحو زراعات التصدير عقبة بوجه نشاط النساء المأجور في الزراعة. لكن، على عكس أغلبية بلدان أمريكا اللاتينية، وبلدان جنوب شرق آسيا، لم يكن هذا التطور موازنا بانغراس استثمارات مباشرة أجنبية بالنظر الى ان هذه الاقتصاديات مهمشة تماما في الدينامية الراهنة للعولمة الرأسمالية. و بالعكس نلاحظ ارتفاعا لمعدلات نشاط النساء في البلدان التي كانت فيها ضعيفة من قبل (بعض بلدان أمريكا اللاتينية: هندوراس، باراغواي، غواتيمالا، كوستاريكا، بيرو، الشيلي، مكسيك، لكن تركيا كذلك)، ولا سيما بالبلدان التي في قلب عولمة الإنتاج: الصين، المغرب، تايلاند، سنغافورة، البرازيل، هونغ كونغ، كوريا الجنوبية، الخ). ينعكس النشاط المتنامي للشركات العابرة للأمم وتعميم الماكيادوراس ) في مختلف أطواره في تعبئة متزايدة لقوة العمل المأجور وبوجه خاص النسائية. واخيرا تظل معدلات النشاط ضعيفة في بعض البلدان لكنها في نمو سريع، مثل جزيرة موريس وسريلانكا وباكستان وبنغلادش. يتعلق الأمر ببلدان يشهد بها نشاط الشركات متعددة الجنسيات بداية نمو انطلاقا من مستوى ضعيف. ومن جهة أخرى، يسجل معدل بطالة النساء بصفة إجمالية ارتفاعا متباين الدلالة بحسب المكان، لا سيما بفعل مصاعب قياس الوقائع الاقتصادية او المؤسسية المتباينة. ويجب الاحتياط بوجه خاص من كون العمل اللاشكلي غير متجانس الى حد بعيد، وليست له في كل الاقتصاديات نفس الوظيفة ولا نفس علاقات التمفصل مع باقي الاقتصاد. أحيانا تظهر الأنشطة اللاشكلية –او الزراعية- للنساء في الإحصاءات لكن ظهورها ليس منهجيا أبدا. وفيما يخص ظروف حياتهن، يلاحظ انخفاض لمعدل الخصوبة ونسبة الزيجات في البلدان كافة، حتى أفريقيا جنوب الصحراء او بنغلادش حيث تراجع معدل الخصوبة الى حد لم يتوقعه مراقبو التطورات السكانية.
دينامية متناقضة
ان إدراك عواقب العولمة على وضع النساء بالعالم الثالث أمر معقد: طبعا ليست العولمة الليبرالية فرصة للنساء عكس مزاعم البنك العالمي، لكنها ليست المسؤول الوحيد عن اضطهادهن. تطابق العولمة الليبرالية الكيفيات الراهنة للتوسع العالمي للرأسمالية، ولها بصفتها تلك عواقب متناقضة – قد يعيد هذا الى الذهن عواقب الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر مع ظهور النضالات العمالية … وعلى منوال التفكير ذاته، يمكن للسيطرة البطريركية ان تتعزز تارة وان تتزعزع تارة أخرى بفعل العولمة. كما يتعين ان يُأخذ بالحسبان كون الأمر يتعلق بدينامية حاملة لإمكانات متناقضة لا سيما حسب النضالات. تجب الإشارة الى أن عواقب العولمة والتقويم الهيكلي تطول النساء بالعالم الثالث على نحو مميز بكيفيات ثلاث:
– بصفتهن مسؤولات رئيسيات عن اعادة إنتاج قوة العمل، فالنساء متضررات فعلا اكثر من الرجال من تدهور خدمات الصحة والتعليم. واسباب ذلك عديدة: إنهن يتحملن عبء عمل أثقل. وتضطر النساء، بفعل تفكيك وخصخصة الخدمات العمومية من تعليم وصحة وماء، الى النهوض بالمهام التي لم تعد مضمونة بالخارج بعد ان اصبح سوادهن الأعظم عاجزا عن الإفادة من الخدمات التي أضحت مؤدى عنها. وهكذا أصبحت إمكانية ممارسة نشاط مؤدى عنه محدودة، لاسيما بالنسبة للأكثر فقرا بفعل عواقب متمثلة في هذه المهام الإضافية ونقص الخدمات المتاحة والملائمة لأوقات العمل. * بفعل وظيفتهن الخاضعة داخل الأسرة. عندما تصبح خدمات الصحة والتعليم مخصخصة ومؤدى عنها تكون الإناث أول الضحايا: ُتسحب البنات من المدرسة قبل الأولاد في فترة الانحسار، ويكن أيضا اقل