واجبات اليسار المعادي للرأسمالية إزاء الكارثة الاجتماعية القائمة بالمغرب
مقدمة
أدت أزيد من ثلاث عقود من تطبيق السياسات النيوليبرالية (1) إلى وصول مستوى عيش الغالبية الساحقة من المغاربة إلى الحضيض. خدمات صحية ضعيفة وتعليم مفكك، وسكن تتحكم فيه المافيات العقارية، وخدمات عمومية (النقل، والماء والكهرباء…) تحت سطوة الشركات الأجنبية الباحثة عن تحقيق أقصى قدر من الأرباح على حساب إضعاف القدرة الشرائية للجماهير الشعبية. وفي قلب هذه السياسات تتعرض الطبقة العاملة، معظمها بلا حقوق ولا قوانين اجتماعية، لفرط استغلال محاطة بجماهير شعبية ترزح تحت نير فقر مدقع غير مسبوق، من جراء تنصل الدولة من مسؤوليتها في تمويل عديد الخدمات العمومية، وتضخم جيش العاطلين عن العمل. وكل هذا البؤس تبرره الطبقة الحاكمة بضرورات تكييف الاقتصاد المغربي مع شروط التنافسية التي يفرضها نظام العولمة الرأسمالية وتأهيل “المقاولة الوطنية” وضمان تنافسيتها.
وما زاد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعمال والشباب وعامة الكادحين هو مواصلة الحاكمين نهج نفس منطق التوجهات التي انطلقت مع تطبيق «برنامج التكييف الهيكلي»، والتي أدت إلى هذا الوضع الكارثي. فبعد خصخصة الشركات التي تديرها الدولة تحت ذريعة ضعف كفاءة مؤسسات الدولة وأن تدخلها يؤذي الأرباح، ها هي الدولة تتجه نحو تخفيض نفقاتها الاجتماعية، في قطاعات الصحة والتعليم ومعاشات التقاعد، مع تجميد للأجور وإلغاء للوظائف العمومية والاستعاضة عنها بتعميم الهشاشة لتشمل القطاع العام أيضا ” بفرض عقود عمل محددة المدة” أو باسناد بعض الوظائف لشركات المناولة من الباطن مع تقليص الدعم العمومي للمواد ذات الاستهلاك الجماهيري الواسع إلى أبعد حد، وكذا التهييئ لتحرير أسعار الخبز والسكر وغاز البوتان.
وطبعا ما كان للبرجوازية ودولتها أن تنجح في فرض هذه السياسيات المدمرة لأبسط الحقوق، لولا الوضع المتفكك لمنظمات النضال من نقابات عمالية وأحزاب اليسار وجمعيات المعطلين وحركة الطلاب، والذي يزداد سوءا بفعل غياب رؤية موحدة لإعادة بناء يسار مناضل وإعادة تشكيل الحركة العمالية والجماهيرية سواء على الصعيد النقابي أو على الصعيد السياسي.
ويظل الوضع السياسي مطبوعا بغياب بديل قادر على تنظيم ضحايا السياسات الرأسمالية، وتدارك الفراغ الذي خلفه التحول الكلي، ودون رجعة، لليسار التاريخي، ذي الاصول الوطنية الشعبوية إلى قوى ليبرالية مدافعة عن السياسات الرأسمالية، واندماجه شبه التام في إطار الخيارات الاستراتيجية للطبقات السائدة، وتنامي تعاونه الطبقي الممأسس داخل النقابات العمالية، وما ترتب عن ذلك من نتائج كارثية على أوضاع العمال، الشيء الذي فتح المجال، مؤقتا، لصعود قوى الرجعية الدينية التي باتت تحظى بنفوذ كبير في صفوف الطبقات الشعبية، مستفيدة من إفلاس اليسار الإصلاحي وتداعياته الكارثية على المشروع الجذري برمته، وما يواجه الثوريين من مصاعب التبلور كقوة سياسية وكبديل حقيقي في فهم الأزمة ومواجهتها.
كل هذه العوامل مكنت النظام من التحكم في الشرارة التي أطلقتها حركة العشرين من فبراير بفضل تنازلاته الاجتماعية ( تشغيل الآلاف من المعطلين، ورفع أجور موظفي القطاع العام…) ومناوراته السياسية (عبر تعديل شكلي للدستور وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها واعتراف شكلي بالأمازيغية) مع الحفاظ على جوهر الاستبداد والاستغلال.
إن هذه المقالة بقدر ما تسعى لرسم صورة حول الوضعية الاجتماعية الحقيقية للعمال والعاطلين عن العمل وكافة الكادحين من خلال استقراء مؤشرات ومعطيات رسمية وتحليلها، وإبراز بعض أشكال المقاومة الاجتماعية، بقدر ما تقدم بعض الاقتراحات والعناصر التي من شأنها دفع اليسار العمالي إلى التقدم نحو بناء بدائل على يسار الإصلاحية المفلسة وتصورات الرجعية الدينية للتغير بالمغرب، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن استمرار وتعدد أشكال المقاومة الاجتماعية يقتضي تعبئات اجتماعية وسياسية في العمق، “وبالتالي بناء حركات اجتماعية منظمة ديمقراطيا، بمشاركة نشطة من العمال والعاملات والشباب في أماكن العمل وفي الأحياء. وفي هذا السياق، تحتل استعادة النقابات من طرف منخرطيها مكانة استراتيجية، فضلا عن مكافحة المفاهيم الخاطئة التي تخلط بين “استقلال النقابة” و “العزوف عن السياسة”، (2) والتحذير من تنامي نزعة العداء للنقابات، والسعي للاستعاضة عنها بآليات وأدوات نضال مؤقتة أو فئوية، بقدر ما هي مفيدة في بعض الأحيان، لكن هذا لا يعني قدرتها على تعويض دور النقابات العمالية، التي يتعين على المناضلين مواصلة الجهود من أجل إعادة بنائها على أسس طبقية، وبروح ديمقراطية وكفاحية.
