فلتتوقف الحرب على الشعب السوري!
قام نظام بشار الأسد بمشاركة القوة الجوية الروسية والميليشيات الطائفية المدعومة من ايران بإعادة احتلال شرقي حلب، آخر المدن الكبرى التي حررتها الثورة السورية منذ عام 2011.
وفيما ترتكب مجزرة جماعية تحت أنظار العالم بأسره، ثمة من يحتفل بنصرٍ إجراميٍّ موهوم!
الدول الأعضاء في مجلس الأمن ضالعة، بأغلبها، في قتل الشعب السوري، إما بشكلٍ مباشر، عبر المشاركة في الحرب، أو عبر عرقلة مشاريع الحلول، ودعم وتسليح جهات ميليشياوية طائفية مشاركة في الحرب. والنظام السوري يعمل على عرقلة كل اتفاقٍ من أجل إنهاء المذبحة، عبر سحب المدنيين من ساحة المعركة، ويضيف شروطاً جديدة على حساب أرواح عشرات الآلاف. قياديو الميليشيات الطائفية الممولة من جانب ممالك الخليج وتركيا يهربون ويتركون معظم مسلحّيهم، فيما الناس الذين ادّعوا الدفاع عنهم محاصرون تحت مرمى شتى الأسلحة المحرّمة دولياً، من قنابل حارقة إلى قنابل فراغية وعنقودية وبراميل متفجّرة.
لقد وصلت الحرب الرجعية الدائرة بين قطبي الثورة المضادة- أي الفصائل الرجعية الدينية المسلّحة المدعومة خليجياً من جهة، ونظام الأسد من جهة أخرى، المدعوم روسيا وإيرانيا- لقد وصلت هذه الحرب، أو الثورة المضادة، إلى أكثر مراحلها عبثية. فمع كل تقدّم عسكريٍ لطرفٍ رجعيٍ على آخر، يقع المدنيون في دائرة الاستهداف. أعداد النازحين واللاجئين والمشردين والأطفال المسربين من المدارس، وأعداد المعتقلين في سجون النظام وسجون التنظيمات الإسلامية على حد سواء، والمخطوفين والمفقودين، بالإضافة إلى أعداد القتلى والجرحى، وصلت إلى مستويات مهولة. أقل ما يقال فيها إنها حرب إبادة جماعية.
على مدار سنوات من عمر الثورة، صمد الحلبيون والحلبيات بوجه آلات القتل المدمّرة، البوتينية والأسدية، والإيرانية، بعدما تعرّضوا لترهيب تنظيم “داعش” وأخواتها من التنظيمات الاسلامية الرجعية، متشبثين/ات بأرض مدينتهم التي انقلبت ركاماً، قبل أن يتعرّضوا/ن للتهجير القسري منها، في الوقت الذي يوصمون فيه بالإرهاب، تبريراً للمذبحة، وغسلاً لأيدي مرتكبيها. هذا فيما تبدي أغلب التنظيمات اليسارية اللبنانية والعربية، ومن بينها الأحزاب الشيوعية الرسمية، انحيازاً مخجلاً للأنظمة، بحجّة مواجهتها الإرهاب.
شعار “الحرب على الإرهاب” هو نفسه الذي استغله جورج بوش الإبن لاحتلال أفغانستان وقتل الأفغانيين/ات، ولتحويل العراق من ديكتاتوريةٍ دمويةٍ إلى فوضى دموية. وباسم شعار “الحرب على الإرهاب”، الخاص بنظام الأسد وبوتين، تحوّلت عدة مدنٍ سورية، إلى مقابر جماعية. أليس هذا أشد أنواع الإرهاب إرهابا؟!
هذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها نظام آل الأسد بارتكاب الإبادات الجماعية، فقد سبق لمذبحة حماة عام 1982 أن أظهرت وحشية هذا النظام وإجرامه. كما أنها ليست المرة الأولى التي يقوم فيها نظام بوتين المافياوي، والطامح للتوسّع الاستراتيجي والعسكري، بارتكاب الإبادات الجماعية، فقد سبق وأن سوَّى مدينة غروزني، الشيشانية، بالأرض، مرّتين.
إن هذا الدمار الذي نشهده في حلب اليوم، هو محاولةٌ حثيثة من قبل القوى المعادية للشعب السوري، تهدف الى كسر ظهر ثورته. فلا يكفي النظام الديكتاتوري تسجيل انتصارٍ عسكري كبير، بل يريد أن يسجّل مذابح جماعية، بمباركةٍ إقليمية ودولية، تجعل من الحلبيين/ات مثالاً لإثارة الرعب في نفوس الملايين من السوريين/ات، لعقودٍ قادمة.
