أعلنت الدولة كلميم والنواحي منطقة منكوبة، ما هي النكبة الحقيقية وما هي أسبابها؟؟
يمتد إقليم كلميم على مساحة تبلغ نحو 28.750 كلم مربع، ويقع على المحيط الأطلسي، يبعد عن ساحل وادنون/الشاطئ الأبيض بنحو 65 كلم في منطقة تفصل بين الشمال الغربي وجنوبه ويضم عدد من الجماعات القروية وجماعتين حضاريتين هما : كلميم وبويزكارن ، حسب إحصاء سنة 2004 بلغ عدد سكان الإقليم 166.685 نسمة ، يتكدس من بينها بكلميم المدينة نحو 95.000 نسمة ، كلميم تمتد على السفح الجنوبي للأطلس الصغير، والمنطقة ذات مناخ معتدل نسبيا وجاف على العموم حيث تبلغ درجة الحرارة المئوية 20 وتبلغ في أقصى حالاتها قرابة 46 درجة مئوية .
كلميم ظلت جماعة قروية منذ سنة 1960 إلى تاريخ 1992 حيث أصبحت فيه جماعة حضرية ، في هذه الفترة الفاصلة تكدس الفقراء بالمدينة بسبب تهميش وإقصاء المحيط بالإضافة إلى هجرة داخلية قسرية بحثا عن مصادر العيش ، وقد جذب مركز كلميم كثير من الناس بسبب تواجده على ملتقى طريقين وطنيين، الطريق رقم1الرابطة بين العيون واكادير باعتبارهما أهم المدن مرورا على مدن تزنيت وطانطان طبعا ، والطريق رقم 12 الرابطة بين افني على ساحل المحيط وأسا-الزاك بالجنوب الشرقي مرورا بعدد من القرى والجماعات ، هذا الموقع جعل كلميم عبارة عن سوق بالمنطقة للمواد المصنعة الاستهلاكية القادمة من مدن أخرى خصوصا المواد الضرورية.
بعد اندلاع حرب الصحراء الغربية أصبحت المنطقة عسكرية تنطلق منها القوافل في كل الاتجاهات وتوجد بها ثكنات عسكرية وأخرى خاصة بالقوات المساعدة ومطار عسكري كبير، أصبح جزء منه مؤخرا مخصص للمدنيين ، وفي تلك الظروف تم تجنيد أغلب شباب المنطقة من أبناء القرى وغيرها وهؤلاء هم الذين سيشكلون جزء من ساكنة كلميم بالإضافة إلى عدد من المتقاعدين من صفوف الجيش المنحدرين من مدن أخرى.
بدأ الاسمنت والحديد يزحف على المساحات بكلميم منذ منتصف السبعينات بشكل كبير بفعل تأثير عائدات العمال المهاجرين بالخارج ضحايا سياسة التهجير العلنية والسرية . وبما أن شباب القرى تركوا أهلهم المرتبطين بفلاحة معاشية فقيرة مع كسب قطع صغيرة من الماشية ( معزتان وبقرة… ) حيث استطاعوا توفير بعض المال( من خلال الأعمال الشاقة في أوروبا الغربية) أرسلوه لأهلهم. مال استحوذ عليه تجار مواد البناء وسماسرة القطع الأرضية الذين يبيعون بقع أرضية محاذية للأودية. هكذا كانت نشأة كلميم بين الوديان. لقد سبق أن أغرقتها المياه في منتصف الستينات من القرن الماضي ، وعلى إثرها تم إنشاء حي المنكوبين الموجود قرب المحطة الكبرى ،وقد ظل مشهور بهذا الاسم .
كلميم مدينة كبرت ومساكنها شيدت بالطريقة الشعبية الاضطرارية، من طرف مهاجرين ذو أصول فلاحية ، ومن طرف العمال الفقراء المشتغلين بقطاع البناء ، هؤلاء الفقراء الذين لم يجدوا أمامهم سوى قطاع البناء الشعبي ، ولأنهم يبحثون على المال سيقتحمون كل المجالات وبدون تردد ، حيث نشأ في الفترة نفسها ما يعرف ” بالموقف” وهو ساحة بوسط المدينة بالسوق القديم يعرض فيها الفقراء عضلاتهم للبيع!