فرط الاستغلال وانعدام الحقوق العمالية
تتسم معظم مناصب الشغل في القطاع الخاص بخصائص الهشاشة وعدم الاستقرار في العمل، ذلك أن قرابة عاملين من مجموع ثلاثة لا يتوفرون على عقدة عمل، أي أن ما يعادل نسبة 62% من مجموع الأجراء في القطاع الخاص يعملون في وضعية هشاشة مطلقة، وأن أزيد من 800 ألف عامل لا يستفيدون من أية تغطية اجتماعية، حيث تفيد إحصائيات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أن عدد الأجراء المصرح بهم بلغ 3 ملايين و100 ألف أجير في سنة 2015. ولاستفادة الأجراء من التقاعد يجب أن تصل عدد أيام العمل المصرح بها إلى 3240 يوم. ويظل معدل المعاش الممنوح لأجراء القطاع الخاص هو الأكثر تدنيا بحيث لا يتجاوز1772 درهم شهريا في حين يصل إلى أزيد من 6000 درهم بالنسبة لأجراء الوظيفة العمومية، و3862 درهم شهريا لمستخدمي المؤسسات والمقاولات العمومية والمتعاقدين.
وهكذا يظل مئات الآف الأجراء بدون تغطية اجتماعية أو تغطية هزيلة بعد كدحهم لسنوات عديدة بسبب عدم تصريح أرباب العمل بهم بشكل مطلق أو التصريح بهم بشكل محدود لا يتناسب مع عدد أيام العمل الفعلية. وهذا ما يتضح من خلال إحصائيات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، برسم سنة 2015، والتي تفيد أن نسبة المستفيدين من المعاش لم تتجاوز 490.881 مستفيد.
ولأخذ نظرة حول واقع تهرب أرباب العمل من التصريح بالأجراء أو التصريح بهم بشكل ناقص (أي دون 26 يوم في الشهر)، فإن الإحصائيات المقدمة من قبل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تفيد بأن عدد الأيام المصرح بها من قبل جميع المقاولات المنخرطة في الصندوق بلغت 555 مليون و95 ألف يوم في سنة 2015. وهو رقم ضعيف جدا لا يتعدى 55% من مجموع الأيام التي كان يتعين على أرباب العمل التصريح بها. حيث إذا أخذنا بعين الاعتبار العدد الإجمالي للأجراء المصرح بهم (3.1 مليون أجير)، فإن عدد الأيام التي كان ينبغي أن يتم التصريح بها في سنة 2015، في حالة ما إذا اعتمدنا مدة 26 يوم من كل شهر، كما ينص على ذلك القانون، تصل إلى 967 مليون و200 يوم. بمعنى أن البرجوازية لم تصرح ب 412 مليون و 105آلاف يوم، وهذا ما يكشف فرط الاستغلال الممارس ضد العمال.
فأرباب العمل لا يكتفون فقط بعدم التصريح بما يقارب المليون عامل وإنما يلجؤون لمراكمة الثروات أيضا بعدم التصريح بعدد الأيام كاملة لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي.
كما يظل عدد المقاولات التي تصرح بأجرائها لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي ضعيف جدا، ولا يتجاوز 188 ألف مقاولة في سنة 2015 بنسبة لا تتجاوز 37.6%، من عدد المقاولات الإجمالي بالمغرب المقدر بحوالي نصف مليون. (3) بمعنى أن 312 ألف مقاولة لا تصرح بالأجراء العاملين لديها.
وتظل نسبة الأجراء المصرح بهم، حسب مختلف قطاعات الإنتاج، ضعيفة بدورها، بحيث تتراوح بين 19% في قطاع الصناعات التحويلية (وهي أعلى نسبة)، إلى نسب تتراوح بين 2% و5% في قطاعات المعلومات والتواصل والتأمين والنقل والفندقة والمطاعم، وهي لا تتجاوز 10% في قطاع الفلاحة والغابات والصيد البحري.
أما التوزيع الجغرافي للأجراء المصرح بهم لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي، فيبين ضعف نسبة الاجراء المصرح بهم، التي تتراوح بين 11 و19% في مدينة الدار البيضاء، ولا يتعدى 11% في الرباط، و10% في اكادير، و8% في إقليم تانسيفت الحوز، في حين يتراوح بين 3 و4% في مناطق القنيطرة – الخميسات والشاوية والشرق.
وما ينبغي التأكيد عليه، أيضا، هو أن مجمل التعويضات العائلية والتعويضات القصيرة الأمد والتعويضات عن الشيخوخة التي يستفيد منها الأجراء المنخرطون في مجال الضمان الاجتماعي تظل محدودة جدا، بحيث لم تتجاوز في مجملها 14 مليار و73 مليون درهم في سنة 2015، في حين يستفيد أرباب العمل من إعفاءات ضريبية، بموجب قانون المالية، تزيد عن 30 مليار درهم سنويا. وإذا أضفنا إلى ذلك مستويات الأجور الضعيفة وعدم تطبيق الآلاف من المقاولات حتى للحد الأدنى للأجور المقدر ب 2570.86 درهم شهريا، في الصناعة والتجارة والمهن الحرة، و69, 73 درهم يوميا (1800 درهم في الشهر) لأجراء القطاع الفلاحي. (4) ورفض أرباب عمل الزراعة تمكين أزيد من مليون عامل زراعي من الحد الأدنى للأجور المعمول لصالح العمال الصناعيين بمبرر أن ذلك سيضر بـ “تنافسية المقاولة الفلاحية المغربية”، سنقف على الحصّة الهزيلة التي تستفيد منها الطبقة العاملة من الدخل القومي الإجمالي (أي من فائض القيمة بتعبير ماركسي).