إن ما يرتكبه نظام الأسد وحلفاؤه بحق أهل حلب، منذ زمنٍ، وبشكلٍ متفاقمٍ اليوم، بموافقة ضمنية من جانب أعضاء مجلس الأمن، الممتلكين لحق النقض، بشكلٍ خاص، هو بمثابة الضوء الأخضر لكل الأنظمة الرجعية واليمينية المتطرفة، في المنطقة، لكي تمارس القمع والتضييق، وتقضم المزيد من المساحات التي خلقتها المراحل الأولى من السيرورة الثورية، من المحيط إلى الخليج.
فقد تلقّف نظام أردوغان الرسالة على الفور، وباشر في شنّ الحرب الإلغائية ضد الأكراد، وذلك تحت الشعار نفسه الذي يستخدمه نظام الأسد، أي “الحرب على الإرهاب”. الأمر ذاته يحدث في مصر، على يد نظام السيسي الذي يستغلّ مجريات الأمور في حلب لمصلحته، بوجه قوى الثورة، لتصفية كل جسمٍ معارض، باستثناء التنظيمات الإسلامية الرجعية، التي تتغذّى على خطاب النظام، وتغذّيه في آن. وتشدّد مملكة آل سعود من حصارها على اليمن وقصفها لمدنها وناسها، وتتسبّب حربها الهمجية بقتل العديد من المدنيين الأبرياء، يومياً، وبتدمير البنى التحتية، وإفقاد اليمنيّين أدنى مقومات العيش، فيما يعاني الأطفال، بخاصةٍ، أمراضاً سارية تفتكُ بهم، كالكوليرا.
إرهاب نظام الأسد، يغذّي الإرهاب الأصولي وكل أوجه الرجعية الدينية، ليس في سوريا وحدها بل في المنطقة بأسرها، وهو يسهّل تقدّم الرجعية الدينية في ممالك الخليج، بشكلٍ خاص.
إنها دوامةٌ مفرغة، عنوانها الثورة المضادة، حربٌ بين قطبين رجعيّين يمتصّان دم الشعب وطاقاته. لذا لا بد من أن تتوقف الآن.
لقد رأينا جميعاً كيف عادت المظاهرات في العديد من المدن والقرى السورية، خلال الهدن الإنسانية، وكلما خفتت أصوات السلاح. مظاهرات جرى فيها التصادم بشكلٍ أساسي بين المتظاهرين/ات، من جهة، والتنظيمات الإسلامية المسيطرة عسكرياً، من جهة أخرى. مذاك توصّل النظام لاستنتاج أن استمرار الحرب الدموية يكون لصالحه، فيما انتهاء الحرب يكون لصالح الثورة السورية. فمن الأسهل قتلُ القواعد الأساسية للمتظاهرين والمطالبين بسقوط الحكم الظالم، تحت عنوان “الحرب على الإرهاب”، من أن تعود المظاهرات بشكلٍ يومي، وتصطدم تدريجياً بالتنظيمات الرجعية، التي تعادي كل ما يتعلّق بالثورة، ولا تسمح حتى برفع علمِ الثورة السورية.
إننا لَنتضامنُ بالكامل مع المدنيين/ات في حلب، وكل الأراضي السورية، وندعو كل من يرفض الظلم في العالم إلى تفعيل سلاح التضامن، والضغط على كل الحكومات للوقوف بوجه الاستبداد العسكري البوتيني – الأسدي – الإيراني. والضغط على الجمعية العامة للأمم المتحدة لتفعيل آلية الاتحاد من أجل السلام، وذلك:
من أجل وقف الحرب حالا. فلقد تُرِكَ السوريون وحيدين على مدار ست سنوات، بمواجهة آلات القتل والإبادة فيما لا تعرب الأمم المتحدة سوى عن “قلقها”، في ما يمكن وصفه بتواطؤ كلي مع نظام الأسد.
ومن أجل حلّ الميليشيات الطائفية وإخراج الاجنبية منها من سوريا.
ومن أجل إطلاق سراح كل المعتقلين/ات، وعودة كل اللاجئين/ات، وجلاء أوضاع كل المخطوفين/ات والمفقودين/ات.
وقبل كل ذلك، من أجل تمكين الشعب السوري من ممارسة تقريره مصيره بنفسه، بالوسائل الديمقراطية، ومن دون أي تدخل إقليمي أو دولي، معادٍ لهذا الشعب؛ سواء أتى من الرجعيات الخليجية، والقوى الإقليمية الكبرى، كتركيا وإيران، أو من جانب الإمبرياليات العالمية، أكانت روسية، أو اميركية، أو أوروبية.
أوقفوا الحرب على الشعب السوري!
لا للدكتاتورية الأسدية!
لا لواشنطن! لا لموسكو!
لا لطهران، أو أنقرة، أو الرياض!
نعم لحق الشعب السوري، في الثورة على جلاديه، كائناً من يكونون!
نعم لحقه في الكرامة، والعدالة، والحرية!
نعم لحقه في الحياة!
المنظمات الموقعة:
تيار اليسار الثوري- سوريا
تيار المناضل/ة- المغرب
المنتدى الاشتراكي- لبنان
اقرأ أيضا