سكان القرى المحيطة بكلميم فلاحين فقراء جدا ـ يعيشون بالكفاف والخصاص طيلة السنة ، محرومين من المياه التي يسيطر عليها الأغنياء والمكتب الوطني للماء الشروب ، و لا يمتلكون سوى المساحات الصغيرة المسقية ، وحقول ضعيفة جدا ، لم تعد تضمن حتى العيش البسيط لأهلها. سبب هذا العوز لجوء اغلب سكان هذه النواحي إلى الهجرة الاضطرارية خصوصا الشباب بل و حتى الأطفال ، وكم من مرة عاشت المنطقة فواجع الموت الجماعي بالمحيط وفقدان الأسر الفقيرة لأعز ما لديها ، إنها النكبات الدائمة والمستمرة تحت نظام القهر والاستبداد وهيمنة حفنة من الرأسماليين مسببي النكبات الكبرى قبل فيضانات الأودية على المنطقة .
كلميم يسيطر عليها سماسرة العقار والملاكين والتجار وأصحاب شركات المناولة الذين يستغلون العمال والنساء في خدمات النظافة والحراسة والطبخ والبناء ..الخ. إنه استغلال بشع من أجل أجرة بخسة في سوق حرة ملتهبة ، إنه النكبة الحقيقية لمنطقة فقيرة يعيش سكانها حياة بائسة ، نكبة التجار البسطاء هو السوق الممتازة التي خطفت منهم الزبناء ، النكبة هي الضرائب المباشرة والغير مباشرة ، إن كلميم منكوبة بسبب بطالة شبابها وشاباتها حاملي الشهادات وحاملي السواعد الذين يتعرضون للبطش وكسر الضلوع بشكل دائم أمام مؤسسات الدولة .
راج بعد الكارثة أنه لم يكن على السكان البناء بمحاذاة الوادي. إن الفقر و الحاجة هو ما يضطر السكان البحث عن أرخص الأمكنة وتلك توجد بمحاذاة الوادي. عدو الكادحين هم الرأسماليين مصاصي الدماء، وليس الطبيعة، فمن ياترى يبيع للكادحين البقع الأرضية على حافة الوديان ؟ من يملك الأراضي ويرثها أبا عن جد؟ أليس أعيان النظام والتجار الكبار؟
إن دولة الرأسماليين لم تترك للسكان الفقراء شيئا فهي تخدم فقط المالكين و الأغنياء . فبالإضافة إلى عدم توفيرها للسكن المجاني. فوتت القطاعات الحيوية والأساسية للشركات الخاصة وحرمت أبناء وبنات الفقراء من التعليم الجيد والمجاني والصحة الجيدة والعلاج في أحسن الظروف والتطبيب الممتاز والمجاني وحرمتهم من وسائل النقل العمومي بأسعار مناسبة ومن السكن المحترم الذي يحفظ الكرامة الإنسانية..الخ هذه السياسة هي أم كل النكبات.
كلميم المدينة،لا توجد بها مصانع ولا معامل ، أهم تركز عمالي كان يوجد بها هو المطاحن الكبرى التي أغلقت أبوابها وشرد عمالها و مستخدميها وكل من كان يأكل طرف من الخبز بسبب نشاطها ، حيث كان الفلاحين الفقراء يستفيدون من مادة النخالة وعلف الماشية اللذان كان ينتجهما المعمل . إن غلق المطاحن الكبرى بكلميم وتشريد العمال ورميهم في متاهات جلسات المحاكم ،هو نكبة سببها الحاكمين في البلد، وليس واد ام العشار !
انعدام الإنتاج المحلي المهم ، وكل مواد التموين تأتي من مختلف المدن كما قلنا وهذا ما جعل التجار الصغار في المواد الاستهلاكية اليومية خصوصا الغذائية يشكلون أغلبية كبيرة نشيطة بالمدينة ، ثم الباعة المتجولين والفراشة على جنبات الطرق الرئيسية .