بطالة عميقة ومعممة
وما يزيد من تدهور أوضاع العمال هو تضخم أعداد العاطلين (الذي تستعمله البرجوازية كجيش احتياطي للضغط على أجور العمال وإرغامهم على العمل في ظروف استغلال قاسية: أجور هزيلة وهشاشة مطلقة وانعدام التغطية الاجتماعية ومنعهم من الحق النقابي)، وهكذا ظلت نسبة البطالة في مستوى 10% من عدد السكان النشيطين، مع تسجيل ارتفاع غير مسبوق في بطالة حاملي الشهادات، وهذا ما يتبين من خلال “الحصيلة الاجتماعية لسنة 2015″، وهي وثيقة رسمية صادرة عن وزارة التشغيل في سنة 2016، التي تكشف المنحى الخطير الذي تعرفه بطالة خريجي الجامعات والمعاهد العليا ومؤسسات التكوين المهني. ففي الفترة بين 2011 و2014 سجلت بطالة هذه الفئة مستويات خطيرة تعبر عنها المؤشرات التالية:
- بلغ عدد خريجي التعليم الجامعي لوحدهم حوالي 243 ألف (وثيقة “الحصيلة الاجتماعية 2015” لوزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية).
- بلغ عدد خريجي التكوين المهني في نفس الفترة أزيد من 452 شخص في صنف التكوين داخل المؤسسات بالتناوب، وبلغ عدد خريجي التكوين المهني بالتدرج 70.424 شاب. وفي سنة 2014 لوحدها، بلغ عدد خريجي التكوين المهني في جميع التخصصات 158.946 من ضمنهم أزيد من 43% في محور الدار البيضاء-القنيطرة.
- بلغ عدد خريجي مؤسسات تكوين الأطر(الممرضين- الأساتذة..) أزيد من 41.569.
كما تكشف المذكرة الإخبارية المشار إليها أعلاه، أن أكثر من ثمانية عاطلين من بين كل عشرة (%80,3) هم حضريون، وقرابة ثلثي العاطلين (%63,6) تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 سنة. وأن %31,8 من الشباب العاطل يتوفرون على شهادة ذات مستوى عال. وتبقى ظاهرة البطالة، حسب مذكرة المندوبية السامية للتخطيط، أكثر انتشارا في صفوف حاملي الشهادات والشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24 سنة. وهكذا، خلال الفصل الثاني من سنة 2016، بلغ معدل البطالة %3,7 لدى الأشخاص الذين لا يتوفرون على أية شهادة، و%12,9 لدى حاملي الشهادات ذات المستوى المتوسط، حيث سجلت نسبة %18,2 في صفوف حاملي شهادات التخصص المهني، و%20,4 لدى حاملي الشهادات ذات المستوى العالي، حيث بلغ هذا المعدل %23,3 لدى خريجي الكليات منهم.
وفي مذكرتها الإخبارية الأخيرة حول وضعية “سوق الشغل” خلال الفصل الثاني من سنة 2016، تؤكد المندوبية السامية للتخطيط بأن عدد المعطلين بلغ مليون و23 ألف شخص (في حين تتحدث وزارة التشغيل عن مليون و169 ألف شخص من مجموع الساكنة النشيطة المقدرة ب11 مليون و669 ألف شخص). ويتبين من تحليل أهم مميزات البطالة خلال الفصل الثاني من سنة 2016، أن المعدل السنوي للتشغيل في 3 سنوات الأخيرة بلغ 74 ألف منصب شغل في جميع قطاعات الاقتصاد المغربي، وإذا أخذنا معدل 5 سنوات الأخيرة فهو لم يتجاوز 66 ألف منصب، مقابل 144 ألف منصب شغل، كمعدل سنوي، في الفترة بين 2000 و2009.
وما نستشفه من مذكرة المندوبية السامية للتخطيط، هو تنامي حدة الهجوم البرجوازي على عالم الشغل، ذلك ان:
- قرابة ثلاثة عاطلين من بين كل عشرة (%29,3) هم في هذه الوضعية نتيجة الطرد (%23,4) أو توقف نشاط المؤسسات المشغلة (%5,9).
- حوالي 655 ألف شاب معطل أقل من 29 سنة، (يعني قوة شبابية هائلة).
- أزيد من 327 شاب حاصل على شهادة ذات مستوى عالي في وضعية بطالة (خريجي الجامعات والمعاهد العليا).
- أزيد من 818 ألف معطل يسكنون المدن والحواضر.
وفي حالة ما إذا اقتصرنا على اعتماد هذه المعطيات الرسمية، كمؤشرات مرجعية في تحليل الوضعية الاجتماعية للعمال وللمعطلين، علما أن الواقع أسوء بكثير، نستشف من هذه الإحصائيات أن العدد الإجمالي لخريجي مؤسسات التكوين المهني والمؤسسات الجامعية ومعاهد تكوين الأطر خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2014، يقدر بما يزيد عن مليون و50 ألف شخص. في حين لم تحدث الدولة المغربية من 2012 إلى غاية 08 غشت 2016 سوى 91.500 ألف منصب شغل في القطاع العام (إدارات عمومية، جماعات ترابية، ومؤسسات ومقاولات عمومية)، خصص منها 46.660 منصب لثلاث قطاعات استراتيجية في منظور الطبقة الحاكمة، هم الداخلية والدفاع الوطني وإدارة السجون، أي ما يعادل 69% من مجموع المناصب (5). وهوما يكشف عن التوجهات البوليسية للدولة المغربية، أما مجموع مناصب الشغل المحدثة في القطاع الخاص (المهيكل وغير المهيكل) فلم تتجاوز في مختلف قطاعات الإنتاج 264 ألف في الفترة بين 2011- 2014.