إفادة من العلاجات والتلقيحات. واحيانا تنبعث التقاليد بعد اختفاء او تراجع، وتلك حال المهر بالهند. *أخيرا بفعل وضعهن الجروح في سوق العمل و إفادتهن الضعيفة من وسائل الإنتاج والأرض والسلف. كما يتفاقم هذا الوضع بفعل تراجع الزراعات المعاشية بوجه زراعات التصدير التي غالبا ما يمسك بها الرجال. و يمثل هذا التراجع كارثة على النساء لأسباب عدة: تهديد الأمن الغذائي والإفادة من الارض ( يزيحهن الرجال الى أراض اقل خصبا)، وما ينتج عن ذلك من تزايد عب العمل في الأراضي التي ينتفعن منها أحيانا في أراضي الأزواج، لا سيما بأفريقيا جنوب الصحراء علاوة على ان اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة بصدد التبادل الحر تفضي أحيانا الى تدمير الزراعة المعاشية المحلية: فهذه عاجزة فعلا عن مقاومة المنتجات القادمة من الشمال والمستفيدة من دعم قوي. كما تقاسي النساء أكثر من اتساع الهشاشة والمرونة لا سيما بأمريكا الجنوبية من جراء نزع تقنين أسواق العمل. وهن متضررات بوجه خاص من التسريحات في القطاع الثالث العام لا سيما بقطاعات الصحة والتعليم . لكن العولمة الليبرالية، اذ توسع وتعمق علاقات الإنتاج الرأسمالية، تخلق أوضاعا متناقضة، لاسيما بإعادة نظر جزئية في في الأشكال السابقة لقسمة العمل الاجتماعية. انها تخلق اذن في الوقت ذاته ( للرجال كما للنساء) شروط تعميق ومفاقمة غير مسبوقين للاستغلال وإمكانات تطور للنضالات، على نطاق عالمي، على نحو غير مسبوق ( باتت رهانات النضالات مطروحة على صعيد عالمي بسبب العولمة ذاتها ). في عدد من بلدان العالم الثالث، بينما يفقد الرجال فرص عملهم في الصناعات التقليدية لاحلال الواردات، تهم حالات خلق فرص العمل الصناعية في القطاعات التصديرية، المرتبطة بالاستثمارات المباشرة الأجنبية، النساء بوجه خاص. ويتعرضن لأسوأ اوجه فرط الاستغلال: غياب قانون الشغل والحرية النقابية، وساعات عمل كثيفة ومرنة، وظروف عمل غير صحية وخطيرة في غالب الأحيان، وتحرش وأشكال عنف على أساس الجنس واختبارات حمل قسرية… وفي الوقت عينه، تجد النساء أنفسهن أحيانا ممونا وحيدا لدخل الأسرة، رغم ان صعود الفروع التكنولوجية بدأ يعيد النظر في هذا الوضع في اقتصاديات مثل البرازيل والمكسيك حيث تخلق من جديد فرص عمل ذكورية اكثر. بوجه عام ، لكن مع فروق كبيرة حسب البلدان، تحدث زعزعة للبنيات التقليدية (العائلية، الجماعية ، الخ). في الهند قامت مصانع أحذية، منشأة في إحدى مدن تاميل نادو، خلال سنوات 1980 ، بتشغيل يد عاملة نسائية هامة، وادى الأمر الى زعزعة التقاليد: الاختلاط في العمل و الامتزاج الاجتماعي يخالفان التقسيم الى فئات مغلقة، وحرية الفتيات الاوسع في التنقل في الفضاء العمومي تتيح لهن تغيير موقعهن في الأسرة وتأخير عمر زواجهن. خلاصة القول ، سيكون تناول عواقب العولمة على النساء بالعالم الثالث بطريقة الآثار الإيجابية و الآثار السلبية خاطئا وتبسيطيا، وقد يؤدي الى التغاضي عن واقع هام. إذ يتعين النظر الى الليبرالية بما هي سيرورة إجمالية قائمة على تمفصل مختلف الأبعاد ومؤدية الى سيرورات متناقضة. وبوجه خاص تتباين كيفيات تمفصل الاستغلال الرأسمالي مع الاضطهاد البتريريكي تباين الحقب والبلدان . .
الفصل الرابع من كراسة اطاك فرنسا بعنوان : عندما تصطدم النساء بالعولمة –EDITION MILLE ET UNE NUIT مصانع تقام ببلدان الجنوب، لاسيما بالمناطق الحرة، لغاية الاستغلال المفرط لليد العاملة. م
المناضل-ة عدد: 1
اقرأ أيضا