كلميم مدينة الحرفيين الذين تجاوزتهم المنتجات الصناعية المتطورة عليهم الاقتصاد النيوليبرالي وفتح الأسواق للمنتجات العالمية البخيسة الثمن . تلك نكبة أخرى تنضاف؟
لقد استحوذ المنتخبون في منتصف السبعينات على أحسن منطقة بالمدينة والتي كانت مكان اكبر سوق للإبل بالمغرب بعيدا عن الأودية و المتمركزة على طريق افني ووزعوها في ما بينهم وشيدوا عليها مساكنهم ، في الوقت الذي كان فيه معدمي كلميم يشيدون الخيام والمنازل الحقيرة بحي “الفيلة”، أما أقدم مركز إداري وعسكري تركه الاستعمار الفرنسي فقد أصبح اليوم إقامة ملكية محيطة بالحرس وتصرف عليها الأموال الكثيرة على حساب خبز الفقراء ، هذه هي نكبات كلميم الكبرى التي يجب ان تزول ويزول المتسبب فيها.
نساء كلميم هن أكثر الفئات التي تعيش بطالة ساحقة . إنهن يتعرضن للاستغلال البشع في كل المجالات بأجور جد زهيدة ، أثناء العمل لدى مالكي المؤسسات الخاصة وبعض الضيعات الفلاحية وفي المقاهي ومحلات الخدمات المتعددة مثل المصبنات ونوادي الانترنيت ..الخ .أليست البطالة الجماهيرية سبب نكبة نساء كلميم ؟
فيضانات مياه الأودية سببت للكادحين القاطنين بالأحياء الفقيرة خسائر كبيرة، وأظهرت الفوارق الطبقية وكشفت الظلم الاجتماعي خصوصا الأحياء الفقيرة المحيطة بالإقامة الملكية المعروفة بالقصر.
كلميم باب الفيضانات وملجأ الفقراء والمعدمين من كل ناحية ، ظلت تحت سيطرة كبيرة وقمع شرس وقد سبق أن توفي في مخافر رجال الدرك بكلميم الفلاح الفقير سليمان شويهي ، وكان ممنوع على الهيئات والمناضلين خصوصا حركات المعطلين تنظيم أي شكل احتجاجي او تضامني بالفضاء العام او بالشوارع، إلى اليوم تمنع الدولة حتى النقابات من تنظيم أي شكل نضالي ( منع الكنفدرالية الديمقراطية للشغل من نصب منصة أمام مقرها يوم 26 أكتوبر 2014 تحضيرا للإضراب العام الوطني يوم 29 من نفس الشهر)، هذا الجبروت المخزني ، هو النكبة المسلطة على كلميم ونواحيها قبل الفيضانات.
الشركات والرأسماليين سيوزعون في ما بينهم صفقات إعادة البناء وسيربحون كما العادة الملايين ، أما الكادحون فسيبدأون من الصفر عبر جمع الأثاث المنزلية من سوق الأشياء المتخلى عنها والمرمية /” الجوطية “
وكم هو الأمر مأسوي حينما يكون الإنسان غارقا في الوحل يجمع ما تركته السيول ويقف على رأسه صاحب المنزل يطلب مبلغ الكراء!
لقد مرت المياه الغزيرة من مكانها الذي تعودت عليه منذ قرون وجرفت كل ما جاء في طريقها وقابل للانجراف ودمرت وتسببت في إغراق أرواح بشرية وخسائر مادية للفقراء ، ونقدم التعازي لكل من فقد دويه ونتمنى لهم الصبر والسلوان ونشارك الجميع ما يشعرون به من حزن ، لكن ظلم الرأسماليين أكثر بشاعة مما تتسبب فيه الطبيعة من خسائر.
البلد يحتاج إلى فيضان بشري من اجل إسقاط الرأسمالية ونظامها المستبد، بدل التسول إلى صدقات و أموال الأغنياء والحكام . لا إنها أموال عرق هذا الشعب .
بقلم: حمودي
6/12/2014
المراجع :
http://www.guelmim.ma/
ويكيبديا الموسوعة الحرة
اقرأ أيضا