بالاستناد إلى هذه المعطيات والإحصائيات حول الأعداد الإجمالية لخريجي الجامعات والمعاهد العليا ومعاهد التكوين المهني، يتبين بأن حصيلة التشغيل تظل ضعيفة جدا، بالنظر للعدد الهائل من العاطلين وفي مقدمته حاملي الشهادات العليا.
كارثة اجتماعية بكل المقاييس
بالإضافة إلى فرط استغلال العمال وتعميم الهشاشة وضعف الحماية الاجتماعية والانتشار الواسع لبطالة حاملي الشهادات العليا، تتسم أوضاع الكادحين بتفاقم الفقر والعجز عن تلبية الحاجيات الأساسية، بسبب ضرب قدرتهم الشرائية جراء خوصصة العديد من القطاعات الاجتماعية من قبيل الصحة والتعليم، وفرض الزيادات المهولة في أسعار المواد والخدمات الأساسية، وتفكيك نظام دعم الخدمات الأساسية (صندوق المقاصة) والذي تقلصت ميزانيته من 56 مليار درهم في سنة 2012 إلى 15 مليار في سنة 2016؛ يعني نهبت البرجوازية 41 مليار درهم، وهي التي تستفيد سنويا، بموجب قوانين المالية من إعفاءات ضريبية تقدر بملايير الدراهم.
هذا دون الحديث عن بيع البلاد ورهن مصيرها ومقدراتها الاقتصادية إلى المؤسسات المالية الدولية عبر الإمعان في سياسة الديون التي تلتهم أزيد من 82 % من الناتج الداخلي الخام، وما يترتب عن هذه الالتزامات المالية من تطبيق الطبقة الحاكمة بالمغرب لسياسات تقشفية ومعادية لأبسط الحقوق، مثل ما يجري من خوصصة للقطاعات الاجتماعية (التعليم والصحة…) وتفويت الخدمات الأساسية (النظافة وتطهير السائل والماء والكهرباء…) للخواص وللشركات متعددة الجنسية.
هذا فضلا عن تفكيك الوظيفة العمومية، عبر اسناد العديد من الخدمات للخواص، وضرب مكتسبات تاريخية وفي مقدمتها تقاعد الموظفين، وتقليص التشغيل العمومي إلى أدنى مستوياته كما يتضح أعلاه. ويتم التحضير حاليا لفرض عقود عمل محددة المدة في الوظيفة العمومية، وبالتالي استهداف مئات الآلاف من الشباب في العمل القار والدائم والإلقاء بهم في غياهب الهشاشة وانعدام الاستقرار الاجتماعي والمادي والنفسي.
ولضمان فرض هذه السياسات المعادية لأبسط حقوق الإنسان، تواصل الدولة تصفية المكاسب الطفيفة في مجال الحريات الديمقراطية والنقابية (التي تم انتزاعها بتضحيات جسيمة) عبر قمع الاحتجاجات العمالية والشعبية والطلابية، ومنع العديد من الجمعيات والأحزاب من حقها في التنظيم، واعتقال المناضلين الطليعيين والزج بهم في السجون بتهم واهية، والتحضير لتمرير تراجعات خطيرة على المستوى التشريعي، لا سيما ما يتعلق ب”مشروع القانون التنظيمي للإضراب”(6)… تحت يافطة “التنزيل الديمقراطي للدستور”. ومرد صعود هذه الموجة القمعية الجديدة يعود بالأساس إلى طبيعة الأزمة الاقتصادية التي يتخبط فيها نظام الرأسمالية التابعة، التي أضحت تفرض خفض مستوى عيش الطبقة العاملة وعامة الكادحين والهجوم على مكتسباتهم في الأجور والتقاعد وغيرها من المكاسب الاجتماعية من أجل ضمان إنعاش مستديم لتراكم الرأسمال، وبالتالي الحفاظ على مصالح الأقلية المتحكمة في ثروة البلد.ما يبين بجلاء بأن استمرار مصالح الرأسمالية في ظل اشتداد أزمتها البنيوية يتنافى مع بقاء الحرية النقابية، )ومجمل الحريات الديمقراطية(، بحيث إن بقاء النظام الرأسمالي، الواقع في أزمة بنيوية شاملة، يهدد، بجلاء متزايد، كل الحريات الديمقراطية الجزئية، بما فيها الحريات النقابية، التي انتزعتها الجماهير في مرحلة صعود هذا النظام وذروته (7).
مقاومة عمالية وشبيبية وشعبية مستمرة
أمام هذا الوضع لم تقف الجماهير الشعبية وفي مقدمتها الطبقة العاملة مكتوفة الأيدي أمام تنامي سياسات التفقير والقمع التي تنهجها الطبقة الحاكمة مستفيدة من الإحباط والشك الذي يسود وعي الجماهير ويضعف ثقتها في النضال من أجل التغيير، جراء الهزائم التي تعرضت لها ثورات الشعوب في منطقتنا العربية والمغاربية بفضل الانتصارات المحققة من قبل أنظمة الثورة المضادة في مصر وسوريا وسحقها لتطلعات الشعوب في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ومع جنوح الحاكمين إلى توظيف الاضطرابات الأمنية والأحداث المأساوية التي تعيشها هذه البلدان لدفع الجماهير تنحو الاستنكاف على أي تحرك جذري من أجل تغيير أوضاعها البائسة.
فرغم صعوبة الأوضاع المترتبة عن تراجع نضالات حركة 20 فبراير، وتمكن النظام من إعادة ترتيب بيته الداخلي، ونجاح مناوراته السياسية مؤقتا في إخماد غضب الجماهير، غير أن العمال والشباب وجماهير الأحياء الشعبية المفقرة ظلوا في مقدمة النضالات ولم يخلوا ساحات المعركة، مع تراجع في المطالب السياسية طبعا وصعود قوي للمطالب الاجتماعية. ولعل نضالات ساكنة طنجة ضد الشركة الاستعمارية أمانديس المستثمرة في الكهرباء ونضالات طلاب الطب والأساتذة المتدربين بحر السنة الماضية لخير دليل، على صعود موجة تجذر جديدة للشبيبة من أجل الحق في العمل القار والدائم ورفض كل أشكال الهشاشة، كما مثلت أيضا أملا جديد ورافعة هامة للنضال الاجتماعي المنظم ذاتيا والمستند لتعبئات قاعدية. وطبعا كانت حصيلة النضالات الطلابية في الجامعات المغربية ستكون أفضل لو تم تأطيرها بشكل جماعي وبروح وحدوية وديمقراطية.
هذا دون الحديث عن النفس الطويل الذي أبانت عنه عديد المعارك العمالية (مصبرات الضحى في أكادير، عمال شركة لاسامير لتكرير البترول بالمحمدية، وعمال مغرب ستيل بالبيضاء…) ، غير أن تخاذل القيادات النقابية وخيانتها وضعف تضامن القطاعات العمالية، قد ينتهي بها جميعا إلى مأزق أو فشل أو هزيمة، ما سيزيد من صعوبة التعبئة العمالية من أجل مطالب أولية ( الإرجاع إلى العمل..).
وبالإضافة للإضرابات العامة التي تم تنظيمها في السنوات الأخيرة من قبل التنسيق النقابي بين (كدش وإمش وفدش تيار العزوزي) تفيد الإحصائيات المتوفرة، بأن الحركة الإضرابية للعمال لم تتوقف طيلة السنوات الماضية، رغم ضعف نسبة التنظيم النقابي (حوالي 6 % من مجموع الأجراء)، علما أن أزيد من 56% من مندوبي العمال بدون انتماء نقابي. وهكذا فقد شهدت الفترة بين 2010 و2015 اندلاع أزيد من 1932، من ضمنها 887 إضراب في سنتي 2011 و2012، وذلك في أزيد من 1.524 مصنع ومؤسسة إنتاجية، وقد شارك في هذه الإضرابات ما يزيد عن 142 ألف عامل، من ضمنهم 38 ألف و275 عامل في سنة 2011 لوحدها. وقد شكل الفصل عن العمل وعدم تأدية المشغل للأجور سببا رئيسيا لإضرابات العمال التي بلغت خلال هذه الفترة (2010-2015) حوالي 424 إضراب. علما أنه لغاية نهاية 2015 تم تقديم أكثر من 21 ألف طلب تعويض عن فقدان للشغل (8).
وجدير بالذكر، أن البرجوازية تمكنت، خلال هذه الفترة، من تفادي أزيد من 6731 إضراب بسبب آليات التحكيم والوساطة والمصالحة، وجنوح ممثلي النقابات العمالية إلى تغليب هذه الآليات في فض نزاعات الشغل الجماعية. كما سجلت نفس الفترة أزيد من 254 ألف نزاع شغل فردي.
ما العمل؟
الانفجار الاجتماعي قادم في المغرب وشراراته الأولية هي الشباب وسببه المباشر فرط الاستغلال وتعميم البطالة والهشاشة…وتدني الخدمات الاجتماعية وتبضيعها (تحويلها لسلعة)…وقوته الرئيسية هي العمال. وإذا كانت الدولة الرأسمالية التابعة بالمغرب تهيئ له بفرض مزيد من القمع وبتقوية أجهزتها الأمنية، وسنها لمشاريع قوانين لتقييد حق العمال في الإضراب، وفي التظاهر والاحتجاج، فما على اليسار المعادي للرأسمالية إلا أن ينتبه لهذه المؤشرات ويعمل على ترجمة أفكاره الثورية ومنظوراته الاستراتيجية للتغيير في خطة سياسية وفي برنامج طبقي كفيل بتحويل هؤلاء الضحايا إلى قوة اجتماعية مؤثرة في موازين القوى بما يعزز جبهتهم المتحدة، ويساهم في توفير شروط صمود واستمرارية وتجذر حركتهم النضالية الجارية على أكثر من صعيد، ويمكن هذا اليسار، أيضا، من فرص عملية وواقعية للخروج من وضعية الانعزال عن الجماهير والضعف الذي هو عليه، بدل هدر الجهود والوقت والطاقات في الصراعات الهامشية والعصبوية المقيتة والحلقية ضيقة الأفق الموروثة عن فترة انتعاش و سيادة “ملاجئ العقيدة الخالصة”.
لكن هذا لا ينبغي أن يفهم منه تفريط في المبادئ أو خلط للرايات مع الإصلاحيين والوسطيين في معمعان المعارك التي يمكن ان تجمعنا معهم (9)، بقدر ما ينبغي النظر إليه كتوجه مبدئي في تنفيذ سياستنا العملية على أرض الواقع بما يراعي استثمار فرص وإمكانات تطوير الحركة الجماهيرية وعدم حصرها في مطالب إصلاحية على أرضية الرأسمالية التابعة المتخلفة والمحتضرة، مع الحرص على الدفاع عن هويتنا وعدم التفريط في المصالح الطبقية الخاصة بالعمال في كل سياسة تحالف أو تعاون كيفما كان.
لهذا، يتعين العمل بصبر وأناة من أجل كسب الجماهير لصالح توجهاتنا البرنامجية بما فيها تلك التي تشكل حاليا قاعدة أساسية للتيارات الإصلاحية أو لقوى الرجعية الدينية، وبهدف تحقيق هذه المهام يتعين علينا التقدم في بلورة “برنامج للنضال من أجل الحاجات الملموسة للطبقة العاملة المغربية”، وطرح المطالب، التي من شأنها أن تساهم في تقويض قوة البرجوازية وتعزز تنظيم العمال ووعيهم الطبقي.
طبعا، إن البرنامج والمطالب التي من المفترض أن يطرحها الثوريون، بخلفية تجاوز الرأسمالية التابعة، ستشكل مراحل أساسية في النضال من أجل الاشتراكية، وبقدر ما يشمل النضال من أجل هذه المطالب جماهير متزايدة باستمرار، وبقدر ما يجعل هذا النضال الحاجات الحيوية للجماهير تدخل في تعارض مع الحاجات الحيوية للمجتمع الرأسمالي، سوف تعي الطبقة العاملة بأن تحررها قضية حياة أو موت، وبالقدر الذي تتسع فيه النضالات من أجل المطالب الجزئية وتتحول إلى نضال شامل للعمال ضد الرأسمالية، يتعين على الطليعة الثورية أن تتقدم بشعارات أكثر تقدما وشمولا وصولا إلى شعار الإطاحة بالرأسمالية ودولتها. كما انتبه إلى ذلك ثوار العالم الملتئمين منذ 95 سنة في المؤتمر الثالث للأممية الثالثة.
وفي نظري لا يمكن لبرنامج التغيير المفروض على الماركسيين المغاربة بلورته والدفاع عليه، إلا أن يربط بين مطالب الحرية السياسية والمطالب الاٌقتصادية والاجتماعية لملايين المتضررين من الرأسمالية في المغرب، دون أي تفريط، بطبيعة الحال، في مهام التحرر من الإمبريالية والنضال من أجل السيادة الوطنية عبر تجاوز عقبة المؤسسات المالية الإمبريالية التي تقف في وجه أي تحول سياسي او اقتصادي ولو في حدود إصلاحية (نموذج الضغوط الشديدة التي مارسها ثالوث صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوربي والمحكمة الأوربية ضد حكومة سيريزا باليونان)، مع التأكيد، كذلك، على أن مسائل التغيير الديمقراطي لا يمكن حلها إلا بتجاوز الرأسمالية التابعة السائدة ببلدنا وعدم حصر النضال العمالي والشعبي في نزع “الطابع الريعي” عن الاقتصاد المغربي،…ما يفرض على كل استراتيجية للتغيير الثوري أن تضع نصب أعينها تأهيل الطبقة العاملة وتسليح طلائعها برؤية برنامجية كفيلة بتبوؤ العمال قيادة المجتمع.
مسألة الديمقراطية وحرية التعبير وكل مظاهر الحرية السياسية لا يمكن كسبها وتحقيقها إلا بتنظيم الطبقة الأكثر مصلحة في التغيير الجذري، ألا وهي العمال وحلفاؤهم المباشرين من شبيبة تعليمية وخريجي المعاهد والمعطلين والفلاحين المعدمين وكادحي القرى (تم تسريح قرابة 175 ألف أجير في قطاعات الفلاحة والصيد البحري والغابات بين سنتي 2015 و2016).
أمام هذا الوضع تقف في وجه الماركسيين المغاربة مهام جسيمة، في مقدمتها مضاعفة الجهود الدراسية والدعاوية للتشهير بواقع البطالة وبفرط الاستغلال والطرد الجماعي الذي يتعرض له العمال وبكل سياسات التقشف والخوصصة ورهن مصير البلاد عبر الديون واتفاقات التبادل الحر الاستعمارية، مع ربط هذا الجحيم بمصدره الحقيقي بما هو نتاج رأسمالية تابعة ومتخلفة مستندة لنظام مستبد، وكذا دعم نضالات العمال الجارية (عمال لاسامير- شركة مصبرات الضحى في طنجة- ماروك ستيل في البيضاء…) بجميع الوسائل والإمكانات الممكنة، سواء تلك المنظمة في النقابات القائمة أو المنظمة خارجها، وكذا دعم النضالات الشبيبية الجارية في صفوف حركة الطلاب والمعطلين وتوحيدها على برنامج نضال مشترك كلما أمكن ذلك، وتشجيع روح العمل الوحدوي وتحفيزها بين جميع ضحايا السياسات الرأسمالية، والتقدم في إعادة بناء منظمات النضال العمالي (نقابات واتحادات مهنية…) والشعبي والشبيبي على أسس طبقية وبروح ديمقراطية كفاحية، على طريق مراكمة الشروط الذاتية لبناء حزب العمال الاشتراكي أولى الأولويات بالنسبة للماركسيين الثوريين بالمغرب، كشروط لا غنى عنها للقضاء على نظام الاستغلال وإسقاط الاستبداد والفساد المستند إليه والداعم له.
يجب أن تحدونا هذه اللوحة الاجتماعية، المرسومة أعلاه، إلى أن نأخذ بالحسبان التوترات والتناقضات التي يعاني منها، أكثر من ذي قبل، النظام بمجمله في سياق استمرار الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية وتداعيتها السلبية على الاقتصاد المغربي، هذه التناقضات التي يستحيل أن تفضي إلى طور مديد من الاستقرار الاجتماعي-الاقتصادي على غرار حقب سابقة. وما قد يترتب عنها من انفجارات كبرى في سياقات سياسية واقتصادية جديدة مثل ما عرفته سنة 2011.
وفي رأيي، فإن تقدم اليسار المعادي للرأسمالية في إنجاز أهدافه الاستراتيجية، متوقف، من جهة، على استيعاب المصاعب التي تعترض تشكل وعي مناهض للرأسمالية وفي بناء بديل سياسي بسبب الاختلال الفادح لميزان القوى لصالح البرجوازية ودولتها، وتشكل أزمة غير مسبوقة في الوعي الطبقي وفي تنظيم الحركة العمالية (10)، هذه الأزمة الناتجة عن انهيار تيارين عالميين سيطرا على الحركة العمالية ومنظماتها السياسية والنقابية (الاشتراكية الديمقراطية، والستالينية) في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وتحول قطاعات رئيسية منهما نحو الليبرالية، وفشل بعض “التجارب الجذرية”، ولاسيما في بعض بلدان أمريكا اللاتينية (11) في تحقيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية عميقة لصالح الذين في أسفل على أرضية الحفاظ وعدم المساس بجوهر الرأسمالية، ومن جهة أخرى، على مدى نجاحه في الدفع بنضالات موحدة بين الأجراء وشرائح اجتماعية وحركات اجتماعية أخرى وفي مقدمتها النضالات الشبيبية، تفرضها شروط موضوعية ( تفكيك قوانين الشغل، وضر مكاسب اجتماعية أساسية مثل الحق في الشغل)، وما يتطلبه ذلك من تقدم في إعادة بناء منظمات الحركة العمالية والاجتماعية والشبيبية، وفي إعداد الشروط السياسية والتنظيمية والتقدم في طرح البرنامج الملائم الكفيل بتأطير وتعبئة الانفجار الاجتماعي المقبل وتوجيهه نحو تحقيق أهدافه، بالاستناد إلى النشاط الواعي والمنظم «للذين في أسفل».
بقلم: مهدي رفيق
19غشت 2016.
==================
هوامش:
(1)– يرى دايفيد هارفي بأن “النيوليبرالية كمشروع سياسيّ تقوده طبقة رأسماليي الشركات (Corporate capitalist class) لأنها شعرت أنها مهدّدة سياسياً واقتصادياً منذ نهاية الستينيات حتّى بداية السبعينيات، ولأنها أرادت تأسيس مشروع سياسي يمكنه أن يكبح قوّة الطبقة العاملة.
إنه مشروع مضاد للثورة من عدّة نواحٍ. فقد كان في حينها يهدف إلى تقويض الحركات الثورية وهي لا تزال في مهدها، والتي ظهرت في مختلف البلدان النامية (موزامبيق، أنغولا، الصين، إلخ.). لكن المشروع هدف كذلك إلى تقويض الموجة الشيوعية المتنامية في بلدان مثل إيطاليا وفرنسا، وخطر إعادة إحيائها في اسبانيا، إلى درجة أقلّ.
حتّى في الولايات المتحدة، أنتجت النقابات العمالية مؤتمراً ديمقراطياً بنوايا راديكالية. ففي بداية السبعينيات، قامت هذه النقابات، إلى جانب حركات اجتماعية أخرى، بفرض عددٍ من الاصلاحات والمبادرات الاصلاحية المعادية للشركات، منها: هيئة حماية البيئة، دائرة السلامة المهنية والصحية، حماية المستهلك، وأمور عدّة تهدف إلى تمكين العمّال إلى حدٍّ أبعد من السابق.
كان ذلك الوضع يشكل بالفعل تهديداً عالمياً لسلطة طبقة رأسماليي الشركات، التي طرحت سؤالا “ماذا نفعل الآن؟”. لم تكن الطبقة الحاكمة عليمة بكلّ شيء، لكنّها أدركت أنها ستواجه صراعات على عددٍ من الجبهات: الجبهات الإيديولوجية، والسياسية، والأهم كان الصراع لكبح قوة الطبقة العاملة عبر شتّى الوسائل المتوفّرة. وهكذا ظهر المشروع السياسي الذي أسمّيه “نيوليبرالية”...(…..) ويضيف هارفي، في نقده للقائلين بإمكان إصلاح النظام الرأسمالي ” نلاحظ طرقا مختلفة للتكلّم عن الرأسمالية، مثل الاقتصاد التشاركي الذي اتضح أنه مُرسمل واستغلالي للغاية. أو الرأسمالية الأخلاقية، التي تعني أن تكون صريحاً بشكل عقلاني بدلاً من السرقة. لذا يؤمن البعض بإمكانية إصلاح النظام النيوليبرالي وتحويله إلى شكل آخر من أشكال الرأسمالية”. مؤكدا في نهاية المطاف، بأنه من الصعب جدا التوصل لأي حل للمشاكل الجوهرية للرأسمالية “دون حركة معادية للرأسمالية. لذا أرغب في التكلّم من منطلق معادٍ للرأسمالية وليس معادٍ للنيوليبرالية فحسب”. ويضيف “عندما أستمع إلى الناس يتكلّمون عن معاداة النيوليبرالية، أرى أنهم لا يشعرون أن الرأسمالية، تحت كلّ أشكالها، هي مشكلة. وهذا أمر خطير. النيوليبرالية بأغلبها لا تواجه مشاكل الاقتصاد الكلّي المتعلّقة بالنمو المركّب اللامتناهي، وهي مشاكل بيئية وسياسية واقتصادية. أفضل لهذا السبب التكلّم عن معاداة الرأسمالية بدلاً من معاداة النيوليبرالية”. المقابلة التي أجراها بيارك سكيرلوند ريساجر مع دايفيد هارفي . ونشرت تحت عنوان ”النيوليبرالية هي مشروع سياسي”. ترجمة ريان شبقلو. المنشور (المنتدى الاشتراكي- لبنان) في 18 آب/غشت 2016.
(2)– أنظر مقالة “المواجهة اليونانية والحاجة الملحة للنقاش الاستراتيجي اليساري” – العصبة الشيوعية الثورية https://www.almounadila.info/2015/07/).
(3)– الموقع الإلكتروني لجريدة Aujourd’ huit le Maroc. بتاريخ 17 غشت 2016.
(4)– الجريدة الرسمية عدد 6272 بتاريخ 10 يوليوز 2014 ص 5716.
(5)– موقع التشغيل العمومي www.emploi-public.ma بتاريخ 18 غشت 2016.
(6)– للاطلاع على فحوى مشروع القانون التنظيمي للإضراب، يرجى الإطلاع على مقال مهدي رفيق “قانون لتكبيل حق الإضراب: بهدف فرض المزيد من السياسات المعادية للعمال وعامة الكادحين” وعلى مقالات أخرى من إعداد جريدة المناضل-ة على الرابط التالي: https://www.almounadila.info/2016/08
(7)-إرنست ماندل، “الهجمات على الحريات النقابية”. أنظر المقال على الرابط التالي: .www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp?t=2&aid=43345
(8)– التعويض عن فقدان الشغل: نظام معمول به منذ دجنبر 2014 بموجبه يمكن للأجير الذي تم طرده من العمل أن يحصل على تعويض لفترة يمكن أن تصل إلى 6 أشهر. وقد تم رفض أكثر من الثلثين من طلبات التعويض عن فقدان الشغل (69%)، لأسباب ذات علاقة خاصة، بالأساس، بعدم توفر عدد الأيام المؤهلة للحصول على التعويض. إذ يشترط للاستفادة من هذا التعويض، توفر الأجير على فترة تأمين لا تقل عن 780 يوما خلال 36 شهرا السابقة لفقدان العمل، منها 260 يوما خلال 12 شهرا السابقة لتاريخ فقدان العمل. وهي شروط تعجيزية تضع هذا التعويض بيد الباطرونا التي تصرح بالعمال لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي حسب هواها دون رقيب ولا حسيب.
(9)– يلخص ليون تروتسكي التكتيك الماركسي الثوري بصدد التحالفات كما يلي: “إنّ “الشرط” الوحيد لأيّ اتفاقٍ مع البرجوازيّة، لأي اتفاق منفصل وعمليّ ومناسب لكلّ حالة معيّنة، إنما يقوم على عدم خلط المنظّمات أو الرايات، مباشرةً أو بصورةٍ غير مباشرة، ولو ليوم واحد أو لساعة واحدة؛ إنه يقوم على التمييز بين الأحمر والأزرق، وعدمِ الإيمان ولو للحظة واحدة بقدرة البرجوازيّة أو استعدادها لقيادة نضال حقيقيّ ضدّ الإمبرياليّة أو عدم عرقلة نضال العمال والفلاحين. (..) قلنا، منذ وقت طويل، إنّ اتفاقات محض عمليّة، اتفاقات لا تقيّدنا بأيّ شكل، ولا تخلق لنا أيّ التزام سياسيّ، يمكن إبرامُها حتى مع الشيطان، إنْ كانت مفيدةً في اللحظة المعيّنة. لكنّه يكون من العبث أن نطالب في الآن ذاته بأن يعتنق الشيطانُ المسيحيّة، وأن يستعمل قرونه (…) من أجل أعمال خير. فلو وضعنا مثل هذه الشروط لأصبحنا نتصرّف بالأساس كمحامين للشيطان…” ليون تروتسكي، الأمميّة الثالثة بعد لينين 1928.
(10)– أنظر مقرر المؤتمر العالمي الخامس عشر (15) للأممية الرابعة حول الوضع العالمي الجديد- فبراير 2003.
(11)- لمزيد من الاطلاع حول حدود تجارب اليسار في أمريكا الجنوبية، يرجى الاطلاع على العديد من الدراسات والمقالات المنشورة في موقع الأممية الرابعة www.inprecor.fr، وفيما يلي بعض المقالات ذات الصلة بالتجربة البوليفارية في فنزويلا باعتبارها أهم تجربة في العقدين الأخيرين:
- Franck Gaudichaud, Fin de cycle en Amérique du Sud? inprecor N° 621 novembre 2015.
- Marea socialista, Le processus bolivarien en temps de crise, inprecor N° 623 janvier 2016.
- « Le problème c’est que le gouvernement bolivarien ne s’est jamais proposé de détruire l’État capitaliste » Entrevue avec Modesto Emilio Guerrero, inprecor N° 623décembre 2015.
- Víctor Álvarez, La transformation du modèle productif vénézuélien: bilan de dix années de gouvernement, inprecor N° 553-554 septembre-octobre 2009.
- Gonzalo Gómez, Peut-on faire avancer la révolution depuis l’appareil de cet État? inprecor N° 553-554 septembre-octobre 2009.
- Sébastien Brulez et Fernando Esteban, Le laboratoire du socialisme du XXIe siècle cherche toujours la formule qui marche, inprecor N° 564-565 août-septembre 2010.
- Patrick Guillaudat et Pierre Mouterde, Comprendre la défaite du 6 décembre 2015. inprecor N° 623 décembre 2015.
- « Il faut que les secteurs qui soutiennent la révolution agissent de manière autonome » Entretien avec Gonzalo Gómez Freire: Membre de « Marea Socialista », un courant politique, syndical et de jeunesse au sein du Parti Socialiste Uni du Venezuela (PSUV), le parti de Chavez, inprecor N° 575-576 juillet-septembre 2011.
- Ataulfo Riera, Faillite du chavisme? Dernières nouvelles 2011, membre de la direction de la Ligue communiste révolutionnaire (LCR, section belge de la IVe Internationale).
- Josep Cruelles, Contrôle ouvrier et autogestion, « faisons confiance au peuple… » inprecor N° 564-565 août-septembre 2010.
- Interview d’Andrea Pacheco : « Les positions défendues par les dirigeants étudiants chavistes tendent à être conservatrices ». inprecor N° 564-565août-septembre 2010.
ملحوظة:
- الأرقام والمعطيات المستعملة في هذا المقال مستمدة من وثيقتين رسميتين، وهما “الحصيلة الاجتماعية لسنة 2015″، صادرة عن وزارة التشغيل في سنة 2016، والمذكرة الإخبارية للمندوبية السامية للتخطيط حول وضعية “سوق الشغل” خلال الفصل الثاني لسنة 2016.
اقرأ أيضا